الثلاثاء، 24 سبتمبر 2013

الحب الممنوع (3)

واجهت طوفانا من أقضية الزمان والتهبت العواطف واراتفعت معدلات الشوق يزيده العجز إشتعالا!! كان تفكيري موجّها بطبيعة الحب الذي بإمكانه أن يجمعنا وطبيعة الحياة التي تنتظرنا وتجمعنا تحت سقف واحد! وبسبب المنطق والعقل كنت خائفا من المجهول واعيا الهوة الكبيرة بيننا، وأفسد متعة الحب وبريقه اللامع تصوراتي السلبية ومبالغتي الكبيرة برد فعل أسرتها بمجرد أن يتناهي الي أسماعهم ذاك الحب المجنون الذي أخطأ طريقه وضل عن جادته، وربما يعتبرونه تملقات فقير يتسلق سلالم الحب باعتباره أقرب طرق للشهرة وجمع الثروة أو هذيان مجنون أو هرطقات ساذج يبحث الماء المستحيل في سراب صحراء العتمور!.
صحيح أن علامات الحب وأعراض العشق واضحة وبقوة في جسمي قبل نفسي وهذا طبيعي لأن الصب يفضحه عيونه! ويدرك كل شخص بسهولة ويسر مدى التغيير الواضح الذي طرأ علي حياتي وسلوكي ونظرتي للحياة، ولكن من الصحيح أيضا ان هاتفا يهتف من بعيد ويردد بصوت جهوري مخيف صعوبة هذا الحب ويلوّح في وسط السراب شبح الفراق وأنه من الخطر والخطأ إنخراط هذا الحب والإغترار ببريقه الكاذب، وكلما حاولت تغيير الموقف والتفكير النمطي السلبي يهاجمني طيف البعد وهواجس الإفتراق وينام التفكير علي رأسي وأسمع صوت الإنفصال العاطفي في عمق الظلام، وأعزف أنغام أحزاني وأتراحي مما أدى إلي تنامي شعور ذهني بالحصار والفشل.
ومما يزيد الحيرة ويزيد الريبة الطرق الدائم لأبواب التساؤلات المثيرة والإحتمالات المخيفة التي تضفي بظلالها القاتمة علي تفكيرى إضافة إلي تصوراتي لمآلات الأمور ونهاياتها التي تؤثر قرارى ونظرتي للحب والحياة وحتي العلاقات التي تربطني مع من حولي وتجعلني أشعر بالفزع من تلك الفكرة المخيفة ونتائجها وظل هذا الإحساس يلازمني، ومما جعلني أدور في مربع عبثي أن التفكير والتساؤلات لا تنتهي بنقطة معينة بل كل أسئلة يتفرع منها عشرات بل مئآت الإستفهامات الجانبية في ظل الفوارق الطبقية التي تسمّم العلاقات وتجعل الخوف الجارف خنجرا مصوبا علي نحو قلبي، وبعد تربعي فوق ربى الحزن حط بي الرحال في مجاهل أغاني مشحونة بذات الروح من الأمل والتفاؤل ولا يخلو منها وجع أنيق وألم خفيف تبحربك جمالية الحب وتعطر صفحات الزمان بكلماتها الرائعة.
لقد تأثرت حياتي بمريم وبقوة وجعلت حياتي جميلة كفراشه السواقي بمجرد اولي خطواتي نحوها، فكيف  تكون حياتي إذا أصبحتْ مريم أول من تكتحل عيني برؤيتها في الصباح الباكر وآخر من أرقد علي وقع أنفاسه حينما يحن الحبيب الي وصال العشرة ودفء المحبة؟ إنه حلم جميل لا أريد ان أستفيق منه لأن الحب قد طغي عليّ وحوّل حياتي إلي جنة وارفة الظلال وأعطاني حافزا معنويا كبيرا جعلني أضع نصب أعيني أهداف معينة أعيش لأجلها وأسعي إلي تحقيقها.
كلنا نفرح من أعماق قلوبنا عن إنجازات وأهداف تحققت وكتب لها النجاح، فكيف إذا كان الهدف مريم أغلي شخص وأول حب في حياتي؟ إنها تجربة رائعة يكدر صفوها شؤم الطبقة والأعراف الجاهلية التي مازالت تهيمن حياة البشر والتي تغذيها أنانية المصالح وضيق الأفق والتفكير السلبي وجنون العظمة والتفرقة العنصرية والكفاءة الكاذبة .
لقد تحررتْ شعوب العالم الأوهام والكوابل التي كانت في الماضي تكبل حياتهم وتعقد معيشتهم وتفسد متعتهم في الحياة، وأدركوا أن الحياة تفقد رونقها وبريقها في ظل هذه القوانين المجحفة والتصرفات الغبية التي تفرق أبناء الوطن علي أساس وهمي لا يرتفي أبدا الي مستوى العقول السليمة ولا التقسيمات المفهومة في الحقل المعرفي .
وفي ظلام امتزجت فيه العاطفة عن الحقيقة إنتابني شوق جارف لم أستطع مقاومته، وبدأ غيث الحب يتدفق علي صحراء قلبي الأجدب كي ينتعش الحب من جديد ويملأ قلبي مشاعر رومانسية حالمة تشبه غراميات  روك هودسون التي لا تفارقها الأمل والحب والبسمة الرقيقة واليد الحانية، وكأنّ هذا الشعور الرائع  في سكون الليل مكافأ لإخلاصي الكبير وتشبثي العجيب لهذا الحب المجنون وحرصي الدائم أن تكون مريم من نصيبي هذه المرة بعد خيبات متتالية.
الإتصال في هدأة السحر
لم أستطع أن أتلوّي وحدى في صحراء السرير الموحش وأكبح حصان المشاعر الجامحة من شدة ماعانيته من الآلام والفراق وبات صمت الإشتياق رفيقي في حنادس الظلام وكأنه يود أن يخفف عني ألم الأشواك المغروزة علي قلبي، وقبل أن تظهر أول خيط من ضوء النهار وبعد هدأة السحر بقليل إتصلت بمريم فاستغربتْ توقيت الإتصال والكلمات التي لم أطبخ جيدا ليكون مهضوما! وانتابني نوبة من سعال غريب وأخذت أبلع ريقي بصعوبة، ولكن بذكائها وحصافتها تمكنتْ أن تحمل علي كلماتي التي عصف بها الحب ومشاعري التي أصبحت مادة خصبة لهواة الخيال.
لملمت أطراف مشاعري وبعد تشجيع متواصل من مريم علي قول ما أردت أن أقوله في هذا الوقت المتأخر إسترجعت بعض قوتي وقلت لها بنبرة واضحة رغم كل المشاكل أريد أن نأخذ بيد الحب لنقطع أشواطا بعيدة في درب النمو، وهذا لا يأتي إلا بالتواصل الدائم الذي هو اليد اليمني للحب، وأضفت وأنا في طريقي إلي إنهاء المكالمة لا تنس موعدنا في الغد حبيبتي.
وبعد أن إنتهي الليل بقسوته وشدته عليّ  وتأكدت علي إنعقاد اللقاء لم أذهب إلي الجامعة بل خضت كفاح مستمر وبحث دؤوب بلا كلل ولا ملل لإيجاد بعض النقود كي أدير اللقاء وأنا مرتاح الضمير، ولكي لا أفقد الهيبة وزمام المبادرة وأصون الكرامة ومبدأ "الرجال قوامون علي النساء" وأنقذ نفسي من النقص الذي أشعره كان لزاما عليّ ان أجد النقود الكافية للجلسة وخاصة أن اللقاء يعتبر شهادة ميلاد لحب جديد يتطلب لجهود إضاقية  لحفظ ماء الوجه.
ومما يعقد الأمور أيضا ويصعب الموقف أنني لم أتمرن مواجهة هذا العالم القاسى ومجابهة أخطاره بصدر مفتوح، ولكن كنت أواسى نفسى أن لا منداحة من الجد والجهد لتحقيق الحلم والظهور الجيد أمام مريم، وخاصة أنها مهما كانت ومهما يكن حبها هي بنت من أسرة غنية وبالتالي لا يمكن أن يكون لقاؤنا في الكفتيريات الشعبية أو البيوت العادية.
وهنا يكمن الفارق ويظهر من دراما الوصول إلي الموعد والمكان إختلاف الحياة بيننا وتجسد البون الشاسع في طريقة معيشتنا، فهي جآت بسيارتها الرشيقة ذات المكابح الآلية واللون الوردي والعجلات الدائرية والنوافذ البنفسحية المجهز بأحدث التكنولوجيا والتي ينظر إليها بعين الإعجاب ويفسح لها الطريق إحتراما لمكانتها أو رهبة في موقعها.
وأنا جئت إلي الموعد متأخرا والعرق يتصبب من جبيني واللهث يخرج من أحشائي وكنت منهكا للغاية لا يفوح مني إلا عرق "الكادحين" المشوب بزخات عطر من بقايا زجاج يتلاشي داخل قميصي العتيق ولا يساوي قيمته من نصف قيمة منديلها، ولا يصل في منخرها إلا رائحة المرطبات الجوية والمستعمل بكثرة بالذات في هذا المقهي الفخم بنظري والمغمورة وغير لائقة بنظرها.
وبعد أن واجهت المتاعب أصنافا بسبب صعوبة المواصلات وندرتها وزحمة الطرقات وغلاء التذاكر والبحث عن مصروفات الجلسة الرهيبة التي تحمّلت بسببها العناء الكثير، وجبت بسببها المدينة اقصاها إلي أقصاها بحثا عن المال اللازم لأنجح أول إمتحانات الحب وأتجاوز المطبّات الصعبة الذي يضعه الحب في طريقي وصلت مكان اللقاء الذي إخترته لجماله وفخامته.
دخلت المقهي وحيدا في جزيرة الرعب وعلا وجهي حمرة الإرتباك تحت رذاذ المطر بأمسيات مبللة بالمطر ورسمت علي جبيني إبتسامة تشبه الغيبوبة السعيدة علي مشارف الخريف، كانت عقارب الساعة تشير 6:00  مساء حين رأيتها وهي تجلس علي ضفاف النيل وسط المناظر الخلابة والأشجار التي تكسوها الأنوار البهية التي تتناسب العشاق الذين تنبض قلوبهم بمشاعر الحب.
كانت رائحة الليل والأزهار تتسلل من كل  حدب وصوب واستحسنت المقهي ومن تنسيقها وضخامتها وجمالية المكان وشاعرية الموقف توقعت لقاء حافلا بالود والمشاعر الرومانسية مادام الحب لا يعترف بالإمكانيات المادية ولا الفوارق الطبقية ولا السمات الشخصية.
لم أكن حاضرا إلا بجسمي المثقل بالهموم وتكاليف الجلسة إستحوذ علي مسامعي ومشاعري وحرمتني من إستمتاع هذا الجلسة النادرة، ولأني لا أملك كثير مال كنت أتصنع أنني شبعان وأقول (لا أريد) كل شئي في القائمة ولم أذق طعما إلا كوب قهوة ساعدني كثيرا بطرد شبح الإحباط  الذي خيم في وجداني.
كنت أتحسس بجيبي بين فينة وأخري وأتفقد المبلغ البسيط الذي لا أريد أن أذكر مصدره لكي لا أكون سخرية المجامع! كان تركيزي مصوبا كم ياتري ستكون تكاليف اللقاء؟ مما أفسد متعة الجلسة وجماليتها، لم أكن أريد أن أبدو ضعيفا في أول اللقاء وبالتالي كنت أحاول أن أفرض الجلسة علي هيبتي، لأن كل صعب سوي المذلة سهل ولا يوجد ما يدعوا إلي الشماتة والشفقة والرثاء من رجل قابل فتات بجيوب فارغة وعجز عن سداد حساب ميزانية الجلسة مهما كانت.
وخلافا للتوقعات كان لقاؤنا جامدا لم يترك اي إحساس يذكر بل كان لقاء بلا مشاعر بلا عواطف إفتقد دفء الحب ووصال المحبة وجرأة العشق بسبب قلة التفاعل وعدم الإنسجام والتناغم السيئ والنظرات الخجولة وببساطة كنا كالجزر متباعدين... أرواحنا لم تتحد بل كانت بعيدة كإبتعاد أجسامنا!.
جلست بمقعد وثير ومريح وسط المروج المصطفة أفقيا علي ضفاف النيل متشتت الخيال متبعثر الخواطر أراقب المراكب العائمة علي صفح النهر من بعيد، وحقيقة لم أكن مستمتعا بهذه المشاهد الرائعة ولكن إضطررت إليها تحت وقع الأهداب المتعبة والرموش الزائغة والجفون التي أنهكتها العبرات الساخنة والتي لا تتحمل النظرات الصادقة، والأحاسيس المخنوقة وراء وجهها الصبوحي والمشاعر المكبوتة التي لا تجد طريقا للتدفق، والإبتسامات الزائفة التي نتصنعها بين حين وآخر لطرد شبح الملل قبل فراق المحتوم والضحكات المجلجلة والقهقهات المخترقة التي تصيب مسامع من حولنا فتشحن الجوّ بالرهبة.
وقصاري القول أن هذه الجلسة وضعت في قلبي بذورا لا يزايل آثارها كياني وأدركت أن بيننا بحرا لا شاطئ له وأن التمادي إلي نجاح هذا الحب هي بالتأكيد تجربة لا أفق لها، في حين أنها فطنتْ المعركة الشديدة التي تجري في داخلي وحبات العرق الكبير المتدحرج في وجنتي بلا مقدمات أدهشتها! فأرادتْ تطييب خاطري وتهدأتي بكلمات لا تفعل بمفعولها السحري في قلبي بقدر ما تزيد الشجن في قلبي " الفارق الطبقي والمعيشي لا يساوي شئي إذا اجتمعت النفوس وتآنست القلوب وتآلفت الوجدان، ولا يخفي عليّ الهمّ الثقيل الذي أضفي بظلاله القاتمة علي وجهك، فالحياة أهون مما تتصور والدنيا لا تتكر جميلها وأجمل الأشياء فيها الحب فإذا أبعدت نفسك عن الحب وروعة الحياة ورونقها ورحيقها الوضّاء فأين تجد البسمة وتتكرر عليك الصباحات العطرةالجميلة؟."
وأضافتْ قولها وأناملها تمسح علي شاشة جوّالها "ملاقات الأحبة ومناجاة من جعلناه سياجا لقلوبنا لا تملّها النفس ولا يزعج عنها الجسد لأنه حلو رشيق وضحكتهم عذب سائغ وبسمتهم خلوب رائع، وتذكرت جملة أفكار قرأتها للكاتب "د.مصطفي محمود" (الحب عاطفة غير ديمقراطية الحب هتلر...الحب نيرون...الحب كاليجولا ... يأمر دون أن يحاول أن يبرر أوامره أو يبحث لها عن منطق أو أغلبية تساندها إنه طاغية حر حرية لا تقبل المراجعة إنه منتهي الحرية) وإلا لم أتلهث وراء كلماتك الجافة وإحساسك البليد وشعورك الأبله الذي صدمني وترك في أعصابي وحياتي دويا لا ينقطع بل جراحا يتعذر إندمالها! ولو كنت أبحث عن المال أو الشهرة لذهبت إلي مظانها ولو كان حبي زائفا لما أتعبت نفسي في ملاحقة عالمك الملئي بالذهول والبرودة.!
تمعنتْ النظر إليّ وأظن أنها كانت تحاول أن تبدد غيوم الشك وصحب الحيرة الداكنة الذي كاد أن يحجب عني الحب "حبي ليس ترهات فيلسوف ولا خزعبلات كاهن ولا جعجعات متشدق بل هو رأس مالي وقلبي أضناه الحب وأنهكه العشق، وكل شئ يذّكرني فيك حتي الأشياء التي تقع صدفا في حياتي يذكرني بك فرنين جرس هاتفي يهتف باسمك والرعد العنيف الذي ينافس أصوات القنابل الثقيلة يذكرني قوة حبي وصلابة عشقي والبرق اللامع ينعش آمالي ويذكرني بإبتسامتك ويفتح العالم أمامي، وصوت الموسيقي التي تصدح في الأثير هذا الصباح بأغنية "الفراشة" للفنان الرائع" سمتر"لمست شغاف قلبي بعذوبتها ورقّة كلماتها وجزالة ألفاظها وروعة أسلوبها والأجواء الرومانسية التي صورها الشاعر في خياله وإيحآتها الرائعة ووصفه المبدع للطبيعة جعلتني أشتاق إليك وأحببت حسه القوي وشاعريتة الراقية وتمنيت ْأن ننسجم كإنسجام حروفها والتئام كلماتها وراقت لي تناغم اللحن والكلمات في أسطر الأغنية وتمنيت أن أكون طليقة مثل الفراشة جميلة مثل خطوطها.
بدأتْ بترتيب خصلات شعرها الذهبي الفاحم التي تنثره النسيم وتحركه الصبا وحينها تذكرت أبيات امرؤ القيس الخالدة لوصف شعر محبوبته:
وفرع يزين المتن أسود فاحم *** أثيث كقنو النحلة المتعثكل
و يصدق عليها وصف أبو القاسم محمد بن نصير:
لثاتُك ياقوت وثغرك لؤلؤ *** وريقك شهد والنسيم عبير
ومن ورق الورد الجنى مقبل *** ترشفه عند الممات نشور
وخدك ورد الروض والصدغ عقرب *** وطرفك سحر والمجس حرير
وحاجبك المقرون نونان صففا *** وقد لاح سوسان عليه نضير
وشعرك ليل فاحم اللون حالك *** ووجهك بدر تحت ذاك منير
وأنفك من درِّ مذاب مركّب ***وجيدك جيد الظبى وهو غرير
ومن فضة بيضاء كفاك صيغتا *** ولكن بمحمِّر العقيق تشير
وقدك غصن حين هبت به الصبا *** وردفك دعص للرمال وثير
وتخطو على أنبوبتين حكاهما **** من النخل جُمَّار يجذ قشير
ودللك سحر يخلس العقل فاتن *** ولفظك در إن نطقت نثير
يئستْ من بلادتي المقصودة وحيّرها عدم تفاعلي معها فبدأتْ تلعب وتنظف أظافرها النظيفة اللامعة وأطراف ثوبها الناعم وتسترق النظر برفق متناهي تذوب أعتي الجبال وتهز الجلاميد الصماء، ولكن لا تغرز أي سهم في قلبي ولا تفتحها بسهولة،! والإغرآت والإيحآت تتصادم وتتكسر بجدار قلبي الفولاذي وتتهاي في سحيق اللامبالاتي العميقة ؟
جلستْ في استرخاء كأنها تنام وشفتاها تهمسان في حلم وصوتها يرتجف وتغمض عينيها ما بين آونة وأخري كأنها تبعد عن ناظريها أشباحا مرعبة مخيفة ولا تنال مني إلا بعض الإبتسامة التي لا تستطيع أن تخرج من الشفاة لضعفها وهزالتها، كم هي متعبة مهنة الإبتسامات حينما لا تأتي في أعماقنا ولا تتدفق من بركان عواطفنا!.
حاولت أن أتهرب من وابل أسألتها وسهام عيونها التي تحترق الأحشاء وسيل عاطفتها التي تمزق  القلب وتثير العاطفة في قلبي وتلهب مشاعري ولبست قناعا أسود لكي لا تعرفني سهامها الطائشة، وأغلقت منافذ القلب لكي لا يثار عواطفه ولا تصل كلاماتها إلي مكامنه، ولكن أبتْ أن تنقطع كلماتها ولا نظراتها التي لا تخلو من السآمة والملل ولم تمهلني لأنظم كلماتي المتبعثرة والفاظي المبهمة وحروفي المتقاطعة، وعبثا حاولت التستر وراء ضبابية الجمل وتسريح الشعر براحة كفي ورغم أن شعري ليس جعدا مثل معظم سكان قارتنا الجميلة لإختلاط الشعوب وتأثّر سكان منطقتي بالهجرات المتعددة التي جآت من وراء البحار والمحيطات في غابر الأزمان بحثا عن الرزق والملاذ الآمن وتحسين مستوي المعيشة ـــ وقابلها الأجداد بالحفاوة البالغة والترحاب الشديد وحينما دار الزمن دورته وهاجرنا نحن قلّبوا لنا ظهر المجن وقابلونا بالأسلاك الشائكة المكهربة والسجون الحديدية والزنزانات الضيقة والألقاب المزعجة وقلوب ملأتها الكراهية وغمرها البطر والتكبر والإستعلاءـــ!
وتلاقح الحضارات والثقافات والجنسيات وتلاقيها فوق ربوع منطقتنا المتميزة بموقعها وسكّانها غيرت ملامحنا وسماتنا ومع كل هذا لا يمكن أن تستقيم تسريحة شعري بلمسات كفي الناعمة ولا لحركاتها العنيفة ،! بل كانت حركات عفوية وترسا واقيا لنظراتها الكئيبة وتحركاتها المشبوهة لإثارة كل رغباتي وإحياء مشاعري الرجولية المكبوتة وراء تبلّه العواطف والجدار المصنوع من اللامبالاتي المقصودة.
وحاولتْ مرارا وتكرارا دغدغة حصان مشاعري الجامح ولفت إنتباهي مستخدمة سلاحها النسوي التقليدي الفتّاك الذي أضم صوتي لصوت السواد الأعظم من الرجال أن يصنف ضمن الأسلحة المحرمة دوليا لخطره العظيم علي الرجال! ولكن بآت كل محاولاتها بالفشل الذريع لصلابة مواقفي وفتور علاقتي بأحاديثها.!

الفن، الاستبداد والاشتراكية.. وأشياء أخرى!

  بعد يوم غائم أعقب أسابيع من الحرارة والرطوبة الشديدتين؛ كان الليل الكسماوي صافيا وجميلا. الرذاذ الذي بدأ بالتساقط بعد التاسعة مساء ومجالسة...