الثلاثاء، 24 سبتمبر 2013

كسمايو... والرهان الخاسر

بعد دخول وسيطرت القوات المسلحة الصومالية والإفريقية في كسمايو آخر معاقل حركة الشباب المجاهدين ــ المناهضة للحكومة الصومالية ـــ وأهم مدينة في جنوب الصومال بعد العاصمة(مقديشو) أثير ضجة كبيرة وصخب هائل في أوساط شريحة كبيرة من الشعب الصومالي وبدأ بعض الذين تعودوا الإصطياد بالمياه العكرة دق طبول الحرب ونفث السم والبلبلة في أوساط البسطاء لإيقاد الفتنة ودغدغة المشاعر ووصفوا القوات المسلحة الصومالية والحركات الوطنية المتحالفة معها بأبشع الوصف وأقبح النعت وبأنهم عساكر قبيلة وجنود فئية معينة ! لهم أجندات خاصة وشريرة ومخيفة ، وشعر المواطنون بالفزع والخوف من تلك الفكرة المخيفة ونتائجها، وظل هذا الإحساس يلازمهم ولم يتحملو عناء بحث صحة الخبر ولم ينتظرو حتي تتضح الحقيقة وتتشابك الخيوط لأنهم كانو في عنفوان غيظهم وتأثرت مشاعرهم كيفية تناول بعض الجهات الرسمية والشعبية والتي كانت تتناثر من عيونهم شرارة الغيرة وألهب في وجدانهم نار الحسد واكتوي جسدهم نار الكراهية العمياء وقيح القبلية وشعر أصحاب الملفات الملتوية خسارتهم الكبيرة والضربة القوية التي وجهت إلي مصالحهم الخاصة واستخدموا قوات التحالف قنبلة دخان لإخفاء أطماعهم الإقتصادية وجشعهم السياسي 
.
إرتفعت الأصوات المنددة لحظة دخول كسمايو من كل جهة وادعي الجميع سواء كان بطل حرب أو سيد عرش أو مالك قرش أو معدوم قصير اليدين أو ساذج بليد الفهم بوصل ليلي وأصبح الجميع بين عشية وضحاها هو الممثل الوحيد والتاريخي في كسمايو وما جاورها مع علمنا أن كسمايو ملك للأمة الصومالية جمعاء وهي المسكن الذي يسع الجميع بخيراته الكثيره ويوجد فيها جميع القبائل الصومالية وفسيفسائهم المختلفة بل يمكن أن نطلق عليها المتحف الحقيقي للقبائل الصومالية وهذا لا ينافي أن بعض القبائل أكثر من غيرها في كسمايو أو أنهم يشكلون الأغلبية في جوبا السفلي وهذا مالا يجحده أحد

وقام الإعلام وبكل أقسامه المقرؤء والمسموع والمرئي والإلكتروني بصياغة المواقف وصناعة الأفكار وتشكيل رأي العام ضد قوات التحالف وتحركت الآلات الإعلامية الضخمه وكرست وقتها و جهودوها لتشويه صورة قوات التحالف وقالوا اكثر مما قال مالك في الخمر! لقد صور الاعلام المأجور الأجواء حالكة والقوات الحكومية والأفريقية وكأنهم أشباح تتلاعب في أطياف الضباب الكثيف وتحولت الأثير إلي ثكنات عسكرية ومراكز للتحليل العسكري والسياسي مضادة للتحولات الجديدة التي حدثت في كسمايو وتحركت الموجات القصيرة والطويلة ترسل ذبذبتها وتثيرالرعب وتفبرك الحقائق وتزيف الوقائع وهال الأمر البسطاء ومرضي القلوب حتي جعلت الأطفال الرضع يتركون ما انشغلوا به من رضاعة ويرفعون حواجبهم إستغرابا، واستفاد الإعلان الأسود حالة الخناق والحساسية المفرطة الموجودة في الشارع الصومالي وسرعة تأثره بالقبلية

إن إنتاج إعلامنا كثير ولكن أكثره من الكلام المشوه البعيد عن المهنية والإحترافية ومحصولنا عظيم ولكن أكثره من هواء وكوميدياء سوداء!. 

ولكن بات المواطن أكثر وعيا وإدراكا ولم يعد تنطلي عليه الحجج والدعاية السياسية الكاسدة لأنه يترقب حكومة صومالية قوية رغم أن الترقب عبودية ويصابر ويكابد المشقة ويحتمل علي الفقر ويحتال عليه بعيون بريئة وقلوب صافية ينتظرون يوم الأهم في حياتهم 
.
قصة سيطرت واستيلاء كسمايو وإنتزاعها من الشباب وسلطتهم العميقة والأخطبوطية تتجلي فيها صور من صور التعاون الرائع بين القوات المسلحة الصومالية ولإفريقية والجبهات المتحالفة معهما مهما تناءت أفكارهم وتباعدت منطلقاتهم وتباينت سحناتهم وجنسيتهم شكلو مثلثا رائعا ومنسجما إلي أبعد الحدود 
.
مثلث التعاون شكل ضلعه الأول القوات المسلحة الصومالية الباسلة التي كانت تكابد العناء وتواجه المشقة وتذلل الصعاب لإستعادة الأمن وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من وطن معطاء لم يقدر قيمته ووقف النزيف المتزايد يوما بعد يوم،وكان الضلع الثاني القوات الإفريقية لحفظ السلام(أميصوم) التي تحارب جنبا إلي جنب مع القوات المسلحة الصومالية رغم أن وجود قوات أجنبية لها إنعكاساتها في الساحة الصومالية إلا أنها أعادت الهيبة والنظام وإنجازاتهم الجليلة والمشرفة لا تخطئوها العين ولكن يعكر صفوها ضبابية بعض الحكومات التي أرسلت قواتها إلي الصومال الملتهبة ضمن أميصوم أو خارج دائرته وأجنداتها الخفية والذي لا يخلو من أطماع ومكاسب سياسية وأمنية لم تتضح بعد (إثيوبيا مثلا( التي لا يرتاح إليها الضمير الصومالي أصلا وتاريخيا بسبب النزاعات الحدودية والزعامة في القرن الإفريقي واعتبارات تاريخية ودينية وحضارية أخري ، وكانت حركة راس كامبوني هي الضلع الثالث الذي أغلق المثلث ورغم أن وجود الحركة وشرعيتها أثارت تساؤلات كثيرة ومشروعة وغرست في نفوس البعض الشك والريبة بوجودهم أولا وعدم إنخراطهم في القوات المسلحة الصومالية إلا أنهم يشكلون النواة الأولي والأهم في مواجهة الشباب وتجييش المواطنين وتنظيم صفوفهم وتأليبهم ضد الحركة وكان لهم قصب السبق واليد الطولي لكسر هيبة الشباب وقوتهم الضاربة في المستنقعات المجهولة في جوبا السفلي وغاباته الكثيفة لشراسة مقاتليهم وتدريبهم الجيد ومعرفتهم التامة لطبيعة وتضاريس وأدغال غاباتها العذراء وأحراشها المخيفة بالإضافة إلي تكتيكهم العسكري الناجح الذي أرهق واستنزف طاقات الشباب وحنكتهم السياسية العالية حيث كسبو ود واحترام الدول المتصارعة في الصومال، وأدي تمرسهم بشتي أنواع الحروب وانتمائهم إلي سكان المنطقة أنهم تمسكو زمام المبادرة وتصدرو في كافة المواقف والمواجهات، ونيلهم حصة الأسد في الإدارة المؤقتة التي شكلت قبل إسبوعين تقريبا خير شاهد ما قلناه ولم تكن وليد اللحظة أو ضربة لازب وإنما هو تتويج لعملهم المضني وحصيلة عمل طويل وشاق وعرفان ورد الجميل التي تستحقته الحركة بجدارة واستحقاق 
 .
هذه الترويكا العسكرية المدججة باحدث الأسلحة وأخطرها والتي تجد كل العناصر اللازمة لكسب أي معركة (الإمدادات العسكرية والدعم السياسي الخارجي القوي) أحكمت قبضتها في المدينة خاصة وجوبا السفلي عامة إلا بعض المناطق التي لا تشكل أي أهمية تذكر جيوبولوتيكيا و إقتصاديا وأهدت إلي الريئس الجديد في مستهل حكمه هدية العمر.
 
سيطرت كسمايو ودخولها في حوزة الدولة وحظيرة الحكومة كان من المفروض أن يكون خبرا سارا ومفرحا وأن يمر عاديا وبسلام لايثير أي عاصفة مثل ما حدث في جميع المدن التي استولت عليها الحكومة والتي استقبلها الشعب بالزغاريد والإشاده في مختلف مستوياته وهللت الجموع الغفيرة من أجلها بشتي أطيافهم والهبت الأكف بكثرة التصفيق وبحت الحناجر بكثرة الهتاف حتي صعبت التفريق بين صاحبة سور وصاحب صوت مجلجل خشن ،وهذا شيئ طبيعي لأن جميع الشعب شعر بشلّالات من الشعور الدافيء والعفوي وارتاح كثيرا في بسط نفوذ الحكومة الصومالية وتقوية عودها وكانت لحظة دخول القوات الحكومية والإفريقية في معظم المدن تاريخية بكل المقاييس ورأينا بأم أعيننا كيف مرت بسلام ولم تحدث أي زوبعة ولم تحدث أي إلتباس كل من سقوط مركا وبيدوا وبلدوين في أيدي الحكومة لأن الشعب كان ينتظر بفارغ الصبرعن رياح التغيير أن تهب ويمني النفس بسيل عرمرم يجرف القبيلية والحركات المهوسة باستعباد البشر جعلو الصومال حلبة صراع مكشوفة ورماد وأكوام من الركام الأسود وعوّد أهلها علي الصمت.
 
النظام البائد الذي كمم الأفواه واستخدم القبلية خميره عكننة وبابا للشر وأدخل البلاد بسكون ليل سرمدي لا يسمع منه إلا نبرات الشجون وأنين الصامتين كأن هراوة غليظة تدق رأس المواطنين ومخلب قط تخدش الحياة والطموحات وابتعد عن القيم والأخلاقيات التي أوجدتهم رغم أسمائم الرنانة والمقارنة بين اسمائهم وأفعالهم مقارنة إبتزازية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معني، ورسبت حركة الشباب كسب ود الشعب والإتصال المباشر والحقيقي بقلوب المواطنين والتغلغل في وجدانهم بسبب تصلب وخشونة مواقفهم وغرور وعجرفة بعضهم وإفتقادهم المرونة اللازمة والحنكة في إدارة البلاد والعباد مما عجل سقوطهم وأدي إلي هزيمتهم المدوية في آخر المطاف.
 .
إنقض الشهر الأول وتوالت الأيام وبات جليا أن مثيري الرعب ومرتعدي الفرائص غير مصدقين ولم يستوعبوا بعد ما يحدث أمامهم ولا يجدون تفسيرا ما يجري في كسمايو التي لا يعرفون طبيعتها الجغرافية ولا ديموغرافيتها البشرية لأن أفكارهم مبنية بعواطف واهية وفقاعة لا تستطيع أن تصمد امام الحقائق الجلية التي ينعكسها هذا التفاهم والإنسجام السائد يبن قوات التحالف والمواطنين، إذن اتضح مما لا يترك مجالا للشك أن المتشدقين والذين ملؤا الدنيا ضجيجا أنهم سلكو دروبا وعرة وحاولو تحويل الحبة إلي قبة وخاب ظنهم العقيم وهلوستهم الكاذبة بأن حروبا ستشعل السماء وتلون اللهب بالفضاء وتدمر الأرض، وخلافا ما يجيش في خيالهم السقيم ها هي كسمايو تنعم بسلام وحرية مطلقة حيث تقول للأعور(يا أعور.
(
ما حدث جعل المعسكر المعادي لتقدم الدولة وانحاز إلي الجهات المناؤئة وقابل باستياء شديد بتمدد وسيطرت الدولة في جوبالاند مشدوهين ويبحثون سلم للنزول من الشجرة العالية التي صعدوا إليها لأنهم اعتمدو سيناريو فاشل وتوقعات فاسدة بأن القوات المسلحة لصومالية والإفريقية قوات خاصة أو نجدة لقبيلة أو فصيلة معينة وأنها تقوم بتصفية حسابات ودمار وخراب في المدينة نهب هنا... وقتل هناك واغتصاب جماعي وانتهاك للحرمات والأعراض وهيمنة مطلقة لقبيلة معينة وإيثارها للحكم وإقصاء الآخرين ....!! ولم يخلو الأمر من طرفة ونكات مثيره ومضحكة لا أدري كيف صاغها إنسان صومالي سليم وسوي تقول الطرفة "أن الشعب الكسماوي والقوات الصومالية يجدون صعوبة شديده في التخاطب والتفاهم بسبب إختلاف اللغات واللهجات" وكأن القوات المسلحة الصومالية من الشياطين الزرقاء أو من كوكب المريخ.

ما يحدث في الواقع مغاير تماما ومختلف لأحآديث المرجفين ودخلت القوات المسلحة الصومالية والإفريقية في كسمايو حاملين للشعب المنكوب تباريح الحب والامل وباكوره حياة سعيدة وفي يدهم اليمني ريشة عصفور وفي يدهم اليسري زهرة بنفسج رغم أن الأجواء كانت صعبة وتشم في كل مكان روائح البارود الكريهة وعمت زخات الرصاص ودوي المدافع في كل مكان.
نحن نحفز المقاصد النبيلة وليس الأفعال لذا فالقوات الصومالية بشتي مسمياتها قامت بأعمال جليلة وتضحية عظيمة يذكر فيشكرلإستقرار الصومال وبسط هيبة الدولة في ربوع الوطن.

وفي ضوء ماسبق يصح ان نقول إن المرجفين وضعاف النفوس قد خسرو الرهان ووجه إليهم لكمه وصفعة قوية أصابتهم في مقتل متمثلة دقة في التنظيم والتخطيط وكفائة في التنفيذ والسيطرة التامة في مفاصل المدينة وما حولها من القرى والأرياف، رغم أن الأمن غير مكتمل وهش لقصر الزمن وحداثة التجربة وصعوبة الموقف.

الآن وقد بان كل شئ وظهرت منهية القوات المتحالفة لم يبق الا ان يتكاتف الجميع من أجل بث الروح من بقايا وطن لم يتبقى منه غير الإسم وذكريات بعضها جميلة وبراقة يفزع إليها في الليالي السوداء والأيام المدلهمة وزمن الأزمات وحين ينسد الأفق بالسحاب الكثيفة لعلها يجد المرأ ما يهدأ لوعه ويخفف عنه وطأة البؤس وحياة الشقاوة وبعض الذكريات مؤلمة وموجعة طبعت علي جبين الشعب بخيبات متتالية وحسرات متلاحقة وجعلت حياته متشابهة وموحشة،ولكنه يعيش راضيا بقضاء الله وقدره مقتنعا في وطنه وفي جنبيه أمل لإعادة الأمجاد والدولة الصومالية القوية تساعد في اجتياز المحن والحروب وإعادة إعمار البلد المنكوب، والبلاد مثل البشر لا تستطيع الهروب من القدر.

الحل الوحيد لحل معضلة الصومال عامة هي البحث عن الحلول المجدية والممكنة والإبتعاد عن التحزبات الضيقة والكانتونات المغلقة والفئوية المقيتة والتي أورثتنا الجهل والجوع والأمراض الفتاكة والألم والهوان والذل.
والشعب الصومالي بحيويته ونشاطه وانفتاحه وتنوع مصادره وموارده الإقتصادية وثرواته الهائلة وإرثه الحضاري والتاريخي بإمكانه أن ينتفض وينهض ويسطر كتابة واقعه من جديد.
وأخيرا بدأت الدولة تتمدد رويدا رويدا وبخطي ثابتة وتسيطر أجزاء واسعة من الصومال وتحتاج إلي وقفة حقيقية وصادقة لمساعدتها لأن الشعوب هي التي تبني أو تهدم الدول و الحضارات والمطلوب من الحكومة الصومالية هو السعي الدؤوب لتوطيد دعائم إقتصاد قوي وجيش صومالي وبأسس وطنية وأخلاقية وخلق جو ينمّي الحس الوطني والإحترام وقبول الآخر وتنوير المفاهيم ومواكبة العالم .
من السهل أن تبدا الحروب والصراعات وبأتفه الأسباب ومن الطبيعي أيضا أن تهدأ وتضع أوزارها وهذا من سنة الكون ومعظم شعوب العالم حاربت ووقع الجميع متاهات الحروب الأهلية والإقليمية والعالمية بسبب غريزة البقاء وحب التملك أو حفظ المصالح والمصادر النادرة وقد وصل الجميع بحقيقة واقعية مفادها "ان لا حياة بدون سلام" وتصالحت الشعوب والأمم فمن يمنعنا أن نمارس سيد الحكمة(الصلح) ونحن أمة واحدة قلبا وقالبا نتصالح مع أنفسنا ومع شعبنا ومع جيراننا وإلا فنظرية الدومينو التفتيتية قد تكون العنوان الأبرز للمرحلة المقبلة.

الفن، الاستبداد والاشتراكية.. وأشياء أخرى!

  بعد يوم غائم أعقب أسابيع من الحرارة والرطوبة الشديدتين؛ كان الليل الكسماوي صافيا وجميلا. الرذاذ الذي بدأ بالتساقط بعد التاسعة مساء ومجالسة...