فقد التراث الفني والوطني والمسرح
الموسيقي الصومالي عملاق الطرب وملك الصوت الشجي، ولوحة فنية لم تفقد وسامتها
وبريقها المعهود حتي في أحلك الظروف وأصعب المناخات، صارع العملاق الأمراض في
المستشفيات الألمانية وابتهلت الجموع ومحبوه لشفائه ولكن كانت إرادة الله أنفذ،
ولم يمت في وسط أهله وفوق التراب التي شهدت تألق هذا القامة الفنية، ولم يفارق
الحياة بين الشعب الذي ثمل ترجيع الحروف في متاهات أوتاره الكلاسيكية وصوته
العندليبي الذي تغلغل في وجدانهم، ولكن عزايئ الوحيد أنه لقي بإكرام يليق به شعبيا
ورسميا، وشيعه مئآت من الصوماليين يتقدمهم الوزير الأول للحكومة الصومالية.
ولد صاحب اللحن العبقري والصوت
الطري عام 1943م في بادية مدينة هرجيسا الواقعة في الشمال الصومالي وترعرع في
مدينة بربرة التاريخية التي اشتهرت بعدة اشياء منها القصة التراجيدية التي دارت
بين أشهر العشاق في القطر الصومالي علمي بوطري ومعشوقته الأنيقة هدن، تعلقت
الجماهير الصومالية لفنان الشعب من خلال صوته ولحنه وكلماته ذات الطابع الرومانسي
فسموه ملك الصوت ومحبوب الجماهير، وأبرز الفنان غناء إنسانيا راقيا وسيمفونيات
تجسد لأغاني حقبة جميلة من التراث الصومالي، ولم يستطع أحد أن يصل درجة نبض الغناء
لمحمد سليمان تبيع بفضل عبقرية اللحن وطراوة الصوت وعذوبة الأغاني، ورحيلة المؤلم
شكل نوعا من الألم والأسى رغم إيماننا التام للقضاء والقدر.
موسيقى تبيع وأغنيته الندية تباشر
القلوب والمشاعر، وكل أغنية من أغانية الأوبرالية تصادف مناسبات ومشاعر وقلوب
متعلقة بحب "الثروة الفنية" كما أطلقت عليه الصحافة السودانية في
الثمانينات من القرن المنصرم، حينما أبدع وأمتع وأبهر الحضور، وأحتل المركز الأول
في مهرجان الخرطوم المسرحي بموهبته الغنائية وإمكانياته الفنية الهائلة، وقامت
جميع الجماهير الحاضرة في المسرح لتحية "ملك الصوت والطرب" حينما شبعوا
من المقاطع الغنائية المتناسقة المزدانة بعذوبة الأوتار وطراوة الألحان.
شد إنتباه الشعب بحضوره القوي
وتمثيله المتميز للأدوار المختلفة في الأمسيات الفنية والمسارح الغنائية، وكانت
الجموع المتعطشة تحضر ليالي الفن الأصيل ورناته الوترية في المسارح والمنصات التي
تعح عمالقة الفن وملوك الطرب، الذين ملؤا الدنيا ببهاء حروفهم وشعورهم الوطني
وفنهم الهادف ومسرحياتهم المعبرة وألعابهم الفلكورية المستوحاة من التراث الصومالي
العريق.
كان شخصية محمد سليمان تبيع خجولة
لا تحب الصدارة والثرثرة الفارغة كما قال معاصروه، كما كان وطنيا خدم للفن
والأصالة والتراث الصومالي من خلال فنه وحنجرته الذهبية، وقدم للجمهور التي أحبت
شخصيته ولصقت صوره علي جدران القلوب وعتبات المنازل الكنوز الموسيقية الكامنة في
التراث الصومالي، وموجات الأغاني الواسعة التي تحترم العقول والعادات وتثري الروح
والعواطف والمشاعر.
الإنسان عواطف ومشاعر وقلوب، والفن مرآة الشعوب، وهو إرث إنساني تناقلت الأجيال عبره مشاعرهم وأحزانهم، وعبرو عبر كلماته الموحية حبهم وأوجاعهم القلبية ونظراتهم الإنسانية، والفنان يغذي الروح من خلال صدي صوته الذي يردده الشعب بهستريا المحبين، لذا رحيل عمالقة الطرب الصومالي تشكل نهاية عصر طرب جميل قد لا يتكرر.
تأملت حروف أغنيته الشجية، فقطعت الزمن عكسيا لأقف عتبة زمن كان تبيع يعتلي المنصة ويمسك الميكروفون، ومعه ترتفع معدلات السعادة ويلهب التصفيق الأكفة، وتبدأ تراجيع الصوت تردد سطور الحب وترتفع الحبال الصوتية للملك وتصدح الحنجرة الذهبية برائعته الحاضرة في كل العصور:
hooyooy la,aantaa
adunyadu hubaashi
habeen kama baxdeenoo
iftiin lama heleenoo
dadku uma hayaameen
dayyax heega joogoo
sida haad mafuulleen
xiddig hwd kalulatoo
hawo aguma gaadheen.
كانت أغنية الأم تحمل عواطف أمومية رقيقة تقرب البعيد وتنسج في الخيال أروع الحب الحقيقي للأم، ومشاعر نبيلة لا تعترف الحدود والقيود، بل تعزف سيمفونات الوفاء الشجية للأم الحنونة، كما كانت أغانيه تحمل أعذب القصص وأحلي الحكايات التي تبدد وهم المسافات والأميال، والإيقاعات الجميلة ذات الطابع الرومانسي الدافئ التي تحفز القلوب علي إدمان الحب والهوى، وتؤاسي قلوب من يعاني جروح الفراق وأوجاع الهجر بعد الوصال.