الثلاثاء، 24 سبتمبر 2013

رقَّ الحديد وما رقوا لبلوانا !


  • كابوس الموت والهلاك
مرت على الأمة الصومالية تجارب مريرة، وحياة  قاسية وليل دامس حالك الظلام، وإنقسام حاد بين مكوناته أثّركافة نواحي الحياة، وأنهك قوى الوطن، وضعَّف هيبة الدولة، ودمر البلد، وحدث تناحر قبلي حاد وأيديولوجي رهيب وحروب شعواء لا هوادة فيها جعلت كاميرات العالم تقتات مأساة الصومال ومعاتاة شعبه؛ مما جعل الصومال دولة فاشلة وبؤرة نزاع لا تهدأ أوارها تصدرالأزمات والتوترات إلي دول الجوار والعالم، وشعب متخلف جاهل منكوب يعيش بالفقر المدقع وحياة بائسة ينتظر المساعدات الإنسانية والمنح الأممية يموت أبنائه في البحار والمحيطات والصحاري والمفاوز ويقبعون في غياهيب السجون يداس كرامتهم ويهين إنسانيتهم كل هذا بحثا عن حياة أفضل وهربا عن الوضع الأمني المزري والإقتصادي المتدهور والبلد الذي يديره حفنة من الإنتهازيين المنتفعيين بدماء الشعب تجار الفوضي والخراب المصطادون في المياه العكرة وشلّة من مرضى النفوس معوقي الإحساس معدومي الوطنية والكرامة غليظي الفهم بليدي الذوق فاقدي الضمير عديمي الإدراك من حثالة الأمة  ورويبضة المجتمع الذين أعماهم الصلف وحجب الحقد بصيرتهم وأرداهم الجهل وحكمو الشعب بالحديد والنار وجعله قابعا في كابوس الموت والهلاك أكثر من عقدين من الزمن.
مرت الصومال تجربة فريده في نوعها غامضة في كنهها ومتحيرة  في محتواها أذهلت العالم ووقف العالم موقف المتفرج يراقب الدّمار من بعيد، وأدرك كل شخص من خلال هذا التجربة  أن الحروب المتواصلة لم ترجح الكفة لصالح أحد، ولم تعد تجدي نفعا، ولم يستطع واحد من نفّاخ الرماد السيطرة وإستيلاء الوطن لا بقوة السنان ولا بكثرة السواد، بل إن جميع وقّاد الحرب اختفوا من الخارطة السياسية والاجتماعية، ومعهم لعنة آلاف الأرامل وملايين الأيتام يحملون في كاهلهم دمار أمة وتفتيت شعب.
  •  الوطن الجريح

الوطن الجريح كان ينزف بسبب أفعال المرتزقة الذين كان همهم الوحيد ما يدخل في بطونهم، وتأثر الوطن بحماقات وظلام عقدين كان الحرب والعنف سيدا الموقف، وبات الشعب المغلوب على أمره لا يستطيع دفاع نفسه إلا بالدموع الصامته والعبرات الصادقة، ويمارس ضده أبشع أنواع الظلم والإستعباد، وضاع صوته في هدير الدوامة الذي لا يكاد الإنسان يسمع فيه حتي نفَسه، وملأ داخل كل مواطن غيور بالحزن والألم.
في هذه الأجواء الضبابية التي فقدت الأمة البوصلة التي تقودها إلى نحو أمة صومالية قوية سعي المخلصون من أبناء الوطن إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ومحاولة رتق الفتق قبل اتساعه، وتدارك العلة قبل استحكامها؛ فبدأت في ربوع الوطن وفي ظروف بالغة الصعوبة محاولات خجولة هنا وهناك اتسمت في بدايتها بالفردية وغاب عنها التنسيق والنسق الجميل، ولم يجمع بينهم في بداية الأمر وحدة الفكرة والرؤى رغم أنها كانت متحدة الهدف والطموحات، وتحولت فيما بعد وفي غضون أعوام قليلة إلى محاولات جادة ومنتظمة ذات تنسيق تام شمل معظم أقاليم الصومال، وكثرت المحاولات الحثيثة لانتشال الأمة الصومالية الغارقة في الحروب الأهلية والوطن من براثن العدو الذي لا يرحم، والتجاوز المدروس في الحالة الصعبة والخطيرة إلى غد أفضل يزيل اليأس من القلوب، ويلهي عن الصعوبات والمتاعب والمساومات التي تضع الحياة طريق المواطنين.
لم يكن الأمر هيّنا بل كان تحديا حقيقيا بالغ القسوة أن يستطيع شعب أعزل انهاء زمن إيقونات الحرب ورموز الفساد الذين كانو يعتبرون المصالحة الوطنية والتعايش السلمي بمثابة الصفعة المهينة لأحلامهم وطموحاتهم.
  •  العالم يتندر بأمتنا

لقد حير العالم وأدهشه ما يجري في الصومال، أمة لا تكل ولا تمل عن الحروب والنزاعات اللاعقلانية، وما فتئ العالم يذكي ويغذي نار الفتنة التي تمزق الصومال، وقام العالم يتندر بأمتنا يستهزأ بمقدساتنا ويسخرعاداتنا وتقاليدنا، وينهب بمقدراتنا وثرواتنا مما جعل التعقل والإفاقة الواعية من الغيبوية الطويلة وإدراك العالم المتحضر ومواكبة عصرالنانو والتنويرالمعرفي مسألة الأهم في حياة الشعب الذي كلما وجد بصيص أمل وبارقة خير يوضع أمامه ملايين العراقيل وآلاف المشاكل لإجهاض كل أجندة وطنية التي تساهم في التنمية والمشاريع التي  بإمكانها أن تخرج الأمة من التيه وينقذ الوطن من الانقسامات والدويلات التي يتسابق إليها أمراء الولايات على إقامتها وجعلها مستقلة مستفيديين انفراط عقد الصومال حتي قامت أكثر من ثلاثين دويلة متنازعة متحاربة، وطال الصراع الهمجي بين الأشقاء.
ومما يعقد الوضع ويؤسف الموقف أن معظم قادة الصومال وأعيانها وخاصة في زمن الانحطاط سواء كان يحمل شهادات عالمية وتخرج من أرقي الجامعات أويحمل مخا فارغا ملأها الاستهتار والزهو والغرور وقيح القبلية يجعل أولويته الأولي ملء جيوبه الكثيرة والمتفرعة، وتأمين حياته الأسرية وإشباع رغباته الشخصية والقبلية، وإهدار أكبر قدر ممكن من المال العام، والعبث بكرامة الشعب، والإستقواء بحق الشعوب، وإتباع سياسات ملتوية، ويجعل آخر أولوياته ومن ضمن الأمور الهامشية التي لا تحظى كثير اهتمام محاربة الفقر والفساد والمواجهة الحقيقية لمعركة الأهم في الساحة التي هي معركة الأمعاء الخاوية وإحلال السلام وتحسين صورة الصومال أمام العالم والحد بالتصرفات البربرية والفوضي والفساد والإرهاب والقرصنة وتحسين مستوي المعيشة؛ لكي يتجاوزالشعب زمن المجاعة وألا يتضورمرة أخرى جائعا في مأدبة اللئام.
  فقدت الأمة الطموح وحب الإستطلاع والحماسة الذي اشتهرت به، وأصبح الشعب مهددا بالفناء، واجتاح حباته حزن شديد بعد أن غدره أهله ووقف له بالمرصاد، وبالتالي فقد روح التحدي والعناد والثقة الذي كان يواجه المستقبل وعاش به سنوات حياته.
  •  الحمل الوديع

لكن الخطر الأكبر والكارثي هو أن الشعب أصبح سهل الإنقياد مثل الحمل الوديع يرى عملية شحذ السكاكين ولا يحرك ساكنا أصابه شلل فكري، وترهل في الهمة يخنع للجلاد ويستكين للمجرم، ولا تبحث حلول ناجحة للخروح من عنق الزجاجة والمأزق الحقيقي الذي يعيش فيه يجب على الأمة أن تنتفض وتثور وترمي رداء الخنوع والتبعية والخوف من المتسلط الذي يخترع الكذب في أوقات الأزمات، وألا تستسلم للواقع المرير؛ لتدخل بذلك صفحة مشرقة في التاريخ الذي لايمكن تجاهله أو نكرانه أو تحريفه لأنه يسجل الأحداث وكل صعب سوى المذلة سهل.
للشعب حقه الأصيل أن يختار طريقة حياته وأسلوب حكمه، وأن يعيش حياة آمنة مثل بقية شعوب العالم ومن غير المعقول أصلا أن تتدفق موجات اللاجئين من أبناء الوطن إلى بقاع العالم المختلفة مشردين يموتون في الشرق بلا هوية، ويموتون في الغرب مسلوبي الإرادة، ويتعذب في داخل أرضه يتحمل المشقات ويواجه الوحشية.
  •  رقَّ الحديد وما رقوا لبلوانا

رق الحديد وكلت المدافع، واشتكت الرشاشات والراجمات من تمزيق الوطن وفتك بقايا هيكل بشري أضعفته المجاعة وأنهكه المرض وما رقّ صانعوا الحروب وتجار الأزمات ومستفيدوالكوارث لبلوى وأنين المواطنين؛ مما جعل الحياة مزيجا من الألم، والكفاح فيها الكثير من التراجيديات المؤلمة من إزهاق للأرواح والتشريد والمجاعة وانتهاك للأعراض والممتلكات والتعرض للإرهاب المنظم والتمادي في السياسات الخاطئة والأفكار السلبية الهدامة.
  •  آن الأوان

آن الأوان ليجد المواطن المكلوم آذانا صاغية وقلوبا واعية  مفتوحة وحكومة قوية تمثل كافة شرائحه تتبنى وتسعي جاهدة لحل المصائب المتكالبة على المواطن ومساعدته في نيل حقوقه الطبيعية ومطالبه الشرعية، وانهاء آلامة وآهاته والوقوف إلى جانبه وقفة حقيقية تساعده على صياغة مستقبله وإدارة حاضره وتقرير مسيره ومجابهة الأخطار التي تحيط به، واستعادة عافيته ودوره الريادي إقليميا ودوليا، ولا بد من أعيان الأمة من العلماء والدعاة والمجتمع المدني والشباب الذين يشكلون نصف المجتمع قادة المستقبل وروّاد الغد أن يدركوا عظمة المسئولية وحساسية الموقف لقيادة الصومال إلى بر الأمان واحدة موحّدة، ويجب أن يصاحب عملية التغيرحراك في كافة الأصعدة لمساعدة الحكومة المنتخبة بتأدية واجباتها بأكمل وجه؛ لأن الشعب يقف أمام امتحان صعب وتاريخي  ومخاض عسير، ويمتلك اليوم فرصة حقيقية فد لا تتكر تتطلب تثمينها وبذل الجهود المضنية وتكريس أغلي الأوقات للمصالحة والجلوس معا في مائدة المفاوضات وصياغة الإنسان وتثقيفه صياغة صالحة وثقافة تنويرية؛ لأن بدون تثقيف الإنسان وصياغته لا يتأتي لنا بسهولة حل مشكلاتنا المستعصية.
  • الحوار والتفاهم

الحوار والتفاهم وبحث أرضية مشتركة للتفاهم والتلاقي أولوية قصوي من أولويات الشعب، والتناحر والتباغض آخرها؛ لتندمل جراحات الوطن، وليخرج الشعب من ظلام القبلية والتمسك بثقافة القشور والنفاق والوصولية التي أصبحت عملة معتمدة في المجتمع، وبالهدوء والتعقل وتشمير ساعد الجد والعمل الدؤوب ومحاربة العادات الضارة والأفعال الشنيعة التي خلفها الصراع، والتي تشكل عقبات وعوائق حقيقية تعرقل مسيرة الشعب نحو تحقيق أهدافه وتصحيح أفكاره ونحو نضج فكري ورشد سياسي يقود الأمة إلى نهضة حقيقية وتطور ملموس والخروج من شرنقة الاختلاف والاحتراب إلى فضاء الوئام والمصالحة والعودة إلى كتاب الله الذي فيه المنجاة، والبعد عن الحوار العدواني السلبي الذي هو اللجوء إلى الصمت والعناد والتجاهل ومكايد الطرف الآخر واستنفاد الطاقات في نقاش وصراع وصدام لا طائل من ورائه والبحث بثقافة انتاج الحل وتأسيس السلام والتعايش السلمي بين الأطياف المتناقضة بدلا من النقد والتشكي نصل إلى وطن يسع الجميع وفجر جميل الرؤى وضحى بهيجا تضحك فيها القلوب وتهز الفرح أعماقنا ويفيض البشر وجوهنا و ننسج في كل صفحة  قصة جميلة #

ميناء غَرَعَدْ.. بارقة أمل في وسط الهزائم

  بعد انتهاء معرض مدينة "جالكعيو" للكتاب الذي كان يهدف إلى نشر السلام والمصالحة الشاملة بين القبائل -قبل تعزيز الثقافة والمعرفة- ف...