الخميس، 26 سبتمبر 2013

قصتي مع الكتابة




جميلة هي الكتابة بشتي أنواعها إذا كانت تضمد جرحا، أو تسد فراغا، أو تبني وطنا، أوتمسح دموعا علي الخديّن البريئين، أوتبدد حزنا، أو تساعد حائرا، أو تجبر قلبا مكسورا أوملهوفا، أوتحمل رسالة خالدة وأهدافا سامية بين صرير أقلامها وحفيف أوراقها.
وتتضاعف قيمتها إذا كانت تؤاما للروح، محببة للمزاج، متكيّفة مع الطبع والوجدان، محافظة للقيم والتراث ،منسجمة مع الواقع، تمتهن الحقيقة وتدافع القيم وتحارب الظلم الإجتماعي والتحلل الأخلاقي، وفوق هذا وذاك يربط  بينكما حبل الود وخيوط الوصال، ويجد فيها المرأ متعة لا تضاهيها أي متعة إلا التنزه بعقول العباقرة، والسياحة في أذهان المفكرين، والتلذّذ بعصارة أفكار العلماء ،وحكمة الفلاسفة، وجمالية كلام البلغاء وحروفهم المشعّة كفراشة السواقي رونقاً وبهاء.

وميض القلم

نحن البشر وفي داخل كوننا الفسيح نعيش بتجاذبات فكرية وحياتية وأيديولوجية رهيبة، وتمازج غريب بين الوهم والحقيقة، وتشابك كبير بين الحق والباطل في نظر البعض، وبين الألم والأمل، والأفراح والأتراح ، وجميعهم ثنائيات يشكلون معا لوحة الحياة المفعمة بالحب والكراهية والألوان الزاهية والأخري الباهتة،وهم أصناء ولايفترقون ابدأ في حياتنا، بل يتناوبون علي فصول حياتنا وسجلات عمرنا، فكلما سبق إليك أحدهم لحق الآخر به ليكون ضيفا مميزا علينا، وهكذا أصبح الحبور والمسرات وجمالية الحياة لا تنتهي أبدا في ربوع البسيطة، كما الأحزان والأسي تكون رفيقتها إلي يوم الدين ، ويكون الطرب لصيقا للبشر كما لصق الخوف في حلقوم شعبنا وكما الهموم التي لا تنقطع في وطننا المثقل بالجراحات، والمنهك بالغدر، والمترنّح بالظلم والإضطهاد، وتمزيق أوصاله بمزيد من الحقد والحسد، ووابل من الرصاص ورائحة البارود التي تزكم الأنوف.

في وطننا فقط ومن حوله من البلاد المتسربلة برداء الخنوع والمستكينة بكاكي الجنود وجزمة الفقر، يبكي الظالم لينهب أموال المستضعفين ولينتهك الحرمات! وليجد يد العون والمساعدة من أفراد قبيلته أو اعوانه السذج الذين لا يعرفون شيئا عن دموع التماسيح ولا عبرات المتباكي، فيصول الظلم كالمارد الأحمر ويجول القهر كظافر منتشي بنشوة الصره بعد حرب طويل. ويواصل البغضاء قفزاته الطويلة ووثباته العالية، ليسجل ارقاما قياسية بمساعدتنا لحفارى القبور وحاملي الأوبئة والأمراض، وداء الرحيل ونهش جسد المواطن وإلتهام جسد الثقافة ونهب الحضارة، وبصق وجه التاريخ وتمزيق الجغرافيا.

الأربعاء، 25 سبتمبر 2013

سد النهضة الإثيوبي

أثار سد الألفية أو النهضة في إثيوبيا زوبعة إعلامية وحروبا نفسية تطورت إلى التلاسن والتهديدات وتلاطمات كادت في لحظة من اللحظات أن تتطور إلى حرب ضروس على المياه مسرحها القرن الأفريقي تلك المنطقة المنكوبة تاريخيا بسبب السياسيات والأفكار الجنونية التي إتبعتها القادة أو بسبب الحروب الأيديولوجية التقليدية بين الإسلام الزاحف من السهول الشرقية والسواحل الشرقية للمحيط الهندي وبين النصرانية المتقوقعة في الهضاب والمحصورة فوق المرتفعات والجبال الحبشية.
وأقول القرن الإفريقي بعد بروز التصريحات المتعاقبة التي تدعو إلى إستخدام الصومال وجيبوتي كقوة ناعمة لمصر توفر لها القواعد العسكرية الحيوية إذا دعت الضرورة بل ستشاركان الزحف المبارك نحو السد، وكأن هذه الدول ليس لها سيادة بل هما محافظتان مصريتان! والتصريحات التي تدفع المنطقة إلى الهاوية لم تقف عند هذا الحد بل طرحت عن تسليح المعارضة الإثيويبة واستخدامها كورقة ضغط على إثيوبيا، وخاصة الجبهات المسلحة في أوغادينيا وأروميا وكأن القضية الأوغادينية وليدة اللحظة!
وبعيدا عن التهويل السياسي والحروب النفسية والتضخيم المقصود للضرر السد من الواضح أن للسد إيجابيات كثيرة لإثيوبيا ولدول المنطقة المجاورة لها حيث تقدر طاقته الكلية أكثر من 6000 ميغاوات وقد يحجز السد ما يقارب16مليار مكعب من المياة الثابتة و60مليار مكعب من المياة المتدفقة المولدة للكهرباء وهذه القوة التي تجعل السد ثاني أكبر سد في إفريقيا تعود بنفع لدول الجوار ولإثيوبيا الفقيرة وقد يحسن إقتصادها الضعيف ومعيشتها الصعبة في ظل زيادة هندسية للسكان التي من المتوقع أن تتتجاوز بعد ربع قرن 100مليون نسمة.

الثلاثاء، 24 سبتمبر 2013

الحب الممنوع (5)

سر وراء عرض القضية لعمي بهذا السرعة كانت إرادتي القوية بأن أستريح من تراكم الهموم وتكالب الغموم، ولم يغب في بالي ولوبلحظة صعوبة المهمة وتشابكها وخطورة الموقف وتعقيداته المختلفة، وأن أي لحظة تأخر بالتأكيد ليست لصالحي، إلي جانب أني أعتبرت الحب أمرا في غاية الأهمية وقرارا مصيريا، والسلّم الأولي لمستقبل باسم جميل كالحديقة ومرهف كتغريد الطيور وهمسات الزهور، إذن فمن الواضح أن أمرا كهذا يتطلب التشاور والتروّى وتعميق النظر والإستعداد التام لكل الإحتمالات الممكنة، أكثر مما يتطلب الشجاعة والجرأة والقرارات الغير الرشيدة وارتكاب حماقات غير مضمونة العواقب ما دام مستقبلك مرهون به.

الحب الممنوع (4)

....وحينما وصل التذمر مداه وفي لحظة يأس وإحباط تسآلتْ هل قلبه جامد إلي هذه الدرجة؟ أم الحب مرض يصيب الضعفاء أمثالي؟! أم إن الإنخراط في سلك المحبين ونادي العشاق يتطلب كاريزما خاصا يفتقده فارسي الذي أضعته في حدقات عيوني؟ أم في وجدانه ضمير يؤنبه كلما خطي نحو الحب خطوة مما جعل يقدّم رجل ويؤخر أخري! أم أقنع نفسه أنه حينما تكتمل إستعداداتك وأردت ظفر نصف دينك فابحث الصالحة الولودة الودودة وتزوج علي ضوء وهدى "لدينها" أما الحب ولوعاته وخلجات العاشقين فهذا مما لا أطيق عليه والحب الحقيقي الطاهر والعفيف إنقرض من دنيانا الدنئية! أوهكذا إعتقد في خضم تشاؤمه، أم تركَ الحب وزهد العشق بعدما فقد الحبُ بريقه وعذريته وأصابته وعكة صحية وتشوّهات خلقية؟ لا أدري!... ولكن من الواضح أن بلادة الضمير وبرودة الأعصاب والمقاومة العجيبة لهذا الحب النادر ورائه سر دفين وقصة عجيبة ما زالت تعاني من الإكبات والكتمان.

الحب الممنوع (3)

واجهت طوفانا من أقضية الزمان والتهبت العواطف واراتفعت معدلات الشوق يزيده العجز إشتعالا!! كان تفكيري موجّها بطبيعة الحب الذي بإمكانه أن يجمعنا وطبيعة الحياة التي تنتظرنا وتجمعنا تحت سقف واحد! وبسبب المنطق والعقل كنت خائفا من المجهول واعيا الهوة الكبيرة بيننا، وأفسد متعة الحب وبريقه اللامع تصوراتي السلبية ومبالغتي الكبيرة برد فعل أسرتها بمجرد أن يتناهي الي أسماعهم ذاك الحب المجنون الذي أخطأ طريقه وضل عن جادته، وربما يعتبرونه تملقات فقير يتسلق سلالم الحب باعتباره أقرب طرق للشهرة وجمع الثروة أو هذيان مجنون أو هرطقات ساذج يبحث الماء المستحيل في سراب صحراء العتمور!.

الحب الممنوع (2)

صدفة اللقاء:
وبعد مراجعات وفكر ثاقب وحرب شعواء بين عقلها وقلبها إنتصرت العاطفة علي العقل، والإرادة والحب علي الحياء الأنثوى العفوى، وفي لحظة نادرة من الصفاء العميق والشجاعة الكاملة لبست مريم بخمار وردي لفّته حول وجهها فبرز كالبدر في محتلك الظلام! وجمعتْ ما أوتي لها من قوة ويممتْ وجهها شطري تحثّ الخطا لتبوح ما تكنّ لي في صدرها البرئ الطاهر لأشاطر لها الحرقة والعشق أو لننعم معا في كنف الحب ودفء الوصال، ذهبت مريم إلي حديقة "روضة العاشقين" وهي حديقة غناء يرتادها المحبون وتشتهر بتنوع ورودها وكثرة زهورها وبرودة أجوائها المفعمة بالرومانسية، وكثيرا ما أقصد إليها لوحدى وأترك أشجاني بين بساتينها التي أشم رائحتها الزكية، وأبثّ شكواي في جنباتها الفسيح، وأنثر آهاتى في براعم زهورها التي تنظر إليّ بعفوية الطبيعة وبرآة الورود الرائعة.
وبصدفة محضة وعجيبة بعيدا عن الرسميات المملّة واللقآءت المرتبة المصطنعة قابلتْ مريم فارس أحلامها ومنتهي شوقها، شغرتُ فاهي دهشة وعجبا لرؤيتها في هذا المكان بالذات ومددتُ يدي مرحّبا بقدومها ونظرتُ إليها فإذا أنا أمام صورة للعظمة الإنسانية والأنوثة التي تذيب الرجل، ورجعت البصر فرأيت ملامح نسوية جميلة ومظاهر عزيمة تتحطم دونها آمال الرجال.
جلسنا زاوية بعيدة تحت ظل شجرة منصوبة القامة، وارفة الظلال، مغطاة بورود ذات رائحة جميلة، أوراقها تحابا وامتزجا وأغصانها تعانقا واتحدا ورسما لوحة رائعة من الحب والوفاء، تجاذبنا أطراف الحديث وما أجمل حديث العاشقين وهمسات المحبين!، والحديث يرنو ويلذ كلما تطرقنا عن الحب وتعمقنا في تفاصيله وولجنا معا باب العشق والغرام.
وكلما نظرت إليها أتذكر قول خليل مطران:
الحب روح أنت معنــــــاه *** والحُسنُ لفظٌ أنتَ مبنــاهُ
تمَّتْ برؤيتك المنى فحكت *** حلماً تمتعنا برؤيـــــــاهُ
يا طيب عيني حين آنسهـا *** يا سعد قلبي حين ناجاهُ .

الحب الممنوع (1)

إلتقينا كإلتقاء النيلين في الخرطوم وفي حفلة عائلية تتسم بالهدوء والرّتابة الشديدين ذهبتُ إليها دون تخطيط وبعد إلحاح من أحد أعز أصدقائي الذي ظل السلوي والملاذ خلال السنوات الغربة القاتلة، قصدنا ناحية بيت نائي يقع في الضاحية الشرقية من المدينة ضمن الحي المعروف بحي الأثرياء الذي يقطنه الأغنياء أصحاب المليارات، وتدركك الأجواء المحيطة بك من الفخامة والأبراج العاجية والأشجار المنظمة والهدوء المطبق الذي لا نسمع فيه إلا زقزقة العصافير وخرير المياه مدى الفرق بينهم وبين الطبقات الكادحة المنتشرة في عشوائيات المدن الكبيرة والأكواخ المتناثرة في الأحياء الفقيرة.
وبعد رحلة إستقرت بنصف ساعة تقريبا وصلنا إلي البيت ومن المفارقة العجيبة أنه لم يكن ذاك البيت الذي كنت أتصوره في مخيلتي بمثل هذه الأحياء الراقية التي لم أزرها في حياتي بل كنت أسمع عنها حكايات غريبة وأحاديث شيّقة ومثيرة تجذب النفوس وكأنها المدينة الفاضلة التي تحدّث عنها الفيلسوف الإغريقي أفلاطون بكتابه، ذاك التأليف الفلسفي الذي لا وجود له في أرض الواقع بل يجسد أمنيات فيلسوف وحياة مثالية للعباقرة ومدينة يعيشها الإنسان أروع الحياة وأزهي المعيشة ويحكمها الفيلسوف بقوانينه المنطقية.

كسمايو... والرهان الخاسر

بعد دخول وسيطرت القوات المسلحة الصومالية والإفريقية في كسمايو آخر معاقل حركة الشباب المجاهدين ــ المناهضة للحكومة الصومالية ـــ وأهم مدينة في جنوب الصومال بعد العاصمة(مقديشو) أثير ضجة كبيرة وصخب هائل في أوساط شريحة كبيرة من الشعب الصومالي وبدأ بعض الذين تعودوا الإصطياد بالمياه العكرة دق طبول الحرب ونفث السم والبلبلة في أوساط البسطاء لإيقاد الفتنة ودغدغة المشاعر ووصفوا القوات المسلحة الصومالية والحركات الوطنية المتحالفة معها بأبشع الوصف وأقبح النعت وبأنهم عساكر قبيلة وجنود فئية معينة ! لهم أجندات خاصة وشريرة ومخيفة ، وشعر المواطنون بالفزع والخوف من تلك الفكرة المخيفة ونتائجها، وظل هذا الإحساس يلازمهم ولم يتحملو عناء بحث صحة الخبر ولم ينتظرو حتي تتضح الحقيقة وتتشابك الخيوط لأنهم كانو في عنفوان غيظهم وتأثرت مشاعرهم كيفية تناول بعض الجهات الرسمية والشعبية والتي كانت تتناثر من عيونهم شرارة الغيرة وألهب في وجدانهم نار الحسد واكتوي جسدهم نار الكراهية العمياء وقيح القبلية وشعر أصحاب الملفات الملتوية خسارتهم الكبيرة والضربة القوية التي وجهت إلي مصالحهم الخاصة واستخدموا قوات التحالف قنبلة دخان لإخفاء أطماعهم الإقتصادية وجشعهم السياسي 
.
إرتفعت الأصوات المنددة لحظة دخول كسمايو من كل جهة وادعي الجميع سواء كان بطل حرب أو سيد عرش أو مالك قرش أو معدوم قصير اليدين أو ساذج بليد الفهم بوصل ليلي وأصبح الجميع بين عشية وضحاها هو الممثل الوحيد والتاريخي في كسمايو وما جاورها مع علمنا أن كسمايو ملك للأمة الصومالية جمعاء وهي المسكن الذي يسع الجميع بخيراته الكثيره ويوجد فيها جميع القبائل الصومالية وفسيفسائهم المختلفة بل يمكن أن نطلق عليها المتحف الحقيقي للقبائل الصومالية وهذا لا ينافي أن بعض القبائل أكثر من غيرها في كسمايو أو أنهم يشكلون الأغلبية في جوبا السفلي وهذا مالا يجحده أحد

وقام الإعلام وبكل أقسامه المقرؤء والمسموع والمرئي والإلكتروني بصياغة المواقف وصناعة الأفكار وتشكيل رأي العام ضد قوات التحالف وتحركت الآلات الإعلامية الضخمه وكرست وقتها و جهودوها لتشويه صورة قوات التحالف وقالوا اكثر مما قال مالك في الخمر! لقد صور الاعلام المأجور الأجواء حالكة والقوات الحكومية والأفريقية وكأنهم أشباح تتلاعب في أطياف الضباب الكثيف وتحولت الأثير إلي ثكنات عسكرية ومراكز للتحليل العسكري والسياسي مضادة للتحولات الجديدة التي حدثت في كسمايو وتحركت الموجات القصيرة والطويلة ترسل ذبذبتها وتثيرالرعب وتفبرك الحقائق وتزيف الوقائع وهال الأمر البسطاء ومرضي القلوب حتي جعلت الأطفال الرضع يتركون ما انشغلوا به من رضاعة ويرفعون حواجبهم إستغرابا، واستفاد الإعلان الأسود حالة الخناق والحساسية المفرطة الموجودة في الشارع الصومالي وسرعة تأثره بالقبلية

إن إنتاج إعلامنا كثير ولكن أكثره من الكلام المشوه البعيد عن المهنية والإحترافية ومحصولنا عظيم ولكن أكثره من هواء وكوميدياء سوداء!. 

ولكن بات المواطن أكثر وعيا وإدراكا ولم يعد تنطلي عليه الحجج والدعاية السياسية الكاسدة لأنه يترقب حكومة صومالية قوية رغم أن الترقب عبودية ويصابر ويكابد المشقة ويحتمل علي الفقر ويحتال عليه بعيون بريئة وقلوب صافية ينتظرون يوم الأهم في حياتهم 
.
قصة سيطرت واستيلاء كسمايو وإنتزاعها من الشباب وسلطتهم العميقة والأخطبوطية تتجلي فيها صور من صور التعاون الرائع بين القوات المسلحة الصومالية ولإفريقية والجبهات المتحالفة معهما مهما تناءت أفكارهم وتباعدت منطلقاتهم وتباينت سحناتهم وجنسيتهم شكلو مثلثا رائعا ومنسجما إلي أبعد الحدود 

قلب نهكه الأسى

في منتصف الليل وحين يلوذ العالم في السكون وتحجم المجرّات عن الدوران وتأفل النجوم وتهدأ الحركات ويسود الظلام في أرجاء الكون الفسيح استلقي في سريري استعجل النوم فتتزاحم علي الأفكار وتداهمني الآراء والأوجاع بقضها وقضيضها فتتركني ضائع الحيلة مبعثر الخواطر ممزق الرؤى فأتململ من فراشي وتطير النوم من مقلتي وتأبي العيون أن تكتحل بنوم هانئ ،فألملم أطراف مشاعري وهواجسي وأعيد الكرة وتؤول كل المحاولات الحثيثة لإستمالة النوم بلا جدوي! وأستعد في طول ليلي أن أصارع الأشباح التي تهاجمني وتسلب عني نومي عنوة وتخيفني في يقظتي وكأنه قدري أن أكافح وأعيش مع عدوي لا يرعوي.
أبحث النوم دون الوقوع في فخ الأحلام المرعبة وأحاول جاهدا أن أتهرب من الخلجات التي تؤلمني وأن أنسي الهموم والمتاعب والحالة المزرية التي أحاطت أمتي كإحاطة السور بالمعصم والآلام التي يعيشه شعبي في مشارق الأرض ومغاربها وأن أضع جانبا هدير الدنيا وضجيجها وحرقة الضمير الذي ينتابني ويبعد النوم من جفوني المتعبة وعيوني المرهقة الزائقة ،وأجرب كل الطرق وأسلك كل المسالك والدروب لأنعم بنوم هادئ وأرتاح من وخز الضمير ولكن بدون فائدة تذكر! ولا أستغرب فكيف لي أن أخلد إلي الكري وأنام ملء جفوني قرير العين مرتاح الضمير وصرخات شعبي وآهاته ونشيج الباكين وأنين المحزونين تهز كياني وبكاء أطفالي تغلغل في وجداني وتقطع أحشائي وإستغاثات أخواتي وأمهاتي تدمي قلبي وتجلد ذاتي وتجعل نومي سرابا تربطه خيوط واهية.
طال بي الفكر وأوردني الهموم كل مورد فهاجرت الكري وبتّ ليلتي سهرانا أبحث لعلي أجد وميض أمل في الأفق أو شعاعا في نهاية النفق المظلم، ولكن أنّى لي ولم تتصل أمتي النهاية المحتومة لكل الحروب العبثية والقتال الهمجي ولم يتعظ شعبي من حماقاته المبكية، والصراعات تتجدد كل يوم تحت مسمي جديد والحروب متوقدة ولم تضع أوزارها والمصالح الضيّقة الآنية تسيطر قمة الهرم وتموت دونها المئات بل الآلاف والملايين وتطير دونها الجماجم والرقاب ،وكما قالت الفلاسفة: العلم يسبب الشقاء يروق لي بعض الأحيان ان لّا أعرف المشاكل المزمنة ولا أدري الآلام المتعددة لأمتي كي أرتاح! رغم أني لا أعتبر نفسي عالما ولا مثقفا ولا كاتبا ولا فيلسوفا بل أعتبر نفسي نصف متعلم ونصف كاتب يتلمس الطريق الصحيح ويبحث طريق العلم والمعرفة، والحظ القليل من المعرفة والقسط المتواضع من الثقافة سببت لي السهاد والبعد عن الكري.

المرأة الصومالية إكسير الحياة

في وسط المروج الطبيعية وأثناء تناولي فنجوان القهوة الصباحي مع نسائم الصباح الندية في زاوية هادئة من المقهي حيث لا أسمع إلا دبدبة الناس المسرعين إلي العمل وأزيز السيارات في الشارع المجاور والكلمات الصادحة من هنا وهناك، وفي لحظة تأمل عميق ونظرة ثافبة لحياتنا وما آلت إليه الأوضاع في بلدي الحبيب، وكيف يجهض الآثمون جنين الأمل في رحم المعاناة، وكيف يسرق الجناة البسمة علي وجوه البسطاء، وكيف يغرق بلدي كل مرة بالشبر الأولي من الماء ويتيه شعبي لأبسط العقبات، وفي لحظة شارفت ان لا أري إلا القتامة والتشوهات في حياتنا، لاح بصيص أمل من بين الركام وشعاع مضئي إرتفعت معه ترمومتر السعادة في جوانحي.

وهتف هاتف في أعماق قلبي : لماذا لا تري الوجه المشرق في حياة الأمة ؟ ولماذا ذاكرتك الوطنية تحجب الضياء المنبعث في وسط الدمار؟ كأنك من فضائيات أشقائنا العرب والمسلمين التي تري الدمار والدموع ولا تري التنمية والتطور رغم قلته، ويعجبها تفاصيل القتل ويستهويها رعب الإنفجار ، ولا يسرها إعادة الأمل والأمان ولا تلقي بالا بالأسواق التي تعج بالحياة وأطيب الفواكه وأشهاها، ولا الجامعات وردهاتها الجميلة بين حفيف الأوراق وصرير الأقلام، ولماذا تستنكر الجميل وتبعد الزوايا الرائعة من الصورة كما يفعله المربحون علي شقاوتنا أصحاب الضمير الميت؟ حينها رجعت شريط الذاكرة وتماديت دخول التاريخ والبحث عن نضارة الحياة ووسامة الوجه الخفي والوقوف أمام الجندي المجهول في حياتنا.

متي تنتهي العنصرية ؟





مازالت العنصرية البغيضة توجه تصرفات شريحة كبيرة من الناس وتؤثر في وعيهم وإدراكهم وتعاملهم مع الناس حتي أصبحت ظاهرة لا تنقطع سلبياتها منذ أن بدأت وشكلت عبر العصور قضية عصية علي الحل، ولا يزال العالم يئن اليوم بوقعها ويواجه شتي صنوف العنصرية والتمييز العرقي الذي يفرق الأمم ويباعد العالم ويزيد الشحناء والبغضاء بين بني البشر، ولقد نددت الكتب السماوية وأصحاب الضمير الحي هذه العادة الضارة التي تكبل قدرات البشر وتعيق التطور والتقدم.
ولقد حرم ديننا الحنيف العنصرية والإزدراء وتنقيص الناس وبنى المجد والفخر والشرف مدي استقامة الناس علي طريق الحق وجادة الصواب ، وكما قال صاحب كتاب المدخل لدراسة القران الكريم  فـ (القرآن هو الذي قضى على العنجهية، ودعاوى الجاهلية، وقضى على التفرقة العنصرية والنسبية واللونية، ووضع أساس المساواة بين الناس كافة، فالناس ربهم واحد وكلهم لآدم لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض، وإنما التفاضل بالتقوى، والتقوى جماع كل هدى وحق وخير ) .
وصدق الله: {يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]، فالناس مهما تعددت شعوبهم، وتباينت أممهم فيجمعهم رباط واحد، وهو رباط الإنسانية العام، وهذا أسمى ما يطمع فيه من تشريع ، وقال تعالى: {يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ} [سورة النساء: 1])

كسمايو وخيارشمشون

لا أعرف مصطلحا يفي بغرضي ويقرب ما أريده ويوضح مأربي ويكشف للناس نوايا الحكومة الصومالية وغرضها الحقيقي عن مواقفها المخزية والمحرضة علي المواجهة المسلحة ودخول أتون الحرب الأهلية في بعض الأحيان من “خيار شمشون” ذالك الخيار المفزع والمخيف الذي معناه هدم الصرح أو المعبد بمن تحته ليموت الجميع، وحقيقة أذهلتني الردود السلبية والتفاعل السيئ والمشحون مع إختيار رئيس جوبالاند وإنتهاء المؤتمر بنجاح باهر أثلج صدور المواطنين لما للمؤتمر من أهمية قصوي في حياة المواطنين علي الصعيدين الأمني والمعيشي وتعلق آمال الشعب عليه وإنتظارهم بفارغ الصبر للمخاض العسير والمسيرة الطويلة للمؤتمر.”
“والتفسير الوحيد لإختيار الدولة بـ “خيار شمشون” في تعاملها مع نتائج المؤتمرهو أن في ظل المأزق الذي تعيشه الدولة الصومالية والمرحلة الفوضوية التي تمر بها دوائر صنع القرار في أروقة الحكومة وعدم التواصل والتحاور والكيد السياسي الذي جثم علي صدرالدولة بدأ من قمة الهرم إلي قاعه والأمراض الإدارية الذي فشي علي جسدها الناعم والتي جعلت فقدان الثقة بينهم العنوان الأبرز في الساحة وأثر الأداء الحكومي وأضعف مكونات الدولة سواء كانت الأجهزة الأمنية والسياسية والقضائية والتخبط الكبير الذي طرأ علي سياسة الحكومة حتي أصبح الخوف من أدائهم الضعيف”
ومن سياساتهم السفيهة مصدر ذعر للمواطنين المنكوبين أصلا بحثت الدولة كبش فداء للتنصل من واجباتها والتستر من تجاوزاتها وضعفها والإختلاف الدائم فيما بينها ووعودها الكاذبة التي قطعت للشعب المغلوب علي أمره أيام الحملات الإنتخابية، ولم تجد الحكومة ما يمكن أن يصرف النظر عن سوء إدارتها ومراهقتها السياسية أحسن من كسمايو وإجهاض إرادة أهلها مستفيدة الزوبعة التي صنعتها وماصاحبها من صخب إعلامي وضجة مفتعلة وغوغائية اتسمت الحكومة مما خلق جوا مشحونا وتوترا في أوساط بعض الشعب الذين لا يعرفون سياسة الحكومة وأجنداتها المخفية ووجهها الحقيقي والدافع الأهم لخطواتها البطئية والسلبية  تجاه جوبالاند مما جعل شريحة كبيرة من المجتمع وخاصة البسطاء يتبنون أفكار الحكومة الهدامة أو يتعاطفون معها ظنا منهم أنها الأصلح والأجدر ومن حق الحكومة أن تنظم الآلية الحاكمة للفيدرالية وكيفية تطبيقها علي الوطن.
“ولكن لا تكون كسمايو شماعة تعلق عليها الحكومة إخفاقاتها وفشلها الذريع وعدم الثقة بين قادتها لأن الشعب الواعي والمواطنين في جوبالاند يدركون المآرب الحقيقية للحكومة ويعرفون ما وراء القناع ويزيد قناعة الشعب لمشروعهم الريادي ( جوبالاند) عدم وجود بديل جاهز ينقذهم  ورؤية واضحة ومشتركة وسياسة رشيدة تقود تصرفات الدولة بل من الوضح  أنه لا يوجد إرادة حكومية لقيادة الناس إلي بر الأمان وليست لدي الحكومة برنامجا حكيما ووسائل جاهزة لتفعيل الدستور وبناء الدولة الصومالية وإحترام إرادة الشعب لإختيار ما يراه مناسبا ومتناغما مع أهدافه وطموحاته ليغير وضعه المزري وحياته البائسه التي عاشها في العقدين الآخيرين.  
ومن الواضح أن الفوضة الأمنية والبلبلة السياسية وتأليب رأي العام  ضد المؤتمر المنعقد في كسمايو ونتائجه العادلة وتوجيه العامة إليها وإلهاء الجمهور في قضية كسمايو وصرف الأنظار عن العجزالذي  أحاط الحكومة كإحاطة السوار بالمعصم والزوبعة الكبيرة التي تثيرها الحكومة في جوبالاند هي فقاعة في فجان لا تؤدي أبدا إلي نتيجة إيجابية سواء كان في الميدان والحكم أو تشكيل رأي العام بل تؤدي إلي نتائج عكسية ويكون دليل قوي علي مدى الفشل السياسي والإفلاس الفكري والقيادي التي يتمتع بها قادة الحكومة وصناع القرار في الصومال.”
والتآمر الواضح علي سكان جوبالاند سينتهي بإنكسار وخيبات متتالية لأنه يرتكز بمرتكزات فاسدة ومقومات فاشلة وبالتأكيد هو مشروع مات قبل أن يولد ولا يحتاج إلي دليل لبطلانه وهشاشته وبعده عن الوطنية ولا ينطلي علي المواطنين في كسمايو وفي غيرها من المدن لأنهم بفطنتهم  وعبقريتهم يعرفون أن الكلام المعسول ورائه سم زعاف وعلقم مرير وتدرك القيادة الموجودة في كسمايو بسبب نضجها السياسي وحسها الوطني ورؤيتها الرشيدة أنه آن الأوان لقيادة الإقليم والمواطنين نحو شاطئ السعادة ولابد من التغلب علي جميع العوامل التي تؤدي إلي الإنحطاط وكل شئي بإمكانه أن يشكل حجر عثرة علي إرادة الشعب لإختيار حكومتهم الإقليمية لتقود الجموع إلي نحوالرفاهية  والعيش الكريم.

تغريدات مسائية

كنت وحدي أتلذذ برشف القهوة تحت السماء الصافية والأنوار الخافتة والأجواء الهادئة التي تصفي الضمير وتنشط الذاكرة، والقهوة ياسادة لها مزايا خاصة وطقوس عجيبة في شخصيتي المدمنة للسائل الإسود ويفوح من حديثي الأمل والحياة عندما اكون دون مقص الرقيب وفي حضرة الجبنة كما يسمونها الإخوة السودانيين، وبما أن الوحدة تولد الفكرة تذكرت كيف اصبح شعبي من شماله إلي جنوبه ومن شرقه إلي غربه مجتمعا كالجزر متباعدا عن بعضه، وكيف إضطربت الموازين واختلت الرؤيا واختفت الأوليات وخبت جذوة التعقل بالتوازي مع تحركات لأرباب المصالح الذين يحملون ذاكرة العار والجريمة والجنوح الدموي نحو التخلف الفكري والإقتصادي والعلمي وأطروحات غير دقيقة أجهضت آمال الأمة وأدت إلي مرض عضال وسم زعاف أدت إلي التآكل والتفتت والتشتت والتدابر والتناحر والتصفية والمحنة الحقيقية التي يمر بها الوطن، ولعل أخطر سماتها سياج الغفلة وضعف الذاكرة وضباب الأغراض المختلفة ذات الكثافة بحيث لايمكن للكلمات الهادفة أن تخترقه وتصل إلي القلوب المضناة المرهقة، وتحسرت من الطاقات الهائلة التي هدرت وقودا لنار الفتنة والإختلاف، مما كون في جسم الوطن جروحا لاتندمل وكوابيس لا تطاق ، وإزاء هذه الحالة الحرجة أطلقت عنان الكلمة ومداد القلم لكتابة ما يجول في خاطيري دون تحفظ وبحرية تامة فكانت النتيجة ما يلي
صعاليك الكيبورد ومدراء بعض المواقع الصومالية الفاسدة في الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الإجتماعي ما زوالو يبثون سمومهم القاتلة بين الشعب الصومالي ومازالو يفبركون الأكاذيب ويختلقون الأزمات في كل مكان
وهذا تجاوز صريح لمهنية الإعلام والميثاق الشرفي للصحافة’
وما أكثر هذه المواقع خذ مثالا لـ
allbanaadir.com
ما أصعب أن تفكر في وطنك وأنت بعيد في غي الغربة وكرامة أمتك تتساقط كأوراق شجرة عصفت بها الريح في عز الخريف
إستهداف الصحفي عبدالقادر جيجيلي في كسمايو وإصابته جروحا بالغة علي يد مجهولين أثار الرعب في أوصالي ليس حزنا علي جرح الصحفي الشاب فحسب رغم بشاعة الخبر وفجاعته بل لأن كسمايو تشكل برميل بارود بإمكانه أن ينفجر في كل لحظة، لقد سئمنا من مسلسل الإغتيالات وحلقات الصراعات العبثية والقصص المرعبة وآن الأوان أن يحكم العقل ويقول المنطق كلمته الأخيرة
تعلمت أن الأشخاص كما الجيولوجيا لا ندرك كنههم وطريقة حياتهم وتفكيرهم إلا بدراسة مستفيضة لحالتهم وطبائعهم وتراكيبهم وعلاقة بعضهم ببعض
من غرائب الصدف أن قسمات الفجر لكل يوم جديد تحمل إلينا إنتحارا للقيم وسقوطا للأقنعة والتوحل من حمأة الإباحية تأتي ممن وضعنا كل بيضنا في سلتهم
 الحب ينبوع حنان ومعين صافي وضيف يحسن العزف علي أوتار العاطفة وتجتمع فيه متلازمات الفكر والقلب والهوي كالمارد بثلاث رؤوس وهذا بالضبط ما نريده أن تسود بيننا لتمضي الايام بيننا جميلة لا تشوبها شائبة
مثلث النهضة: التنمية والتربية والحكم الصالح
وعوائق النهضة: الجهل والإستبداد والتخلف الفكري والأمراض الفتاكة
من أمي تعلمت الجدية المطلقة وتعلمت من الحياة أن الجشع خيم شبحه الأسود علي نفوس الناس فتبلد الجو بغيوم أوهام أمطرت وابلها علي القلوب المجدبة
ضاع الشعب بين الخطيب الفصيح وبائع الكلام المنمق الذي يحسن الرقص علي الرماد وبين من يحترف سياسة التخدير والخداع والتضليل والتحلل الأخلاقي
أشعر بغصة قاتلة وتلتف حولي أغصان الكآبة عندما أري كيف تحطمت قيمة الشعب حتي تحول إلي جماجم وهياكل عظمية منزوعة النخاع تسير في الشارع
صحن الحكومة حافل بالأزمات والمشاكل والسيد حسن يسير في حقل ألغام شديد الإنفجار لذا من الأحسن أن يتجنب إفتعال الأزمات وإعادة مناخ الحرب
إذا كانت قضية داخلية رغم أهميتها مثل كسمايو تكون شغل الشاغل للقادة في ظل إهمال واضح في كل المحاور السياسية والإقتصاديى الأخري فكبر علي حكومتنا أربعا واستعن بالصبر

ليالي الشوق في الخرطوم

ليالي الشوق في الخرطوم كانت كثيرة ومتنوعة وممتدة بإمتداد خمسة سنوات عشت فيها طالبا يقف على رصيف الشوق حيث لا أسمع إلا زقزقة عصافير الغربة فوق أغصان الحنين الواقعة على قمة تلال الشجون، كنت أستأنس سراب الحب وصرير القلم وأنا أتهرب من إنكسارات الحياة وأنياب المنافي. كنت أدور في دائرة المعارف وفلك العلم وهو فلك براق ولكنه متعب ويتقاطر عن جبينك عرق يحفر الوجدان ليكتب الألم والمعاناة في صفحات أعمارنا، ويمد حبل الوصال بيني وبين حياتها المتناقضة.
لم تكن الحياة حولي هادئة، بل كانت  صخبة كثيفة الظل وقميئة اللون تحمل تفاصيلا متشابهة وأشجانا كثيرة، ذاكرة الزمن أعادت إليّ الأغاني الكلاسيكية التي سمعتها في غابر الأزمان ملطخة بنشيج الغربة ومعفرة بأرق الليل فتبعثرت أوراقي ودخلتني بحزن لا ضفاف له ،وناجيت أجنحة الطيور النازحة من أوكارها والمتجهة إلي الجنوب الجغرافي حيث يعيش أهلي وأصحابي.
 ورحلت في الليل وحيدا إلي أعماق الزمن السحيق وركبت عيدان الصبر وتسلحت رماح الأمل الصامدة في وجه زوابع المشاكل وثملت من كأس الطرب أصنافا في تناقض صارخ وإنفصام واضح مع طبيعتي الأصلية المتزنة وسجيتي الهادئة بشيء من الحدة واللامبالاة القاتلة.
وددت أن جسدي المنحول لم يكن قابعا هذه الليلة في الزاوية الحادة من البيت المهجور، بل تمنيت أن يبلل المطر خلايا جسمي فيغرز البرد أنيابه في مسام الجلد وشعيرات الجسد لأتلذذ دفء المشاعر الصادحة من بعيد ومن بين نزق الندي ومن تلال خيالي الفسيح، ولكن ليل الخرطوم يعلمك الصمت ببراعة والتأمل بسذاجة، وتتراكم الأمنيات فيه على زورق الحياة.
إثارة الليالي في الخرطوم التي لا تنتهي وتحرش النهار ذكرتني السفر الرائع” ليالي الأنس في فيّينا ” حيث يصور الكاتب جمالية ليالي فييّنا ما بين موسيقى موزارات ومتاحف فيّينا الخالده وقصورها المبهرة ذات الطراز القولوني العجيب، ووصف متعتها وصباحها المطرزة بالموسيقى الكلاسيكية المبهرة وإشراقة شمسها الوديعة، وتناول بإبداع عجيب إستمتاعه بالتزلج والتزحلق والتسلق على الجبال الجليدية في شتاء فيّينا القارص والإستجمام على متن القوارب الصغيرة على صفحة نهر دانوب في وسط فيّينا وعلى صهوة قطاراتها السريعة، وأورد تأملاته المثيرة لروعة الطبيعة وعذرية الغابات المكثفة فوق الجسور الممتدة على عرض النهر في قلب فيّينا النابض مما يوهم المرأ في أول الوهلة كأنها مدينة حالمة في وسط الغابات الإستوائية في إفريقيا وجنوب شرق آسيا وليس مدينة تكتسي الحلل اليققة في زفافها إلي الشتاء الزمهرير.
يملؤ الراقصون حول الكاتب في مشهد غير مألوف فيهرب السفر في الجمال والنظر إلي الأكاليل المصطفة على جنبات الشوارع في طريقه إلي السينماء الأوبرالي وهي تعرض أوبرا بيتهوفن في صدر المساء الأول وأوبرا بافوراتي في الهزيع الأخير في مساء فيّينا المتميز.
ساقه الزمن وحده إلي عاصمة الأناقة وحاضرة العراقة ولم يكن عاشق فيينا من الجيل الحالم في خلود الليل وسكون الأيام، بل كان يلجأ إلي أنين الصمت ونبرة الشجن في داخل الأضواء الخافتة لحظة قراءة غراميات علمي بوطري، وأبيات محمد الحضراوي، وروائع محمود سنغب، وكان يتجرع الأشواق على مهل ويقتلع أشواك الحنين في جذوع قلبه فتؤرق مضجعه وتهز الشعرة في رأسه.
وكان شرقيا أصيلا حافظ وده القديم ولازم البعد عن التشبيب والهمسات القشريرية ومعاقرة الكؤؤس على وقع تساقط الثلوج والتلذذ بنظر العيون الدعج والخصر الرخو والجسد الناعم، ولم يكن يرتمي إلي حضن جميلات فيينا وشقراوات عاصمة المتعة لأنه كان غارقا في تلاطم ذكري الحبيبة وخيمة إنتماء الزوجة البوليسية ، مما أفقد أن يعيش أجواء شاعريه ونغما جميلا خالدا في فنادق فيينا الجميلة.
ولم يكن الفم الياقوتي يأسره ويدخله نشوة طفولية ساذجه قد تتحول تحت تأثير نشوة الوصال غيثا من العاطفة يتدفق كشيخ في خريف السنين يقبل حفيده الوحيد المبتسم في حضنه المرعش، مخافة أن يرتكب حماقات عندما يكون مناجاة شجية مع كلاسيكيات جان راسين وحينما تتراقص أنغام الشجن في سريره الخالية سوى الأحلام في الساعات الأولي من الصباح.
ووجه الشبه بين صاحبي الغامض والمشاكس الذي وجه صفعة طائشة لجارته الشقراء لحظة إستعراض الفريق الإيطالي الزائر لكاتدرائية فيينا أوبرا ريجوليتو لفيردي ذات النكهة الخاصة والمعني المميز لرجل شرقي لحق قطار الزواج في منتصف العقد الرابع ورهن نفسه كوفاء لزوجته المراقبة كشرطي المرور في شوارع مقديشو في الثمانينيات من القرن المنصرم، وبين من أسهرته مشاعر رومانسية حالمة في صحراء الحب العتمور الذي يجعل طيف الحبيبة تاجا يومض في الأفق البعيد، هو أن كلانا يتعلق بجمالية الضفاف وأناقة الشواطئ وزرقة السماء كعلاقة الدال بالمدلول.

الترويكا المخيفة إلي أين تأخذ الصومال؟

حب الوطن ودفاع شرفه و حفظ كرامته وصون عزته من القيم الأساسية التي يشترك عليها البشر في كل العصور، ولا يختلف عليه الإنسان مهما تباعدت أوطانهم واختلفت عاداتهم وتباينت ملتهم، ولذا كانت البشرية تسعي دائما إلي دفاع أوطانها وتحسين سمعته وتطوير أمتها وتقليل المعاناة ما أمكن، وكانت الساسة في طليعة من يهتم بأمور الوطن ويقود الجموع إلي الرفاهية والعيش السعيد وحب الوطن وزرع قلوب المواطنين الثقة والأمل، وتنوعت كيفية تناولهم وتصوراتهم لحب الوطن بعض المرات وتشابهت في كثير من الأحيان ولكن كانت الأطروحات والآراء غالبا ما تجتمع في قالب واحد وهو أن للوطن معني أدق ومفهوما أوسع وومضمونا أشمل، وله إحترام أعمق وحبا أنقي ما يراه البعض وما يعتقدون إليه من يفكرون دائما لأجل المصلحة ويسعون إليها.
وتاريخيا يكون الوطن مرهون بحب أهله سلبا وإيجابا ومتعلق دائما حسب تصرفات قادته وقرارات قوّاده وعقلية مواطنيه، فإذا كانت قادة الوطن غيورين لوطنهم وأمتهم ويضحون من أجله الغالي والنفيس يكون الوطن أرقي والأمة أزكي والعواقب سليمة من الآفات والعيوب والنقائص التي تكبل قدرة الوطن وتضر حياة المواطنين، أما إذا كانت القيادة دون المأمول والمنتظر فحتما سيتحول الوطن إلي رماد والتاريخ إلي مجرد ركام مشوه، والوطن إلي بقع حمراء ومعاناة لاتنتهي.
وقد تناول العظماء والعباقرة مفهموم الوطن والوطنية فقال أديب إسحق الدمشقي: الوطن عند أهل
السياسة مكانك الذي تنسب إليه ويحفظ حقك فيه، ويعلم حقك عليه، وتأمن فيه على نفسك وآلك.
وقال محمد عبده:”الوطن مكان الحقوق والواجبات التي هي مدار الحياة السياسية وموضع النسبة التي يعلو بها الإنسان” وقد عبر الجاحظ عن ذلك كله في (رسالة الحنين إلى الأوطان) فقال: “إذا كان الطائر
يحن إلى أوكاره، فالإنسان أحق بالحنين إلى أوطانه” وقال على لسان أحد الفلاسفة: “فطرة
الرجل معجونة بحب الوطن”).

تفاؤل مواطن

" إن شاء الله"
المشاكل المفتعلة ستنتهي وسننتظر إلي غد أفضل يمحو آثار الماضي وستعود شروق شمس العزة من جديد، وسينتهي الحرب ويتوقف العنف وسيأبي العقل أن يدمر أمته واليد ان تقتل أخاها والمنطق أن يغتصب أخته والواقع أن يخرب بلده والوازع أن ينتهك حرمات الوطن والبشر والشجر والحجر! والوطنية أن تبصق للتاريخ والحضارة والوعي أن يشوه الجغرافيا .
بعد اليوم لا صوت للرصاص لاصيحة للإجرام ولا صولة للفساد ولا دموع للثكالي ولا أنين للمجروحين ولا حزن سيكتنف خريطة الوطن ولا كآبة ستجثم صدور المواطنين…الوطن سيسع للجميع بمبدأ لا غالب ولا مغلوب لا أقلية ولا أغلبية بل الجميع سواسية كأسنان المشط لافضل لفلان علي علان ولا لقبيلة “ص” علي قبيلة “س” إلا بالتقوى وحب الوطن ومساهمة تطوير الإنسان وإنقاذ الأجيال من الهلاك والوطن من الإنتهاكات التي يئن عن كثرتها.


بعد اليوم الوطن لا يكون مخضبا بدماء شعبه ومضرجا بآهات أهله ومعفّرا بمعاناة شعبه وملبدأ بغيوم الحزن ومتوشحا برداء الذل وملئيا بجرح الكرامة ومثخنا بجراحات ابنائه…اللون القاني سيجف وعبرات اليتامي الأليمة ستتحول إلي ضحكات مجلجلة وسيختفي زخات الرصاص إلي الأبد وسينتهي أزيز المدافع ودخان الإنفجارات وسيظهر الأزرق الصافي والأخضر الجميل وزقزقة عصافير السلام وشقشقة الكنارى وأزيز آلة البناء ستحل محل دوي الإنفجارات وأشلاء المواطن وبرك الدم التي تثور.

الأشجار ستثمر والبحار ستملأ وتنثر إلي الأرض خيرات طافحة والأنهار ستسقي المزارع لنحصد الموز والمانجو والبابي والذرة والفاصوليا والقمح ولنكتفي لأن من لا يملك قوته لا يملك قراراه.النجوم الباهتة في سماء بلدي ستتلألأ من جديد والسماء ستكون صافية والجو صحوا والقمر سيكون بدرا ويسود الوئام وسيعم الأمن والأمان.

الحب والمطر

المطر نعمة كبيرة من نعم المولي بل هو من أجلّ نعم الله علي الخلق لأنه يشكل عصبة الحياة وغيمة تروي الظمأ وتسقى الأرض العطشى، وله دور مهم في إستمرار الحياة وبقاء الكون وبه تدور الحياة، ويعني للإنسان الكثير يعني له الحياة والبقاء والنضارة والطبيعة الخلابة والإخضرار الدائم، وقد نظر البشر إلي السماء وابتهل إلي الخالق وترقب كثيرا عوامل خلق المطر من السحاب والبرق والرعد والرياح التي تسبق الهطول لكون المطر يحمل إليهم خيرات عامرة ونعم زاخرة تحيي الارض بعد موتها ،وكذالك الحب الحقيقي فهو ينبوع من الود الصافي وظل ظليل يمد البشرية الصفاء والود والإخلاص وبات من أكثر الأشياء إنتشارا وأهمية في الكون لأنه دواء عن أمراض العصر ويحيي القلب ويبعد المحبين لوعة الفراق والتستر بالأقنعة المزيفة والحقد ووراء ضباب الدموع في موسم الجفاف العاطفي.
والحب والمطرشبيهان في التكوين والتأثير ففي المطر يتلبد الجو ويتكاثف السحب ويبرد الكون وينزل المطر وتبكي السماء حانية علي الأرض ويتغير القحط إلي نضرة والبؤس إلي سراء لا تنتهي، ويتحول الشقاء إلي حبور ومسرات وزغاريد، ومع المطر تصدح أغاني الحب من سحيق زخات المطر ويتحول زوابع الرعد مع الحب وجمال الروح إلي عاطفة جميلة ويلبس القلب أزهي حلله وترتفع معدلات السرور في أوساط الجسد ومعه يكتسح الحب أضداده من الحقد والحسد والتبلد ويوجه منغصات الحياة ومكدرات المعيشة ضربة قاضية ترسلهم إلي سكوت سرمدي.
ومع المطر يصبح الحب شابا غضا طريا وتذهب تجاعيد الزمان التي علت جبينه وتنمو أزاهير العشق مع خرير الماء التي تنساب برفق فوق كثبان الرمال الحريرية ويكون حلوا رشيقا وعذبا سائغا وخلوبا رائعا كمياه الأمطار المجتمعة داخل الغدير الصافي،وتتمايل القلوب طربا بشذاه وتتراقص الأجساد حبا لمجئيه وتبتسم الطبيعة عرفانا لفضائله، ويتغير الجميع ولا تفارق البسمة في الوجوه، وتكون لمسات الأيادي ناعمة كحرير الماس في مكاكنها الأصلية، وتكون للهمسات معاني أدق ومفهوم أجمل ونطاق أوسع،وللكلام المنمق قشعريرة مميزة وتأثير فعال وتنهمر العواطف مع السماء ويكون جو الحب صافيا كصفاء الطبيعة بعد إنقشاع سحب المطر ويكون مسرح القلب نظيفا كنظافة الأرض بعد سيول الربيع ،وينعش الحب ويحيا من جديد كذرات التراب الرمادية التي إنتعشت بقطرات المطر ورطوبة الندي.

كان البشر عاشقا للحب والمطر والجمال منذ أن أسكن في الكون الفسيح وبدأ يتأمل الطبيعة والضباب الكثيف والسحب البيضاء المتناثرة في صفحة السماء والمزن الداكنة التي تبدو في الأفق، وخاف عن صوت الرعد الهادر وأثار فضوله البرق والأصوات المزعجة والمميز المصاحبة للرعد والبرق والمطر وأثار الرهبة في نفسه تغير الجو والبرد القارص ةالفيضانات والكوارث التي قد ترافق المطر، ولكن بعد نزول المطر والماء الزلال يصبح المطر كالحب مصدرا للسعادة تستحق الإشادة والأبيات الشعرية والفصول النثرية ومعلما مهما إستحوذ إهتمام البشر كالجغرافيا والتضاريس وتغير الطقس والمناخ والمعالم والأحداث الكونية وكالغواني ذات الضفائر الجميلة في الأيام الموسومية بالحب والحياة.

عاشق الليل!

يقال "من رضي عن شئ تنعم به ومن سخط علي شئ تعذب به"
كلمات رائعة وتعبير رنان يهز الجسد لصدقه ويطرب الوجدان لحقيقته و يحمل بين سطوره صدق الحروف وحقيقية المعاني إذ تكمن سعادتنا مما نعشق وتورطنا في حبائله عن طيب خاطر، وإنطلاقا من هذه القاعدة أقول أنا ممن يطفح علي وجه السرور بمجرد أن تغيب الشمس ويرسم الليل في الشفق حمرة قرمزية كساقية بيزنطية متبرجة تجبر الغريب الي النظر في تضاريس جسمها ونعومة جسدها أو كنجلاء رومية في بلاط ملكها بلا خوف ولا وجل.

ومع أن الليل أجمع ثنائيات المتناقضة في ساعاته المتشابهة كالمسرات والأحزان ونار الهجرة وحبور الوصال إلا أني أعشق الليل وأستمتع التبحر بسحيق ظلماته والقطوف من بستان جمائله لأنه برفقه ووده ونسماته الفواحة يشكل نسخة متطابقة لمن أكنّ لهم محبة الصبا ويحدوني الود الصحيح والخواطر المهيجة أن أرخى عنان القلم وأسكب مداده عرفانا لإخلاصهم وتغاضيهم عن الصغائر وإتحافهم لنا حبهم الغامر وصبرهم الجميل.

يقبل الليل بوجه أسمر خلاب يذكرني وجوه الأحبة وكيف مزق البين شملنا فتحزنني فراق تلك الأيام المتألقات وينثر في رحاب العالم سبل الراحة وإبتسامة رقيقة لا يملها الأنيس ولا يكل عنها الجليس تفوق رقة وبهاء قهقهة المساء الحزين والضحكة الصفراء للظهيرة.

ماذا تعني الطفولة في مثل هذا الوطن؟

وقف الطفل خلف أمه مبعثرالخواطر معفر الشعر غائر العينين زائغ النظرات ضامر البطن وقفة ميلودرامية حزينة كطير بلله المطر وكفينيق بلاجناح لازم الجبال ومات حزنا وكمدا في الرواسي الراسخات، وكأمل من ورق مزقتها الزوابع وأبعدتها العواصف.

مسح يده اليمني العبرات التي تسيل علي خديه الطريين كشلال آنجيل في عز الربيع أو كالمزن الهتان حين تبكي السماء في ديجور الليالي الحنادس، ومسك يده اليسري بقايا امل مزقتها الحروب وأنهكتها الصراعات.

نظر إلي الأفق والغبار يثور وينزل كرذاذ المطر وذرات التراب تمتزج مع قطرات العرق في صفحة الأرض وأكوام القمامة والركام تحجب الرؤيا في الأفق البعيد وصيحات الجنود تملأ المكان! والصخب وضجيج الأرجل لحظة الحركة إلي الدمار والدموع والدماء تشبه الحركات الموحشة للكائنات الخيالية في أفلام الخيال العلمي والأطباق الطائرة في هوليود الأمريكي وفي سيناريو أفلام عم سام المرعبة.

ضوضاء وأنين يوجع القلب وجرحي بلا آسى ولا ضماد! شباب متوجهون إلي مصارعهم بحيوية ونشاط وفتيات في عمر الزهور أغتصبن ولا يدرين ما السبب! ولماذا لطخ الغريب شرفهن وعبث بعفتهن؟ وجثث مجندلة فوق الطين السوداء علي ضفاف الأنهار وقتلي متراكمة في الغابات الإستوائية الكثيفة تفوح عنها روائح كريهة تزكم الأنوف، ونزيف حاد لكل شئي بلا طبيب، وأشباح ملثمون قادمون إلي الطفل الشقي وامه الحزينة محملين خناجرا ورشاشات مخضبة بالدماء وأشلاء مصبغين بلون القاني المتسرب من جلد الإنسان حين القتل أوالنحر كالنعاج! فسأل أمه ماهذه اللون الأرجواني أهي صبغة أوالطلاء في جدران البيوت؟ أم هي بوهية للعب يا ماما في الأعياد والأفراح! أم هو شاهد للإبادة المروعة والقتل الهمجي؟ وماهذه الجموع التي تقتل بلا سبب؟.

أوغادينيا إلي أين؟

‏الإقليم الصومالي في إثيوبيا(أوغادين) او الصومال الغرب كما يحلو للبعض تسميته من أكثر الأقاليم الإثيوبية ثروة وأكثرهم أهمية وأستراتيجية نظرا لمكانته الجغرافية المتميزة التي تربط إثيوبيا بثلاثة دول مجاورة ذات أهمية أمنية وجيوبولتيكية وإقتصادية وحتي إنثربولوجيةلإثيوبيا لتداخل الأعراق وتمازج الشعوب في المنطقة وهذه الدول هي: جيبوتي وإثيوبيا وكينيا مما يجعل إثيوبيا دولة محورية وقيادية في جميع القضايا المتعلقة في الشرق الإفريقي عامة والقرن الإفريقي خاصة.

ولموقع الإقليم الحيوي والمتحكم في المنافذ البرية وشريان الحياة والطرق الرئيسة التي تربط معظم أجزاء شرق إفريقيا التاريخية وخيراته الكثيرة وإحتياطاته الكبيرة من النفط والغاز والمياه الجوفية والثروة الحيوانية التي ربما الأكثر في المنطقة والمعادن النفيسة التي لم يستفد منها الإنسان البائس في المنطقة والأنهار الجارية والمساحة الشاسعة الصالحة للزراعة، جعلت الإقليم موطن تنافس وحلبة صراع مكشوفة لدول العظمي ومكان تحدث فيه دائما معركة رهيبة لكسر العظام للدول التي تريد بسط سيطرتها ونفوذها علي الشعوب المستضعفة والدول النامية والشعوب التي أخفقت في إستغلال ثروتها لصالح إنسانها ولفائدة وطنها.

وهكذا اصبح الإقليم مسرحا للقوي العظمي تتناطح فيه وتتصادم المصالح والمنافع في ظل تغييب عام للوطنيين،لهذا وأسبابا جوهرية أخري نعرفها جميعا جعلت المنطقة موطنا للحروب تلعلع فيه الرصاص وتسوده الإضطرابات المفتعلة والإضطهادات التي تخطت حدود البشر إلي حدود الوحشية، وبقعة تراقبها أعين المستعمر من أجل السيطرة ومص دماء أهله ولعقه قبل نهب الثروة والإقتصاد الوطني واختطاف إرادة أهله.

إستراتيجية الحرب الشاملة التي اتبعها المستعمر في كافة اصنافه والوانه وأزمانه والسياسة الفاسدة والتفرقة العنصرية والبلبلة التي يبثها المحتل في أوساط الشعب من جهة وطموحات الشعب المشروعة من رمي رداء الخنوع والخروج عن ايدي المستعمر لفياح الحرية ونسائم التحرر من جهة أخرى وإيجاد حرية حقيقية للإقليم تترجم أماني الشعوب وأحلامهم الوردية إلي واقع ملموس يعيشون في كنفه بحرية تامة ودون تكميم الأفواه ومصادرة الأراضي وحرق القري والمدن تسببت أن تكون لغة البندقية وصوت الرصاص وأزيز الراجمات الحل الأكثر حضورا في أذهان الجميع مما أدي إلي دمار حاد طال كافة المرافق والممتلكات.

وقادت الصراعات أن يكون الإقليم من أكثر مناطق العالم سخونة وحروبا وأكثرها تخلفا ودمارا ودموية وأطولها صراعا، حيث شهد موجات من الكفاح المسلح ضد المستعمر الأبيض والأسود، دامت قرونا وتيارات تحررية مناهضة للمحتل أبت أن تنيل أوتهون، بل واصلت نضالها أكثر من أربعة قرون .

العيد والغربة

 العيد والغربة كلمتان لا ينسجمان أبدا بل يتنافران كأقطاب إلكترونية متشابهة مركونان بتناقض مقصود وبشحنات مختلفة علي أعماق الإنسان مما يصعب علي الإدراك أن يوحدهما وعلي الحلق أن يجمعهما كمفردات كلامية بلا عناء أو غصة وأن يسكبهما في قالب الصوت بانسيابية تامة ودون تعرجات للحنجرة ووخز في الضمير وجراحات في القلوب المنهكة وزفيرات ساخنة تتصاعد إلي عنان السماء لتلتحم سحب الأنين وغيوم الشكوى الممطرة بقطرات الحنين وزخات الشوق السرمدي.

للعيد أفراح جماعية تدخل الجميع إلي كنف الموجات الحبورية وذبذبات من النشوى الأصيلة ومسرات لا تنتهي إلا بإنتهاء المدة المرسومة للأعياد.ولها أيضا رونقا زاهيا وأشكالا جميلة في نفوس من يتمتع بوطنه ويردد التهليل والتكبير بين جموع أهله كقوس القزح اللامعة في صفحة السماء أو كترانيم عشق في سطور الأسفار وتراتيل حب نقشت في الذاكرة ترسبات جمالية لا يمكن أن يعروها دجى النسيان أو أن يصلها الزوائل الطبيعية. بل يصعب علي النفس تشبيه العيد إلا كقمرية علي ضفاف شبيللي تشدو بالحان وترية تطبع علي الجبين إبتسامة عريضة وعلي الأركان رضى تنعكسها الضحكات المجلجلة والقهقهات الصباحية في هدأة السحر وقبيل الصلاة وكأن صوت الضحك الممزوج بزغاريد النسوان وصرير الرياح والرعد الهادر من بعيد كمعزوفة عثمانية أو أوبرا رومانية في غابر الأزمان تعرض في صالة منمقة يزينها النصوص الأدبية ذات الإطلالة الرومانسية والإيحآت العشقية المزركشة في الجدران وعلي أعتاب القلوب الزلهانة.

أماعيد الغريب فتختفي معنوياتها بين قدسية الزمان ووجع المكان ولها آهات موجعة وأنين يصدح من أعماق المشاعر يؤثر المقل فينهمر الدموع بلا إرادة وبلا وعي!ويسبب للإنسان حسرات لا تنقطع إلا بعد المعانقات الحارة لتربة الوطن وإستنشاق هوائه الطلق والنسمات العليلة التي تهب من سواحله ومن مرتفعاته الممتدة.

المناضل الإفريقي باتريس لمومبا

بعد سنة من إنتخابه رئيسا للوزراء في الكونغو وفي يناير عام 1961م وبعد سلسلة من الصراع التقليدى بين معسكر الشر الرامي إلي استعباد البشر وبين إرادة الشعب المتمثلة بالشخصية المنتخبة في الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية الأولي التي شهدتها كونغو في تاريخها، قتل الزعيم الكونغولي باتريس لمومبا علي أيدى العصابات الإجرامية التابعة للمستعمر البلجيكي وأعوانهم، الذين تربو في أحضان الغرب وشربو كؤوس الذل أصنافا وسقط اللحم من وجوههم لكثرة دعارتهم وفسادهم أمثال: موبوتو سي سوكو رئيس هئية الأركان الكونغولي، الذي كان جربا صغيرا للمستعمر وجيبا عميقا لبلجيكا، التي كممت الأفواه وحبست الأنفاس وأغتصبت الفتيات، وفرضت علي المواطنينين الرشوة والأتاوي التي أثقلت علي كاهلهم وزادة الحيرة والحرمان

لم تكن تهمة قتل لومومبا سوى تهمة ملفقة لا تستند إلي اي دليل وبراهين واضحة، بل كانت تفتقر إلي المنطق ناهيك عن الشرعية كماكانت إنتهاكا سافرا للمسار السياسي والعملية الديمقراطية الوليدة، ولم تكن سوى تعذيب للشعب تغذيها الكراهية والحقد الدفين في قلب المستعمر، وفي الحقيقة والنظر إلي وراءا الزوبعة السياسية لم تكن جريرة لومومبا سوى أنه وطنيا غيورا حاول إعاد الحكم إلي الوطنيين الأحرارا ومحاربة المستعمر في الطرق السلمية، وبذالك كسب تعاطف الشعب بل وحب جماهير القارة ،ولم تكن التهمة بالتاكيد أنه أدار البلاد ببلادة وبلا حنكة سياسية وحكم رشيد وعدالة قاصدة وقاد الشعب إلي الفساد والحرمان والمحسوبية، بل أنه ورغم قصر التجربة قاد الجموع نحو كونغو متعافية من أمراض المستعمر وأحجم دور المحتل في السياسة الداخلية الكونغولية وفرض قرارت صارمة لايمكن للمحتل مساسها، مما أثّر سلبا مصالح البلجيكا والغرب وأنصف لصاحب الحق والدار

لم يكن باتريس وطنيا غيورا ومناضلا نبيلا كافح من أجل غد أفضل ومن أجل وطن تكون الحياة جملية ـ بدأت إرهاصاتها تلوح في الأفق مع نيل الوطن للإستقلال ـ  فحسب، بل كان متعلما ومثقفا درس أرقي الجامعات وتتلمذ علي أيدي العلماء والفقهاء في بلاط الغرب، وسياسيا درس أصول الحكم وتبحر فلسفة الصراع الأيديولوجي بين المستعمر وسكان افريقيا، وكان يتنمي إلي النخبة الأروستقراطية المتعلمة في زمن الإستعمار البلجيكي مما زاد عقليته وثقافته في الحكم وفلسفته الناجحة في إدارة البلد الذي تعيش فيه عشرات القوميات والأعراق الختلفة، والذي يعج الطبقات والإنثربولوجيا المختلفة والأديان المتباينة

عمل لومومبا في بداية حياته في المناجم كعامل بسيط يجري كعادة أترابه آنذاك وراء لقمة الهيش الكريمة ، ورأي بأم عينه المعاناة والمعاملة القاسية التي يمارسها البيض ضد السكان الأصليين مما كون في قلبه جروحا لا تندمل وقناعة راسخة بان هذا الوضع المخزي يجب ان يزول ويجب أن تنتهي مظاهر العنصرية والتمييز العرقي وأن يكون الإنسان الكونغولي عالة علي وطنه وفقيرا في بلاده في حين أن خيرات الوطن ينهبه الدخيل ويتمتع به الغريب.

لم تدم فترة عمله في المناجم بل بعد فترة إنتدب إلي المدارس النظامية وتخرج محاسبا مرموقا يضع الأولويات لنهضة بلده،  ودعا الشرفاء إلي مؤازرته والوقوف إلي جانبه، وما لبث ان عم خبره في ربوع الوطن وعمت شهرته أركان الكونغو حيث أصبح وبمدة وجيزة نجما لامعا ومناضلا حقيقيا يكافح من اجل الإستقلال الحقيقي لا الشكلي، مما مهد له الطريق أن يكون محبوب الجماهير ومن عقد الجموع آمالهم لإصلاح ما أفسده المستعمر البغيض

عاش لومومبا حياة البساطة في وسط الشعب وفكر الليالي الطوال وأنفق جل وقته كيفية الخروج من الأزمة الساسية والإقتصادية  الراهنة التي يترنح بها الشعب الكونغولي، ويكاد يعصف التعنت الإستعماري الإستحقاقات السياسية والحرية الطرية والإستقلال الوليد الذي ولد بين المعاناة والقهر والإستبداد، والحرية التي نزعها الشعب عنوة من المستعمر في ظل إمكانية بسيطة وكوادر نادرة وموارد متوفرة ولكن معظمها علي ايدي المحتل، ولتفعيل أفكاره وطموحاته السياسية وقرآته للواقع والخارطة الجيوسياسية والإستفادة من البيئة الحماسية المحيطة به ترشح نفسه في الإنتخابات بعد لقائه رؤساء القبائل في وطنه وزعماء القارة بقيادة د.كوامي نكروما في العاصمة الغانية اكرا

شجع اللقاء علي المضي قدما في تطبيق أفكاره الإصلاحية في الواقع الكونغولي البائس،  وخرج من المؤتمر بمساندة قوية من الأشقاء الأفارقة وكونت لديه ثقة كبيرة،  واسس المؤتمر علاقة متينة بينه وبين القادة، إستطاع من خلالها السعي إلي أن تعيش كونغوا أرضا وشعبا حرة من ساطور الإستعمار وسوط المحتل ومن جلد الأذناب ونهب المحتل

لقد نال الشعب الكونغولي أسوأ انواع الإضطهاد علي ايدي جبابرة البلجيكا وأذنابهم، ولم تنقطع إلي يومنا هذا آثار ذالك الماضي المزعج، وقبل أن يبزغ نجم لوممبا كانت البلجيكا تنهب الأموال وتدنس الأوطان وتقتل الأفراد وبدم بارد وبلا رقيب أو حسيب، وبعد أن تخرج لومومبا من الجامعات الغربية وفهم جيدا عقلية الرجل الأبيض ومرض الفتاك الذي يلازم المستعمر والإزدراء الذي يمارسه، بدأ إستقطاب النخب المثقفة رغم شحها وتوجيه رأي العام وتأليبه ضد المحتل، وقاد إضطرابات عمالية وتظاهرات حاشدة أدت إلي سجنه عدة مرات

واجه لومومبا في بداية حياته السياسية باعتقالات تعسفية ومضايقات قمعية ورصد لحركاته وسكناته، آخرها كانت إعتقاله ستة شهور بعد تأسيسه الحركة الوطنية عام 1958م التي كانت أكبر حزب في الكونغو،  وقادت مظاهرات حاشدة واضراب عام وتثقيف الناس وتوعيتهم وتحريضهم علي المحتل والسعي إلي الحرية وإدارة بلادهم بأنفسهم، ولم يطلق سراح لومومبا إلا بعد بداية المحادثات الجدية بين البلجيكا والممثلين والوجهاء ورؤساء القبائل وكافة شرائح الشعب الكونغولي للخروج من الأزمة الراهنة والوصول إلي بر الأمان وشاطئ السعادة

الحركة الوطنية وما حظيت من تجمعات غفيرة وشعبية جارفة وصل صداه إلي العواصم الأروبية، وأيقن المستعمر أن شرا محدقا  قادم إليه فسعي لإجهاض التجربة وتشويه سمعة زعيمها، ورغم ذالك تمكنت الجماهير الوفية للمومبا حمله إلي كرسي الحكم في اولي الإنتخابات التي شهدتها الكونغوا، لأن الشعب الكونغولي كان يرى أن الحركة هي الوحيدة الجديرة بأن يدلي صوته لصالحها، ولو لم يجهض الغرب إرادة الشعب لكنا رأينا اليوم كونغا أجمل وأحسن، لا تقودها المصلحة وإراقة الدماء والعساكر التي تنهب الأموال تحت مسميات كثيرة منها الأمم المتحدة والإتحاد الإقريقي والبعثات المتعاقبة لحفظ الأمن التي تجني الملايين ولا تحفظ الأمن بل تسعي إلي تدهوره

بدأت بوادر التباعد والإنشقاق بين لومومبا وبين البلجيكا بعد تأسيسه للحزب وما تلتها من الإعتقالات لقادة الحزب وكوادر النضال، ولكن خطبة الإستقلال اللاهبة “الدموع والدم والنار” كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، لأنها كانت خطبة نارية شديدة اللهجة أرّخت وبشكل جذري مآسي الشعب ونضاله ضد العدو وحكت وبإسهاب ثمانيين عاما من الإضطهاد والتنكيل ومصادرة الحقوق والحياة للإنسان الكونغولي، وذكر في خضم خطبته أنه آن الأوان ليرحل المستعمر ويستلم الشعب زمام أمور وطنه، وحملت هذه الخطبة العلقم والمرارة للمحتل وأغضبت ناظر الإستعمار وممثل البلجيكا في الحفلة، ورأي أنها خطبة تفتقر إلي اللباقة السياسية والمرونة الدبلوماسية وتحرض الناس إلي الحماقات وتقود البلد إلي الفوضي التي لا يعرف منتهاها!، وحملت الخطبة إلي الجموع الكونغولية الحاشدة نسائم الحرية وتباشير جميلة لغد أجمل وحروف التحرر وكلمات الإستقلال الحقيقي، والإنتفاضة لإيجاد الحقوق المهدورة ورمي رداء الخنوع والذل والبحث عن الحرية وبكل السبل المشروعة

لم تنعم الجمهورية الوليدة بالإستقرارا والأمن المنشود، ولم تستطع الإستفادة من خيراتها الطافحة كما أراد لومومبا، ولم يتسن للشعب التنعم بحياة كريمة في داخل وطن يسوده الحب والوئام والوطنية، حيث بدأ في الأسبوع الثاني من الحرية تمرد عسكري في الجيش وتضعضع أمني في الداخل وضائقة إقتصادية مقصودة وبلبلة تقودها الحركات التابعة للمستعمر، وأنفصل إفليم كتانغا ـ أهم إقليم في الكونغو ـ تواطأ مع سياسة تجفيف منابع وقوة لومومبا عن جسم الوطن تلتها إضطرابات عمالية مضادة وأعمال عنف رهيب بدعم من البلجيكا.

وإزاء هذه الفوضى الخلاقة والوضع المزري الذي لا يقبل مزيدا من الإنتظار والتفرج علي نكاية جروح الشعب والتمرد علي الشرعية، حاول ريئس الوزرا المنتخب إصلاح البلاد وفرض هيبة الدولة في الكونغوا، ولكن كان وحيدا في بئية موبؤة بالتبعية والرشاوي، وكان يفتقر إلي السند الحقيقي إذ كان جميع القوى المؤثرة في اللعبة السياسية مثل الجيش والإعلام والإقتصاد علي أيدي المستعمر، الذي كون دولة عميقة في الكونغو، ولم تقتصر المؤامرة في الداخل بل كانت معظم القوى المحلية والخارجية موالية للمستعمر وأذنابه

وصل التوتر مداه حينما حاول الرئيس الذي كان منصبه شرفيا إسقاط الحكومة المنتخبة وإقالة باتريس لومومبا، وحينما تتابعت الإنفصالات التي يشهدها الوطن وتفاقم الوضع إستنجد لومومبا إلي الأمم المتحدة كحل أخير لإنقاذ الكونغو من الهلاك المحدق وتشويه الجغرافيا الذي يتسارع بوتيرة رهيبة وحدّة سريعة ،ولكن ومن الأسف كان الزمن متأخرا لا يسعف باتريس وتطبيق سياساته الوطنية، وكان البوق المرتزقة وكعادته أسرع إلي الهدم ويقف إلي جانب المحتل لتدمير بلده


وتدخلت الأمم المتحدة ضد لومومبا! وبإيعاز من الأمم المتحدة والحامية السويدية الموجودة في الكونغو ألقي القبض علي الرئيس الوزراء المنتخب ووزير إعلامه ومرافقه ووجه إليهم تهما ملفقة وساذجة ثم أعدمو رميا بالرصاص وعلي أيدي البلجيكيين ، ليعيش الشعب الكونغولي بعد هذا الغدر إلي حياة النكد وأتون الحروب والصراعات التي لا تنتهي ،بل مازالت تلتهب وتلهم الشباب وتحصد الأرواح وتخلق للكادحين معاناة لا تنتهي

شكرا لهم


 في الوقت الذي كانت تنداح فيه الأزمات علي الصومال من كل جانب وعشعش الخوف والبؤس في قلوب المواطنين ولعلعت الرصاص فوق الرؤوس، وأصبح الشعب جزرا متفرقة عن بعضها البعض وإخوة متناحرة يتسارعون إلي الهدم والتخريب والقتل والإبادة، ويتهربون عن المسؤلية والمصالح العامة والوطنية، ويحمل الراديو والتلفزيون أخبار النكد والحزن والمصائب في صفحاته الأولي في كل صباح، وأصبح الصومال وسمة عار علي جبين العالم ومرتعا للإجرام والفوضي وضاعت بذالك قيم إجتماعية وإقتصادية وثقافية كبري توارث الشعب عليها كابرا عن كابرو قاومت عبر الحقب والعصور وابت ان يعروها دجي النسيان لحضورها القوي في كل الميادين ولقدسيتها في نظر المجتمع،وضياعها كوّن في الحلق غصة وفي القلب وخزة وفي الخاطر جمرة لا تنطفي.
في ظل دوامة العنف التي لا تنتهي افتقدنا الحكم الراشد والعدالة القاصدة التي تؤسس للأمة دولة تدعوا إلي الوحدة الوجدانية قبل الوطنية وحياة الرغد والعيش السعيدة ، وحكما اساسه العدل والقانون ودولة تسودها المبادئ والحرية وتقودها المدنية واحترام حقوق الإنسان وحفظ النفوس والممتلكات من أيدي العابثين والمتهورين والسفاكين للدماء المصاصين له.
لم يكن المجتمع أحسن حالا من المجرمين الذين نهبوا الأموال ودمرو البلاد وشردوا الضعفاء لأنهم في معظم حالاتهم مثلوا دور المساند للعصابات المتناحرة في الوطن وصفقوا للإجرام بل ساعدوا زعماء القبائل وحاملي الميت والكراهية أن يصلوا إلي سدة الحكم وراس الهرم وكرسي الرئاسة بسواد قبائلهم وكثرة مسانديهم وأخفقنا في ذالك فن التعامل مع الأزمات والقدرة علي تجاوزها واقتربنا اليأس وشارفنا الإستسلام الكامل إلي الواقع الموحش والمستقبل القاتم.
وفي خضم المعاناة برز في الأفق ومضة أمل لمستقبل مشرق للأمة علي أيدي مخلصين من أبناء الوطن أعادو البسمة إلي وجوه الأطفال والحب والحبور علي صفحة الوطن ومسحو الدموع عن مآقي المفجوعين وأجبرو خاطر المكسور وخففو المعاناة عن البائسين والكادحين، ومن بين هؤلاء المنقذين الذين أنقذو حياة الأجيال بمواردشحيحة وإمكانيات ضئيلة وطاقات محدودة وإرادة صلبة وعزيمة لا تلين وعريكة لا تهون الأساتذة والمعلمين الذين أصبحو مثالا يحتذي به في الحب والإخلاص والتفاني لتأدية الواجب بأكمل وجه وإنقاذ البراعم وزهور الوطن من الضياع والجهل والتشرد.
لم يكن في الأفق ما يدعوا إلي التفاؤل وما يرسم البسمة علي وجوه البسطاء بل كان ظلام الحياة يحيط الشعب من كل جانب وديجور الليالي يكتنف الساحة بكل شبحه القاتم ولونه السود الكريه حتي فقد الشعب إيمانه بالحياة أوكاد! وهنا قيض الله للكادحين أساتذة وعلماء كونو المدارس وأسسوا المعاهد وبنوا الجامعات ونشروا دور التعليم في ربوع الوطن في ظرف دقيق للغاية ووضع حرج لم ينتظر أكثر المتفائلين تفاؤلا أن تحدث ثورة تعليمية ونهضة معرفية جبارة في الصومال وخاصة في الجنوب الملتهب ومدنه العصية علي الأمن والإستقرار.
بدأت عجلة التعليم تتحرك وبدانا نرتاد المدارس ونعشق الدراسة والبسمة لا تفارق علي محيانا والدعاء والإبتهال سيدا الموقف من أن يدوم الله هذه النعمة التي نعيش فيها ونستمتع بصداها.
وحقيقة كانت المدارس والتعليم حلما بعيدا المنال وطيفا جميلا يداعب المواطنين دون أن ندري أين نبدأ؟ ومن يساعد ويهب لإنتشال ما يمكن إنقاذه وتعليم الصغار إذ التعليم من الأركان الأساسية للنهضة والتطور حيث تساهم الإستقرار السياسي والإقتصادي ورفع مستوى الفرد والجماعة والقيم الثابتة التي لا يؤثر فيها أو يعدل فيها مرور الزمن كالحق والعدل والجمال والتي تصب في نهر التنمية للإنسان الصومالي الذي يكافح من أجل حياة ملؤها السعادة والأمن والإستقرار السياسي والنفسي ويناضل من أجل غد أفضل يحمل إلي الجموع تباشير لخير قادم يشطب عن الذاكرة المآسي والمصائب ألأحزان التي لا ضفاف لها وجثمت حينا من الدهر علي صدور البسطاء والكادحين .
وحقا كانوا أئمة الدين والدنيا ومن بأيديهم نجي الله هذا الجيل الذي من المنتظر أن يقود الأمة إلي بر الأمان وشاطئ السعادة، لأنهم كانو شموعا للتنوير يحرقون أنفسهم لإضائة الطرق وإنقاذ الشباب عماد الأمة وأمل الغد والأطفال مستقبل الوطن والورقة الأنصع والأجمل في الوطن.
كانت سمتهم التواضع وعنوانهم الإخلاص وشارتهم الرفق والفرد منهم كان لا يتشامخ ولا يتعالي ولا يتعالم ولا يزدرى الخلق ولم يكن إناء أجوفا يحمل الكبر والغطرسة والخفة وبطر الناس في مخيلته ويعلق أنفه إلي الثريا وأسته في الثرا! بل كانو فوانس للدجي وجبالا راسيات للخير وسهاما مشعة تحارب الجهل وتهدم قلاعه الكريهة واحدة تلو الأخرى.
وفي مناسبة تخرجي عن الجامعة ووضع القدم في عتبة العلم والإمتلاك لمفاتيح المعرفة أقول شكرا لكل من ساهم وشارك في انتشال جيلنا من أوكار الجريمة ومعاقل الإجرام وبراثن الجهل وأخص الشكر والتقدير لأستاذي الجليل أحمد الهادي عثمان الذي حفظت بيديه قول البارئ{جل جلاله}، والأستاذ عبدالله طلب أستاذ اللغة والأدب العربي في المدرسة والذي أحببني القراءة والمطالعة ولغة الضاد وشجعني في المضي قدما للتبحر في هذا اللغة العظيمة، ولا أنسي أستاذي في التاريخ والجغرافيا صاحب الفكرة المتالقة والخيال الواسع والتجارب الكثيرة والثقافة الواسعة عبد الخالق ،واشكر أيضا مدير مدرستنا في الزمن الجميل الأستاذ عبد الشكور شيخ محمد، والشكر موصول لمؤسس مجموع مدارس جوبا وجامعة كسمايو الدكتور محمد ولي شكر الله سعيه، وجميع من نهلنا من نميرعينهم المدرار ومن نقشوا بحبهم علي عقولنا الطرية وقلوبنا المفعمة بالحب والإيمان فحفظنا حبهم في الحدقات وفي العيون ومن بين الضلوع

مجزرة نيروبي… فظاعة المشهد وفظاظة الطبع!

كانت مجزرة مروّعة تلك التي حدثت وتحدث في كل لحظة داخل المبني weste gate التجاري المنكوب بنيروبي، ولا أستطيع أن أعبر ما يجيش في صدري ويخيم علي وجداني ويجثم علي قلبي، وأشعر بغصة قاتلة حينما أري أن من توحلوا في الدم وهدموا بيوتهم وأحرقوا أوطانهم وأضافوا أطنانا من السوء والسواد في بلدهم مازالوا ينفخون بالونة بطولة مزيفة ،ويتبنّون الموت وجحافل المنيّة، وكأنه حليفهم الإستراتيجي الذي يرعي أحلامهم ويحقق طموحاتهم.

أنهكوا صومالنا الحبيب، وأضعفوا عزيمتنا الوطنية بمشروعهم التخريبي ،وهلوساتهم الكاذبة ،وخطبهم الأفلاطونية، وتجاربهم السيّئة ،وحوّلوا الشعوب إلي هياكل عظمية تجري بدون تفكير ووعي ،تعيش تحت رحمة الذل والهوان، وحوّلو البلد حقلا لتجاربهم الخبيثة وسجنا كبيرا لأفراد المجتمع، وبعدما هزلت فكرتهم وخسرت تجارتهم وتكدست بضاعتهم في عقر البلد وفي جسد الوطن، وبات الألم لا يؤثّر في قلوب المكلومين الذين تعوّدوا علي التوابيت والنعش صباح مساء!، ها هم يصدرون الموت والحرمان والأرواح التي تُزهقْ بكبس زر علي أيدي والغة في الدم ومتجذرة في العنف ومشاريع الموت.

بطيعتهم الجبانة كانوا ملثمين! وبالتأكيد كانت الشرارة تتطاير عن عيونهم حقدا ينسج في كل صفحة قصة مؤلمة لحظة تسلّلهم بين الجموع الأمنة إلي وسط السوق، وحينما هاجموا المبني الفاخر بتكتيك إجرامي كبير وجرأة عظيمة وتهور مقصود
كانت كاميرات العالم تقتات من ترهاتهم وقسوة قلوبهم وهم يطلقون النار بلذة وعشوائية ويغنون أناشيد الغضب والكراهية! ويرقصون بنشوة بوقع نشيج الباكين ورائحة البارود ولهيب النار ولون الدم وبقايا أجسام نحيلة أو ممتلئية -لا يهم- ملئية بالألم وغول الحسد وغياب ثقافة قبول الآخر، وشحنات السالبة والحقد الطافح والبغض العجيب للحياة ومظاهر الحضارة في كل الميادين وكل البشر .

نثروا الرعب في قلوب الآمنين، وتحول المشهد من سيمفونية التسوق والبهجة ومقاهي الأنس والأفراح وصالونات الونسة والحبور، إلي شبح أسود مخيف يطارد النفوس، ويلبد الجو بغيوم الحزن والحتوف، ويمطر وبال الموت علي الأجساد ووابل الفجع علي القلوب المفزعة والعقول الحيارى

لأمر ما تحيّرت العقول!

حكومتنا الأبيّة تفتقر إلى البنية التحتية والخدمات الضرورية وأساس الدولة، لأنها ورثت مأساة تفوق الخيال، وبلداً من ركام ومآسي، عنوانه التمزق والتشتت، وشعاره التشرذم والتفتت. وواجهتْ ظروفا صعبة في بدايتها جعل الإنتاج المحلي ـ إن وجد ـ لا يتعدّي علي أعتاب القصر الجمهوري والوزارات وكاكي الجيش ونياشين الشرطة وتجهيز المخابرات ومفارش القات للجماعة الحاكمة وحماية أفراد الطاقم الرئاسي وموكب الوزير، وتبذيره للمؤتمرات الوهمية وطقّ الحنك والتهريج والهروب من المسؤليات إلي التسلية والزيارات المكوكية للإستجمام، وجمع أكبر عدد ممكن من الدولارات وبفترة وجيزة للغاية.

ولم يصل في خزانة الدولة ما يمكن أن يحرك الدولاب السياسي المعقد والحكمي المهترئ في الوطن، وهذا مما لا يتناطح فيه عنزان وحقائق واقعية ومتوقعة من بلد عصي علي الحلول، وشعب لم يعرف الأمن والإستقرار أكثر من عقدين من الزمن، ولكن من الجميل أن تدرك الحكومة أنها كانت بدراية تامة ما يجري في الوطن الجريح، وكان بعلمكم أن كل هذا وأكثر هو ما جعل الصومال دولة عالة على العالم تقتات فتات المؤائد، وأفلاذ أكبادها يموتون جوعا في الوطن، أو تبتلعهم البحار بحثا عن حياة أفضل، أو تمزقهم  المدافع والمتفجرات وهم لاهثون في هامش الحياة ينتظرون مستقبلا طال إنتظاره وفجرا جديدا عز إشراقه، بل كانت المشاكل التي تجعلونها مشجبا تعلّقون عليه إخفاقاتكم سببا لتبؤكم على أعلى المراكز وكبينة القيادة في الدولة الصومالية.
والإنتشال الحقيقي للوطن من هذا الوضع المزري إلى الحياة العادية ومن غرفة العناية المركزة إلى نعيم الصحة الدائمة كان المنتظر منكم، ولكن أفرزه الواقع بخلاف الأحلام الأرجوانية للشعب في خضم إنشغالكم الدائم لأشياء هامشية لا تصنع الفارق ونظرية التهويل، "ويبدو أنكم نسيتم أو تناسيتم أن من يعمل داخل المطبخ لا يحق له أن يشكو من حرارة الفرن وأن السياسة لا شئ يأتي من قبيل الصدفة".

و رغم علمنا ودرايتنا التامة بإن الإعوجاج يكمن في سوء الإدارة المعشعشة في أروقة الحكم والمراهقة السياسية التي باتت السمة البارزة للهرم السياسي ، قلنا (نعم) لوجهات النظر الحكومي علي مضض، والشعب يدفع الفاتورة الباهظة لهشاشة الأمن وتردي الأوضاع المعيشية في كل يوم، فيما يبدو الواقع غير مبشر والخطب الأفلاطونية للرؤساء وزراية اللسان وفصاحة البيان والكلمات المعدة سلفا وبدقة تثير الإعجاب هو سيد الموقف والخدمة الجليلة التي تقدمها الحكومة للرعية!. ونص المسرحية التي نؤديها بفشل ذريع كل يوم والضحك علي الذقون وذر الرماد لعيون الشعب الصابر الذي تكفيه إيماءة أو إبتسامة بسيطة لينتقل من عصر الحروب إلي عصر االسلام هو حصيلة النجاح والإنجازات العملاقة التي أنجزت الحكومة أكثر من أربعة سنواته.

لأمرما تحيّرت العقول!! ولأمر ما يجعل إبتسامة الرئيس العريضة التي تقتاتها الكاميرات في كل المؤتمرات إبتسامة باهتة وما كرة ، وعيون القطط السوداء التي تكمم الأفواه وتجيد مصادرة الحقوق والحريات وزهق الأرواح عيونا يملؤها الشك وعوطف تغمرها الكراهية، والهتافات التي تثير في الأوصال الرهبة والفزع فبركة وقناعا زائفا لرسل الكدر وحاملي الهم وحفاري القبور، وتذكرني الأضحوكة المسرحية للساسة الصوماليين كلمات الشاعر العراقي معروف الرصافي حين قال (لايخدعنك هتاف القوم في الوطن فالقوم في السر غير القوم في العلن).

عندما يإس الشعب من أن يصل شئي إلي حلقومه الناشف وفمه المفتوح لكل لقمة، وما ينتجه الوطن لا يصل إلى طابور الفقراء ولا مجالس الكادحين بقي لنا أن نقول: أين تذهب المساعدات الخارجية للحكومة الصومالية؟ هل تصل إلي وجهتها المستحقة والمتضررين في مخيمات اللاجئين والعشوئيات وفي العراء؟ والأطراف الأخرى التي يجب أن تجد نصيبها من المساعدات؟.
حقيقة تشكل هذه السؤال برميلا للبارود شديد الإنفجار وسرعان ماكونت حزازيات بين المركز وبعض الحكومات الولائية المهمة، وهي سؤال تتردد صداها في أوساط النخبة والشعب والمجالس والنوادي، حتي باتت العنوان الأبرز في الساحة وحديث الساعة في كل الميادي، ورغم كثرة تداولها إلا أنها عصية علي الحل، ولا يوجد من يملك الجواب الصحيح حتي في هذه اللحظة مما يزيد الهوة بين الشعب والحكومة الغراء.

ناهيك عن إسهامات الحكومة لتخفيف الأعباء وخلق أجواء تشجع المستثمرين الأجانب والمغتربين العودة إلي بلادهم تتنسل الحكومة بسذاجة عن المعاهدات التي قطعتها بعد الحملة الإنتخابية! وإلا أين الوعود التي قطتعها الحكومة لتحسين القطاعات الخدمية للشعب (الصحة والتعليم والإسكان والرعاية الإجتماعية)؟ لا أحد يدري ولا أحد يستطيع أن يدري لأن الناس منقسمون في أدبيات الحكومة إلي معسكرين معادي وموالي والتهمة حاضرة إن سولت نفسك التتبع بآثار الكابوي ويدوس بك جزمته الغليظة ولا يبكي عليك أحد.

الإكتفاء الذاتي للدولة الصومالية كان أملا يداعب الجميع، وأجتاح في أوصال الشعب أحلاما وأشواقا طاغية نحو اللحاق بالركب بعدما دخل الوطن مرحلة جديدة وبات في سدة الحكم وجوه جديدة في الساحة السياسية أولم تكن ـ علي الأقل ظاهرة علي الفسيفساء السياسي للوحة الصومالية ـ ملطخة بالدماء، ولكن تفننت الحكومة في إضاعة الوقت في جدل بيزنطي لا طائل من ورائه وخبط عشواء وتضحيم أرقام لا تبعث الأمل في قلوب اليائسين، وتنازل الشعب عن حقه عنوة ولم يطمع أن يعرف أين يذهب الإنتاج القومي المحلي ؟وكيف ومن يدير ثروة البلد؟ وما صدق موجة النهب المحمومة التي بدأت في مقديشو؟ وما خبر الواجهة البعيدة عن الأضواء التي تدير بخفاء ما ينهبه المدير أو الوزير أو حتي رأس الهرم؟.

قد ترتفع حاجب الدهشة لهول ما كتبت!، ولكن لا تتعجب بل حاول أن تتابع حركات الحكومة عن كثب، عندها تعرف السبب ومعرفة السبب تبطل العجب، وبعدها إعلم حياك الله أن الإبتسامة الصفراء والوعود الزائفة والكلمات الفارغة من محتواها والرقص علي الرماد،هي عملة معتمدة في أوساط الحكومة الصومالية التي جعلت صحنها وبكامل إرادتها حافلا بالأزمات والمشاكل، لتبقي السفينة غارقة في أوحالها ودار لقمان علة حالها.

وهكذا أصبحت الدولة منتجة للفقر بدل الغني، وتقنن الخوف والخرمان وتغض الطرف عن السطو المسلح لممتلكات البسطاء، والخطر الأكبر هو إطلق سراح سجناء الحركات المسلحة المتمردة!، كيف يطلق سراح قاتلي الشعب ومصاصي الدماء وفي رابعة النهار دون خوف أو وجل ودون وخز الضمير؟.

لا نعرف قيمة الحكومة في أروقة شعبها وبورصة مواطنيها، ولكن ما نعرفه جيدا والذي لا يحتاج إلي عيون زرقاء اليمامة ولاعبقرية أرويلو ARAWELO ولا الأنوار الكاشفة والنظارات المساعدة للرؤية هو: أن الوزير الذي كان يستمتع حفلة الشواء وروعة الطقس في عاصمة الضباب وأبناؤه يرتادون مدارس النخبة هناك، والمدير الذي كان يتذمر كثرة السكر في القهوة في أرقي المقاهي السياحية في نيويورك وأهله يترددون دور السينماء والموضة في بلاد عم سام ويطيرون كل شهرين في وجهة جديدة للإستجمام ، الشتاء في ميونيخ، والخريف في سيدني، والصيف في نيروبي، والشتاء في كوالالمبور تزيد ثروتهم هندسيا وبأرقام فلكية وتغلغل الفساد في كل خلية وشعرة في أجسادهم! وأختاروا لذة الوحشية والتلذذ بعرق أنصاف العراة، وكأن رياح الجينات تأبي إلا التوحل بنهش جسد الوطن وجسم التاريخ والثقافة، بينما البسطاء تفرك الجوع بطونهم يفترشون الأرض ويلتحفون البؤس ويستظلون السماء ويتصارعون مع معركة البقاء والأمعاء الخاوية التي تهزمهم تارة ويتصالحون معها تارات!، ويزيد الفقر والحرمان أفقيا كل يوم لتبقي الدموع الزكية حروفا لصرخات الشعب وتسلية لوجدانه الكئيب.

وفي خضم المصائب المتتالية كحبات المطر في عز الربيع فقد الشعب إصراره المعهود ومواصلة الحياة في ظل دولة تنهب أموال الشعب في الأسواق وترهق الكادحين بالحواجز الغير قانونية والقواعد الخرصانية ومتاريس الحديد والاتواة الفاسدة، وتفسد مزاجهم بجندي يقتات المعاناة ويسهر لتكدير الأجواء والإختطاف الممنهج للبسمة النادرة علي جبين الأطفال والشيوخ والعذاري.
في ضوء ما سبق نستخلص أنه لا يصح القول بأن ثمة حكومة تمثل هذا الشعب وتقدم الخدمات الأساسية للحياة الكريمة وتحفظ أرواحهم وممتلكاتهم لا من العدو الخارجي وحركات التمرد بل من جيشها وشرطتها وأجهزتها الأمنية المتنوعة كما والقليلية كفآءة وجودة، ونستطيع أن نقول هي تمثل نفسها وتعيش لملأ جيوبها التي لا يملؤها سوي الموت والتراب، وكل الضوضاء التي تحدثها جلبة الأقدام المدببة والتي توحي إسراع الحكومة إلي إعادة الأمن والإستقرار والزمن الجميل ما هي إلا قنابل دخان مصطنعة أنتجتها حثالات الأفكار وزبالات الأذهان الذين غابو بين دوحات الإنتهازية وأحراش الفساد في الظلام.

وأحيرا هل نقول دقت ساعة الأسف وجاء الخطر الأكبر والكارثي حينما ذهبت الأحلام الوردية أدراج الرياح، وأغتالت الأيادي الملطخة بالدماء الأمل في رحم الغيب وذهب المال تباعا علي جيوب الدولة العميقة وطوابير المفسدين من رأس الهرم إلي الوزير ومن المدير إلي الخفير، وباتت الحسرة بعدما ذهبت نشوة الأمل لحكومة صومالية تهتم رعيتها وتسهر علي راحتهم وتوظف إمكانياتها البسيطة لتخفيف الأعباء ودخول السرور في نفوسهم العنوان الأبرز في عيون البسطاء والساحة معا. 
الجواب متروكة للجمهور وللقراء.

الفن، الاستبداد والاشتراكية.. وأشياء أخرى!

  بعد يوم غائم أعقب أسابيع من الحرارة والرطوبة الشديدتين؛ كان الليل الكسماوي صافيا وجميلا. الرذاذ الذي بدأ بالتساقط بعد التاسعة مساء ومجالسة...