في
منتصف الليل وحين يلوذ العالم في السكون وتحجم المجرّات عن الدوران وتأفل
النجوم وتهدأ الحركات ويسود الظلام في أرجاء الكون الفسيح استلقي في سريري
استعجل النوم فتتزاحم علي الأفكار وتداهمني الآراء والأوجاع بقضها وقضيضها
فتتركني ضائع الحيلة مبعثر الخواطر ممزق الرؤى فأتململ من فراشي وتطير
النوم من مقلتي وتأبي العيون أن تكتحل بنوم هانئ ،فألملم أطراف مشاعري
وهواجسي وأعيد الكرة وتؤول كل المحاولات الحثيثة لإستمالة النوم بلا جدوي!
وأستعد في طول ليلي أن أصارع الأشباح التي تهاجمني وتسلب عني نومي عنوة
وتخيفني في يقظتي وكأنه قدري أن أكافح وأعيش مع عدوي لا يرعوي.
أبحث
النوم دون الوقوع في فخ الأحلام المرعبة وأحاول جاهدا أن أتهرب من الخلجات
التي تؤلمني وأن أنسي الهموم والمتاعب والحالة المزرية التي أحاطت أمتي
كإحاطة السور بالمعصم والآلام التي يعيشه شعبي في مشارق الأرض ومغاربها وأن
أضع جانبا هدير الدنيا وضجيجها وحرقة الضمير الذي ينتابني ويبعد النوم من
جفوني المتعبة وعيوني المرهقة الزائقة ،وأجرب كل الطرق وأسلك كل المسالك
والدروب لأنعم بنوم هادئ وأرتاح من وخز الضمير ولكن بدون فائدة تذكر! ولا
أستغرب فكيف لي أن أخلد إلي الكري وأنام ملء جفوني قرير العين مرتاح الضمير
وصرخات شعبي وآهاته ونشيج الباكين وأنين المحزونين تهز كياني وبكاء أطفالي
تغلغل في وجداني وتقطع أحشائي وإستغاثات أخواتي وأمهاتي تدمي قلبي وتجلد
ذاتي وتجعل نومي سرابا تربطه خيوط واهية.
طال
بي الفكر وأوردني الهموم كل مورد فهاجرت الكري وبتّ ليلتي سهرانا أبحث
لعلي أجد وميض أمل في الأفق أو شعاعا في نهاية النفق المظلم، ولكن أنّى لي
ولم تتصل أمتي النهاية المحتومة لكل الحروب العبثية والقتال الهمجي ولم
يتعظ شعبي من حماقاته المبكية، والصراعات تتجدد كل يوم تحت مسمي جديد
والحروب متوقدة ولم تضع أوزارها والمصالح الضيّقة الآنية تسيطر قمة الهرم
وتموت دونها المئات بل الآلاف والملايين وتطير دونها الجماجم والرقاب ،وكما
قالت الفلاسفة: العلم يسبب الشقاء يروق لي بعض الأحيان ان لّا أعرف
المشاكل المزمنة ولا أدري الآلام المتعددة لأمتي كي أرتاح! رغم أني لا
أعتبر نفسي عالما ولا مثقفا ولا كاتبا ولا فيلسوفا بل أعتبر نفسي نصف متعلم
ونصف كاتب يتلمس الطريق الصحيح ويبحث طريق العلم والمعرفة، والحظ القليل
من المعرفة والقسط المتواضع من الثقافة سببت لي السهاد والبعد عن الكري.
وسر
سهادي وأرقي هي الأخبار السيئة التي أتحاشي عنها لمرارتها مع كل نسمة تهب
وكل بزوغ فجر جديد يحمل في طياته مآسي ومواجع وحقائق أغرب من الخيال وحياة
مزرية وأوضاع تسوء يوما بعد يوم لأمتنا يكوّن في القلب جروحا لا تندمل
وكوابيس لا تطاق، وإذا دققت النظر للوطن
التاريخي للأمة الصومالية والخريطة الأصلية لشعبنا وجغرافيتها الصحيحة
متأملا ومقرئا للحقائق والواقع ومستطلعا ومستشرفا للمستقبل تدرك الحقيقة
المؤلمة التي تصدمك والتي لا تسر العدو ناهيك عن الصديق، وتثير في الأوصال
الرهبة والفزع فالوطن التاريخي للأمة لصومالية من أقصاه إلي أقصاه يشتعل
بأكمله ويحترق وأصبح بؤرة ساخنة لا تهدأ وبراكين ثائرة تتلظي منها شظايا
وحمم مخيفة يهرب منها الجميع.
وبين
شذرات الماضي الغابر والحاضر المرعب أراهن وأرجو غدا أفضل لجموع أمتي
المنكوبة ولأفراد شعبي التآئه الذي يقوده حفنة تجردت عن الإنسانية أعمتهم
أنانية المصالح، وقيمهم النفاق والتزلف والتسلق والوصولية.
الأمة
الصومالية تواجه اليوم موجة عارمة من التعسف السياسي والمعيشي وأيام سوداء
وسنوات جرداء قاحلة وتعيش تحت زبانية لا ترحم وطغاة وقساة قلوب تحطم قيمة
الإنسان والشعب وتحوله إلي جماجم وهياكل عظمية بلا قيمة ولا كرامة ولا طموح
ولا تطلعات وتجردت معاني الإنسانية والآدمية وتعيش حياة ليس فيها سوي
الفقر وقلة الكرامة والمهانة والتشتت والشماتة وهي أسيرة بخلطة مدمرة من
الفقر والفساد والبؤس يداس كرامتها ويجرح شموخها وباتت أمة مهانة تحت كل
سماء وفوق كل أرض وبالتالي أصبحنا شعب مكبوت منزوي بزاوية بعيدة لا يدري ما
الذي يجري في الكون من حوله لفرط جهله وصلفه وضعف بصيرته، ولا يخفي علي
أحد ما يعاني الوطن من تمزق واحتراب داخلي كبير ومفزع تعرض للوطن لأجندات
خارجية مشبوهة تؤجج الخلاف وتضرم النار وتعمق الجراح وتصب الملح في جرح
الكرامة وتكرس الإنقسام والتشتت ، حتي بات وطننا حلبة سباق ــ وللأسف ــ
للقوي العظمي ودول الجوار وظهر في الساحة لاعبين جدد هرولوا إلي الصومال
الملتهبة عساهم أن يحصلوا الكعكعة المباحة مما خلف جوا جديدا ومعاناة
وتكتلات دولية متحاربة ومتصارعة في الصومال ربما لم يعهدها من قبل.
الصومال
الذي مزقته القبيلية والكراهة وغمرته المنازعات المتعددة المصادر تواجه
اليوم أزمات ونكبات ومصائب تذرف العيون وتدمي القلوب وتجرح الكرامة
والإباء، وإننا كأمة تلظينا بنار الحروب وكدمات الكوارث التي لا تنتهي وما
يجري كل شبر من وطننا من مأسات وويلات لا يمكن أن يستمر ويجب أن نضع حدا
لهذا المهزلة والمسرحية العبثية السيئة الإخراج كما يجب أن يكون هناك
محاولة لإعادة النظر وصياغة الأحداث من جديد والوصول إلي نقاط للتلاقي
وإسلامنا كفيل بتقليص نقاط الخلاف حتي نكون أنا وأنت وهو كما يقول شوقي علي
لسان ابن ملوح: ...إختلاف الرأي لا يفسد للود قضية... لأن أمتنا مكلومة
وتواجه طوفان من أقضية الزمان وتشكو من سوء الحال وندرة الحلول الجدية
وعبثية السياسة المتبعة والسائدة والأنظمة التي توحّلت في الدماء وجننت في
ولوغه والإدمان علي مصه ولعقه حتي هذه اللحظة، وتحتاج إلي آسي ماهر يطببها
ويداوي جرحها وينسي حاضرها المرعب ويدخل البسمة في قلوبها، وإلي قائد ملهم
ومصلح حقيقي وربة سفينة ماهر يقود سفينة الأمة إلي شاطئ السعادة والامان.
والمطلب
الأهم علي الساحة الصومالية هي البحث الحقيقي والجاد لإنقاذ أمة أخذت جهات
الأرض إلي غيّها ومتفرقة في جميع الأصقاع ولا تهاب الموت ولا تكترث الردي
بسبب حلم أرجواني زائف يداعبهم وبحثا عن حياة تليق بهم ووطن يكرم فيه
الإنسان أمة تركب عباب البحر وتواجه الأخطار والأمواج العاتية بصبر وحماسة
ورباطة جأش وصدر رحب يحسد عليه ومنقطع النظير!! وتشق الفضاء وتتسلل بين
السحاب الداكنة وتقطع آلاف الأميال من الصحاري المقفرة والأدغال الموحشة
والجبال الوعرة والفيافي المجدبة جريا وراء وهم الحياة والأمنيات الكاذبة
!وهمهم الوحيد كسر جدار هذا السجن الكبير"الوطن" والمحصلة النهائية تكون ان
لّا شئي تحقق من كل هذا! بل تعيش وهي تتجرع كأس الذل والهوان، وتفقد
الإحترام إذ لا يوجد في العالم من يحترم ويرفع القبعة للإنسان الصومالي إلا
بعض الدول الشقيقة أوالصديقة لرفع الحرج أولأسباب تاريخية وعقائدية
وأخلاقية، وهذا مما لا نتعجب به إطلاقا لأنه لا يوجد من يحترم بشعب لا
يحترم
نفسه وفقد الثقة بنفسه وبوطنه وأرهقته الإنقسامات والدوران في المربعات
العبثية والتكتلات العقيمة، والعالم لا يعترف الصدف في كل الشيئ ولا تجد
الإحترام صدفة أو هكذا بدون مقابل وإذا لم تفترض إحترامك علي الآخرين
وبدورك لم تحترم العالم لا تجد من يلتفت إليك ويكترث بك ويؤمن بحقك كي تعيش
حياة كريمة.
يذوب
القلب من كمد كلما نظرنا إلي هذه الحقائق وما آلت إليه أوضاع الأمة
الصومالية في شرقها وغربها وجنوبها وشمالها وفي شتي مسمياتها وكياناتها من
الشتات الذي ضرب أوساطها وأكبادها فوهن نسيجها الإجتماعي وذاب قيمها
ومبادئها ومقدراتها واستباح محارمها وعبث كرامتها وأهان هيبتها حتي أصبح
إسم
الصومال
مرادفا ومقترنا بالفقر والجوع والجهل والمرض والفساد والقرصنة والجفاف
وزهق الأرواح والإستهتار وتقديس القبيلة وتدنيس المبادئ والأوطان والقفز
فوق القيم والأخلاق! وأصبح نكتة يضحك الثكالي! ويعتبر استخدام صوملة العالم
أو مصطلح "صومال ثاني " كوصف معبر وبليغ يدل لما آلت إليه أوضاعنا وكفيل
أن يرعب الجميع لبشاعته ولا يحتاج إلي كبير جهد ولا شيئ من الحصافة والحنكة
والشطارة لفهمه بل يفهمه الجميع بأنه يعني الذل والهوان والإحتراب ويكفي
ذكر الصومال أن يثير الهلع والخوف والضياع في النفوس وهذا نقوله والمرارة
تلهب حلقومنا وليست من صنع خيالي بل حقيقة ما ثلة للعيان، والصومال اليوم
هو شعار لكل الأفعال الشنيعة وغير الأخلاقية في العالم شئنا أم أبينا! وهذا
ما اقترفناه نحن بإرادتنا الكاملة وبضميرنا المترهل دون إجبار أو إلزام من
أحد، وطبعا كلها تمثل تراكمات لأعمالنا البربرية وأفعالنا الوحشية
اللامنطقية، ووقوعنا في مؤخرة الركب البشري يؤكد إستجماعنا لسائر أسباب
الضعف دون تحديد.
والضعف
والخور الذي تعيشه الأمة أضفت بظلالها القاتمة وأثرت حياة الصوماليين في
كل مكان وأصبح الشعب قطيعا مستباحا هنا وهناك وما يجري هذه الأيام من مجزرة
وإنتهاك للحقوق في الإقليم الصومالي في كينيا والحملة التعسفية الشرسة
الموجهة لإخواننا ــ في قاريسا بالذات ــ وزهق الأرواح وإنتهاك أعراضهم
ونهب ممتلكاتهم بلا تمييز أومراعاة لحقوقهم الوطنية والإنسانية وبتواطؤ
غريب يصل بعض المرات إلي درجة التشجيع من الحكومة يدل درجة الإستخفاف
والإنحطاط وعدم وزن الشخصية الصومالية في نظر الغير، ورغم أن الإنتهاكات
الصارخة لم تكن شرا محضا بنظري بل أظهرت النوايا الحقيقية لكل الجهات، وظهر
أيضا أن الأمة الصومالية متحدة الطموحات والرؤي ووحدة الإنتماء والهوية
والتطلعات حاضر وبقوة ولو تعامي البعض هذه الحقائق الواضحة وكبلوا أنفسهم
بقيود الوهم وخيوط العاطفة الضيقة المبنية علي الأمنيات الفارغة والتفكير
السطحي النرجسي.
هذه
العوامل وأخري غيرها كثيرة تفرض علينا أن نجتهد في صياغة مستقبلنا صياغة
واعية ومدروسة وتحسين حاضرنا واستفادة طاقاتنا المهدرة وإنقاذ أجيالنا
الحاضرة والقادمة من التدهور والإنحطاط الذي
جثمنا
شبحه وإلا لاشك أننا سنكون في غضون السنوات القليلة القادمة خبر كان
وسننقرض من الوجود وسنكون أمة يدرس في التاريخ ويتندر بها الشعوب ويكون
عنواننا الأبرز أمة همجية قليلة الوعي أخفقت في تكيفها للظروف المحيطة ولم
تستطع أن تعيش مثل البشر وأبادة نفسها بنفسها تحت مسميات واهية وحجج ضعيفة
مبنية علي الجشع والجهل وقصر النظر.
الشخصية
الصومالية عجيبة في حياتها وغريبة في تكوينها وأطوارها وأنماط حياتها
وتفكيرها القاصر والسلبي واستحواذ الأنانية المفرطة والإنتماء الضيق في
حياتها!، ورغم أن الأمة الصومالية بغض النظر عن الحدود السياسية الوهمية ــ
التي لا نعترفها أصلا ومضمونا ــ أجتمعت وتوافرت عليها كل الروابط
والصّلات والوشائج التي توثق عري الأخوة والمحبة وتوحد الجهود وتغذي النسيج
الإجتماعي من وحدة العقيدة والعرق واللسان والأماني والطموحات ووحدة
السيادة والأعراف والتقاليد بالإضافة إلي حيوية وديناميكية الشخصية
الصومالية التي لا تعترف الإستسلام للظروف مهما كانت" غالبا في مصالحها
الشخصية أو ما دون القومية والكيان والوطن" ولا تعرف الكلل بل تواجه الصعاب
والمشقات وتذلل العقبات وتجعله أو تقهرها لصالحه ومهارته الفائقة في
التجارة وإدارة رؤس الأموال وحماسته وصبره وجلده كل هذا العوامل الإيجابية
والكفيل للخروج من النفق المظلم والزاوية الضيقة التي حشرنا بها أنفسنا لم
نستفد ولم نستثمر بل أصبحت نقمة علينا في أغلب الأحيان وغلبت علينا حياة
البداوة والرعوية الأصلية وطبقت علينا طابعها التقليدي من غلاظة المعاملة
وتقديس القبيلة وعدم الإستمرارية في الأعمال والإهمال بالمصالح العامة وقلة
الإنتماء إلي البيت الكبير إلي الأمة أو القومية أو الوطن والإهتمام
الكبير للأسرة الصغيرة والقبيلة والولاء الكامل للعشيرة أو الفخذ ونذر
حياته وتكريسها لحفظ مصالحها ــ علي حساب المصلحة العليا ــ ظالمة كانت أو
مظلومة علي غرار الجاهلية ليست علي هدي الإسلام السمح، تضافرت كل هذه
الطباع لتشكل شخصية ليست فريدة في تركيبها الجسماني ولا موقعها المتميز في
القارة فحسب بل غريبة في تصرفاتها ونظرتها للواقع والحياةّ.
لم
يترك الإنسان الصومالي تأثيرات هذا العوامل إلي بيئته الأصلية بل حمل في
جيناته ودخل وهو يحمل هذا الطباع إلي المدينة والدولة فلم يستوعب المفهوم
الجديد وصعبت عليه الهضم والإستيعاب الحقيقي الذي تعنيه الأمة والوطن بل
لازمت عليه مخلفات حياته الرعوية الفردية وولائها المطلق لأفراد أسرته
ولقبيلته وأصبح كل فرد من أبناء الوطن يتربص بغيره ليفتك به قبل أن ينال
الآخر منه وهكذا يخيّم القلق والخوف علي هذه الحياة التي تصبح فقيرة وكريهة
وموحشة.
أضعنا
حاضرنا بضغائن وحسد وأهملنا تاريخنا المجيد وأمة لا تحتفظ بتاريخها ولا
تهتم بحاضرها ولا تخطط لمستقبلها ولا تولي كثير عناية بأمجادها ولاتتمسك
بدينها ولا تصون بثقافتها وإرثها الحضاري ليس لها أي وزن يذكر بين الشعوب ،
وليس أمامها مستقبل يبشر بخير فالإنتهاكات المتواصلة والخدش المعتمد لكل
القيم والأخلاق والمبادئ والتاريخ والجغرافيا وكل ما له صلة بوحدة تاريخنا
ومصيرنا وجغرافيتنا الموحدة والمتداخلة المنابت والأصول وتكويناتنا البشرية
والأرضية الموحدة لا يبشر بخير بل هو إنتحار للقيم وبادرة مخيفة ودليل قوي
للبلادة التي أصابت الضمير الصومالي فأفرغت محتواه من النخوة والشهامة
وإذا تمادت إرادتنا وصرنا علي التوغل في وحل القبلية ومستنقعاتها والتحزبات
الضيقة علي حساب الوطن والأمة فإن جهودنا وخطواتنا المدروسة نحو الأمن
والإستقرار، والأماني العريضة لا تشكل أي معني بل تكون سرابا بعيدا عن
الحقيقة وغوغائية في ظل عالم لا يعترف إلا القوة والوحدة وأصبحت الدول
والشعوب ذات الإنتماء والإتجاه الواحد تسعي للوحدة والتكامل الإقتصادي
والعسكري والتنسيق الأمني.
لم
يقدر أحد قيمة الوطن ولم يعر أي إهتمام بتاريخه وحضارته وتراثه بل نهبت
وانتهكت جميعا وكأنه ملك لفئة معينة أو تملكه الحكومات المتعاقبة أو أننا
لا ننتمي إلي أولئك الأبطال الذين سطرو أروع البطولات
والتاريخ
وأصبح الوطن لفرط ولعنا بطمس تاريخه وهويته فقيرا معدما حضاريا وتراثيا
وأدبيا وفقدنا روح التاريخ ورائحتها الزكية،ومن العجائب ــ والعجائب جمة ـ
أننا نتفنن بهدر كرامتنا وبيع تاريخنا في سوق النخاسة ونتصرف وكأننا أمة
همجية لا تاريخ لها وكأن وطننا ملك لغيرنا! وكل أمة تمتلك حضارة وتاريخ
مجيد وتهدم وبرعونة مدهشة ما بناه الآباء العظام لا تستحق أن تتبوأمكانة
كبيرة بين الدول ناهيك أن تتصدر العالم.
في
تاريخنا أيام لا تنسي وذكريات لا تمحي ومواقف خالدة سطرها الأجداد
والأسلاف بمداد دمائهم نعتز ونفتخر بها ،والبطولات والملاحم الجهادية
المليئة بتاريخنا المجيد هي بالتأكيد مصدر فخر وإعزاز وتوثيق مدي جسارة هذه
الأمة وصلابتها في وجه الطغيان والإستبداد فقد غزا الأعداء في ربوع الوطن
وتكالبت عليه قوي البغي والشر فذاد أسلافنا حوض الوطن وعرين الأمة ودحروا
العدو وانقلب صاغرا ذليلا يجر ذيل الهزيمة وحاول الغرب المتغطرس وأذياله
السيطرة علي الصومال والشخصية الصومالية العنيدة وطمس معالم الإسلام فيه ،
لأن الإنسان الصومالي تاريخيا وواقعيا هو حامل لواء الدين ورواد الشريعة
الغراء في القرن الإفريقي خاصة وشرق القارة السمراء عامة والحروب والصراعات
التي لا تهدأ في القرن الإفريقي معظمها تغذيها الصراعات الدينية والزعامة
ولو حملت بأسماء والقاب يبعد الصراع عن أصله التاريخي والحفظ علي هذا
التراث مسئولية في أعناقتا.
تسعي
الأمم والشعوب اليوم لإبراز جوانب تاريخهم المشرقة وتسويقها إلي الأمم
وتنقيب ماضيهم وبحث مجاهيل حيات آبائهم وسبر غورها وتقديمها للعالم الذي
أصبح اليوم كتلة واحدة وباتت الحضارة والتاريخ همزة وصل وجسر حقيقي تربط
ماضي الأمم بحاضرها وبالتالي تساهم ربط مجتمعهم وتحسين صورتهم بالمجتمعات
الأخري ،وكلما تمسك الناس بدينهم وتشبثوا بتاريخهم وتقالدهم تكون الأمة
عظيما في عين الأمم وتقدره الدول والمجتمعات.
وبعد
جيل الأجداد الأحرار والآباء الشرفاء الذين قاومو الإستعمار بشتي صنوفه
وأنواعه وشكلو صدا منيعا لتقسيم الوطن وقطع أوصاله واحتلال اجزائه رغم قلة
عددهم وعدتهم، وبعد قرابة ستة قرون من وفات أول بطل صومالي تشهده التاريخ
الحديث وتكتبه بماء الذهب وتخلده في سجلاتها الخالدة أين نحن وهل حافظنا
إرث الأجداد؟ أم أن التصادم والتشرذم والتجاذبات السياسية بين الوحدة
والإنفصال أرهقنا وأصابنا في مقتل.!؟
أمة
لا تاريخ لها لا مستقبل لها ولا حاضر مشرق لها ،فالدول القوية
والأمبراطوريات العملاقة التي لا تاريخ لها تغزو اليوم الأمم التي تمتلك
كنوز من الماضي والتاريخ والحضارة وتبيدهم والغزو الأمريكي علي العراق خير
دليل عي ذالك وإن كانت الأطماع الإقتصادية حاضرة في المشهد والأطماع
السياسية لم تخلو من الغزو! وإلا فما ذا نفسر إختفاء أهم القطع الأثرية من
المتحف العراقي الوطني ومشاهدته وظهوره في الولايات المتحدة أو دول الغرب.
أمريكا
كانت حريصة أن تمتلك ولو مزيفا وبالقوة تاريخ وآثار تزين متاحفها وبعد
إحتلالها عاصمة الرشيد "بغداد" نهبوا قطع أثرية وجوهرية نادرة وموغلة في
التاريخ ووضع الأمريكيون هذا المقاطع المنهوبة والأثريات المغصوبة بمتاحفهم
ومكاتبهم المتواضعة تاريخيا والفقيرة حضاريا في أكبر مهرجان للكذب وتزيف
الحقيقة ليكون لهم واجهة وحل يخفف عنهم العقدة النفسية المتلازمة للكابوي
الأمريكي.
من
لم يستوعب دروس التاريخ جيدا ولم يقرأها بتأني وتروي وتدبر تام ولم يعكف
لتصحيح أخطائه الماضية وتوجيه بوصلته نحو الرشد السياسي والأخلاقي
والرفاهية الإقتصادية بدل الرفاهية الفكرية والترهات السياسية العقيمة
وهرطقتها البذائية والفارغة المضمون والمعني لا يصل بأي حال من الأحوال
الإستقرار الأمني والسياسي والتنمية الإقتصادية ولا يخرج شعبه من أتون
الحرب ومتاهاته ومطبات صراع أخوة الأعداء التي لا تنتهي.
علمتنا
مدرسة الحياة أن التكاتف وغض الطرف عن السقطات والشطحات والهفوات تجعل
الأمم أقوي وتجعل حياتهم هانئة وسعيدة وبلا توتر ومشاحنات وبلا صراعات
دموية لا طائل من تحتها وأن لغة الحواريجب أن تعلو ولغة التفاهم أن
تسيطرعلي المواقف والمجالس ،والتنازل والتناصح والتشارك في الآراء والتلاقح
في الأفكار هي المطلوب وبقوة في هذه الظروف الدقيقة والمرحلة البالغة
الخطورة الذي يمر به الوطن قبل المواطن، ولا بد أن نشخص مكان الإعتلال
ومواطن الإختلال لنجد دواء ناجعا وبلسما شافيا وترياقا لهذا المعضلة
المحيرة التي أضاعت المجداف من سفينتنا ،ولا بد أن نحاول ونجتهد لكي يحمل
الجهل عصاه ويرحل الحرب بعيدا عن وطننا وعن أمتنا لأننا لم نجد منه سوي
الدماء والدموع ومشكلات عدة إقتصادية وثقافية واجتماعية وصحية بالإضافة إلي
المشكلات التي تتعلق بالهوية والوطن.
في
هذا الظرف الدقيق ولكي تقوم لنا قائمة يجب أن نساند الحكومة المنتخبة وأن
نقف معها حتي تصل إلي بر الأمان ونجتاز الصعوبات والأنواء والعواصف والمخاض
العسير معا متكاتفين ومتعاضدين والحالة الصعبة التي نمر بها لا تتطلب سوي
مزيد من التنازل والتضحيات وإثارة النخوة والشعور وإلهاب الخواطر وتأجيج
مشاعر الوطنية الصادقة الساهمة لتحريك عجلة الوطن نحو الإستقرار والصفاء
العقلي الذي به
نواجه الحياة ونعالج ما يعترضنا من مشكلاتها.
وعلي الحكومة أن تسعي لوجود حل جذري لمسألتين في غاية الأهمية وهما :
1:
كل الطرق لحلحلة حالة الصومال المعقدة وإيجاد دولة القانون والحريات
والكرامة تمر بإنشاء جيش صومالي قوي وبأسس سليمة وصحيحة مسلح بعقيدة
إسلامية ووطنية عالية ذات عزيمة لا تلين وعريكة لا تهون قبل الأسلحة
والتدريب ورفع الكفاءة للمؤسسات العسكرية المختلفة وكلها تشكل عناصر لا تقل
أهمية من العقيدة العسكرية المذكورة آنفا لحفظ تربة الوطن وإستعادة الأمن
وبسط هيبة الدولة في كافة الولايات والأقاليم ولا يوجد أمن إلا بتوفر
مقوماته الأساسية:
ا: القوة العسكرية
ب: التنمية الإقتصادية
ج: الإستقرار السياسي
2:
تحسين الإقتصاد وتحسين المعيشة هو مطلب ذات أهمية ومحور لا يمكن إغفاله
ولا يقل أهمية عن الجانب الأمني والعسكري بل يفوق أحيانا لأن الإقتصاد
القوي وتحسين دخل الفرد والمجتمع ومحاربة الفقر وتقوية التنمية المستدامة
ورفع كفاءة موارد الدولة وإدارتها بشفافية ونزاهة يخفف التوتر والإنفلات
الأمني، ولا يستتب الأمن إلا بتحسين المعيشة وإقتصاد البلد وطالما يشتكي
الإقتصاد م الهشاشة والضعف والبدائية المقصودة وعدم التخطيط السليم والنظام
الأساسي للنهضة الحقيقية أعتقد أن محور الأمن وضبطه سيكون صعبا وسرابا
بعيد المنال.
وإستغلال
موارد الدولة ومقدرات الشعب لصالح فئة أو جهة معينة وكسبها بأحط السبل
كالدسائس والقتل والرشوة واستمالة الأشخاص بالمال أوالإرهاب والنفاق والكذب
وعدم محاربة الفساد ومخالبه المرعبة وأوكاره الكريهة يكوّن مجتمع كالجزر
متباعد ويضمر الكراهية والحقد والمحصلة ستكون ان لا قواسم مشتركة تجمعنا
ولا روابط تجمع بيننا وبالتالي سيذهب كل علي حاله ويملؤ جيوبه من حق
الضعفاء التي لا تفوح من ثيابها إلا رائحة "عرق الكادحين" بينما بتر أعضاء
المحسوبية وتفعيل دور الرقابة والمحاسبة الجادة لحفظ أموال الدولة وتخويل
العمل وتوكيله إلي الجهات المستحقة والمتخصصة ذات الكفاءة العالية بعيدا عن
المحاصصة والمحاباة كلها تساهم في تقليل الشقاء والمعاناة والبؤس الذي نخر
عظام الشعب ونهك قلبه.
وأخيرا
وبعد ليالي حالكة ومسيرة طويلة أهلكت الحرث والنسل لاح بريق ضوء في نهاية
النفق المظلم ورفرف الأمل ولو مقصوص الجناح في سماء الوطن الجريح ومقديشو
العطشي قد أعادها الصبا ونفضت عن ذؤابتيها غبار النسيان ، ويبدو أن الأمة
الصومالية تحاول جاهدا تصحيح المسار وتقويم الأخطاء التي ارتكبت،والتغييرات
الإيجابية الجديدة والأحداث المتلاحقة كلها مؤشرات تدل أن شمس الظلام توشك
أن تغيب وما تحقق في الربع الأخير من هذا السنة من زحف نحو دولة صومالية
قوية وغير مترنحة وسليمة من العاهات المزمنة وإنسحاب الحركات المتمردة التي
كانت تشكل عقبة حقيقية وسهاما ممتدة تمزق الوطن وتشتت الأمة وتحجم قوتها
من كبريات المدن في الجنوب الصومالي وإدراك الشعب بحاجتهم إلي دولة تنظم
حياتهم وتسيّس أمورهم وترعي مصالحهم وتمثلهم في المحافل الدولية وتتبني
إحتياجاتهم وقناعتهم التامة بان لا مندوحة لدولة تستعيد للوطن عافيته
وللشعب هيبته المفقودة بعدما كثرت المعارك وكلّت النفوس كلها تشكل خطوات
ملموسة وحقيقية نحو جادة الحق التي بدورها تؤدي إلي تحسين الصورة القاتمة
للصومال وتؤثر إيجابا الخارطة السياسية والمعيشيية للصومال.
حقيقة
القول ولبّ الكلمة هي لا للتخريب والأعمال الهدامة والتفكير السلبي
والإرادة المعوجة التي لا تعرف إلا الإستكبار والإستعلاء الفارغ المزري.