الثلاثاء، 24 سبتمبر 2013

ماذا تعني الطفولة في مثل هذا الوطن؟

وقف الطفل خلف أمه مبعثرالخواطر معفر الشعر غائر العينين زائغ النظرات ضامر البطن وقفة ميلودرامية حزينة كطير بلله المطر وكفينيق بلاجناح لازم الجبال ومات حزنا وكمدا في الرواسي الراسخات، وكأمل من ورق مزقتها الزوابع وأبعدتها العواصف.

مسح يده اليمني العبرات التي تسيل علي خديه الطريين كشلال آنجيل في عز الربيع أو كالمزن الهتان حين تبكي السماء في ديجور الليالي الحنادس، ومسك يده اليسري بقايا امل مزقتها الحروب وأنهكتها الصراعات.

نظر إلي الأفق والغبار يثور وينزل كرذاذ المطر وذرات التراب تمتزج مع قطرات العرق في صفحة الأرض وأكوام القمامة والركام تحجب الرؤيا في الأفق البعيد وصيحات الجنود تملأ المكان! والصخب وضجيج الأرجل لحظة الحركة إلي الدمار والدموع والدماء تشبه الحركات الموحشة للكائنات الخيالية في أفلام الخيال العلمي والأطباق الطائرة في هوليود الأمريكي وفي سيناريو أفلام عم سام المرعبة.

ضوضاء وأنين يوجع القلب وجرحي بلا آسى ولا ضماد! شباب متوجهون إلي مصارعهم بحيوية ونشاط وفتيات في عمر الزهور أغتصبن ولا يدرين ما السبب! ولماذا لطخ الغريب شرفهن وعبث بعفتهن؟ وجثث مجندلة فوق الطين السوداء علي ضفاف الأنهار وقتلي متراكمة في الغابات الإستوائية الكثيفة تفوح عنها روائح كريهة تزكم الأنوف، ونزيف حاد لكل شئي بلا طبيب، وأشباح ملثمون قادمون إلي الطفل الشقي وامه الحزينة محملين خناجرا ورشاشات مخضبة بالدماء وأشلاء مصبغين بلون القاني المتسرب من جلد الإنسان حين القتل أوالنحر كالنعاج! فسأل أمه ماهذه اللون الأرجواني أهي صبغة أوالطلاء في جدران البيوت؟ أم هي بوهية للعب يا ماما في الأعياد والأفراح! أم هو شاهد للإبادة المروعة والقتل الهمجي؟ وماهذه الجموع التي تقتل بلا سبب؟.

فأجابت الأم أسكت يا ولدي ليس اللون أرجوانيا جميلا ولا عنوانا للحبور بل هو عنوان للأسى والحزن بأقبح صوره.
الدماء تريق بلا سبب والأرواح الزكية تزهق بلا معني! ياصغيرى ويافلذة كبدي لا تنبس ببنة شفة وراقب الوضع عن كثب والعين خافضة والقلب منكسر واللسان معلق فالقوم يقتلون الطفل قبل الرجل ويغتصبون العجائز قبل الحرائر ويحرقون الوطن قبل البشر؟.

ماذنب الوطن ماجرم الشعب ماهذا يا أمي لماذا يمزقون العَلم؟ لماذا يبيعون الكرامة؟ لماذا ينبهون التاريخ ويبصقون الحضارة ويغدرون العزة والنخوة؟اليسوا إنسانا مثل الورى أهم صوماليون مثلنا أم هم قادمون من الزحل؟.

لا يا فلذة كبدي يحملون أسماء البشر وجاؤ من الوطن ولكن أعماهم الجشع وأرداهم الصلف وأهلكهم الطمع! ليتني تعرف خبث البشر يا صغيري فالبشرة تشبهنا واللسان يجمعنا والقلوب أقسي من الحجر؟.

إرتعدت فرائص الشبل وأغرورقت عينه بالدموع الوفية وتغيرت سمرته الأصيلة إلي حمرة وكأنه طفل بائيس في البوسنة أيام الإبادة لأن المعاناة متشابه والغدر أبوه واحد في كل زكان ومكان!.

رمي الطفل بقايا لقمة كان ينتظر أن يبتلعها بلا ضجر! يا أمي ماذا تعني الطفولة في مثل هذا الوطن؟ أين الدمية والعاب الطفل بل أين الدفاتر والقلم ؟ بل أين الإبتسامة والنشوة والفرح في عقر الوطن؟
الهب الكلام أحشاء الأم وتفطر قلبها فقبلت الصغير وأحضنته وأجابت بالعبر! الطفولة تعني الحرمان والبؤس في ثوب البشر والحياة بلا حلم جميل أو امل براق والموت تحت وطأة الفقر والدرن!.

نظر الصبي إلي الجموع الهادرة فأمقتهم في صميم القلب وأكرههم حتي النخاع واعجب حماستهم حين الغدر! إلهي أين الإنسانية أم أين الشرف والعقل؟ أليس فيهم ذوي الحجي أو رجل رشيد واين حمرة الخجل؟
خافت الأم من طعنة غادرة أو رصاصة طائشة تسكن جمجمة قرة عينها و توقف نبضات قلبه إلي الأبد- الأمومة حب لا ينتهي وشفقة حاضرة في الكل الميادين- فقالت: لاتنظر يا ولدي فالجيش منزوع الرحمة ولا يأبهون الصغير ولا الشجر ولا تراقب العساكر الذين يحومون حول جثة الوطن فهم جن في ثوب البشر، والنظرة في زمننا هذا ذنب لا يغتفر وأشد للعداء من جيش عرمرم.

تعجب الطفل ورفع حواجب الدهشة وفغر فاه وظهرت أسنانه الناصعة كقلبه اليقق وفاق فهمه الطرى وقلبه البرئين وقال بعفوية الطفولة وسذاجة الأولاد: يا أمي ما جريرة الأمة كي تظمأ وتبتلع الضيم مثل العلقم وتداس كرامتها تحت القمر؟.

فأجابت الأم وهي تمسح رأس صغيرها وتهمس في أذنية لئلا يسمع الشبح الذي يجلس فوق قبر أخيه وجثت قريبه: القوة أرهبت الشعب وسلبت عنهم العزيمة وجعلت الجموع وديعا كالغنم وطائعا لا يأبي ولا يخون كالعبد المخلص حين أنذر نفسه للسيد وأقسم أن لا يغتال ولا يغدر وفوهة البندقية أجبنت البشر وصوت الرصاص أصمت الأذن والبارود أزكمت الأنوف وأهلكت البشر.
رفع الصبي بصره إلي السماء وبكا بكاء مريرا فيها كثير من التراجيديا الحزينة وأطلق زفراته الشجية إلي عنان السماء ناجيا رب البرية يارب أما للشعب أن يرتاح والوطن أن يمرح والعلم أن يرفرف؟ رب ارفع عنا الحرب والحسد والحقد فأنت اللطيف وأنت السميع يا واسع العطاء أستجب دعائي ويا كريم لا تردني خائبا.

بدات الأم تواسئ طفلها سنراهن علي الزمن وسيعود إلي سابق عهده وأجمل لأن الشعب مرهق والوطن متعب والحجر مكسر والتاريخ معفر والجغرافيا مبعثر، سكت الطفل علي مضض وثقلت أهدابه وملأت النوم جفونه فاستسلم للكري في حضن أمه أوبالأحري في حضن الوطن.

ميناء غَرَعَدْ.. بارقة أمل في وسط الهزائم

  بعد انتهاء معرض مدينة "جالكعيو" للكتاب الذي كان يهدف إلى نشر السلام والمصالحة الشاملة بين القبائل -قبل تعزيز الثقافة والمعرفة- ف...