الثلاثاء، 24 سبتمبر 2013

مجزرة نيروبي… فظاعة المشهد وفظاظة الطبع!

كانت مجزرة مروّعة تلك التي حدثت وتحدث في كل لحظة داخل المبني weste gate التجاري المنكوب بنيروبي، ولا أستطيع أن أعبر ما يجيش في صدري ويخيم علي وجداني ويجثم علي قلبي، وأشعر بغصة قاتلة حينما أري أن من توحلوا في الدم وهدموا بيوتهم وأحرقوا أوطانهم وأضافوا أطنانا من السوء والسواد في بلدهم مازالوا ينفخون بالونة بطولة مزيفة ،ويتبنّون الموت وجحافل المنيّة، وكأنه حليفهم الإستراتيجي الذي يرعي أحلامهم ويحقق طموحاتهم.

أنهكوا صومالنا الحبيب، وأضعفوا عزيمتنا الوطنية بمشروعهم التخريبي ،وهلوساتهم الكاذبة ،وخطبهم الأفلاطونية، وتجاربهم السيّئة ،وحوّلوا الشعوب إلي هياكل عظمية تجري بدون تفكير ووعي ،تعيش تحت رحمة الذل والهوان، وحوّلو البلد حقلا لتجاربهم الخبيثة وسجنا كبيرا لأفراد المجتمع، وبعدما هزلت فكرتهم وخسرت تجارتهم وتكدست بضاعتهم في عقر البلد وفي جسد الوطن، وبات الألم لا يؤثّر في قلوب المكلومين الذين تعوّدوا علي التوابيت والنعش صباح مساء!، ها هم يصدرون الموت والحرمان والأرواح التي تُزهقْ بكبس زر علي أيدي والغة في الدم ومتجذرة في العنف ومشاريع الموت.

بطيعتهم الجبانة كانوا ملثمين! وبالتأكيد كانت الشرارة تتطاير عن عيونهم حقدا ينسج في كل صفحة قصة مؤلمة لحظة تسلّلهم بين الجموع الأمنة إلي وسط السوق، وحينما هاجموا المبني الفاخر بتكتيك إجرامي كبير وجرأة عظيمة وتهور مقصود
كانت كاميرات العالم تقتات من ترهاتهم وقسوة قلوبهم وهم يطلقون النار بلذة وعشوائية ويغنون أناشيد الغضب والكراهية! ويرقصون بنشوة بوقع نشيج الباكين ورائحة البارود ولهيب النار ولون الدم وبقايا أجسام نحيلة أو ممتلئية -لا يهم- ملئية بالألم وغول الحسد وغياب ثقافة قبول الآخر، وشحنات السالبة والحقد الطافح والبغض العجيب للحياة ومظاهر الحضارة في كل الميادين وكل البشر .

نثروا الرعب في قلوب الآمنين، وتحول المشهد من سيمفونية التسوق والبهجة ومقاهي الأنس والأفراح وصالونات الونسة والحبور، إلي شبح أسود مخيف يطارد النفوس، ويلبد الجو بغيوم الحزن والحتوف، ويمطر وبال الموت علي الأجساد ووابل الفجع علي القلوب المفزعة والعقول الحيارى
بات “المول” وكانه لقطة في قمة الإثارة والأكشن في المشاهد المروعة للأفلام الخيالية، ودخل السوق إلي ضفاف ظلام دامس وطارت البسمة علي وجوه البشروعلي جبين الصغار، وتسمرت العيون أمام الشاشات ترقبا لما يحدث والمآلات الغامضة والمنحني التي سيأخذها الحدث، وتحسَست الأيادي علي أرقام الهواتف لمعرفة خبر معيل أو حبيب أو صديق أو زميل خرج من البيت مزهوا بصحته وجذلا بعطلته وساقه الموت إلي مصرعه وأصبح كبس زر والتماعة في عداد الموتي لحظة الغدر
أصبح الموت يطل رأسه في كل االنوافذ والأبواب والشرفات، فتحولت الساحات إلي برك من الدماء وشلالات من اللون القاني، وبدأ تخثُر الدم ونافورته تصبغ الجدران بلون أرجواني قميئ، وتسرب الخوف إلي من كان خارج المبني بكثرة الضحايا والأجساد البرئية التي تتساقط كاوراق شجرة عصف عليها زوابع الخريف ،عشرات الأرواح قد فاضت وتركت الحسرة علي قلوب ذويهم ومحبيهم وضاعت الأحلام بين ضحكات المجرمين الصفراء وعنجهيتهم المقصودة وبين صيحات الأبرياء وزفراتهم الشجية وهم يرتون كؤس الموت أصنافا.

لماذا أختاروا إلي west gate المزدحمة؟ ولماذا “السبت” أولي أيام العطلة وفي الصباح حين بدأت عجلة التسوق وإقتناء إحتياجات الإسبوع تحرك بكثرة؟ولماذا في نيروبي عاصمة التسامح والتمازج الحضاري والتلاقح الأفكاري، والنقطة الوحيدة المضئية في شرق القارة الملئية بالجراح والمثخن بالحروب والمجاعة والجفاف؟! أسئلة محيرة حقا، ولا أجد لها جوابا مقنعا سوى أن القتلة كانوا يخططون لأشياء أخري أعمق من القتل وممارسة هوايتهم المفضلة،ربما كان في مخيلتهم ترويع الآمنين وضرب نسيج الإجتماعي الكيني علي مقتل، وخلق أجواء تتسم بالتوتر والفوضي الخلاقة في أحياء العاصمة الوادعة بين رقّة أهلها وبكاء طبيعتها وحنان سمائها! وربما قصدوا تشويه الإسلام الذي يشهد إقبالا واسعا في كينيا وخاصة في أوساط الطبقة الوسطي والمثقفين.

أيا كانت الدوافع فالعمل إجرامي في كل القواميس ،ومدان في كل الأديان، ومقزز في كل القيم، ومنبوذ في كل الأخلاق ومفزع في كل المقاييسن ولا يوجد من يبحث لأدني مبرر للقتلة ومصاصي الدماء ومن يربحون في المعاناة
لم تكن في مخيلة الضحايا أن سوقهم الأنيق سيكون يوما حديث الناس في العالم ووكرا قابعا في كابوس الموت ومشهدا غارقا في البكاء الهستيري واليأس وأنهم سيمر عليهم يوم كريه كهذا ستلتف حولهم أغصان الكآبة وتستضيف السراميك البيضاء والبلاط المزركش بالحضارة الإفريقية بأشلائهم وقطع لحمهم الفاحم ولحظات حزينة يفقدون خلالها أحبة وافرادا كانو الضحية شربهم الموت وجندلهم في الأرض، وأخري أنهكهم الجرح وأتعبهم الصراخ ولايستطيعون دفاع أنفسهم إلا بالدموع الصامتة والنظرات الحائرة والزحف نحو المخابئ والستائر وأعمدة البناء والنجدة لشرطي أو حبيب غائب.

دائما ما تتعرض الحياة البشرية للكثير من التراجيديات المؤلمة والمعاناة ،وليس ما يحدث في نيروبي هو الأولي من نوعه، ولكن أثر الحدث في نفسي كثيرا لسببين ريسيين وربما ثلاثة.

أولا: أن المجرمين الذين يجيدون إرسال قوافل من الجثث وبحار من الركام والشر ويمتازون بالقمع والتضييق يستخدمون دين الحنيف شعارا لجهالاتهم وبذالك يشوّهون سمعت الدين ورونق الحنفية ، رغم علمي أن الإسلام برئ من أفعال هؤلاء وأنه دين المستقبل بشهادة عدوه في لقارة السمراء وفي لعالم أجمع، وكانت كينيا في الآونة الأخيرة من أكثر الدول التي تسجل أعلي نسبة للمسلمين الجدد في العالم

ثانيا: تبني حركة الشباب العمل الإجرامي الذي وقع في نيروبي سيكون وبالا علي الحياة الصوماليين الموجودين في نيروبي، ويشكل أبعادا أعمق يؤثر إقتصادهم المنعش وتنقلاتهم وحياتهم البائسة أصلا،ولا أدري أية عقلية يفكر من قام هذه الفعلة الشنعاء وما رسالته؟ وهل يعد نجاحا باهرا إبراز عضلاته في أوساط الشعب؟
أري أنه حان الوقت ليكون شعارنا (الدين تعمر القلوب والعالم وتبني الأجيال وترسم المستقبل وتؤسس للحياة أركان البقاء ومقومات النجاح ولاتغتال الأطفال ولاتخرب الأرض ولاتهدم البيوت علي رؤوس ساكنيه، وأن الدين يربي الأحلام ويزرع الأمل في قلوب البسطاء والكادحين ولا تزهق الأروح ولا تعبث قدسية الحياة

شعار المرحلة القادمة يجب أن يكون مؤثرا في كل الميادين، وأري أيضا أن نكتب بعض جباه الأشخاص عبارة “خرج ولم يعد” قاصدين عقولهم المهترئة وتفكيرهم القاصر ورؤيتهم السطحية، وعجبي لهؤلاء الرعاع والسذج الذين يتبنون كل الأفعال الشنيعة والقبيحة ويرددون الكلمات كالببغاء لا لشئ لأنهم يحبون التصدر بعدما خبت جذوتهم وخف بريقهم ، وحينما بدات قوتهم تترهل يحاولون إنعاش جسدهم الهزيل بأفكارهم الجنونية وأفعالهم السطحية، ولكن أنّي لهم.

الفن، الاستبداد والاشتراكية.. وأشياء أخرى!

  بعد يوم غائم أعقب أسابيع من الحرارة والرطوبة الشديدتين؛ كان الليل الكسماوي صافيا وجميلا. الرذاذ الذي بدأ بالتساقط بعد التاسعة مساء ومجالسة...