الثلاثاء، 24 سبتمبر 2013

الترويكا المخيفة إلي أين تأخذ الصومال؟

حب الوطن ودفاع شرفه و حفظ كرامته وصون عزته من القيم الأساسية التي يشترك عليها البشر في كل العصور، ولا يختلف عليه الإنسان مهما تباعدت أوطانهم واختلفت عاداتهم وتباينت ملتهم، ولذا كانت البشرية تسعي دائما إلي دفاع أوطانها وتحسين سمعته وتطوير أمتها وتقليل المعاناة ما أمكن، وكانت الساسة في طليعة من يهتم بأمور الوطن ويقود الجموع إلي الرفاهية والعيش السعيد وحب الوطن وزرع قلوب المواطنين الثقة والأمل، وتنوعت كيفية تناولهم وتصوراتهم لحب الوطن بعض المرات وتشابهت في كثير من الأحيان ولكن كانت الأطروحات والآراء غالبا ما تجتمع في قالب واحد وهو أن للوطن معني أدق ومفهوما أوسع وومضمونا أشمل، وله إحترام أعمق وحبا أنقي ما يراه البعض وما يعتقدون إليه من يفكرون دائما لأجل المصلحة ويسعون إليها.
وتاريخيا يكون الوطن مرهون بحب أهله سلبا وإيجابا ومتعلق دائما حسب تصرفات قادته وقرارات قوّاده وعقلية مواطنيه، فإذا كانت قادة الوطن غيورين لوطنهم وأمتهم ويضحون من أجله الغالي والنفيس يكون الوطن أرقي والأمة أزكي والعواقب سليمة من الآفات والعيوب والنقائص التي تكبل قدرة الوطن وتضر حياة المواطنين، أما إذا كانت القيادة دون المأمول والمنتظر فحتما سيتحول الوطن إلي رماد والتاريخ إلي مجرد ركام مشوه، والوطن إلي بقع حمراء ومعاناة لاتنتهي.
وقد تناول العظماء والعباقرة مفهموم الوطن والوطنية فقال أديب إسحق الدمشقي: الوطن عند أهل
السياسة مكانك الذي تنسب إليه ويحفظ حقك فيه، ويعلم حقك عليه، وتأمن فيه على نفسك وآلك.
وقال محمد عبده:”الوطن مكان الحقوق والواجبات التي هي مدار الحياة السياسية وموضع النسبة التي يعلو بها الإنسان” وقد عبر الجاحظ عن ذلك كله في (رسالة الحنين إلى الأوطان) فقال: “إذا كان الطائر
يحن إلى أوكاره، فالإنسان أحق بالحنين إلى أوطانه” وقال على لسان أحد الفلاسفة: “فطرة
الرجل معجونة بحب الوطن”).
ولا غرو فالوطن منبت العز وموئل الكرامة ونحن نحب وطننا ونموت من أجله ونشفق علي أمتنا ونرجو لها كل الخير والصلاح ومزيدا من التقدم والعودة إلي سابق عهدها وتاريخها الجميل، ونأمل أن نعيش مثل كل البشر في وطننا وبين أهلنا وعشيرتنا أحرارا لا نخاف إلا الله، لأننا خلقنا أحرارا وسئمنا حياة اللجوء والهجرات المتعددة والتشرد، ونحب أيضا أن تعيش أمتنا بين الأمم شامخة مكرمة لا ذليلة محقرة وضعيفة مبهدلة، ونريد أن تكون أمتنا أمة منتجة وتساهم في دفع موكب البشرية إلي الأمام لا أمة تعيش علي مساعدات العالم وفتات الموائد ومعونات الأمم ، شبابها معرضون للهلاك وشيبها معرضون للفناء وبناتها العفيفات معرضات للإغتصاب وقتل الأمل وتلطيخ الشرف بقذارة الجنس وأوساخ الجسد ووطنها معرض للإحتلال وخيراتها معرض للنهب.
ومن البديهيات أن نعلم أن الوطن لا يخرج  من هذا التيه والشعب من المعاناة والحرمان إلا بتضافر الجهود وتشمير السواعد نحو البناء والخروج الآمن من عنق الزجاجة، ولا يتأتّي ذالك الإ بوجود قيادة صالحة وساسة مخلصون وأمة تسعي إلي المجد بعزبمة لا تلين وقلوب مليئة بالإيمان والعمل لا بالتأملات الفارغة ولا التمنيات الجوفاء ولا الحكايات الرخيصة، لأن من طلب العلي يا سادة سهر الليالي  …وتؤخذ الدنيا غلابا.
 والأمم تتقدم بافكار مصلحيها ومعرفة علمائها لا بشطحات مجانينها ولا جهل أغبيائها وسذاجة مجرميها ، والأمة التي لا تقبل أن تعيش بوئام مع أفرادها واحترام مع مكوناتها معرضة للإنقراض والهلاك ،والحياة لا تصلح إلا الأجدر والأمثل والويل لمن جعل حياته جحيما بأفعاله الطائشة وأفكاره السلبية، والمدهش أن العالم يتسابق إلي سيطرة الفضاء وإدارة المجرات ونحن نتضور جوعا ونموت من قلة المرافق في القرن الواحد والعشرون! ما بال قومي يتقلبون في غياهيب عنفهم وفي غيّ سباتهم العميق وفي خضم تيههم العجيب!
الحياة ليست خبط عشواء ولا مصادفات ولا عبث والحروب الدامية والصراعات التي نعيشها اليوم نتاج لثلاث عوامل تضافرت وتركت بصماتها علي أفراد الشعب وجعلت الوطن حلبة سباق للأسف
أولاها أمراء الحرب وتجار القبلية الذين جعلو الوطن حفلة مزايدات ـ وما أكثرها ـ مما أفقد الأمة صوابها وضاع أمنها ولطخ شرفها وجعل حياتها بائسة وأمنها مفقودا وجعل الوطن بقعة ساخنة وبؤرة لا تهدأ أوارها ولا يطفي جمرها ولا تنتهي مأساتها ولا تحصي فجائعها.
ومما يزيد الطين بلة الإستعمار البغيض الذي كان يلهث وراء ثرواتنا ومصادرنا المتوفرة، واليوم وبعد خمسة عقود من الإستقلال دخلنا في دوامة محتل من نوع آخر،حيث احتل بلدنا الإستعمار الإفريقي الأسود الذي سلمناه زمام أمورنا ومقاليد وطننا ومفاتيح خزائننا ليعيث في الأرض فسادا ويملأ وطننا جورا وطغيانا وأمراضا فتاكة لم نعرفها من قبل بل حمل إلينا أجسامهم الموبؤة كما عقولهم الفاسدة وتصوراتهم الخاطئة ونواياهم الخبيثة.
وثالثة الأثافي الحكومة المنتخبة والقادة في الصومال الذين ينفخون بالونة بطولات مزيفة ويتوحلون في الدم وإثارة النعرات يوما بعد يوم،تلك القيادة التي تعاني من الإنبهار السياسي والتي تركب الموجات المتلاطمة من الإهمال وعدم الشعور بالمسؤلية ونسوا في غمرة رتعهم بحقوق المواطنين أن الأمة كانت منتظرة بأحر من الجمر في العقدين السابقين من يكتب تاريخا مغايرا ومن يسجل إسما لامعا في صفحات التاريخ ومن يعيد البسمة إلي الجباه والحياة إلي الوطن،ولكن بدأت الأحلام تتلاشي والآمال تتبخر وبات الشعب لا ينتظر شيئا من حكومة قاصرة الهمة وفاقدت الوعي وتائهة الضمير ، وكأن قدرنا أن لا يهب الزمان إلينا غير المفلس فكريا والمنتهي  جسديا والمراهق سياسيا.!
ويذكرني الموقف شكوة الكواكبي الشهيرة ومعاتبته للزمان حيث قال: “ما بال هذا الزمان يضن علينا برجال ينبهون الناس، ويرفعون الالتباس، ويفكرون بحزم، ويعملون بعزم، ولا ينفكون حتى ينالوا ما يقصدون” ولم تكن قادتنا كذالك مطلقا بل معظمهم غير مهتمين بمعاناة الشعب ومنهمكون للنهب وإسآت التاريخ والديكتاتورية في اتخاذ القرار ومنطيق عليهم صفات الإستبداد وطبائع الفاسدين الذين ذكرهم الكواكبي حيث قال “الاستبداد لو كان رجلا وأراد أن يحتسب وينتسب لقال أنا الشر، وأبى الظلم، وأمى الإساءة، وأخى الغدر، وأختى المسكنة، وعمى الضر، وخالى الذل، وابنى الفقر، وبنتى البطالة، وعشيرتى الجهالة، ووطنى الخراب، أما دينى وشرفى وحياتى فالمال، المال، المال”.
وفوق ذالك فقادتنا تغرق في الشبر الأولي من مشكلة الوطن بل وتخلق المشاكل من العدم! وخيمها الخلاف وبيع المواقف السياسية ورهن الذمم وكب الملح في جرح الكرامة والزيت في المناطق المشتعلة ،والإنشغال في سفاسف الأمور وإلهاء الشعب بخطب أفلاطونية ذات بلاغة زمخشرية لا تقدم ولا تؤخر ولا تطعم البطون الجائعة ولا تضمد الجروح النازفة ولا تؤاسي المكلومين ولا تخفف اللوعة عن المفجوعين، وفوق كل ذالك تواجه المصاعب بمراهقة سياسية مخذلة وضحالة معرفة عجيبة وغرور غير مبرر.
وإزاء ذالك الوضع المزري والترويكا المخيفة وغير الآبهة لمآسي الشعب وجروح الوطن تسآلت هذا السؤال البرئي: الترويكا المخيفة إلي أين يأخذون الصومال؟
وحقيقة القول هي سؤال محير ومرعب في آن تحمل في طياتها أطنانا من الفشل وإجهاض للآمل وموت للحلم الأرجواني الجميل في رحم الغيب مما شكل خوفا عميقا في أوصال المواطنين وشكل أيضا خصما عنيدا لأمنياتهم وقرب إليهم نهاية ما كان الجميع يمني النفس، بل بدأت أولي تفاصيل الشبح تظهر في المناطق الهشة والمناطق التي يراد أن تكون شرارة الأولي لحرب رهيب ينهي  بقية الحياة ويكمل حلقات المسلسل المرعب  ليتحول الجميع إلي رماد في غمضة العين!.
والمخاوف المشروعة للوطن والجواب الكافي لسؤالنا البرئي لخصها الفنان المبدع أمين عامر بريشته العبقرية حيث صور كريكاتيرا معبرا يدل علي العقلية السائدة في السياسة الهوجاء للحكومة الصومالية التي مضمونها جني المال ونشر المحسوبية والإقصاء الممنهج للوطنيين الأحرار، وتقريب المجرمين وإبعاد الكفآءت رغم شحها مما يوحي إسدال الليل البهيم ظلمته علي أرجاء الوطن وإختفاء العدل بسبب تفشي الظلم، وليشكل أيضا دليلا قاطعا للفشل وبرهانا ساطعا لتقهقر الدولة وفلسفة الحكم في الصومال، وهو مؤشر قوي يدل كيفية الإدارة وسير الحكومة بخطي حثيثة لإعادة أيام عجاف عنوانها البكاء والصراخ أدخلت الصومال أقتم أبواب التاريخ وكتب الشعب بدمه القاني البؤس والعناء، أيام كان الموت يحلق علي هامات الجميع وبدا الوطن مكفهرا الوجه شاحب البشرة زائغ العينين، وأنياب المنية تطال الكل سواء كان الضحية صبيا يافعا أو شابا حالما أو كهلا وقورا اوبنتا جميلا أو أبا حنونا أو أما شفيقة تنجدلها الحتوف فوق آمالها المبتورة وأحلامها المقطوعة.
لنعد إلي ريشة الفنان حتي لا يتشتت الذهن ولنكن صلة علي رسم الفنان الكريكاتيري حيث رسم بإبداعه المعهود سيارة يسوقها الرئيس وعلي متنها تزدحم رجالات الدولة والمتنفذين في صنع القرار ويرفرف العلم فوقهم ،وفي طريقهم إلي الرحلة المجهولة يبدو طريق النجاح وإنقاذ البلاد والعباد من ويلات الحروب والصراعات العبثية إلي شمال اللوري المزدحم من سماسرة الوطن حيث ترفرف السلام أجنحتها البيضاء وتحلق أجوائها النضارة والعشب الأخضر، كدليل للنماء والسعادة والتقدم وفي يمينهم طريق ثاني تشيره لافتة كتب عليها إلي الحروب وإلي 91 للميلاد كدلالة واضحة إلي العودة في أتون الحرب والمربع الأول والنضال العكسي والعقول المدمرة حيث السماء لا تمطر إلا دما قانيا والأرض لا تنبت سوي الرعب والوطن لا يجمع في دفتيه سوي الحرمان والمعاناة وحيث القتال الهمجي يحصد الأرواح والجوع تلتهم الأجساد والجفاف يهلك الحرث والنسل والبحار تبتلع آمال الامة وواجهة الشعب وحيث لا صوت يعلوا فوق صوت الرصاص والأشلاء المتناثرة والبارود التي تزكم الأنوف وتخضب علي صفحة الوطن الجميل بلون الدم القاني، وويلات الوطن وأنين الثكالي وتوسلات المفجوعين وبكاء الأرامل تقطع أنين القلب وتلهب الأحشاء!
فيندلف موكب الرئاسي المهيب بأريحية كبيرة وبمزيد من العنجهية الباردة لقيادة الوطن وسوق الناس نحو طريق الهلاك المحفوف بالمكاره وإلي حيث جثث القتلي وأكوام القمامة والركام والقتامة عنوانها الأبرز، إنها صورة معبرة لبلادة السياسة وجنون العظمة في وطننا الجبيب، ورعونة الأفكار إذا ماتت النخوة والهمم، وهي أيضا صورة تجسد الحقيقة بكل تفاصيلها وألوانها وظلالها القاتمة، وآحرّ قلباه أين النخوة والشهامة؟ وأين العقل والمنطق؟ واين السياسة والحكم الرشيد بل أين الدين والوازع!؟

الفن، الاستبداد والاشتراكية.. وأشياء أخرى!

  بعد يوم غائم أعقب أسابيع من الحرارة والرطوبة الشديدتين؛ كان الليل الكسماوي صافيا وجميلا. الرذاذ الذي بدأ بالتساقط بعد التاسعة مساء ومجالسة...