الثلاثاء، 24 سبتمبر 2013

نحن والديناصورات

جيولوجيا تحكي قصة الديناصورات عن كائنات عملاقة عاشت الحقبة الوسطى من الزمن الجيولوجي سادت الدنيا دهورا (160 سنة كانت الفقاريات الأعم والأكثر في الكرة الأرضية) وصالت وجالت مهيمنة على الأرض ولكنها أخفقت في التكيف مع المتغيرات الحياتية والمناخية والمعيشية التي طرأ على الأرض التي أهمها انجراف القارات وتغير المناخ؛ مما أدي إلى انقراضهم وزوالهم الكلي على وجه البسيطة، ولا يوجد اليوم إلا الآثار التاريخية والمستحدثات التي تدل على بئياتهم ونمط معيشتهم وسلالتهم وتصنيفهم ووجودهم في السجل الجيولوجي والأحاثي، وأنهم مروا من هنا وعاشوا هناك! ولم يبق منها سوى بقايا عظام وهياكل معروضة في المتاحف الدولية.


وسياسيا استخدم مصطلح الديناصورات عن العائلات التاريخية والشعوب التي كانت تسيطر وتوجه العالم، ولكن قلَّ نفوذها بمرور الزمن وتغير الظروف، وقد يكون مصطلحا غير شائع، ولكن بالتأكيد يرمز للزعامات أو الأمم التي تعيش خارج الزمن، والتي تبعد عن العالم آلاف السنين الضوئية، والتي تكرس الجهل وتصدر العنف وتنتج الجهل وترضي أن تكون حالمة في زمن اليقظة، وأن تكون أمية في عصر النانو والتنوير المعرفي.

 قد تكون هذه الحكاية كافية؛ لنعرف أن الحياة مزالق ومطبات وأنها تصلح للأجدر والأمثل، وعنصر البقاء مرهون بتماسك الأمم وتعليمها وتنوع اقتصادها وحفظ أمنها، ومواصلة طريق الحياة يحتاج إلى المرونة والتحمل في كافة الظروف والمناخات والأوضاع، وأيضا يعتبر المقدمة ذات فائدة جمة لندرك مدى الخطر التي تحدق الأمم والشعوب التي لم تستطع مواكبة العالم؛ بل دأبت ضمور الشر للحياة والعيش في العصور المظلمة، والتي تحجرت عقولهم في الاعتكاف والتشبث في الحياة المألوفة والعادات التي تناقلتها الأجيال، مما أبعد تفكيرهم عن التطور وهمتهم عن إلحاق ركب العالم والطموح إلى المعالي، وأفقدهم التواصل ومد الجسور مع الأمم والذكاء العاطفي.

وإذا نظرنا في واقعنا المؤلم والتشتت الذي ضرب أكباد أمتنا التي أصبحت محصلته أن لا قواسم مشتركة تجمعنا ولا روابط تجمع بيننا، وبالتالي فليذهب كل إلى حاله ينفطر القلب كمدا وتحيط بنا سحب الكآبة من كل النواحي، وفي الوقت الذي يتحدث العالم ودول الجوار عن الحرية والكرامة والتعددية والتسامح ترفران فوق الميادين نتحدث نحن عن حياة ليس فيها سوى الفقر وقلة الكرامة والمهانة، وأصبح التحدث عن الحياة الكريمة تفاهات مثيرة للشفقة! كم يؤسفني ما آلت إليه أوضاعنا في بقاع العالم حتى أصبحنا مثالا للضياع والتشرذم والتشرد!
ولا يرى الشخص بصيص أمل إذا أمعن النظر حالة الصوماليين سواء في عقر دارهم وفي تربة وطنهم أو في دول الجوار أو

البعيدة عنا جغرافيا، فوطننا أصبح بقعة ملتهبة وحلبة مكشوفة للصراع والشعب أرهقته الانقسامات والهرطقات السياسية، وأصاب معظمهم داء التعصب على رأيه أو على أفكار حركته أو على أهداف حزبه وجعل الأمنيات على هئية يقين، ومعظم الأمنيات لا تتحقق، وساد في الوطن شريحة لا تعرف وسيلة للحوار بغير السب واللعن والتكفير حتى تدهورت حالتنا أكثر، وبات الشعب بين باك في صمت ومعول في نشيج، ولم تتمكن عاديات الزمن بتضميد جراحه؛ بل لم يزل مستنقعا يخافه العالم ووكرا للأشباح وجراحا نازفا تتوالى عليه الضربات آخرها اغتصاب طفل ذي 6 سنوات في صنعاء اليمن، والأسوأ من ذلك سكوت أهله وعدم إبلاغهم للجهات المعنية بسبب التهديد والخوف الذي كبل القدرات وشحن في القلوب الرهبة والخور.

وليس مسلسل الحرمان موقوفا باليمن بل حلقاته ممتدة من أطراف الصومال وفي دول الجوار إلى الدول الغربية والعربية، وخير شاهد على ذلك هو الأسر الصومالية العالقة في سوريا الذين لا يجدون معينا ينتشلهم من نار الحروب ومن صعوبة العيش، حقا إنها كارثة إنسانية بكل المقاييس، يواجهون الموت والجوع وجلاوزة لا تعرف الرحمة ونظام توحل في الدم، ويعيشون في حالة سئية جدا في ظل سكوت غريب لحكومتنا التي ما زالت تنفخ في بالونة مزيفة وتلهي الناس بمبررات لا تنطلي على الجنين في بطن أمه، أين الاستجابات لوخز الضمير، وهل وصل الحال بكم إلى هذه الدرجة أم الفساد ترك آثارا عميقة تتكسر موجات النداء دونه! ومما يضيف أطنانا من السوء والسواد في قضية إخواننا العالقين والبائسين في خارج الوطن سواء في سوريا أو كينيا عدم اهتمتام الوزارة المعنية لشؤونهم (وزارة الخارجية) ووزيرتها التي تبدو وكأنها لا تحسن سوى الزيارات والحفلات التي لا تحتاج سوى الظهور بأناقة وقليل من ابتسامة برتوكولية وعدسات الكاميرا، والتنقل بين البلدان وكأنها وزيرة للنوايا الحسنة أو للسنغافورة أو نيكارجوا!.

لا تبني الأوطان بتشجيع الحكومة على طريقة الجمهور بالدرجة الثانية ولا ظاهرة التمادي في المعارضة والاستماته بالنقد ودفن الرؤوس في تراب التجاهل والاستخفاف؛ بل يبني الأوطان بالعلم والتقنية والتفكير الحر وإعادة الحق إلى نصابه والسيف إلى قرابه، وليست المشكلة تكمن في المواطنين ولا الحركات المسلحة بل يبدو أن الحكومة جزء كبير من الحراك السلبي القائم على الساحة.

ومن الجيد أن تدرك الحكومة أن المهاترات والنرجسية في المواقف لا تصنع وطنا ولا تبني أمة، بل تقسم الشعب من جديد، وتفقده  المصداقية وتضعف هيبة الدولة في قلب المواطن، وتفقده الأمل في غد أفضل، ومن التناقضات العجيبة أن رأس الهرم في الدولة  الصومالية تدور في المربعات العبثية، وليس مهضوما ولا مستساغا أن بوصلة الاهتمامات الرسمية للحكومة موجهة إلى كسمايو والمؤتمر المنعقد فيها وكأن خطر الانهيار الحكومي والتفلت الأمني المهدد على الكيان الصومالي قادم من هناك!
ومن الغريب أن تصرف الدولة أموالا طائلة لعرقلة المؤتمر، وهي دولة فقيرة وفمها مفتوح لكل لقمة، وشعبنا يتضور جوعا فوق موائد اللئام، ويقتات فتات المساعدات الإنسانية التي تهدد دين الأمة وتضرعاتها وثقافتها، وثالثة الأثافي ركب الأمن في كف عفريت في مقديشو، وجميع مناطق نفوذ الدولة، وهي تغدق أموالها لشراء الذمم وتصب اهتمامها وشفقتها لأهل جوبالاند كأنهم على شفا جرف هار ومعرضون للهلاك وأهلنا في مقديشو على شاطئ السعادة، وفي زورق الوئام وبحبوحة الحياة!
نحن نحتاج إلى رئيس يقهر اليأس ويتحدى القيود، ويحارب التخلف والجهل بإرادة صلبة وعزيمة قوية، نحتاج إلى رئيس له ضمير إنسان تلهب حشاه أنين الثكالى ودموع الأمهات وصرخة اليتيم وبكاء الأرامل، ولا نحتاج إلى قيادة تهتم بالسفر أكثر من إعادة الأمل والخطب الأفلاطونية أكثر من رسم البسمة على جباه المحرومين والكلمات المعسولة الخاوية  أكثر من صناعة الأفكار وصياغة المواقف.

ومن الواضح أن خطوات القيادة تجاه المحاور الأساسية لإنقاذ البلد لا تنم عن ذكاء سياسي ورشد دبلوماسي بل تخبط واضح وإذكاء نار الفتنة في كثير من الأحيان، ولا أدري ما سببه رغم معرفتنا أن المراهقة السياسية والعاطفة القبلية لها كلمتها في بعض الدوائر وأجهزة الدولة، ومازالت المحسوبية والإقصاء الممنهج يرسمان سياسة الحكومة، وكلها دلائل تدل على ضعف مكونات الدولة، وعدم وجود إرادة وطنية وأجندات واضحة لإصلاح الوطن وإعادة الإعمار وتحسين مستوى المعيشة.
وإزاء هذا التخبط وركوب الجميع موجة الإصلاح والوطنية التي بالحقيقة بعيدون عنها وهن مبادئها وأهدافها، من حقنا أن نخاف من المستقبل، وأن لا نطمئن بالحاضر، وندين ونشجب السياسات التي تجعل الأطفال الرضع يتركون ما انشغلوا به؛ لأننا جربنا صنوف الذل ألوانا، وما نذكره في هذه السطور ليس تجنيا على أحد؛ بل صيحة نذير يحذر الوقوع على الغباء السياسي التي تجعل الرئيس وحاشيته تحت التهمة والمساءلة أمام التاريخ والشعب والقضاء.

ومن المطالب الأساسية للشعب أن تهتم الدولة بالمواطنين وتسعي إلى التغير الذي يكون مبادرة ذاتية وليس إرغاما أو تقنينا للنفاق السياسي والخداع، ومن المطالب أيضا حفظ أمن درة الصومال وعاصمة الأمة والواجهة الأمامية للدولة والشعب، وبعدها يتمدد اهتمام القادة طبيعيا حتى يشمل جميع القضايا السياسية والاجتماعية والمعيشية، ولكن ما لا يمكن أن يقلبه عقل سليم هو التستر المخجل عن إخفاقها المادي في مقديشو بأمور ثانوية كمؤتمرات لا تسمن ولا تغني من جوع أو أحداث لسنا في زمنها كإثارة قضية صومالاند، وأعتقد أن جميع الملفات التي تثيرها الحكومة رغم أنها لا تؤدي إلى أي شئ يذكر كان مقبولا ونعتبره من الوطنيات النادرة لو أحكمت السيطرة على مقديشو، ولكن ماذا نفسر استمرار الانفجارات في المناطق الحيوية، وفي عقر مناطق نفوذ الدولة، وضعف الرقابة الأمنية الرهيبة، والنوم العميق الذي يسري في مفاصل الاستخبارات وجفون حامي حمى الوطن وجسم حماة الديار؟ وكيف لأجهزة الأمن التي لا تستطيع سيطرة بوابة القصر الرئاسي وتأمين طريق يعتبر شريان الحياة في الدولة الصومالية الوليدة أن تسيطر ربوع الوطن وتحرير المناطق الباقية في قبضة الأشرار؟

لا يمكن أن تكون نية التخريب أسرع وأمضى، وليتذكر الجميع أن بعد انتهاء مدتكم لا يتذكر الشعب بخطبكم ولا بمقابلاتكم الفارغة المضمون ولا على أحلامكم الأرجوانية، ولكن سوف يتذكر ماذا صنعتم وماذا حققتم وإنجازاتكم وإخفاقاتكم المدوية، وعندها ستندمون، أتذكركم التاريخ في أبهى صفحاتها الناصعة.

وأخيرا طريق النهضة والابتعاد عن المصائر الحتمية للسياسات الهمجية يحتاج إلى العلم والرفق والإخلاص وتحرير العقول من شرك الجهل لفياح العلم ومن وكر العنف إلى رحابة التسامح والتحرر من كنف التخلف والركود والتجزئة إلى قبول الآخر والتعايش السلمي؛ لأن جميع من سلكوا طريق المتاهات وجعلوا الغنف مطية لوصول السلطة والثروة لم يجدوا في نهاية متاهاتهم سوى التعب والإحباط والضياع، ولكن تركوا لنا تجارب يمكن أن نستفيد منها لنصل أخيرا إلى نهاية الطريق ومسرة الأهداف بيسر وسهولة وبأريحية تامة وبدون عقبات قد تشكل حجر عثرة لمسيرتنا الناجحة.

وقصارى القول إن واصلنا ركوبنا المتهور في موجة الجنون التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه والجنوح نحو العنف والعنف المضاد والعيش في زخم التاريخ وفي وسط الركام والدماء والدموع والدمار في عالم لا يعترف سوى “يؤخذ الدنيا غلابا” كشعار له وأصبحت القوة العسكرية والاقتصادية السياج الوحيد الذي يحمي الشعوب من الإبادة والانتهاكات سيكون مصيرنا المحتوم الانقراض والفناء والنزول التام من قطار الحياة إلى الأبد، وسينتهي الجميع بالمآلات المخيفة ومصير الديناصورات المنقرضة إن لم تتدارك رحمة ربي، وسيدرس بنا في كتب التاريخ وأسفار الحياة كشعب أخفق أن يعيش مثل الإنسان، وأن يكون حرا في أرضه يعيش بسلام ووئام مع أفراده في وطن يسع للجميع لا فضل لفلان على علان إلا بقدر ما يقدم للوطن من الحب والوفاء والوطنية وللشعب من المساهمة في إعادة عافيته وتحريك عجلة التنمية والتطور والتقدم ومحاربة مثلث المرعب  “الجهل والفقر والمرض  “

ميناء غَرَعَدْ.. بارقة أمل في وسط الهزائم

  بعد انتهاء معرض مدينة "جالكعيو" للكتاب الذي كان يهدف إلى نشر السلام والمصالحة الشاملة بين القبائل -قبل تعزيز الثقافة والمعرفة- ف...