حكومتنا الأبيّة تفتقر إلى البنية التحتية
والخدمات الضرورية وأساس الدولة، لأنها ورثت مأساة تفوق الخيال، وبلداً من
ركام ومآسي، عنوانه التمزق والتشتت، وشعاره التشرذم والتفتت. وواجهتْ ظروفا
صعبة في بدايتها جعل الإنتاج المحلي ـ إن وجد ـ لا يتعدّي علي أعتاب القصر
الجمهوري والوزارات وكاكي الجيش ونياشين الشرطة وتجهيز المخابرات ومفارش
القات للجماعة الحاكمة وحماية أفراد الطاقم الرئاسي وموكب الوزير، وتبذيره
للمؤتمرات الوهمية وطقّ الحنك والتهريج والهروب من المسؤليات إلي التسلية
والزيارات المكوكية للإستجمام، وجمع أكبر عدد ممكن من الدولارات وبفترة
وجيزة للغاية.
ولم يصل في خزانة الدولة ما يمكن أن يحرك
الدولاب السياسي المعقد والحكمي المهترئ في الوطن، وهذا مما لا يتناطح فيه
عنزان وحقائق واقعية ومتوقعة من بلد عصي علي الحلول، وشعب لم يعرف الأمن
والإستقرار أكثر من عقدين من الزمن، ولكن من الجميل أن تدرك الحكومة أنها
كانت بدراية تامة ما يجري في الوطن الجريح، وكان بعلمكم أن كل هذا وأكثر هو ما
جعل الصومال دولة عالة على العالم تقتات فتات المؤائد، وأفلاذ أكبادها
يموتون جوعا في الوطن، أو تبتلعهم البحار بحثا عن حياة أفضل، أو تمزقهم
المدافع والمتفجرات وهم لاهثون في هامش الحياة ينتظرون مستقبلا طال إنتظاره
وفجرا جديدا عز إشراقه، بل كانت المشاكل التي تجعلونها مشجبا تعلّقون عليه
إخفاقاتكم سببا لتبؤكم على أعلى المراكز وكبينة القيادة في الدولة
الصومالية.
والإنتشال الحقيقي للوطن من هذا الوضع
المزري إلى الحياة العادية ومن غرفة العناية المركزة إلى نعيم الصحة
الدائمة كان المنتظر منكم، ولكن أفرزه الواقع بخلاف الأحلام الأرجوانية
للشعب في خضم إنشغالكم الدائم لأشياء هامشية لا تصنع الفارق ونظرية
التهويل، "ويبدو أنكم نسيتم أو تناسيتم أن من يعمل داخل المطبخ لا يحق له أن
يشكو من حرارة الفرن وأن السياسة لا شئ يأتي من قبيل الصدفة".
و رغم علمنا ودرايتنا التامة بإن الإعوجاج
يكمن في سوء الإدارة المعشعشة في أروقة الحكم والمراهقة السياسية التي باتت
السمة البارزة للهرم السياسي ، قلنا (نعم) لوجهات النظر الحكومي علي مضض،
والشعب يدفع الفاتورة الباهظة لهشاشة الأمن وتردي الأوضاع المعيشية في كل
يوم، فيما يبدو الواقع غير مبشر والخطب الأفلاطونية للرؤساء وزراية اللسان
وفصاحة البيان والكلمات المعدة سلفا وبدقة تثير الإعجاب هو سيد الموقف
والخدمة الجليلة التي تقدمها الحكومة للرعية!. ونص المسرحية التي نؤديها
بفشل ذريع كل يوم والضحك علي الذقون وذر الرماد لعيون الشعب الصابر الذي
تكفيه إيماءة أو إبتسامة بسيطة لينتقل من عصر الحروب إلي عصر االسلام هو
حصيلة النجاح والإنجازات العملاقة التي أنجزت الحكومة أكثر من أربعة سنواته.
لأمرما تحيّرت العقول!! ولأمر ما يجعل
إبتسامة الرئيس العريضة التي تقتاتها الكاميرات في كل المؤتمرات إبتسامة
باهتة وما كرة ، وعيون القطط السوداء التي تكمم الأفواه وتجيد مصادرة
الحقوق والحريات وزهق الأرواح عيونا يملؤها الشك وعوطف تغمرها الكراهية،
والهتافات التي تثير في الأوصال الرهبة والفزع فبركة وقناعا زائفا لرسل
الكدر وحاملي الهم وحفاري القبور، وتذكرني الأضحوكة المسرحية للساسة
الصوماليين كلمات الشاعر العراقي معروف الرصافي حين قال (لايخدعنك هتاف
القوم في الوطن فالقوم في السر غير القوم في العلن).
عندما يإس الشعب من أن يصل شئي إلي حلقومه
الناشف وفمه المفتوح لكل لقمة، وما ينتجه الوطن لا يصل إلى طابور الفقراء
ولا مجالس الكادحين بقي لنا أن نقول: أين تذهب المساعدات الخارجية للحكومة
الصومالية؟ هل تصل إلي وجهتها المستحقة والمتضررين في مخيمات اللاجئين
والعشوئيات وفي العراء؟ والأطراف الأخرى التي يجب أن تجد نصيبها من
المساعدات؟.
حقيقة تشكل هذه السؤال برميلا للبارود
شديد الإنفجار وسرعان ماكونت حزازيات بين المركز وبعض الحكومات الولائية
المهمة، وهي سؤال تتردد صداها في أوساط النخبة والشعب والمجالس والنوادي،
حتي باتت العنوان الأبرز في الساحة وحديث الساعة في كل الميادي، ورغم كثرة
تداولها إلا أنها عصية علي الحل، ولا يوجد من يملك الجواب الصحيح حتي في
هذه اللحظة مما يزيد الهوة بين الشعب والحكومة الغراء.
ناهيك عن إسهامات الحكومة لتخفيف الأعباء
وخلق أجواء تشجع المستثمرين الأجانب والمغتربين العودة إلي بلادهم تتنسل
الحكومة بسذاجة عن المعاهدات التي قطعتها بعد الحملة الإنتخابية! وإلا أين الوعود
التي قطتعها الحكومة لتحسين القطاعات الخدمية للشعب (الصحة والتعليم
والإسكان والرعاية الإجتماعية)؟ لا أحد يدري ولا أحد يستطيع أن يدري لأن
الناس منقسمون في أدبيات الحكومة إلي معسكرين معادي وموالي والتهمة حاضرة
إن سولت نفسك التتبع بآثار الكابوي ويدوس بك جزمته الغليظة ولا يبكي عليك
أحد.
الإكتفاء الذاتي للدولة الصومالية كان
أملا يداعب الجميع، وأجتاح في أوصال الشعب أحلاما وأشواقا طاغية نحو اللحاق
بالركب بعدما دخل الوطن مرحلة جديدة وبات في سدة الحكم وجوه جديدة في
الساحة السياسية أولم تكن ـ علي الأقل ظاهرة علي الفسيفساء السياسي للوحة
الصومالية ـ ملطخة بالدماء، ولكن تفننت الحكومة في إضاعة الوقت في جدل
بيزنطي لا طائل من ورائه وخبط عشواء وتضحيم أرقام لا تبعث الأمل في قلوب
اليائسين، وتنازل الشعب عن حقه عنوة ولم يطمع أن يعرف أين يذهب الإنتاج
القومي المحلي ؟وكيف ومن يدير ثروة البلد؟ وما صدق موجة النهب المحمومة
التي بدأت في مقديشو؟ وما خبر الواجهة البعيدة عن الأضواء التي تدير بخفاء
ما ينهبه المدير أو الوزير أو حتي رأس الهرم؟.
قد ترتفع حاجب الدهشة لهول ما كتبت!، ولكن
لا تتعجب بل حاول أن تتابع حركات الحكومة عن كثب، عندها تعرف السبب ومعرفة
السبب تبطل العجب، وبعدها إعلم حياك الله أن الإبتسامة الصفراء والوعود
الزائفة والكلمات الفارغة من محتواها والرقص علي الرماد،هي عملة معتمدة في
أوساط الحكومة الصومالية التي جعلت صحنها وبكامل إرادتها حافلا بالأزمات
والمشاكل، لتبقي السفينة غارقة في أوحالها ودار لقمان علة حالها.
وهكذا أصبحت الدولة منتجة للفقر بدل
الغني، وتقنن الخوف والخرمان وتغض الطرف عن السطو المسلح لممتلكات البسطاء،
والخطر الأكبر هو إطلق سراح سجناء الحركات المسلحة المتمردة!، كيف يطلق
سراح قاتلي الشعب ومصاصي الدماء وفي رابعة النهار دون خوف أو وجل ودون وخز
الضمير؟.
لا نعرف قيمة الحكومة في أروقة شعبها
وبورصة مواطنيها، ولكن ما نعرفه جيدا والذي لا يحتاج إلي عيون زرقاء
اليمامة ولاعبقرية أرويلو ARAWELO ولا الأنوار الكاشفة والنظارات المساعدة
للرؤية هو: أن الوزير الذي كان يستمتع حفلة الشواء وروعة الطقس في عاصمة
الضباب وأبناؤه يرتادون مدارس النخبة هناك، والمدير الذي كان يتذمر كثرة
السكر في القهوة في أرقي المقاهي السياحية في نيويورك وأهله يترددون دور
السينماء والموضة في بلاد عم سام ويطيرون كل شهرين في وجهة جديدة للإستجمام
، الشتاء في ميونيخ، والخريف في سيدني، والصيف في نيروبي، والشتاء في
كوالالمبور تزيد ثروتهم هندسيا وبأرقام فلكية وتغلغل الفساد في كل خلية
وشعرة في أجسادهم! وأختاروا لذة الوحشية والتلذذ بعرق أنصاف العراة، وكأن
رياح الجينات تأبي إلا التوحل بنهش جسد الوطن وجسم التاريخ والثقافة، بينما
البسطاء تفرك الجوع بطونهم يفترشون الأرض ويلتحفون البؤس ويستظلون السماء
ويتصارعون مع معركة البقاء والأمعاء الخاوية التي تهزمهم تارة ويتصالحون
معها تارات!، ويزيد الفقر والحرمان أفقيا كل يوم لتبقي الدموع الزكية حروفا
لصرخات الشعب وتسلية لوجدانه الكئيب.
وفي خضم المصائب المتتالية كحبات المطر في
عز الربيع فقد الشعب إصراره المعهود ومواصلة الحياة في ظل دولة تنهب أموال
الشعب في الأسواق وترهق الكادحين بالحواجز الغير قانونية والقواعد
الخرصانية ومتاريس الحديد والاتواة الفاسدة، وتفسد مزاجهم بجندي يقتات
المعاناة ويسهر لتكدير الأجواء والإختطاف الممنهج للبسمة النادرة علي جبين
الأطفال والشيوخ والعذاري.
في ضوء ما سبق نستخلص أنه لا يصح القول
بأن ثمة حكومة تمثل هذا الشعب وتقدم الخدمات الأساسية للحياة الكريمة وتحفظ
أرواحهم وممتلكاتهم لا من العدو الخارجي وحركات التمرد بل من جيشها
وشرطتها وأجهزتها الأمنية المتنوعة كما والقليلية كفآءة وجودة، ونستطيع أن
نقول هي تمثل نفسها وتعيش لملأ جيوبها التي لا يملؤها سوي الموت والتراب،
وكل الضوضاء التي تحدثها جلبة الأقدام المدببة والتي توحي إسراع الحكومة
إلي إعادة الأمن والإستقرار والزمن الجميل ما هي إلا قنابل دخان مصطنعة
أنتجتها حثالات الأفكار وزبالات الأذهان الذين غابو بين دوحات الإنتهازية
وأحراش الفساد في الظلام.
وأحيرا هل نقول دقت ساعة الأسف وجاء الخطر
الأكبر والكارثي حينما ذهبت الأحلام الوردية أدراج الرياح، وأغتالت
الأيادي الملطخة بالدماء الأمل في رحم الغيب وذهب المال تباعا علي جيوب
الدولة العميقة وطوابير المفسدين من رأس الهرم إلي الوزير ومن المدير إلي
الخفير، وباتت الحسرة بعدما ذهبت نشوة الأمل لحكومة صومالية تهتم رعيتها
وتسهر علي راحتهم وتوظف إمكانياتها البسيطة لتخفيف الأعباء ودخول السرور في
نفوسهم العنوان الأبرز في عيون البسطاء والساحة معا.
الجواب متروكة
للجمهور وللقراء.