منذ أن سيطرت البرتغال على أجزاء من الهند بعد اكتشافها رأس رجاء
الصالح الذي قصّر المسافة وحوّل مسار التجارة والملاحة البحرية العالمية كانت الهند
بما فيها من الثروات والسكان والثقافات محل اهتمام أوروبي متزايد، وبعد أن دخلت القارة
العجوز عصر الصناعة والتقانة وتطلعت إلى ما وراء البحار بغية السيطرة عليها واستنزاف
الطاقات والموارد الطبيعية للشعوب الغارقة في الضعف والإنقسام زاد الإهتمام ودخل كل
من فرنسا وإسبانيا وألمانيا وبلجيكا وهولندا السباق المحموم نحو خيرات المشرق ونهب
تراثه وحضارته الضاربة في جذور التاريخ من أجل توفير المواد الخام لمصانعهم وإيجاد
أسواق عالمية لبضائعهم وأفكارهم.
وفي منتصف القرن التاسع عشر الميلادي وصل الراج الإنجليزي إلى الشبه
الجزيرة الهندية التي كانت قبائل وكيانات وإمارات متفرقة ومتناحرة يجمعها الجغرافيا
ويفرقها المصالح والمبادئ وحب السيطرة على الآخر فحكمها الإنجليز بموجب معاهدات أبرمها
مع الأمراء والملوك وزعماء القبائل الذين كان همهم التقوّي بالكولونيالية وتمكينها
للأرض من جانب، ونكاية ا لمحتل الأوروبي الآخر كإسبانيا والبرتغال وهولندا الذين كانوا
يمارسون العنف والاضطهاد البشع على المواطنين الكادحين من جانب آخر.
ظن البسطاء الهنود أن بريطانيا التي تظهر دآئما في بداية الاحتلال
المرونة والتفاهم وكسب ود الأعيان والقبائل والسلاطين وإبرام المواثيق المجحفة تحت
جنح المال والإمتيازات والتفرقة أقلّ وطأة من الأوروبين فسلموا البلاد والعباد إليها،
وحقيقة القول كانت تمهيدا للكولونيالية الغربية في أسيا وافريقيا وأقطار كثيرة من أمريكا
اللاتينية، ولم تمكث بريطانيا كثيرا حتى تغلغلت في أوساط الشعب وربوع الأرض وأصبحت
الهند دولة مركزية لإمبراطوريتها التي لاتغيب عنها الشمس التي تمتد من أستراليا إلى
أمريكا ومن هونغ كونغ إلى غانا، وكان حكم البريطاني للهند يشمل في بعض المرات عدن والشمال
الصومالي وجزر المحيط الهندى.
كانت بريطانيا ـ رغم تفوقها العسكري والمعرفي وتماسكها الداخلي ـ
الدولة الثالثة أوروبيا التي وصلت إلى الهند، ولكن جاءت بفترة كانت في غاية الأهمية
حيث ضعف الحكم الأوروبي في آسيا مما جعلها الوريث الشرعي الوحيد في أملاك البرتغال
وهولندا، وبعد وصولها أولت اهتماما خاصا للهند لما لها من ثقل سياسي واقتصادي واستعماري
بالنسبة لبريطانيا، لأن احتلال الهند كانت بمثابة إثبات الذات وهزيمة الأنداد الأوروبين
في ميدان الاستعمار واستحواذ إرث الممالك القديمة الذين حكموا على العالم طيلة القرنين
السابع عشر والسادس عشر بفعل القرصنة البحرية وازدهار تجارة الرقيق ومزارع قصب السكر
والقطن والتبغ والبهارات في الكاريبي والبرازيل والسيطرة المطلقة على الطرق التجارية
الرئيسة.
كانت الشركة الهند الشرقية East India Company التي أسسها
جون واتس في القرن 17م بتفويض ملكي مباشر لتكون وجها تجاريا للتاج البريطاني ترمي
إلى إبعاد المنافسين المباشرين من المنطقة الحساسة والإنفراد التام لتلك الأراضي الغنية
بمواردها الاقتصادية وموقعها الجغرافي الحيوي وكثافتها السكانية، إضافة إلى إيجاد بديل
للتوابل والطرقات القديمة للتجارة العالمية، وفي خضم بحثهم للتجارة البديلة وجدت الشركة
أن المنسوجات الهندية قد تكون بديلا مناسبا فبدأت السيطرة على الهند إنطلاقا من هذه
النظرية الاقتصادية.
استقر الانجليز على ربوع الهند ومنذ صدور قانون التنظيم وتعيين وارن
هاستنجز الحاكم الفعلي العام للهند البريطانية بدأ العهد الفيكتوري في الهند التي لم
تكن لقمة سهلة، بل كاد الحلم أن يتبخر بعض المرات حيث واجه الحاكم البريطاني
تحديات جمة ومظاهرات عمت البلاد وحروب شرسة قادها الأمراء الذين ناضلوا ضد التمدد البريطاني،
ولكن بفعل السياسة الاستعمارية القديمة الجديدة (فرق تسد) إستطاع أن يفرق الشعب الهندي
على أساس الدين والعرق والمصالح مما أضعف النسيج الاجتماعي وضرب الوحدة الهندية في
مقتل.
ورغم التغلغل الإنجليزي وسيطرته التامة على مفاصل الوطن إلا أن الاحتلال
الرسمي والفعلي لشبه الجزيرة الهندية بدأ فعليا عام 1875م عندما بسط نفوذه على شبه
الجزيرة الهندية وسريلانكا وميانمار ونيبال، وبين ليلة وضحاها فقد الهنود أنفسهم ووطنهم
وذاقوا الويلات وتجرعوا مرارة الانقسام والحروب الداخلية ونهب الممتلكات والثروات باسم
الحضارة والتفوق العرقي والمعرفي، وتحولت القرى والمدن والمزارع والإنسان إلى ممتلكات
للرجل الأبيض الذي جاء بحثا عن موطئ قدم وزعامة العالم الذي رسمته أورروبا وقسمته من
جديد حسب مصالحها الاقتصادية والسياسية والدينية.
وقد أخلد الهنود هذا التنكيل والتهجير القسري والسادية في بطون كتبهم
وأفلامهم وأشعارهم وتراثهم الفني والفلكوري، ومازالت تلك الحقبة المظلمة تشكل ندبة
سوداء على جبين الحضارة الغربية التي حاولت إذلال الجموع الهندية وطمس حضارتهم وتغيير
معالمهم ونهب إنتاجهم وقتل ماضيهم وتشويه حاضرهم ومستقبلهم.
ومنذ أن بدأت السينما الهندية إنتاج الأفلام الناطقة عام 1931م كان
النضال من أجل الحرية وتخليد أسماء أبطال الاستقلال في صفحات التاريخ والذاكرة الجمعية
للهنود والعالم الفكرة المحورية والمحرك الرئيس لمئات الأفلام والمسلسلات والمسرحيات،
ومن الأفلام التي تناولت قضية الكولونيالية الأوروبية وتعسفها طيلة عقود Lagaan الذي
يؤرخ جور الاحتلال البريطاني ومضايقته للسكان المحليين، الفيلم من إخراج أشوتوش
جواريكر وبطولة عامر خان وجراسي سينج وراشيل شيلي وبول بلاكثورن، ورُشح لجائزة الأوسكار
كأفضل فيلم بلغة أجنبية، وكان الفيلم الهندي الثالث الذي يرشح لهذه الجائزة في حينه
بعد Mother
India 1957 و Salaam Bombay 1988 وحصل على
جائزة فيلم فير لأفضل فيلم وأفضل ممثل عام صدوره 2001م.