الثلاثاء، 24 سبتمبر 2013

أوغادينيا إلي أين؟

‏الإقليم الصومالي في إثيوبيا(أوغادين) او الصومال الغرب كما يحلو للبعض تسميته من أكثر الأقاليم الإثيوبية ثروة وأكثرهم أهمية وأستراتيجية نظرا لمكانته الجغرافية المتميزة التي تربط إثيوبيا بثلاثة دول مجاورة ذات أهمية أمنية وجيوبولتيكية وإقتصادية وحتي إنثربولوجيةلإثيوبيا لتداخل الأعراق وتمازج الشعوب في المنطقة وهذه الدول هي: جيبوتي وإثيوبيا وكينيا مما يجعل إثيوبيا دولة محورية وقيادية في جميع القضايا المتعلقة في الشرق الإفريقي عامة والقرن الإفريقي خاصة.

ولموقع الإقليم الحيوي والمتحكم في المنافذ البرية وشريان الحياة والطرق الرئيسة التي تربط معظم أجزاء شرق إفريقيا التاريخية وخيراته الكثيرة وإحتياطاته الكبيرة من النفط والغاز والمياه الجوفية والثروة الحيوانية التي ربما الأكثر في المنطقة والمعادن النفيسة التي لم يستفد منها الإنسان البائس في المنطقة والأنهار الجارية والمساحة الشاسعة الصالحة للزراعة، جعلت الإقليم موطن تنافس وحلبة صراع مكشوفة لدول العظمي ومكان تحدث فيه دائما معركة رهيبة لكسر العظام للدول التي تريد بسط سيطرتها ونفوذها علي الشعوب المستضعفة والدول النامية والشعوب التي أخفقت في إستغلال ثروتها لصالح إنسانها ولفائدة وطنها.

وهكذا اصبح الإقليم مسرحا للقوي العظمي تتناطح فيه وتتصادم المصالح والمنافع في ظل تغييب عام للوطنيين،لهذا وأسبابا جوهرية أخري نعرفها جميعا جعلت المنطقة موطنا للحروب تلعلع فيه الرصاص وتسوده الإضطرابات المفتعلة والإضطهادات التي تخطت حدود البشر إلي حدود الوحشية، وبقعة تراقبها أعين المستعمر من أجل السيطرة ومص دماء أهله ولعقه قبل نهب الثروة والإقتصاد الوطني واختطاف إرادة أهله.

إستراتيجية الحرب الشاملة التي اتبعها المستعمر في كافة اصنافه والوانه وأزمانه والسياسة الفاسدة والتفرقة العنصرية والبلبلة التي يبثها المحتل في أوساط الشعب من جهة وطموحات الشعب المشروعة من رمي رداء الخنوع والخروج عن ايدي المستعمر لفياح الحرية ونسائم التحرر من جهة أخرى وإيجاد حرية حقيقية للإقليم تترجم أماني الشعوب وأحلامهم الوردية إلي واقع ملموس يعيشون في كنفه بحرية تامة ودون تكميم الأفواه ومصادرة الأراضي وحرق القري والمدن تسببت أن تكون لغة البندقية وصوت الرصاص وأزيز الراجمات الحل الأكثر حضورا في أذهان الجميع مما أدي إلي دمار حاد طال كافة المرافق والممتلكات.

وقادت الصراعات أن يكون الإقليم من أكثر مناطق العالم سخونة وحروبا وأكثرها تخلفا ودمارا ودموية وأطولها صراعا، حيث شهد موجات من الكفاح المسلح ضد المستعمر الأبيض والأسود، دامت قرونا وتيارات تحررية مناهضة للمحتل أبت أن تنيل أوتهون، بل واصلت نضالها أكثر من أربعة قرون .

وبما أن الحركات التحررية تنشأ من رحم المعاناة ورفضها لسياسة المستعمر الجائر قامت حركات ثورية مناهضة للمستعمر بعضها بنت إستراتيجيتها بعودة الإقليم إلي حضن الأم (الصومال الكبير) وبعض الآخر داعبه حلم الإنفصال من الدولتين (الصومال وإثيوبيا)وبناء دولتهم وإعادة الحرية وقيام جمهورية مستقلة غير تابعة للكيانات الشرق الافريقية المتعددة التي تدعي كل منها أحقيتها بالإقليم وإدارته.

ولكن لم يتحقق الجميع مآربهم لأسباب معظمها تتعلق بصلف العالم وكبته الأصوات الداعية إلي الحرية والمساواة والعيش الكريمة وأسبابا اخرى منها أن القضية تضرب جذورها وتكسب مميزاتها من الصراع القديم بين المسجد والكنيسة في القرن الإفريقي إضافة إلي قصر اليد والسباحة إلي عكس التيار التي يمارسها البعض والسياسات الموجهة للقضية والدعائم الأساسية التي بنيت عليها الثورة وسلوكيات القادة ونظرتهم للحرية والإستقلال وحصر الحلول بالخيار المسلح والإستبعاد الواضح لجميع الحلول السلمية والنضال السياسي.

وافتقدت الأطراف التنسيق والتخطيط السليم في معظم الفترات فتاهوا في سبيل تحقيق مطالبهم وسلكوا جميع الطرق المشروعة والملتوبة، وحقيقة كانت النية سليمة في معظم المسيرة رغم أنها لم تخلو بعض التجاوزات والتباس الأيديولوجيات والشوائب والأفكار الغير الناضجة في عالم كثير التقلبات والتغيرات ويحتاج الإنسان فيه أن يكون يقظا وفطنا يقرأ سير الأحداث ويستخلص العبر من بين المآسي والتجارب وتقلبات الزمان وتنكر السنين .

ولم يكن الحركات في شتي مسمياتها في بعض المراحل علي مستوي الحدث وبعض المرات غدرَنا القريب وبتنا نتمحور حول عالم لا تجد غير المناجل والمشانق والأطماع طريقا للحياة وأصبحت القوة السياج الوحيد الذي يحمي الدول والشعوب واصبح النفاق الدبلوماسي ونهب ثروات الأمم لعبة معتمدة في الدول المتقدمة وحتي المتأخرة أو المترنحة بتأثيرات الجهل والفقر والحرمان والمرض.

ولم يخرج الوطن في الدوامة منذ مؤتمر برلين السئ السمعة وجلساته المتغطرسة ومنح قيادة الوطن وملكية الأفراد والأراضي ومنح وسامة التاريخ وشامة الحضارة من لا يملك لمن لا يستحق وما تبعه من المعاناة والمعادلات الجديدة التي نتج عن تلك العملية البلهاء وخلق واقع جديد سرعان ما تحول إلي أطول كفاح وأعتي نضال في القارة الإفريقية يناهض إغتصاب الوطن .

ومنذ ذالك التاريخ والوطن يحكمه الغرباء ويدور في فلك غير فلكنا ينسجم ومع سياسة المستعمر الذي قسم الشعوب الأفريقية وكون حزازية لا تنتهي لتكبيل قدرات الشعوب الإفريقية ولتوجيه قوتها في اغتيال وتدمير الجار الإفريقي، وفي ضوء هذه الحالة المزرية كان الحرمان سيد الموقف ولم ينعم الإقليم بهدؤ بل إنخرط في موجات صراعات متجددة رمت آلاف النازحين إلي دول الجوار وفي داخل الوطن الكبير وأرسلت جموعا كثيرة إلي مراقدهم وأشربتهم كوؤس المنون أصنافا مما ضاعف ألم الصراعات وقسوة النزوح إلي المنافي السرمدية والغربة الإجبارية، وهكذا تواصلت الحروب ولم تهدأ أوارها ولم تخمد جذوتها ولم تقطع سلسة الحرمان بدأ من منيليك الفاشي إلي زيناوي العلماني القريب إلي الإلحاد والغامض المتحمس جدا لحسم الأمور عسكريا مرورا بهيلاسيلاسي وعنصريته الشديدة وغطرسته الواضحة إلي هيلي ميريام وعنهجيته وفترة الملكية الديكتاتورية وحقبة الشيوعية إلي العلمانية اليسارية التي أتاحت للشعب هامشا للحرية ومساحة للمناورة التكتيكية، وما بين ذاك وهذا مرت مياه كثيرة تحت الجسر وانهارت قوي عظمي وصعدت كالصاروخ بعض الدول وتغيرت قيادة العالم من أقصي الشرق إلي الغرب وثقافته المهيمنة للعالم وشهد العالم تغيرات جذرية متعددة وأزمان متنوعة وصل فيها الإقليم بعض المرات إلي ذروته النضالية وبعض المرات إلي أدني مستوياته في المنحني التحرري والثوري ولم يبق منه سوي الأثار والبيوت المهجورة وبعض المحاولات الخجولة من هنا وهناك ورماد الذكريات وخدش واضح لكبرياء الوطن.

واليوم وبعد مرور أكثر من أربعة قرون من إنطلاق الشرارة الأولي للكفاح الوطني يبدوا الواقع غير مبشر نحو إيجاد دولة مستقلة ونيل الحرية كما أردنا نحن، وأصبح الهدف غير واضح ولم نصل إلي مبتغانا وكأننا ندور في الحلقات المفرغة ونلعب الأدوار العبثية ونغرد في المربع الأول! ماذا حققنا سوي إراقة الدماء ورحيل الأجيال تحت تعذيب السوط والساطور والرصاص التي تلتهم الأرواح وتحصد الأجساد بنهم وشراهة؟ وماذا أضفنا لسجلات تاريخنا وأروقة الحضارة والتراث ورفع حياة الإنسان في أوغادين وتغييرها إلي الأحسن؟ هل حررنا الوطن؟ هل نجحنا في تدويل قضيتنا وعرض مأساتنا للعالم بعيون محلية ليست بعيون زرقاء اليمامة ولا التنين الصيني ولا الإفرنجي الأرمش ولا الهيئات الأممية والإقليمية ذات الأهداف المشبوهة؟ لا أظن أن شئيا تحقق سوي مزيد من المعاناة ومصادرة الحرية والدموع ودمار حاد طال التاريخ والجغرافيا والحجر والبشر.

لا يمكن مواصلة نطح الجدار برأس رخو وأيادي طرية وسياسة همجية تقصي القريب وتقرب العدو وتخلق أعداء جديدة في كل لحظة وتزور الحقائق وتقفز فوق الحاضر وتلهي الشعوب بزغاريد خادعة وأقنعة مزيفة وشعارات أكل عليها الدهر وشرب وحفظتها الجموع المتعطشة للسلام والوئام والحرية لكثرة ما تغنينا بها وألهبت الأكف بالتصفيق وبحت الحناجر لكثرة رة ترديدها.

إذن ما الحل؟

التمادي في التجارب التي نعرف نتائجها مسبقا يعتبرغباء سياسيا قبل أن يكون إفلاسا إداريا وتقصيرا للرؤى والأفكار التي تقود الأمم وتوجهها نحو جادة الصواب والطرق الأكثر اهمية وأقل تكلفة، وعدم المرونة والبحث عن الحلول الغائبة وطرق جميع ابواب المعضلة ودراسة سيناريوهاتها تؤدي إلي ترهل في الهمم وانتحارا للقضية بايدي المخلصين من حيث لا يشعرون.

واليوم نحتاج إلي رؤية جديدة وعين ثاقبة وإستراتيجية واضحة المعالم وسياسة رشيدة تفحص جيدا آثار الماضي وتفرز الواقع وتستشرف المستقبل وتقرأ الأحداث وتتبع سياسة الموجهة للكون والتكتلات الإقليمية والدولية والظروف المحيطة للمنطقة لنخرج منها العبر وخطوات سليمة تحفظ سطوع التاريخ ونضارة النضال من الإندثار الساذج والنهايات التراجيدية المؤلمة، وهذا يتطلب تغير فلسفة القيادة وأبجديات السياسية وأيديولوجيا الكفاح والإنحناء من العاصفة والبعد عن السباحة إلي عكس التيار الجارف وتنظيم الأوراق والمحاسبة الجادة لمخرجات الصراع المتواصل منذ تلك الفترة.

وإن لم نتدارك اليوم قد تكون النتيجة مأساوية ومبكية تضيف أطنانا من السوء والسواد للواقع المأزوم أصلا وإن واصلنا الجنوح نحو المغامرة الجنونية في ظل عدم ظهير ومناصر لقضيتنا إضافة إلي عدم تكافؤ الفرص والتكتل العالمي والإقليمي المنحازة للقوي الشر وضد القضايا العادلة في العالم والواقع القاتم أصلا تتواري القضية عن العين ونغتال مستقبل الأجيال القادمة بايدينا وبدم بارد.

لذا من الأجدر أن ندرك أن الطرق المتبعة وبحماسة شديدة في القرون المنصرمة لم تحدث فارقا جوهريا في مسيرة القضية ولم تشكل أية اهمية في مسيرة النضال إلا بعض المرات النادرة وبالتالي يتطلب الموقف تغيير الخارطة والتنازل عن البنود الصلبة لصالح الشعب ومن خلال الظروف التي تخلق هذه العقلية نستطيع ترميم الماضي وتشيد صرح الواقع والإفاقة الجيدة من الغيبوبة الطويلة خاصة في ظل رياح التغير التي عمت العالم والثورة التعليمة التي أتاحت بحث الحقوق بطرق أكثر مرونة وأنجع فائدة وأبعد أثرا تبدد الغيوم الكثيفة التي احجبت الروئا وجثمت رأس الوطن وصدر المواطن وتطبب جراحات الزمن وكدماته الكثيرة والظرف المعقدة للغاية التي عاشها الوطن.

لا أعتقد أننا نتمكن تغيير الوقع بكثير من الكلام وقليل من العمل ولم أسمع في حياتي أن الآمال الأرجوانية غيرت الخارطة وحولت المعاناة إلي جنات وارفة الظلال والتصحر المعرفي إلي حديقة معرفية غناءة ولم نسمع ايضا أن الأماني الفارغة حققت المراد وادخلت السرور في قلوب البسطاء والكادخين بل يحتاج الوطن كي ينهض من كبوته ويتعافي من أمراضه المزمنة إلي سواعد بيضاء وأدمغة متعلمة وعقول مثقفة وطاقات مخلصة وجبارة تنقذ سفينة الأمة إلي بر الأمان وشاطئ السعادة وتتسلح بأفق واسع وحتمية التعايش مع الواقع والإنخراط في عملية السلام مع حفظ الخصوصيات ومراعاة الفوارق ورفع سقف المطالب الدستورية المتاحة.

وليعلم الجميع أن الضجيج في المجالس الفارغة والجدال الصخب في السواق ولا الشتائم في المواقع لا تحرر وطنا ولا تفك اسيرا ولا تبني قصرا ولا تطور تعليما ولا تحسن مستوي المعيشة ولا تؤاسي مكلوما ولا تفرح يتيما ولا تجبر خاطر أرملة أوقلب مفجوع! بل تبعد الحلول القريبة وتكب الملح في جرح الكرامة وتشحن الأجواء بمزيد من الكراهية والحقد الدفين.

وأخيرا لنرتقي إلي قدر المسؤلية ومستوي الحدث ولنحترم العقول لأن فبركة الواقع وعدم ذكر الحقائق الجلية لا تقودنا إلا إلي مزيد من الحرمان والضياع والإتجاه إلي الطريق المعاكس للحل المنشود ،ومن أغرب ما سمعت أن بعض المنتمين إلي الوطن يراهنون الزمن لتصليح ما أفسده البشر وبعضهم فقدوا الأمل في الرجوع أو حتي مجرد فكرة إلي تربة الأم وبعضهم يتحدثون تسونامي سياسي قادم قد ترسل القادة الإقليم إلي جيل أغادينيا(JEEL OGADEN)! ولكن السؤال الأهم في هنا: هل زلزال سياسي يغير خارطة الحكم في الإقليم الصومالي في إثيوبيا ممكن أن يحدث في الأيام القليلية القادمة؟ حسب رأيي المتواضع وقرآتي للواقع والرجوع إلي التاريخ والسجل السياسي للحكومات الإقليمة في إثيوبيا من الصعب بمكان أن يحدث إنقلاب أبيض ولا تصادم دامي في أروقة السياسة ما لم تكن طبخة أعدت علي نار هادئة في القصر الرئاسي في أديس أبابا وبمباركة من الجنرالات التجراوية المتمركزة في هرر! وأعتقد ان الأخبار التي تتحدث عن هذا الشأن هو إستهلاك سياسي وإبراز العضلات في حبال الهواء وركوب موجة الفبركة ونفخ بالون الضحك علي الذقون لكسب مزيد من النقاط في معركة البقاء!.‏

الفن، الاستبداد والاشتراكية.. وأشياء أخرى!

  بعد يوم غائم أعقب أسابيع من الحرارة والرطوبة الشديدتين؛ كان الليل الكسماوي صافيا وجميلا. الرذاذ الذي بدأ بالتساقط بعد التاسعة مساء ومجالسة...