الثلاثاء، 24 سبتمبر 2013

الحب الممنوع (2)

صدفة اللقاء:
وبعد مراجعات وفكر ثاقب وحرب شعواء بين عقلها وقلبها إنتصرت العاطفة علي العقل، والإرادة والحب علي الحياء الأنثوى العفوى، وفي لحظة نادرة من الصفاء العميق والشجاعة الكاملة لبست مريم بخمار وردي لفّته حول وجهها فبرز كالبدر في محتلك الظلام! وجمعتْ ما أوتي لها من قوة ويممتْ وجهها شطري تحثّ الخطا لتبوح ما تكنّ لي في صدرها البرئ الطاهر لأشاطر لها الحرقة والعشق أو لننعم معا في كنف الحب ودفء الوصال، ذهبت مريم إلي حديقة "روضة العاشقين" وهي حديقة غناء يرتادها المحبون وتشتهر بتنوع ورودها وكثرة زهورها وبرودة أجوائها المفعمة بالرومانسية، وكثيرا ما أقصد إليها لوحدى وأترك أشجاني بين بساتينها التي أشم رائحتها الزكية، وأبثّ شكواي في جنباتها الفسيح، وأنثر آهاتى في براعم زهورها التي تنظر إليّ بعفوية الطبيعة وبرآة الورود الرائعة.
وبصدفة محضة وعجيبة بعيدا عن الرسميات المملّة واللقآءت المرتبة المصطنعة قابلتْ مريم فارس أحلامها ومنتهي شوقها، شغرتُ فاهي دهشة وعجبا لرؤيتها في هذا المكان بالذات ومددتُ يدي مرحّبا بقدومها ونظرتُ إليها فإذا أنا أمام صورة للعظمة الإنسانية والأنوثة التي تذيب الرجل، ورجعت البصر فرأيت ملامح نسوية جميلة ومظاهر عزيمة تتحطم دونها آمال الرجال.
جلسنا زاوية بعيدة تحت ظل شجرة منصوبة القامة، وارفة الظلال، مغطاة بورود ذات رائحة جميلة، أوراقها تحابا وامتزجا وأغصانها تعانقا واتحدا ورسما لوحة رائعة من الحب والوفاء، تجاذبنا أطراف الحديث وما أجمل حديث العاشقين وهمسات المحبين!، والحديث يرنو ويلذ كلما تطرقنا عن الحب وتعمقنا في تفاصيله وولجنا معا باب العشق والغرام.
وكلما نظرت إليها أتذكر قول خليل مطران:
الحب روح أنت معنــــــاه *** والحُسنُ لفظٌ أنتَ مبنــاهُ
تمَّتْ برؤيتك المنى فحكت *** حلماً تمتعنا برؤيـــــــاهُ
يا طيب عيني حين آنسهـا *** يا سعد قلبي حين ناجاهُ .
أخذتْ مريم تحادثني وقلبها يخفق وجسمها يرتجف ولسانها يتعثر وبدأتْ تشرح لي بشئ المّ بها وأرقها، وختمت قولها المبدع ونبراتها الساحرة كلمة كانت شديدة الوقع علي مسامعي "أحبك" نعم أحبك بصميم قلبي ولا مكان لرجل آخر في حياتي كآئنا من كان، وحبي فاق كل التصورات وأصبحت حديثي في منامي ويقظتي! وما إن سمعتُ هذه الكلمات الصادقة من مريم حتي بادرني وبسرعة كالبرق شعور متناقض وذبذبات عاطفية غير متجانسة، لقد هالني ما سمعت وأدهشني ما تفوهتْ به مريم وعشتُ مع شعور متناقض ودبّ الخوف في أوصالي وانتابتني موجة عارمة من البهجة والسرور ونشوة لم أر لها مثيلا، شكرت لمريم كثيرا وأثنيتُ جهدها وشجاعتها النادرة وقلت لها: إني وإن قصرت شجاعتي البوح بالحب إلا أن قلبي بدأ يخفق وبنبضات غريبة وأتذكر بك يا مريم كل لحظة في حياتي وهذا تغير عجيب لنفسي وتفكيري!
لم تكن لديّ الجرأة الكافية للحب وقبول عرض مريم لكوني كنتُ بعيدا عن الحب ولوعاته ولم أعرف يوما بمعني الحقيقي للحب ولا كنهه وأغلب الأحيان كان يعتريني العجب لبنت معينة وسرعان ما يتلاشي وربما أقل مما أتوقع ويكون فقاعة لا أكثر! ودونما يصل إلي أدني درجات الحب، ودون أن يتطور إلي التعلق أوأن يتسلق إلي سلالم الحب ويتربع في عرشه في أعلي قممه الوديعة، وفي حياتي القاسية من الصعب أن يدوم الصفاء النادر والشعور الجميل بل يتبدّدان في غضون لحظات!، ولكي لا أقع في شباك الحب كنت أحصن نفسي كوقاية من أعراض الحب وأمراضه جرعات مضادة للحب من البلادة وجفاف العاطفة.
كنتُ أبحث ولا أجد ما يروى غليلي ويشفيني من الإستفهامات الكثيرة المؤلمة التي أتسآله حول الحب، هل الحب مهمة قشيبة ومريحة؟ أم هو آهات وأحزان؟ هل الحب في ترانيم العصافير وعطر الحبر وحفيف الصفحات وروعة الطبييعة؟ أم هو سفور الكوارع وتدقيق الحواجب وتحمير الشفاة؟ أم هو عري الساقين وكشف الصدور والخدود؟! أم هو الشوق إلي أناس تركوا بصماتهم واضحة في حياتنا؟ ام هو الحنين الذي ينتابني مع نسيم السحر وتباشير الصباح وهبوب الصبا والذي يذكّرني الأشخاص الأجمل في حياتي والأروع في وجداني ويثير الشوق آثارهم ولمساتهم في وجداني ويجعلني أفتقد إلي أنسهم وأشتاق إلي بسماتهم الحلوة وإطلالاتهم الرائعة وذكرياتهم الجميلة سواء كانوا معنا أو رحلوا عنّا إختياريا أو غّيبهم الموت وأجبرتهم المنون علي الرحيل!؟ هل هذا عين الحب ؟ كل هذه الأسئلة وغيرها جعلتني في ورطة حقيقية ومتاهات صعبة وأمام مفترق طرق الحب الوعرة؟.
وبعد جلسة عاطفية ورومانسية بإمتياز تصلح أن تكون حلقات لمسلسل حب ناجح وبعد كلمات حب منمقة تركتُ مريم وبعض الدمع في عيني حسرة علي الحب الذي أخافه من الضياع، وانصرفنا وكل واحد منا أفاض في ربوع روحه شلالات العشق وتيارات الحب والهيام، وأضربنا موعدا أقصاه ضحى الغد لملاقاتنا، وتنمية جنين الحب حتي لا يموت بمهده وحتي لا تجهضه العقبات ولا تذبله الإنقطاعات ولا تغمره موجات النسيان الجارفة.
من طبيعة نفس البشر أنها لا ترضي ولا تستأنس إلا بصنوها في الحياة ومثيلتها في المعيشة وندها في السلطة والشهرة والسيادة، فحياة الأثرياء تختلف مغزى ومعنى عن حياة الكادحين أشباه العراة زائغي العيون ضامري البطون نحيفي الجسم وصراعهم اليومي مع أساسيات الحياة وضروريات المعيشة ومتطلباتهم اليومي البسيط، لذا لم تكن الجلسة خالية من المكدرات ولا أذيع سرا حين أقول لم أستوعب جميع حديثها ولا أنسجم معها بل كنت أتنافر منها كقطبي المغناطيس ليس بغضا وكرها لمريم بل بمعرفتي التامة لمغامرتنا المحفوفة بالمخاطر! وكيف أشعر براحة بال وأنا بطل في رواية القلق؟، والشعور بعدم الإنتماء إلي هذا الحب يطاردني، وأصبحتُ ضحية لهذا الحب الغريب الذي ليس له صورة يُعرف به لأتهرب عن مكانه وأتحاشي عن مواقعه وأوكاره المرعبة.
لا أخاف من تجربة الحب بسبب نقص في شخصيتي بل كنت شابا قويا، مفتول العضلات، بهيّ الطلعة، طويل القامة، أنيق المظهر، حاد الذكاء، متوقد الذهن تسير في محياه شمس الشباب وأصدقائى يقولون: أنا في العبقرية وحسن البديهة ابن بجدتهما حتي سمّوني "إياسا" تشبيها وتيمنا بقاضي العبقري والداهية الكبيرة إياس ابن معاوية، وتجري في عروقي العزة والإباء التي أورثتها أجدادي العظماء ،وأنا في محيطي البيئي نجم ساطع بل أقترب إلي مثل أعلي في نظر الشباب.
كنت شابا مهذبا أحترم الإنسان وأحرص التفاعل مع الآخر وتنمية العلاقات مع الأصدقاء والأقرباء إيمانا مني أن الإنسان الناجح هو الذي يعيش بحب ووئام واحترام متبادل ويكوّن حياة طيبة مع محيطه، لذا لم أكن متعجرفا ولا متكبرا يزدرى الناس بل كنت ودودا طيب الخلق وفي النظرة الأولي تتمني كل بنت أن أكون فارس أحلامها وألبسها خاتم الزواج وفستان العرس وتنسج في مخيلتها أروع الأحلام وأحلي الأيام.
لم تكن حياتي بلا هدف ولا غاية مرسومة أسير إليها، بل كنت متقيدا في الدراسة الجامعية وعلي وشك التخرج مخلصا ومجتهدا وجديا في دراستي وبسبب نجاحاتي المستمرة في المدرسة وفي الجامعة أحبني الناس فأحببتهم إلا من ألهبته نار الحسد والغيرة وأعمت بصيرته الكراهية وهذا شئي طبيعي في حقل الدراسة وسلك التنافس وميادين المعرفة.
ولا ينقصني ـ ولا أتهرب من حب مريم ـ سوي أسرتي المتواضعة ماديا وإنتمائي إلي الطبقة الكادحة التي تأكل عرق جبينها وجهد بدنها وتكسب الحلال الشريف علي حساب صحتها أحيانا، وتصوراتي المخيفة إلي نهايات تراجيدية مرعبة للحب لتباعد الأفكار والحياة والخلفيات.
ولكن رغم أن أسرتي متواضعة ماديا ومغمورة إجتماعيا إلا أن الكرم سمتها البارزة ويعرف عليها أنها أسرة أدب ودين وبيت يحترمه الجميع لنبل تعاملهم وحسن خلقهم وطيب معشرهم قفد كان جدى من العلماء البارزين والحكماء الذين يشير إليهم بالبنان عند نزول الخطوب ويلتمس الناس عنده حلا لمدلهمّات الأمور، وأبي الزيّات معروف بسعة علمه وغزارة معرفته وخلقه الرفيع وطبيعته النبيلة، يغيث الملهوف ويساعد اليآئس ويؤآسي المجروح، ويعين المكروب، وفوق ذلك هو مهني لا يظلم ولا يغش.
شؤم الطبقات في حياة البشر:
ومما زاد شعوري وقناعتي بأن مهمتي صعبة إن لم تكن مستحيلة مستوي المعيشة والطبقات والفرق الشاسع بيننا، فكلانا ينتمي لطبقة مغايرة ومختلفة عن طبقة الآخر ويخضع لقوانين معينة من منطق الحياة يصعب تجاوزها، مما يعجّل أن يفضي حبنا إلي سراب ويمكن أن يعرض حياتي في خطر ولا شئ يعادل السلامة، ولا أريد أن أجازف حياتي وسلامتي لهكذا عواطف بداياتها لا تشير ومضة أمل لمستقبل مشرق، وبما أن الأحزان وإن طالت ستنتهي وأن المقدمات تحكم النتائج أدركت عقم التجربة وقبول حكم الواقع ومنطق التاريخ.
ما أصعب الطبقات في حياة البشر! فرغم أننا نقرأ ونشاهد ونسمع في الخطب المنبرية والتآليف المتنوعة والأفلام الرومانسية والمسلسلات الغرامية أن الحب يذيب الفوارق ويحارب التعالي والتكبر علي الناس ويقرب المجتمع ويقلل الطبقية والإقطاعية ولا يعترف هيمنة البرجوازية المتغطرسة علي البوليتاريا المهمّشة، أو كما يقولون هو (أعمي) لا يعترف الفوارق!، الإ أننا نجد ونري في أرض الواقع خلاف ذلك الأمنيات الجميلة والعالم الإفتراضي الرحب الذي يعيشه المحبون ذوى القلوب الطيبة البيضاء، والإحساس المرهف النقي، بل ما زالت قوانين البشر وعاداتهم السلبية غير آبه لهستيريا المحبين ولا لحبهم الأرجواني الجميل.
ويظهر الفارق جليّا وتبدو المسافة واضحة عند الحديث، فحديث الأثرياء يدور حول السيارات الفارهة وآخر موديلاتها، وموضات الأزياء والسهرات الماجنة والليالي الحمراء، وقضاء شهر العسل في باريس ونظافة شوارعها وأناقة قصورها وجمال مبانيها وكثرت حدائقها وبرجها المشهور ودور السينماء وتدافع الناس إليها والمتاحف التاريخية فيها، أو بيروت وكثرة مسارحها ومهرجاناتها الغنائية، أو النمسا وسهراتها الجميلة ولياليها الرائعة بين موسيقي موزارات وألحان بيتهوفن في دار الأوبرا الشهيرة وإنقضاء نهارها بين متاحفها التاريخية، وسويسرا وهدوءها الشديد وبرودة شتائها ،ورحلات الإستجمام إلي القاهرة والصور التذكارية حول أهرامات الجيزة وأبو الهول.
وتعجبك حيرتهم وإنفعالهم ولوّ رأسهم وتحريك أهدابهم وإستخدامهم كآفة حواسهم للكلمات البسيطة التي لا تتطلب جهدا لكي تخرج من الحنجرة وكثرة حديثهم حول وجهتهم القادمة وأنهم لم يحددوا بعد والصيف قد إقترب! هل أذهب إلي المغرب بجمال مصائفها وإنفتاح أهلها للأمم والشعوب ،أو جنوب إفريقيا وروعة شواطئها وشساعة أراضيها وتعدد مناخيها،؟ أم إلي الهند بثقلها الحضاري والإثني وفخامة مبانيها وعجائب قصورها وأريج زهورها وود أهلها؟ أو إلي تركيا قلب الشرق النابض وموقعها المتميز الذي يربط الشرق بالغرب؟.
بينما ذهن طبقة الكادحين يجول تفكيرهم حول طوابير الخبز الطويلة وفواتير الكهرباء والماء الباهظة ويتصارعون مع رسوم الدراسة التعجيزية للابناء، وتأمين لقمة العيش والصحة والصراع مع الأخطار والبقاء في معركة الحياة وتوفير مسكن وجو معيشي ملائم للأسرة، وخاطرهم معلق بغرفهم الضيقة المقسومة ما بين النوم والمطبخ وأسمالهم الممزقة التي لا تقيهم الحر ولا البرد وينشدون وطننا يعيش فيه المواطنون دون الخوف علي مستقبلهم .
والتسلية الوحيدة للكادحين هي إيمانهم القوي بالله والقناعة التي أوجدها الخالق في قلوبهم ويقينهم التام أن النائم علي الحرير كالنائم علي الحصير، والكل يضع راسه فوق الوسادة مع إختلاف ألوانها وأنوعها، أما من ينام ملء جفونه ويستريح بنومه هو من آوي إلي فراشه يشعر رائحة البال وهدوء الضمير، وأنهم رغم نحافة أجسامهم ورقة عظامهم هم أوفر صحة وأنعم بالا من هؤلاء اصحاب الكروش المهددون بالسكري أو الضغط كلما كثرت ثروتهم.
ذهبتُ إلي البيت بعد إنتهاء اللقاء المفاجئ وأنا لا أدري أين الطريق الصحيح الذي يؤديني إلي البيت بكثرة التفكير والسؤال وصعدتُ إلي عتبات حجرتي الكئيبة لأستريح في المنام ولأتهرب هذا الجحيم إذا ظفرت بنوم، سلمت نفسي للكري وأطبقت أجفاني بحثا عن النوم وراحة بال ولكن لم أستطع ولم تكتحل عيوني المتعبة بالنوم الذى كنت أنشده، جلستُ جانب السرير ذاهل اللبّ شارد الذهن تتقاذفني الأوهام وتعبث بي الظنون، ماهذا الهجوم العنيف الذي غزا فؤادى دون أن أعد له عدة أو آخذ له الأبهة ودون مقدمات؟
لقد كنتُ طول حياتي أفتخر أن قلبي حصن منيع ونجم بعيد لا يمتد إليه أمنيات الخيال وأرى نفسي أني لا أستجيب إلي إشارات النساء ولا أقع لشباكهن وبالأمس القريب رفضت إبنة مدير مدرستنا الجميلة المهذّبة وما أنس لا انس كم بذلت من وسيلة وكم ساقت من رجاء وكم تساقطت دموعها علي قدمي فلم تجد مني إلا الرفض والجفاء.!
وأحضرني وأنا في هذا الليل البهيم مدى قساوة الليل علي الشاعر الجاهلي امرؤ القيس ـ وخاصة إذا كان مصاحبا بشتى صنوف المحن والإبتلآءت ـ واستحسنت ما قاله كاتب عماني في شرح وصف امرؤ القيس لليل، وسر تذكرى كتابة هذا العماني النائم في ربوع سلطنته الهانئة ،إعتقادى أني أسبح في وادى الشاعر فوق ربوة الحزن وتحت أديم السماء الموحشة ...<< يصف الليل بوصف غير عادي انه يصور الليل مثل موج البحر الذي أرخى أستاره على الشاعر لا لكي يسعده ويمتعه وانما ليبتليه بأنواع الهموم انه يتصور الليل بسواده كأنه أمواج لا تنتهي من الأحزان والهموم وعندما نبحث عن العلاقة الدلالية بين الليل وبين أمواج البحر فإننا سوف نصل الي النتيجة التالية:
أ - الليل = الخوف.
ب - البحر = الخوف.
ج - الهموم = الحزن والابتلاء>>
ولقد كنت في غمار الحالة البائسة التي ذكرها الشاعر في أبياته إلا أن قريحتي الشعرية لم تسعفني لأعبر خاطري بشعر عذب زلال فلذتُ إلي شاعرى المفضل ـ جريرـ أبحث ما أحفظ في ديوانه هل مرّ عليه ما أعانيه وذاق صعوبة الليالي الحالكة، ليالي الإعياء والفتور والملل؟ فأجابني بصوت جهوري يخترق ملايين السنين ليصل إليّ في سكون ليلي المخيف؟.
نعم وقلت في ذلك:
يــــا أم عمرو جزاك الله مغفرة *** ردي علي فؤادي كالذي كانــــــا
أبدلُ الليلُ ؟ لا تسري كواكبــه *** أم طال حتى حسبت النجم حيرانا؟
إن العيون التي في طرفها حورٌ *** قتلتنا ، ثم لم يحيينَ قتلانــــــــــــا
يصرعنَ ذا اللبِّ حتى لا حراكَ به *** وهن أضعف خلقِ الله أركانــــــــا.
بتّ ليلتي مؤرقًا ولهانا أناجي النجوم وسمرت عيناي بالسقف لطول الفكر وعمق التحليل وصاحبني الهموم وأوردني كل مورد وأخذتني الأرض إلي غيّها وهاجمتني أزمة جلدة الذات وتأنيب الضمير في أنين وصمت، وفي الساعات الصباح الأولى تعاطيت حبوب الشجاعة وانقطعت عن التفكير ونمت ولأول مرة منذ شهور ولم أستيقظ إلا مع قسمات الفجر وصياح الديوك إيذانا لبزوغ الشمس وصباح يوم جديد.
أما مريم فكانت محيرة بحبها وتتخيل ردة فعل أسرتها وتتسآل: ماذا يقول الناس؟ وبم تتحدث السوامر؟ سأكون سخرية الدهر، وسيقول الناس أنها خالفت عادة وثقافة قبيلتها، وتخطّت كل الحواجز وأنكرت تقاليد عشيرتها الخالدة وأنها شابّة متهورة وغير منضبطة! ثم أطرقت طويلا ورفعت رأسها كأنها أفاقت من حلم مزعج وكابوس مخيف، وقالت: مالي أهتم بحديث الرجال وثرثرة النساء إني أحببت رجلا عظيما وتعشقت نوعا فريدا، إني لا أكترث بريق المادة ولا جمال القصور بل أحب الرجولة المتوثبة والشجاعة النادرة والحب الصادق والكرم.
إن أحمد رجل لا كل الرجال فليس بدعا أن يكون حبي له حبا لا يماثله حب ولا يعادله غرام، وغمضت عينيها فسبحت في عالم فسيح من الأحلام الوردية والخيال الجذاب، وأقنعت نفسها بأن حبها هو رأس مالها وثمرة حياتها وشهادتها الحقيقية، رغم صعوبة الموقف وخطورة الخطوات المتبعة لنجاح هذا الحب المجنون والعشق المتمرد.
لم تنقطع مريم عن التفكير ولم تترك التساؤلات الغريبة تحيطها في كل جانب، وبعدما كثرت الهموم وعظمت الظنون حاولت إقناع نفسها بتذكر ماضيها ـ الذي يهروله الجميع في الأزمات ـ قائلة: كانت الدراسة عشقي الوحيد وأقضي ساعاتي بين رفوف مكتبتي وجدران جامعتي وطاولتي الدراسية أحلل مسائلي وواجباتي المنزلية، وكان النجاحات المتتالية تزيدني فخرا وتعلقا بالدراسة والعلم، وكان القلم والأوراق عالمي الوحيد، وكنت أتندر وأعجب من يحادثني عن قصص الغرام ويتعب نفسه قرآة أدبيات العشق وروايات الحب لقناعتي التامة أنه ضرب من الجنون لا يصيب إلا ضعافي النفوس فاقدى الثقة نرجسى الإحساس! واليوم أنا ضحية جديدة من ضحايا الحب عبر تاريخه الطويل.

ميناء غَرَعَدْ.. بارقة أمل في وسط الهزائم

  بعد انتهاء معرض مدينة "جالكعيو" للكتاب الذي كان يهدف إلى نشر السلام والمصالحة الشاملة بين القبائل -قبل تعزيز الثقافة والمعرفة- ف...