أردوغان شخصية أبهرت العالم، وأجمع محبوه ومبغضوه أنه الشخصية
الأهم في العالم الإسلامي، والسياسي الأكثر حضورا في أروقة السياسة وفي ذاكرة
الشعوب ومجالسهم ولسانهم في العقدين الأخيرين، لمعت شخصيته على سماء العالم
الإسلامي الذي كان يمر بداية الألفية الثالثة فترة عصيبة، أحجبت فيه غيوم اليأس
والإحباط جميع الأفق، وأغتال السياسيون البلهاء الأحلام المشروعة للشعوب في رحم
الغيب، وأستعبدت القوى الغربية البشر وحتى
الحجر، وأنعدم في الساحة قائدا ملهما تعلق عليه الأمة آمالها، ويمثل الشعوب المغلوبة
بمواقفه ومبادئه..
بزوغ نجم أردوغان الذي كسر عن الصورة النمطية لتركيا العلمانية
التي تحمي تراث الأتاتوركية، وتلهث وراء الغرب، وتنكر الثوابت والمقدسات من أجل أن
تكون عضوا في الإتحاد الأوروبي لم تأت من فراغ، بل كان تخرجه عن مدرسة الإئمة والخطباء
لها أثّر كبير في قراراته السياسية ونظراته الإدارية، لأنها أصقلت ذهنه وأثّرت
شخصيته لاحقا، حيث تركت النشأة الدينّية بصمات واضحة من التّديّن والإنتماء
الإسلامي قلبا وقالبا، والإقتفاء بأثر الرسول والصحابة الكرام، وهذا مما ساهم أن
تعود الدين الإسلامي إلى مكانتها الطبيعية في تركيا الحديثة، وجعلته رجلا في زمن قَلّ
فيه الرجال، رجلا بتمسكه الكبير لتعاليم دينه، ورجلا بسلوكه القويم، ورجلا بصمته،
ورجلا بكريزميته الخاصة، ورجلا بوفاء عهده، ورجلا بصدقه وحنكته، ورجلا بقلبه
النابض حبا وعشقا للإسلام وأهله.
جعل تركيا دولة محترمة عالميا، وقائدة سياسيا، وكبيرة إقتصاديا
تقارع الكبار والدول الغنية، بعد أن كانت دولة منهكة إقتصاديا، وعملاقا مريضا يجرى
وراء أوروبا، ويدير ظهره للشرق الإسلامي والعربي الذي كان يوما من الأيام ولايات
عثمانية تحميها الأتراك، ولو بصفة الخلافة الإسلامية التي إنهارت بفعل المؤامرات
الصهيونية والصليبية والضعف الداخلي، والتغير الكبير الذي طرأ على السياسة
الخارجية التركية بعد مجئ حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان ورفيق دربه غول،
والشوط الكبير الذي قطعته تركيا نحو التطور، والتنمية، والرفاهية، والإنتماء
الواضح إلى الشرق والجذور الإسلامية، ندرك من خلال كلمة الرئيس أردوغان في مؤتمره
الصحفي مع الرئيس إسماعيل عمر جيله في جيبوتي:
(تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي، ومنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي،
وفي العديد من المنظمات، فلماذا لا يتم قبولها في الاتحاد الأوروبي؟ إذًا ثمة سبب آخر
لذلك، إنَّ تركيا اليوم قوية، وإن كنتم تظنون أنها ستقف على عتبة بابكم، وتتوسل إليكم
الانضمام، فتركيا ليست بالدولة التي تتوسل، بل هي دولة تعرف كيف تنهض بذاتها، تركيا
دولة تتطور يوميًا من خلال صناعتها، وزراعتها، وطاقتها، وتعليمها، وصحتها، وغيرها من
المجالات، فإن قبلوها بهذا الإصرار في الاتحاد، انضمت، وإلا سترسم طريقها بنفسها) .
قائد يثق قدراته ويؤمن رسالته ويحقق أهدافه النبيلة، ويسعى إلى
نشر أهدافه ومبادئه، لم يغتصب السلطة، ولم يسرق الأصوات، ولم يصدر الحقوق، ولم
يكمم الأفواه، ولم يقفز إلى رأس السلطة، ولم يبدأ مشواره السياسي عن رأس الهرم، بل
هو زعيم محنك تدرج في العمل السياسي والكفاح الوطني منذ شبابه حين كان يافعا في
حزب الخلاص الوطني بقيادة الزعيم أربكان، وحتى بعد إغلاق الحزب وإنضمامه إلى حزب
الرفاه في منتصف الثمانينيات من القرن المنصرم، إلى أن أصبح عمدة إسطنبول التي
كانت مدينة شرقية غارقة في الزحمة والقمامات فحوّلها إلى عاصمة عصرية، ومدينة
تستقبل سنويا أكثر من 13 مليون سائح من مختلف العالم حسب تقرير صدر عام 2013م.
أردوغان رجل المواقف.
أردوغان ملأ الدنيا عدلا وقيادة وحكمة وأدبا، إنتصر للضعفاء،
ووقف إلى جانب البسطاء، وشجع القضايا العادلة، وساند الثورات العربية.. ثورات
العزة والكرامة، وحارب الإستبداد بصوته الجهوري، وبسلوكه القويم، وبأفعاله الشريفة
عندما تنافس مع الأحزاب السياسية وفاز معظم الإنتخابات التركية وبفوارق كبيرة منذ
2002م، وأطعم المجوّعين، وكسر الحصار
المضروب على غزة، وعرض للرأي العالمي المجازر التي يرتكبها الإحتلال،
وانسحب عن مهزلة دافوس، وزار الصومال في أول سابقة من نوعها منذ إنهيار الحكومة
المركزية الصومالية، ودشن مشاريع تنموية في مقديشو مدينة الموت والشبح، المدينة
الأخطر في العالم حسب الإعلام العالمي، وأحيا القلوب الميتة، ودافع المقدسات
الإسلامية، فاحتلّ قلوب المسلمين بطيبته وكرمه وشجاعته وتمثيله لأحلام البسطاء
وآمال الكادحين.
وفي مسيرته الطويلة (أكثر من 40عاما) كان رجل المواقف وليس
المصالح، في مقتبل نضاله السياسي كان شابا رياضيا قويا يحتذي به في عزيمته التي لا
تلين، وشكيمتة التي لا تهون، وصلابة الأراء، والتمسك بالمبادئ والثوابت ، ولو أدي ذالك إلي السجن أوالقهر والمضايقات التي نالها في طريقه
إلي القمّة والتربع على عرش الجمهورية التركية الثانية، وفي قمة تأريخه السياسي
تبني مبدأ الصدق والإخلاص والتفاني لمساعدة الآخرين،و استطاع أن يحقق إنجازات
عظيمة، وخطوات ملموسة نحو تركيا مكتفية ذاتيا، ومتقدمة صناعيا، ومتطورة حياتيا،
ومتحررة عن التبعية والإملآءت الخارجية، تركيا ذات توجه إسلامي متحضر يتعايش مع
محيطها الإقليمي والدولي بسلام، تركيا رائدة في المجال العسكري، والصناعي،
والزراعي، والصحي، والمعرفي، تركيا تخرج من الجهل، والمرض، والفقر ، والمعاناة، والديوان
المتراكمة، إلى تركيا نموذجية تصبح مثالا حيا للدولة الناجحة والحكم الرشيد.
المواقف النبيلة للسيد أردوغان لم تكن يوما من الأيام مواقف
تحركها العواطف الجياشة التي تتلاشي بعد حين، ولم تكن مواقف عابرة أفرزتها السياسة،
أو لمحة غضب، أو دهاء سياسي لكسب قلوب البسطاء، بل هي سياسة معتمدة في أروقة الحكم
والسلطة في تركيا الجديدة المعتمدة إرثها التاريخي العملاق وتأخذ من ماضيها العريق العظة والمجد
والعراقة، والشعور بالمسؤلية التأريخية، تركيا الحديثة التي ترى خدمة الشعب حقا
وواجبا إنسانيا قبل أن يكون أخلاقيا.
وحفيد الدولة العثمانية والخلافة الإسلامية ومعيد المجد
العثماني الغابر ــ أشواق كل المسلمين الأحرار غير الإنبطاحين وتجار البشر
والمستبدين الذي إستعبدو الناس ونهبوا ثروات الأوطان ــ يعرف أن رئيس تركيا أكثر
من مجرد رئيس عادي، صلاحياته وإهتماماته تنتهي بحدود دولته وقطره، بل يعرف جيدا أن
صلاحياته تمتد بإمتداد رقعة البلاد الإسلامية الشاسعة في أفريقيا السمراء وآسيا
وأوروبا وبلاد عم سام، وتصل دائرة صلاحياته الإنسانية والإيمانية حيث يعيش مسلم
ويتنفس بها إنسان معدم، وبشرية مقهورة مكبلة بعنجهية القادة وغطرسة الحكام، وحيث
يوجد مسجد يصدح بالآذان وقرآن يتلي وأوراد يقرأ، أوليس هو الذي قال في مقتبل نضاله
السياسي " المساجد ثكناتنا، والقباب خوذاتنا، والمآذن حِرابنا، والمؤمنون
جنودنا "
وكلمته المشهورة عندما سئل ما سر تميزك؟ "لدينا سلاح أنتم
لا تعرفونه ، إنه الإيمان ، لدينا الأخلاق الإسلامية وأسوة رسول الإنسانية عليه
الصلاة والسلام ”.إيمانه
القوي وإنتماؤه إلى الشعوب المسلمة ومعرفته التام لتطلعات البسطاء، وأنين الكادحينن
وأحلام المحرومين، وثقته الزائدة بنفسه وبمن حوله من العالم يجعله يهتم بأمور
المسلمين، ويتفقد أحوالهم، ويساعد محتاجهم، ويواسي جريحهم، ويجبر قلوبهم المكسورة،
وهذا لم يأت من فراغ بل هو سلوك من ورث تواضع الخلفاء، وصدق العظماء، وهيبة
العلماء، وجلالة الأمراء.
أردوغان..والصومال
في حين كانت الصومال تترنح بمشاكلها الداخلية، وتضرب الجوع
أكباد شعبها والجفاف يحول المساحات الخضراء على أراضيها إلى صحراء جرداء، كان
العالم يتفرج ما يجري في هذا البلد المنسي، بل كان معظمهم يتلذذون أنين المرضي
وصيحات الجائعين وأصوات الجرحي القادمة من حناجرهم المبحوحة وكأنها موسيقى
أوبرالية أو صوت جميل يأتي من نافذة البهجة!.
الأقارب كانوا يراقبون الوضع من بعيد وكأنه لا يعنيهم أو لا تمس
هذه المعاناة ضمائرهم النائمة، ولعل كنا في نظرتهم إنسانا أسودا يتلوي بالجوع،
يفترش الأرض ويستظل السماء، ويهرب من وطنه شريدا أو مريضا أو تآئها أو جريحا،
والبعيد كان مشغولا بأموره الخاصة ناسيا مأساة الصومال ومايجري في هذا البلد
المنهار، ودور الدول المجاورة كانت تذكية الصراعات المتجددة بين الأشقاء وتغذية الحروب
العبثية التي طالت مدتها.
أما الدول العربية فكانت ترى الصومال وكأنها جسم غريب فيما بينهم،
ووضع خاص أفرزته السياسات الدولية، والتجاذبات العالمية، والتكتلات الإقليمية
عندما انضمت إليهم، لأن الصومال كانت في حينها من أهم الدول الناعمة أو القوى
الصاعدة التي بإنضمامها إلى معسكر يعني أن هذا المعسكر يضمن موقعا جيوإستراتيجيا
ومنفذا مهما للملاحة البحرية العالمية.
ولأن الصومال كانت المنفذ الجنوبي للدول العربية والدولة
الوحيدة التي تتحكم مضيق باب المندب وبحر العرب والمحيط الهندي، ودولة تملك ثاني
أطول ساحل في افريقيا، إضافة إلى كونها دولة قوية عسكريا ومتنفذة سياسيا، كان
إنضمامها إلى الجامعة العربية مفيدة للدول العربية أكثر من الصومال التي ضعف
إنتمائها الإفريقي وبريقها المحلي بعد إنضمامها إلى الجامعة العربية!، حتي أصبحت
بفعل هذا الإنضمام دولة تعيش بالدرجة الثانية إفريقيا وعربيا، حيث لا هي دولة
إفريقية بإمتياز ولا دولة عربية كاملة.
هذه العوامل وأخرى غيرها جعلت الصومال هامشيا في أجندة النظام
العربي السياسي الرسمي، وليست الشعوب العربية التي وقفت إلى جانب الشعب الصومالي
في محنته .
وفي هذه الحالة الحرجة والنسيان التام الذي أحاط الصومال وفي أحلك ظروفها المعيشية، جاء المنقذ ليقبل
الأطفال، وينحني للضعفاء، ويحمل الصغار، ويطعم الجائع، ويروى العطشان، جاء ليبني
المطارات، وليعبد الطرق، ويعيد تأهيل المواني، ويبني القصور، ويرمم الشوارع، ويحفر
الآبار، ويبني المستشفيات، ويشيد المدارس،
ويطبع جبين الأطفال وجباه الكبار إبتسامة تحمل في طياتها نبل الإنسانية ورحمة
القائد، إبتسامة إختفت عام تسعين الميلادي عن جبين العاصمة وعن الوطن الذي دخل
موجة من الإكتئاب والحروب، وحوّلَ مقديشو التي كانت مدينة الأشباح وعاصمة الظلام
وقبور الأموات، ولا تفوح عنها سوى الركام والرماد وبارود تزكم الأنوف، والدماء
المراقة والدموع المسيلة على الخدود، إلى مدينة عصرية تملك أفضل مستشفى للأطفال في
شرق أفريقيا، ومطارا كبيرا يضاهي مطارات العالم جمالا ورونقا وترتيبا، إضافة إلى
المدارس العصرية والبعثات التعليمية إلى المدن التركية الحاضنة آلاف الطلاب
الصوماليين.
الشعب الصومالي المعشوق لأردوغان بادل الحب بعشق، وأطلق
المواليد الجدد والشوارع والمستشفيات بأسه وإسمه مدينته المحبوبة إسطنبول تيمنا
وتعظيما له، وفي زيارته الثانية لم يكن الوضع كما كانت مقديشو عندما جاء إليها عام
2011م، بل كانت مقديشو ترفع
ذؤابتيها للزآئرين، وتتزينتْ بجمالها الطافح والنضارة المعهودة لتاج الصومال
الجميل وهي ترحب الرئيس، رحبته بطريقتها
الخاصة، أعلام ترفرف فوق المباني والمقرات الحكومية، وصور الرئيس تظهر في الشوارع
والأزقات وواجهات المباني، وحفاوة بالغة، وفرق موسيقية، وألعاب شعبية، ورقصات
تقليدية، وبراعم تنمقت يد الجمال على وجوههم السمراء، وجو ّمقديشاوي بديع. وجيش
صومالي يستطيع تأمين المطار والمستشفيات وموكب
الرئيس وبكفاءة عالية .
في حين كانت الزيارة السابقة
عام 2011م وفي عهد الرئيس السابق شيخ شريف شيخ أحمد عراب العلاقة التركية
الصومالية، الخوف يسيطر الجميع، والركام
يملأ المكان، والطرق تشبه طريق السفريات حسب قول أردوغان في زيارته السابقة، والفرحة
كانت مشوبة بقلق وحذر شديدين، والكل كان يتسآل ماذا ستنتهي الزيارة؟ وما سيؤول إليه الحال؟، وكانت الفرق الأمنية
التركية تملأ الشوارع المؤدية إلى المطار والقصر الرئاسي بجانب القوات الصومالية والقوات
الإفريقية لحفظ السلام.
ونذكر
هنا المشاريع العملاقة التي إفتتاحها الرئيس الزعيم رجب طيب أردوغان اليوم في
مقديشو:
1.
مطار مقديشو الدولي: بنى اﻷتراك هذا المطار
بمواصفات عالمية وسيكون بوابة الصومال إلى العالم الخارجي بعد إنقطاع دام أكثر من
عشرين سنة.
2.
مستشفيات عصرية كان الشعب الصومالي في أمس الحاجة
إليه، خاصة في ظل الأزمات الصومالية، والحروب والصراعات التي خلفت آلاف الجرحى
والمعوقين ومرضى النفسيين الذين يحتاجون عناية خاصة، وقد افتتح الرئيس مستشفى
دغفير سابقا وأردوغان حاليا الذي يسع نحو 200 سريرا، و12 وحدة عناية مركزة، و14
سريرًا للعناية المركزة لحديثي الولادة، و20 حضانة، وأربع صالات للعمليات
الجراحية، وصالة ولادة واحدة، إلى جانب وحدات للأشعة والمختبر. ويعمل فيه حاليا 52
طبيبا ومساعدا وإداريا تركيا ونحو 91 صوماليا.
إضافة
إلى المدارس المتطورة التي لها جميع المستلزمات المعرفية وتخرج الجموع الصومالية
واﻷجيال الناشة من قمقم الجهل إلي فياح العلم والمعرفة.
وأخيرا
تعهد الرئيس ببناء 10,000 وحدة سكنية في مقديشو.
أردوغان
رجل منا سكن في سويداء قلوبنا فلله دره وكثر الله أمثاله.