يعتبر الفنان العملاق حسن آدم سمتر الذي ولدعام 1953م في مدينة
دينسورDiinsoor الواقعة في إقليم باي من الجمهورية
الصومالية من عمالقة الطرب وأرباب الفن في القطر الصومالي أو إمبراطور الفن في
الصومال كما يحلو لعشاق العندليب.
بدأ حياته الفنية صغيرا عندما اجتاز جميع الإختبارات
والإمتحانات الصعبة للهئيات الرسمية وحملت أغنيته الشهيرة "مثل غيمة
المطر"Sida Hogosha Roobka إلي
الشهرة والأضواء وهزت جنبات المسرح، وأعجبت الجماهير هذا الصوت الطري والإمكانيات
الهائلة للفنان الشاب الذي شقّ وسط الفن الصومالي كسرعة الضوء، وبعد فترة وجيزة
ترقى في السلك الغنائي الصومالي حتي تربع فوق هامته وحيدا، وأصبح علما من أعلام
الفن الصومالي الذي يعرفه الجميع بسبب الكم الهائل من الأغاني الجميلة
والكلاسيكيات الوترية التي جعلته أيقونة الغناء في الصومال.
حسن أدم سمتر أو حسن الباشا كما يحلو لعشاقه أن يسموه أسّسّ
مدرسته الخاصة في الغناء والطرب ومنح للمسرح الصومالي نبضا قويا وتدفقت بسببه
الحيوية في شرايين الفن الصومالي من جديد، وفي حياته الحافل بالإنجازات والأغاني
الكلاسيكية المصاحبة للنشوة والعنفوان والتمايل والتمثيل الذكي والصوت القوي الذي
يهز المشاعر ويطرب الأجسام ترك بصمات واضحة وقوية في تأريخ الفن الصومالي، حيث
يعتبر أكثر فنان صومالي تسجيلا للأغاني حيث البوماته وكليباته الغنائية فاقت
المئآت ما بين الأغاني القصيرة والطويلة والرومانسية والوطنية التي تتحدث عن
الملاحم البطولية والأيام الغر للشعب الصومالي.
ولقد جادت حنجرت الفنان المبدع حسن آدم سمتر أعذاب
الأغاني والمقاطع ذات اللمسات الإنسانسة الطافحة، والمشاعر الرومانسية المزركشة
بالعادات والأعراف والتقاليد الصومالية، حيث قرن إسمه في داخل الفن الصومالي
بالمتعة والأصالة، وأصبح صوته مرادفا لأجمل النغمات الكلاسيكية الصومالية، ومن منا
لا يعرف ملحمته التأريخية وأغنيته التي أصبحت أشهر أغنية صومالية علي الإطلاق،
ويبدو الفنان في هذه الأغنية كما لو كان ينظر إلي مآلات الأشياء، وأن هذه الأغنية
هي التي ستخلد إسمه حينما كان التصفيق يلهب أكف الحاضرين وبحت حناجر الجماهير من
أجل الصوت الهادر، وهام القلب لأدائه الرائع وحبال صوته الندي، وتعبت الأجسام من
التمايل والطرب، وفي وسط حضور مذهل من عشاقه ودون رجفة الخوف نثر درر كلماته علي
خشبات المسرح وجاد للحضور أريج العشق الفواح وكلمات معبرة لقصة حقيقية محزنة ماتت
بين كاكي الجيش ونياشين العساكر وبين عناد وتغنج الأنثي الصومالية الوادعة علي حضن
نهر شبيللي الخالد في بلدوين الحبيبة.
لقد أفاضت أغنية بلدوين Baladweyn دموع العشق العالقة علي الجفون، ووزعت الهمسات القشعريرية
علي الحضور، وشغر المحبون أفواههم ولهى لسريالية الأغنية وكلماتها التي تحمل لهيب
الشوق وجمرات الشجن، وحينما وصلت الأحداث الدراماتيكية للأغنية إلي منتهاها بطريقة
تراجيدية غريبة تنهد الجميع وتأسفوا عن الحظ السئ للفنان، وجحْد النقيب الذي أمر العاشق
بالرحيل ومغادرة المدينة وفيها عشقه السرمدي، ونتذكر كيف وصف الفنان
شعر الحبيبة المتدلي علي ظهرها والقرى المتناثرة علي السهول في جو ربيعي مميز،
وصعود الجبال والأشجار التي تتعالي كالسنديان، وكيف أن توسلاته لم تشفع له كما أن
دعاءه علي عربات الجيش لم تكن مقبولة، حيث غادرت الكتيبة في الصباح الباكر وهو
ينظر إلي الحي القريب من الجسر لقلقتوLiqliqato التي
كانت الحبيبة تسكن عنده.
لقد رسمت هذه الأغنيبة وبريشة فنان مبدع تباريح العشق وملامح
الحبيبة والحكايات التراجيدية والنهاية المحزنة للقصة، وعنجهية النقيب والدجي الذي
داهم المحب عندما إعتقد أن حبه يبدد ظلام العتمة ويمنح أكاليل الزهور، ووصل صداها
المشرقين وتناقلها الأجيال جيلا بعد جيل، وعندما عرض في المسرح الوطني نسي الجميع
ـ من فرط نشوتهم ـ مقاعدهم وأكتظت الساحة بالعشاق الذين إنتابتهم نوبة الهوى
المؤلمة وأثار شجن الأغنية في نفوسهم مكامن الصبا الصامتة.
ومن الأغاني التي أبدعها هذا الصوت المتفرد أغنية سيلو Saylo التي فازت المرتبة الأولي في وزارة الثقافة والتوعية
للجمهورية الصومالية في بداية الثمانينات، وكان المطلوب أغنية جمعت أنفاس العشق
وهمس الكلمات وشموع الأمل ولوعة الهيام ولوحة بلورية ناصعة البياض للطبيعية
الصومالية، وتضع نصب أعينها التناول العجيب للطبيعة الرعوية والزراعية للإنسان الصومالي
وتأريخه وحضارته وأنماط الحياة الخاصة لهذا الشعب.
ويعتبر أغنية " الفراشة المخططة balan
baalis qalimo leh" التي يتغني بها عندليب الفن في
الصومال وملك الغيثارة والحيوية في الأغاني الصومالية عنقود الذهب لأعماله الكثيرة
وأعماله الكلاسيكية المتعددة، وفي هذه الأغنية بالذت أبدع في تصوير الكون والحب
والطبيعة والإنسان عبر معزوفته الشجية وترانيم صوته الخالد، وألحانه الوترية التي
ترسل الجموع إلي حبور الكلمات ومسرات الفن الأبدية، كما نسي إلي الأبد في طياتها
لحظات الألم وساعات الجراح، دون أن ينسي الفنان الخيط الدقيق من الحب والإعجاب
الذي يربط الفنان بالشعب، ذالك الخيط الذي يجعلنا نتهافت علي أعماله ونطرب سماع
صوته ونترقب أغانية قبل صدورها.
ولم ينس أيضا الشاعر الذي تدفقت عن قريحته هذا الأغنية الساحرة
المسحة السحرية من العشق والجنون، والقالب الجمالي والأدبي والإغتراف من نهر اللغة
ومتحف التراث الشعبي الصومالي الذي زاد رونق الأغنية ورفع قيمتها، ودقة التصوير
والتشبيه، وفن نحت الحروف والكلمات والمشاعر الصادقة لتخرج الأغنية من حيز الجماد
والمشاعر المكبوتة إلي حورية تنمقت يد الجمال عليها نهمس في أذنها ونشم عطر
خصلاتها التي تعبث علي جبينها الصبوحي، وسَكَب الأداء في قالب الأغنية
روحا صامدة تتكلم وتتفاعل معنا وتعطينا مفاتيح السعادة ومشاعل النضارة.