....وحينما
وصل التذمر مداه وفي لحظة يأس وإحباط تسآلتْ هل قلبه جامد إلي هذه الدرجة؟
أم الحب مرض يصيب الضعفاء أمثالي؟! أم إن الإنخراط في سلك المحبين ونادي
العشاق يتطلب كاريزما خاصا يفتقده فارسي الذي أضعته في حدقات عيوني؟ أم في
وجدانه ضمير يؤنبه كلما خطي نحو الحب خطوة مما جعل يقدّم رجل ويؤخر أخري!
أم أقنع نفسه أنه حينما تكتمل إستعداداتك وأردت ظفر نصف دينك فابحث الصالحة
الولودة الودودة وتزوج علي ضوء وهدى "لدينها" أما الحب ولوعاته وخلجات
العاشقين فهذا مما لا أطيق عليه والحب الحقيقي الطاهر والعفيف إنقرض من
دنيانا الدنئية! أوهكذا إعتقد في خضم تشاؤمه، أم تركَ الحب وزهد العشق
بعدما فقد الحبُ بريقه وعذريته وأصابته وعكة صحية وتشوّهات خلقية؟ لا
أدري!... ولكن من الواضح أن بلادة الضمير وبرودة الأعصاب والمقاومة العجيبة
لهذا الحب النادر ورائه سر دفين وقصة عجيبة ما زالت تعاني من الإكبات
والكتمان.
لا
تستطيع مريم أن تستقر علي رأى فتواصل إستفهاماتها المتشعبة علها تجد ما
يروى غليلها فتسأل نفسها:هل في داخله هاتف يهتف: لا تتعب نفسك ولا تهدر
وقتك الثمين بترهات العشق وأوهام الحب! لأن الجرى وراء سراب الحب الذي
إختفي هذا الزمان ولم يعد مخلصا ولا جذابا لا تجني منه إلا ويلات وحسرات
وآهات لا تنقضي وستندم يوما ما بتفكيرك السطحي وبرآتك الطفولية وستضحك
وتبكي معا حينما تدرك أنك كنتَ تبحث أشياء جميلة وأسماء نادرة إنقرضت عن
البسيطة وحل محلها الجشع والخداع والزواج المصلحي واللهث وراء السلطة أو
الثروة والتستر بقناع الحب ليكون مطية سهلة لإشباع غرائز لا تشبع وملء
أفواه مفتوحة لا يملؤها إلا التراب!.
لم
تكن مريم ذاك الصنف من البنات التي تخشى أن تقول ما يدور في ذهنها وما
يجيش في صدرها بل كانت شجاعة لا تعرف الخوف وخاصة إذا كان الأمر يتعلق
بمستقبلها وشريك حياتها التي رسمت صورته في داخل قفصها وفي عقر أضلاعها
وشرايين دمها ،لذا كان لزاما عليها أن توضح رايها وتستكشف مواقفي وإن كانت
تصرفاتي توحي بأني إكتويت نار الحب وطالت ألسنة لهبه في كافة جوانحي
وجوارحي.
لقد
كنت مذهلا وأنا أصغي باهتمام إلي كلماتها السلسة وأسلوبها الرائع ورونق
حروفها الرومانسية ذات القالب الإنساني والموسيقي الصوتية المتناسقة: حبيبي
سكبتُ دموعي علي صورتك البديعة فوق وسادتي ونثرت حبي في رحاب وجدانك
وسكنتُ في حدقات عيونك وألجأت إلي سويداء قلبك ومحراب ضميرك وأقسمت ان أروي
شجرة حبك بدمع المآقي وعبرات الحب الصادقة حتي ينمو الحب ويشتد عوده وتقطف
زهوره وتحصد ثماره، طرقت بابك وتسللت إلي مجاهيل عمقك أتوسل إليك ببقايا
جسد نهشه الحب وروح جثت عليها غيمة الشتاء وهجمت عليها ظلام العتمة ،أتلصص
النظر...استرق السمع... استعطف فيك... أراقبك من بعيد... سلكت طريقك وقصدتُ
وجهتك شوقا للقياك وحنينا لشم عطرك الفوّاح.
حبيبي
لوكان الحب جيشا قويا لقاومته أو كان مصارعا بارعا لصرعته، ولو كان داهية
لأ مكرته ولو كان أديبا بارعا وخطيبا مفوها لأفحمته ولو كان شيئا مرئيا
لمنعته أن يقترب من جسدي ولكن داهمني شعور غريب وإحساس رقيق شفيف المنظر
ناعم الملمس غامض المعني يعذبني بذكرياته الجميلة مع ظلام الكون وبرودة
الشتاء.
حبيبي أعتب نفسي في ليلي وأندب حظي في نهاري وأكره شقوتي وأناجي طيفك في
جميع لحظاتي وأهمس كلماتي الرقيقة بأذنيك في وحدتي والأعب شبحك في نومي
وأضمه بشدة كي لا يهرب طيفك عني وأقبل خدك الجميل في عمق نومي وأحث نفسي
بإستمالتك وركبت جبروت الحب وسلطان العشق واستبداد العاطفة،ولو أستطيع
لأضعتك في أحشائي مثل الجنين لكي لا يراك ولا يشعر بك أحد سوى نفسي ولأنحت
لك دموعي تمثالا وأهدابي شلّالا لعواطفي.
القبلة الماكرة
وكسرا
لكل الحواجز وإذابة الجليد وتبديد الخوف المسيطر عليّ وتغييرهذه الخطب
الأفلاطونية بقليل من الأفعال أرادت أن تطبع قبلة ماكرة مصحوبة بمشاعر
رومانسية حالمة في خدّي لحظة إنشغالي بنهد خادمة المقهي وأنوثتها العجيبة
وهي تضع الأكواب الممتلئة كبشرتها فوق المائدة الكئيبة التي أعتقد لو كُتب
لها أن تنطق وتعبر مشاعرها ستكون كلمتها الأولي سيل من التوبيخ وأمواج من
العتاب موجها إليّ ومستنكرا ببرودتي وصلابة مواقفي وقلة تأثري بهذا الكم
الهائل من الإستعطاف والسيمفونية الرائعة التي تعزف بها مريم والتي تجثو
لها الركاب وتهز منها القلوب،! ولكن بالتأكيد كانت ستجدني كل الإعتراف
والشجاعة الكاملة لتصديق كلماتها المعبرة وعتابها لأنها بنتْ حكمها
بمعلومات ناقصة ومن طرف واحد ولا تستطيع أن تشق صدري وتخرج قلبي فتجري عليه
عملية تشريح كاملة لتتعرف كم هو عظيم وجبار هذ الحب الذي كتمته في أحشائي
مخافة التاريخ والمستقبل المجهول والحاضر الذي لا يبشر بخير.
لم
يكن إعجابي الواضح بالخادمة حبا لها و لا تعني أنني مهوس بالنساء بل دائما
ما يشير إليّ انني أفتقد إلي القلب الحنون والذوق الرفيع وخاصة في
تعاملاتي مع الجنس الناعم حتي اتهموني البعض بالغرور وإعجاب الذات،
والحقيقة أنني لم المس إمراة إلا في الأحلام ولست مولع بهن ولكن الدردشة مع
نفس لا تستطيع أن تحبوح بحبك مع أنها تركت بصماتها علي أركان قلبك يضعك في
قلب العاصفة ويدخلك بحزن لا ضفاف له وتبحث الخلاص وتمعن النظركل ما يقع
عينك عليه وتتمني الأغاني الشجية الصافية والمشحونة بالوجع والألم والمفعمة
بالحب والتفاؤل!.
ولعل
منطقية الأشياء تقول أن القبلة لم تكن غيثا يتدفق مع صحب الحب الغائمة ولم
تكن عنوانا بحب عميق وإتحاد في الجوهر بقدر ما كانت قبلة أيقظت الغيرةُ من
مرقدها ومضادة بإعجابي الواضح وإنبهاري الظاهر في تضاريس النادلة وسهولها
الخصب وسيقانها المتفرعة وخصلات شعرها المتناثر علي خدها الوضاء وبشرتها
الناعمة، ولم تكن إبتسامة الخادمة الناعمة تحرك خصلة في شعري ولم تكن ذات
معني لو لم أكن في حالة غريبة وأتسلي كل ما يقع عيني عليه قبل يدي دون
دراية ووعي مني.
حاولتْ مريم جاهدة إستحواذ مشاعري واستيقاظ عواطفي ولو بقوة القبلات وكثرة
الإغراءت وتمايل الأجساد وتشابك الأيدي فوق الموائد وتلامس الأرجل في
كواليس عباءتها المزركشة تحت الطاولة، ولكن متي كانت القبلات ولا الإغرآت تلين في قلب نهكه الأسي وأفقدت المآلات المخيفة متعته!
من
الغريب والظريف معا أننا كنا نشبه في الظاهرثمرة مونعة من حديقة الحب
الغنّاء وفي الحقيقة كنا حديقة ذبلت أزهارها ويبست أشجارها وتساقطت أوراقها
وشارف حبنا فصل الخريف لأن جلسات المحبين تتسم بالرقة والعذوبة والطراوة
ولا تتحمل الأحاديث المهترئة ولا المجادلات العقيمة ولا الإستجدآءت المميتة
لعواطف قد جفتْ وذبل رحيقها وبركانها اللاهب كاد أن يتلاشي دون أن يصل إلي
قلبي لتلتحم تباشير الحب المنبعثة منه وينمو ويكبر طبيعيا ليصب العشق إلي
منتهاه بعيدا عن الخريف ورمادية فصوله وجفاف أزمانه.
قد
تكون حياة المرء كلها فصول متتابعة من العناء والمشقة ويعيش بأزمات لا
تنتهي ومع ذالك يتكيف معها ويعيش عليها راضيا غير متذمر ولا تظهر عليه إلا
آثارها المألوفة وترسبات المشقة المعروفة، أما الحب فضيف مشاكس وشعور لا
يمكن مقاومته وغالبا ما يفرض عليك رأيه ولا يقبل إلا أن ترضخ لمطالبه
وتنقاد لأوامره لأنه لا يعرف التشاور ولا اللين في الكلام ولا التدرج في
الشعور ولا الفوارق الطبقية ولا الحدود والأزمان لذا كانت كلمته عالية عبر
التاريخ وصوته قويا في قلبي المكلوم والمليئ بحب مريم الخائف من صروف الدهر
ودورات الزمن.
ولكن
وبعد تردد واستشارات في قلبي وفي لحظات أبعدتُ شعورى عن العقل والمنطق
ومواقفهما المخذلة أستيقنت أن الحب مهما كان صعبا ويقفز عن المعقول الي حيز
اللامعقول في نظر المجتمع وحديث الناس فان المحظوظ في هذا الزمن من وجد
نفسا صادقة تكرس وقتها وتهدي حياتها له، لا من أجل المال ولا الجاه ولا
السلطة بل لاجل الحب الحقيقي والشعور الصادق الذي يتدفق من بحر الصدق
والإخلاص وينابيع الوفاء والكرم، هذا الشعور المتناقض والنقاش الحاد لم
ينقطع في بالي بل نشب في داخلي معركة حامية الوطيس وصراع رهيب لكسر العظام
وخرج الحب ظافرا هذه المرة وصوّب حول الخوف والتردد ضربة قاضية أقلعت من
جذوره وأبعد شبحها الخانق من وجداني وأرسله إلي السكون السرمدي، وقررتُ أن
أكون مستوي حب مريم وان لا أخذل هذه الجوهرة النادرة.
عاتبة
نفسي كيف أخاف وأتجاسر عن مسؤليتي وحبي وعزمت بإرادة لا تلين وعزيمة لا
تهون أن لا اخاف من المستقبل المجهول ولا أتنازل عن حقي بكلمات ممجوجة
قالها صاحبها بغباء وعنجهية أو مراعاة لتاريخ وأعراق شربها الموت وطمسته
الحداثة والعقل البشري وقبلها حاربت الحنيفية السمحاء.
وفي
لحظة إستسلمت بعنان الحب وصاحبتها تأملات مثيرة في صباحة قدّها ونضارة
خدّها ووضآءت وجهها ونعومة جسدها التي كلها تضع مع نجوم العالم وملكات
جمال الكون إقتربت إليها إقترابا الغي كل الفراسخ التي كانت تفصل بيننا
وهمستُ في أذنها كلاما لم أتوقع أن أقوله في حياتي،لقد أثرني كلمات مريم
النابعة من قلبها ومعها تحولتْ حياتي وجعلت أغلي أوقاتي خصيصا لها ولا غرو
فقد أحببت مريم حبا شطب جميع النساء من ذاكرتي رغم حرصي الدائم ان لا يكون
ظاهرا في ملامحي، فدائما ما تهوي نفسي ويهفوا ضميري لمريم وبكلامها العذب
وابتسامتها الساحرة ونظراتها الحنينة،ولكن القشعريرة الدائمة والشعور
الغريب لا يزالان يؤثران علي عقلي وقلبي ويجعلاني لا أثق بالأيام ولا أعرف
ما يخبو بي القدر،وسبب الهلع وعدم التفاؤل الذي يحيطني هو أن أسْرتُ مريم
مرموقة الحسب ذات سيادة معروفة وثراء فاحش،وأسرتي رغم أن أبي الزيّات إشتهر
بالورع والصلاح إلا أننا وفي عرف المجتمع وفي قانون القبائل أسرة متواضعة
والتصنيف الطبقي يجعلنا دون أسرة مريم بمراحل، فإن انصعت لعواطفي وقادني
الحب الي مرابعه وموطنه الأصيل فأنا أجازف موقع مريم وحتي حياتها _ حسب
العرف السائد _ وإن كتمت حبي وجعلته في غياهيب أحشائي أتعذب من لوعة
الفراق أولا وفقدان الحبيبة وضياع المستقبل ثانيا،! فأصبحتُ تحت رحمة من لا
يرحم وبين مطرقة الحب وزندان العرف! ووقفتُ موقف حرج لا يحسد عليّ.!
في ردهات الحرم الجامعي
في
الصباح الباكر وفي بداية اليوم الدراسي إلتقينا في حرم الجامعة أمام
المكتبة العامة وشمال مباني إدارة الجامعة تحت مظلات شيدت للإنتظار
فتبادلنا أحر التحايا وأخلص المشاعر وبعد برهة سادها السكون وعمها الهدؤ
بسبب حياء الأنثوى التقليدى وحداثة تجربتي بالحب داهمنا الوقت وأدركنا
الزمن الذي يقف دائما ضد متعة العاشقين وانسجام المحبين،
ففرَّقنا وأدخَلنا الفصول الدراسية وعباب الحصص المتلاحقة كأمطار الربيع
والمملة كبرودة الشتاء، وأشغلتنا الدراسة وأتعبنا طول الدوام الذي لا نجد
معينا سوي الذاكرة القوية والملاحظات الظريفة والرسائل القصيرة عبر الجوال
الذي خففتنا كثيرا ثقل الأساتذة وعبثية المواد.
لم
أكن متابعا للحصة بل كنت منهمكا برسم صورة جميلة لحبيبتي فوق كراستي
الخاصة ورغم اني لم اكن بارعا يوما من الأيام فن الصورة ولا الاعمال التي
تحتاج الي أيادى ماهرة تراعي الإنسجام والإتزان إلا أنني أتقنت كثيرا هذه
المرة بصورة مريم وأظهرت جميع تفاصيل وجهها وملامحها البرئية برسمي ولم أنس
إبتسامتها الرائعة وغمازاتها التي تضفو جمالا وسحرا علي وجهها.
إنتهي الدوام وخرجتْ مريم من الفصل تبحث توأم قلبها فرأتنى جالسا من بعيد
منهمكا بشئ غامض لم تستطع مريم أن تتعرف ماهيته فذهبتْ إليّ وجلستْ إلي
جانبي صامتة ومتأملة بصورتها الفوتوغرافية التي جمعتُ عليها جميع طاقتي
ومهارتي لتكون لائقا لمريم، رفعتْ بصرها وصعدت نظراتها إلي وجهي كأنها تقرأ
صفحة وجهي وتتفرس علي جبيني التناقضات والثنائيات المتباعدة الذي
أعيشه،وحاولتُ كسر الصمت الرهيب فبادرتُ قائلا:هل تعرفين يا مريم أسعد
شريكين في الحياة؟ فاجابت إنها حياة من تزوجو وعاشوا بالحب، فهم دائما في
حب ووئام وإلفة وعشرة حسنة لا تنتهي، ينهلون من نمير الحب الصافي ويرتشفون
من عيونه المدرارويتنعمون بعبيره الفوّاح.
نعم
حبيبتي إنه الحب ما أروعه!كلمة سطرها الأولون في بطون أسفارهم وخلّدها
المتأخرون في مداد أقلامهم وسودوه في بياض صحائف كتبهم وكما قال أحدهم:
فالحب شيئ غريب وإحساس مرهف (أوله هزل وآخره جد دقّت معانيه لجلالتها عن أن
توصف فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة، وليس بمنكر في الديانة ولا بمحظور
في الشريعة إذ القلوب بيد الله عزّ وجل).
وأنا
يا حبيبتي منذ أن إلتقينا فقد إجتاحني حب خارق لم أستطع أن اقف أمامه وسيل
من العشق لم أتمكن مقاومته، أحببتك كإنسانة عظيمة وفتاة جميلة ولو يسر
الله الأمور وانعم الله بك عليّ لملأت جنبات المدينة تغريدا واحتفالا
وابتهاجا لأروع يوم في حياتي وأغلي إحساس طالما بحثته في كل مكان ولم أجد
إلا هذه اللحظة لأني كنت دائما أذود عن نفسي طائر الحب مخافة أن يصدني عن
مطامحي وأهدافي التي طالما حلمت بها وسعيت كثيرا إلي تحقيقها، وحينما رأيتك
أول مرة وجالست معك وفي أول لقاء صاح صوت في أعماق قلبي فسكتّه ذالك لأني
مدرك بصعوبة بعض العلاقات وتعذر تحقيقها في عالمنا المليئ بالغرائب
والعجائب.
ملأت
دموع الحب في مقلتي مريم وترقرقت منها بعض العبرات ورأيت وراء ضبابية
الدموع نفس صادقة وحب لامع ونفس طموحة، كفكفتْ مريم دمعها بباطن كفّها ثم
تنهدت وربتت كتفي فقالت:الحب هو مقاومة كل شرور الحياة ومواجهة صروف الدهر
بتحد أكبر وعزيمة أقوى وأن تحب الحياة بذات القدر الذي تحب التضحية من أجل
من تحب!وواصلت كلماتها وهي ترسل زفراتها المشحونة بالفرحة المشوبة بالخوف
إلي الأعلي أم أن حبك يخضع لقوانين العصر ومعادلات الزمان العجيبة خذ أكثر
وادفع أقل!
نظرتُ
إليها نظرة فاحصة عميقة محملة بسهام من الحب السرمدي وبدأتُ أتصفحها جيّدا
في وجهها وجسدها الشاحب فقلتُ: أحبك حبا قدسيا تنزّه عن دنس الدنيا وسما
فوق كل المآرب فهل تصدقني وتعاهدني في ذالك؟.
إنحدرت
من عينها بقابا الدموع فأفحمتها وأخنقت الدموع وغصت مريم كلمتها وبعد جهد
ومحاولة إستطاعت أن تقول بصوت خافت وباهت شق طريقه داخل حنجرة مبحوحة: حتي
الرمق الأخيروآخر فصل من حياتي وحتي أتوسّد في التراب دفينا يا حبيبي!
قمتُ
من مجلسي مرتاحا بما سمعتٌ من مريم وتذكّرت بها عظم المسؤلية وجسارة
الموقف وأن أمامنا تحديات جمة وخطب جسام يجب أن نجتاز بهم معا وحتي نعبر
ونتغلب كل ما في وسعه أن يقف في طريقنا وحاول تعثر مسيرتنا لابد من الصبر
والمثابرة والإخلاص، وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل والأفضل قادم لا محالة
وشمس النصر كادت أن تشرق وعم نورها الكون.
أخلق بذي الصبر أن يحظي بحاجته*** ومدمن القرع للأبوب أن يلجا.
ولم
أنس ان أقول في خضم نصائحي التي تدفقها الحرص الشديد بمريم :حبنا محفوف
بالمخاطروحياة المحبين ملئية بالمساومات التي تضع الحياة أمامهم لتعيق
مسيرة المحبين وملئي بالمتاعب ولابد أن نقطع الفلوات والمفاوز وأن نعيش
بالطموح بالتضحية وبالأمل البارق،لأن مجتمعاتنا الشرقية التقليدية ما زالت
تستقي تصرفاتها اليوم من أعرافها البالية وتقاليدها البائدة وهي ذات طابع
قبلي يحتكم إلي أمور بعيدة عن الدين ولا تمت الدين بأي صلة، وأنا لا أدّخر
جهدا لأجعل قصة حبنا قصة ناجحة ومكتوبة في أروقة التاريخ بمداد دمائنا
ومخزونة علي صفحات الزمان الناصعة.
الحياة
تسير بناموس إلهي فريد وقوانين ربانية عادلة لا يدركها البشر مهما حاولها
وتطلع إلي استكشافها والحب من صنع الإله القديروحياة العاشقين دائما ما
توافق المنطق المعكوس للحياة تركض خلف الأشياء لاهثا فتهرب منك وما تكاد
تجلس وتقنع بعقلك بأنها لا تستحق كل هذا الركض حتي تأتيك وهي لاهثة وراغمة!
أسر
الكلماتُ في لبّ مريم فذهبت إلي عالم الخيال وغردت كالبلبل الطلق يطير من
شجر إلي أخرى أو كالنحلة تحلق فوق الورود والزهور خفيفة الحركة تختار ما
تشاء من الرحيق لتخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس.
ذهبتْ
مريم إلي بيتها منشرحة الصدرر باسمة الثغر متلألئة الوجه وأيقنت ولأوّل
مرة قي حياتها أن حبها في مأمن وضمنت عليه،جلست فوق سريرها ورجعت شريط
الذكريات ومر أمامها جميع ما دار بيني وبينها فأرتمت إلي السرير وراحت
تستعجل النوم ولكن كان نومها مشوبا بأحلام وردية وأخري مخيفة ولم تجد بنوم
هانئ ولم تغمض لها جفن وأخذت تراقب الليل وتستعيد الذكريات والحوار الجميل
وتمتمت بكلمات وأرسلت زفرات وأنشدت كالجاهلي القديم: الا أيها الليل الطويل
ألا انجلي بصبح *** وما الإصباح منك بأمثل...ولكن ما أطول ليل العاشقين!
وضعتْ
رأسها المتعب فوق وسادتها تراقب الصباح وتنتظر الشروق لملاقات ذالك الرجل
الذي جعلها تعيش خارج الزمن وتغرد خارج السرب، ذالك الرجل الذي إستولي علي
قلبها وعقلها وأنساها كل نجاحاتها السابقة وإخفاقاتها القديمة ولم يبقي في
ذاكرتها إلا تلك الملامح الآسرة والرقة العاطفية لحظة أن ضمّ أصابعها إلي
قلبه وهو يلبسها خاتما نقش بأحرف من نور يحمل في سطوره "مريم أحبك" مطرّزة
بالذهب الإيريز.
أما
أنا فانعمرتٌ بعباب مسئولياتي المتعددة وباشرتُ أعمالي ومشاغلي وانهمكتٌ
بدراستي وعزمت النية أن أرتب حياتي وأستعد للقادم الجديد، وبدأت أفكر بجدية
وأبحث الحلول وكيف يمكن لي أن أحظي بموافقة أهلها وأقاربها؟ وكيف يمكن
مواصلة حبنا حتي ينموا ويثمر؟وكنت ابحث أحسن طريقة لينتهي حبي بزيجة ناجحة
لا ينسى أبد الدهر،وأفضل وسيلة لأكوّن عشي الصغير مع رفيقة دربي وآنسة
نفسي؟ وشرعتُ أتشاور مع أصدقائي وأهلي وكل من أثق بنصيحته وأتهمه برجاحة
عقل وبعد النظر ونثرتُ ما في كنانتي من رجال أصحاب العقول النيرة والآراء
السديدة واخترت أخيرا من بينهم عمي سمتروعزمت أن أعرض تفاصيل قصتي لعمي
الذي عاصر أحداثا وأهوالا وأصقلته التجارب والمشهور بعقله الرزين وحكمته
الكبيرة والتأنّي والنظرة البعيدة للأ شياء إضافة إلي ثقافته وتحضره ولا
ينظر إلي الحب بمنظور الطبقية والقبلية بل يهتم المؤامة والتّفاهم والحب
والإحترام المتبادل.