مازالت
العنصرية البغيضة توجه تصرفات شريحة كبيرة من الناس وتؤثر في وعيهم
وإدراكهم وتعاملهم مع الناس حتي أصبحت ظاهرة لا تنقطع سلبياتها منذ أن بدأت
وشكلت عبر العصور قضية عصية علي الحل، ولا يزال العالم يئن اليوم بوقعها
ويواجه شتي صنوف العنصرية والتمييز العرقي الذي يفرق الأمم ويباعد العالم
ويزيد الشحناء والبغضاء بين بني البشر، ولقد نددت الكتب السماوية وأصحاب
الضمير الحي هذه العادة الضارة التي تكبل قدرات البشر وتعيق التطور
والتقدم.
ولقد
حرم ديننا الحنيف العنصرية والإزدراء وتنقيص الناس وبنى المجد والفخر
والشرف مدي استقامة الناس علي طريق الحق وجادة الصواب ، وكما قال صاحب كتاب
المدخل لدراسة القران الكريم فـ (القرآن هو الذي قضى على العنجهية،
ودعاوى الجاهلية، وقضى على التفرقة العنصرية والنسبية واللونية، ووضع أساس
المساواة بين الناس كافة، فالناس ربهم واحد وكلهم لآدم لا فضل لعربي على
عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض، وإنما
التفاضل بالتقوى، والتقوى جماع كل هدى وحق وخير ) .
وصدق
الله: {يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى
وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ
عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]،
فالناس مهما تعددت شعوبهم، وتباينت أممهم فيجمعهم رباط واحد، وهو رباط
الإنسانية العام، وهذا أسمى ما يطمع فيه من تشريع ، وقال تعالى: {يا
أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ
واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً
وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ}
[سورة النساء: 1])
والعنصرية
كما عرفتها الموسوعة الحرة هو:( الاعتقاد بأن هناك فروق وعناصر موروثة
بطبائع الناس و قدراتهم وعزوها لانتمائهم لجماعة أو لعرق ما - بغض النظر عن
كيفية تعريف مفهوم العرق - وبالتالي تبرير معاملة الأفراد المنتمين لهذه
الجماعة بشكل مختلف اجتماعيا وقانونيا. كما يستخدم المصطلح للإشارة إلى
الممارسات التي يتم من خلالها معاملة مجموعة معينة من البشر بشكل مختلف
ويتم تبرير هذا التمييز بالمعاملة باللجوء التعميمات المبنية على الصور
النمطية وباللجوء إلى تلفيقات علمية)
ولقد
أحزنني جدا ما تناقلت بعض المواقع والصحف من إنتهاكات صارخة ضد الإنسانية
تصدر ممن كنا نعتقد أنهم أسوة للشباب وأنهم القدوة للإجيال القادمة! والعجب
أن الخبر جاء من شمال الوادي وأرض كنانة !ماذا أصاب مصر التي كنا نقول
أنها قلب الأمة النابض والشقيقة الكبري وأم الدنيا؟ والتي لها في قلوبنا
مكانة مميزة وأعطيناها القابا أعتقد أنها لا تستحق أن تنطق شفاهنا السمراء
أوتردد حناجرنا الأبية مرة أخري هل للبشرة السمراء عيب خاصة بها؟ ومتي كان
جلد البشر مقياسا للقبح أو الجمال أو التقدم؟ماهذه العنصرية ؟ وأين مصر
الآن حتي تتعالي وتزدري الناس ؟ وهل يوجد نساء أجمل من سمراوتنا الجميلات؟
لم
أكن أنوي الكتابة ولم يكن مزاجي الحبري مرتفعا كي أكتب موضوعا مهما
ومتشابكا بهذا الحجم ولكن أستفزني الخبران المزعجان والحقيقة لقد قرأتهما
ببالغ الحزن والأسي والخبر إن دلا علي شئ فإنما يدلان علي التفاخر البغيض
والتبلد العجيب والوهم الذي سكن في قلوب البعض حتي أعماهم الغرور وأحال
حياتهم إلي خارج الزمن أو في خارج حظيرة البشرية إن صح التعبير.
الخبر
الأول:جاء من طبيب وكاتب روائي يعتبر من رواد الكتاب في مصر وأورد الكاتب
في عمود مقاله الإسبوعي لبعض الصحف المصرية إنتقاصا صارخا للمرأة الصومالية
وقال انها أقل شأنا وجمالا من مثيلتها في العالم ومن يجرؤ أن يتزوج
صومالية! كأن الصومالية من الشيطان الأزرق أومن كوكب المريخ ومن الغريب أن
الكاتب لم يتحمل عناء السفر إلي الصومال وعناء بحث الحقيقة ومعرفة المجتمع
الصومالي عن كثب ورؤية ملكات الصوماليات وهن في تربة وطنهن أو حتي في
المهجر ليتسني له الحكم عن بصيرة ومعرفة بل اعتمد ما تنقله الإعلام الفاسد
وأطلق الكلام علي عواهنه وكتب المقال تحت التأثيرات السلبية التي بني
الإعلام الفاضح في ذهنه!
ملحوظة:
إعتذر لاحقا بعدما ردت عليه الكاتب الشابة سعاد عبدالله بمقال مهذب ورائع
ومن الجميل أنه اعترف خطأه واكتشف من بين صور الملفقة للمقال مدي جمال
المرأة الصومالية وتفوقها جمالا ورقة في غيرها ممن ملؤ الدنيا ضجيجا
وامتهنوا كشف المستور وفضح المخبؤ ولم يستطع إكبات إنبهاره وشعوره وتصوره
الخاطئ للمرأة الصومالية عندما رأي وجها صبوحيا تنمقت يد الجمال عليه !
الخبر
الثاني : لا أعرف إنسانية من يتحدث بمثل هذا الكلام؟ وكيف يكون للإنسان
هذه الجرأة والجسارة لتقليب الحقائق ووأد الحق والإستمتاع بتعذيب الآخرين؟
تفاصيل
القضية ترجع إلي أن طبيبة سودانية كانت تعمل من أرقي المستشفيات في إماراة
دبي تزوجت عاملا مصريا وبعد إنتهاء شهور العسل وزيادة تعقيدات الحياة
وارتفاع تكاليفها في ظل الأزمة الإقتصادية الخانقة وتحت وطأة الغربة وغلاء
معيشتها قررا العودة إلي مصر والعيش هناك مع الأسرة والأهل ....المهم عاشا
حينا من الدهر وبعدها سأت الحالة بينهما واشتد الخلاف وتطور الموقف إلي حبس
الضحية وسجنها وطلب من أهلها فدية حتي يفرج سراحها حسب ما أورده ناشط
سوداني التقي بأهل الضحية، وبعد سلسلة من المعاناة والوحشية والإسآة
المعتمدة قام بقتلها وبدم بارد! ومن الغريب أن معظم الصحف المصرية كتبت
تهلل هذا العملية النوعية والإنجاز التاريخي! وكأنها حررت سيناء أو غزت
ألوية جيش مصر لتحرير القدس! وكالت الشتائم والألفاظ الغير الأخلاقية
للضحية منها: أن الطبية السودانية كانت تدير شبكة دعارة عالمية وأنها....
وأنها...... وذكروما يعف اللسان عن ذكره علما بأن هذا التلفيق الواضح
للقضية والخطب البلاغية الزمخشرية كلها ما جاء علي لسان المتهم ومن صنع
القاتل وخياله المريض كي يمكن له التفلت من العقاب والقضاء المصري، ولكن
نسي في غمرة جهله وتماديه علي الغي أن رب الأرباب ومالك الملك سينتقم منه
وستنتظره حسابه هناك عند الواحد القهار الذي يجزي كل نفس بما كسبت بدون ظلم
أو محاباة، وأتسآل في خضم حزني البالغ لمصير الإعلام كيف روج القضية وقلب
الحقيقة في تناقض واضح وانتهاك للمهنة الصحفية والمصداقية والميثاق الصحفي
؟وكيف تبنت لهرطقات الرجل وحيله التي لا تنطلي علي الجنين في بطن أمه.
والتصريح الأغرب كان يعود لبعض المواقع والصحف التي عاتبت الرجل وقالت بكل
عنصرية وعنجهية أنه حط كرامة مصر وإنسانيته بزواجه لسودانية! هكذا بكل
وقاحة وقلة أدب!
يا لغباوة الضمير وسذاجة القوم.
|