الاثنين، 3 أغسطس 2015

كتاب قرأته "المسيرة الطويلة من أجل الحرية"


منذ صغري كنت محبا بتتبع قادة العالم سلوكا وفكرة وأدبا، كما كنت مشغوفا بقرآة يومياتهم، وتآليفهم، ومعرفة طبائعهم، وأيديولوجياتهم الموجهة، ومعرفة خبايا الثوار الحقيقين الذي خاضو كفاحا طويلا، وحروبا طاحنة ليتربع شعبهم على فيحاء الحرية، ولتشم الأمة نسائم الإستقلال المنعشة، لذا إقتنيت معظم كتب قادة العالم وممن حكموا الدول وساسوا الشعوب، سواء كانو ديكتاتورين ومستبدين روّعو العالم بافكارهم الجنونية، وأفاعيلهم الشنعاء، وهوسهم القاتل بالثروة والسلطة والإستغلال، أو ممن حملوا همّ الوطنية، والقضايا العادلة، ونضال التحرير، وقادوا الجموع الوطنيه الذين حاربوا الإمبريالية والإستعباد الكولونيالي إلى الإنعتاق والحرية والعيش الكريمة في كنف دولة تراعي المصالح وتحمي الشعوب.

كان المناضلون مثلي الأعلى وممن أقتفي أثرهم لأحرر بلادي الذي أحمل هم توحيده من جديد، لأني منذ الصغر أحمل فكرة الصومال الكبير وأن يعيش شعبي الممزق يوما تحت علم يجمعه ودولة صومالية تضمهم إلى الأبد، وكنت أتخيل المشاهد الباذخة التي تأتي من الخيال في هذه اللحظة الخالدة التي سيلتئم الجرح وتختفى المعاناة وتذهب التجزأة ويتوارى عن الأنظار الحدود الكاذبة التى رسمها الإستعمار ليحرم الشعب الصومالي أشواقه وأمانية المشروعة.

ولقد إستمتعت بالسفر الى حضرة الثائرين الحقيقين، وحاملى لواء الكفاح،  والى تاريخهم الزكية بدأ من الإمام أحمد جري أيقونة الجهاد في القرن الإفريقي، والسيد محمد عبد الله حسن داحر الإنجليز وقاهر الطليان، الى عبد القادر الجزائري قائد ثورة مليون شهيد، والى غاندي وثورته السلمية التي قادها النباتيون الذين قابلو بندقية الإنجليز بصدور عارية وعزيمة فولاذية لاتلين، الى بوليفار ملهم شعوب الّلاتين، ومحرر السكان الأصلين الذي أصبح أخيرا رمزيا شعبيا، وأيقونة وطنية حتي سميت جمهورية كاملة بإسمه، تيمنا بشخصيته وتاريخه ونضاله المشروع ضد المحتل الإسباني.

ولا تنتهي الحلقة بهذا الشجعان، بل تمر الى الثائر اليساري والطبيب الإنساني جيفارا الذي ترك العيادة والمشرحة والسماعة الى ساحات الوغي وميادين الردى وأزيز المدافع وزخات الرصاص في الغابات الكوبية والأحراش الإفريقية إلى أن وصل صدى كفاحه جميع أصقاع العالم حين قال قولته الشهيرة: لا يهمني متي وأين سأموت! بقدر ما يهمني أن يبقى الثوار يملؤون العالم ضجيجا كي لاينام العالم بثقله على أجساد الفقراء والبائسين والمظلمومين. وتمر أيضا الى المهدي السوداني صاحب المعارك الفاصلة مع الإنجليز وخليفته عبد الله التعايشي، وقرأت الثورة العاتية في موزامبيق التي كان الرئيس الصومالى الأسبق سياد بري يدير في ملفها الساخن بتفويض من المنظمة الوحدة الإفريقية، ولم أنسي الثورة الأنجولية وكيف قاوم الشعب بالمحتل البرتغالي البغيض.

أوردت هذه الأمثال تمهيدا لحكاية أحببتها وعشت في تفاصيلها ولو بومضات السطور ووضآءت الحروف ...قصة شائقة وملئية بالمواقف الإنسانية النبيلة وحرق الذات لحياة الآخرين، قصة حقيقية تجسد كيف يقاوم الإنسان الممارسات البربرية للعدو الذي يكمم الأفواه، ويصدر الحريات والحقوق، والأمراض التي تلتهم الجسم وتذهب النضارة، والجوع التي تفرك البطون وتؤلم الأحشاء، والزنزانات الضيقة، وشقاء الحنين، وعذابات المنافي الإجبارية، كل ذالك من أجل قضية آمن بها وكرس حياته من أجلها، وهي الإنتهاء الرسمي للتمييز العنصري والفوارق الطبقية المبنية على اللون والعرق والدين.

لقد ذرفت الدموع من عيني مدرارا، واقشعر جسدي وأنا أقرأ قصة كفاح الشعب الجنوب الإفريقي وبسالته النادرة، وعزيمته الفولاذية حين أصر على إنتهاء مظاهر التمييز ــ رغم قلة اليد وضخامة العقبات ــ وأن يكون سيدا لوطنه، يمارس الحياة بأبهى صورها في ظل وطن لا يشعر فيه المواطن سوى الإنتماء والطمأنينة النفسية ودولة رشيدة تقوده نحو الرفاهية والحياة الكريمة، وفي فصول النضال الطويل وفي صفحات الملحمة البطولية للشعب الجنوب الإفريقي الملئية بالعوائق الكثيرة والمنعطفات الخطيرة، كانت التحديات ترتفع والأمنيات تتسع وكانت الجموع ترسم ريشة الفداء والتضحية والمعاناة خارطة الوطن.


لم أشعر مسافة السفر التي كانت قرابة 400 كم ما بين جارسا حاضرة الإقليم الصومالي في كينيا ونيروبي العاصمة القومية لكينيا وأنا أتصفح كتاب المناضل الكبير نلسون مانديلا "المسيرة الطويلة من أجل الحرية " ذالك السفر العجيب والكتاب الممتع الذي أودع فيه نلسون مانديلا  فصول حياته، بدأ من ولادته عام 1918 للميلاد في قرية مفيزو بمقاطعة أوماتاتا بإقليم ترانس
كاي في جنوب افريقيا، وحتي أخر يوم أستلم مقاليد الحكم من البيض الذين عذبو و اضطهدو المواطنين الأصليين بسبب لونهم وبشرتهم السوداء، ومارسوا ضدهم ابشع أنواع التمييز العنصري والإستعباد البشري.

لقد ترك عبقري القارة في هذا السفر الممتع قصة تستحق أن تكتب بماء الذهب بل بماء العيون، من لحظة ولادته في أدغال جنوب أفريقيا من أب عصامي ومن أم حنون، إلى تركه من روتينية حياة القرية إلى زخم نبض المدينة، ومن دراسته إلى إنخراطه في صفوف حزب المؤتمر الإفريقي، ومن معاناته وأشجانه وأحزانه، وحكاياته، وتصوراته وأفكاره، وتاريخه الطويلة التي خلدتها التـاريخ في أنصع صفحاتها.

ولكم كان كبيرا في عيني القائد الكبير نلسون منديلا قائد الشعب الجنوب الإفريقي الى الحرية، حينما قرأت المعاناة التي مر بها من أجل مبادئه، وكيف طرد من مدينته جوهانسبيرج التي كان عاملا ينقب الذهب في مناجمها العملاقة الى سويتو تلك الضاحية البائسة التي أصبحت منفي للأسود والملونين الذين عانو الأمرين، ولا أبوح عليكم سرا إن قلت إجتاحتني قشعريرة غريبة وشعورا متناقضا حينما شاهدت الملعب الكبير الذي أقيم فيه نهائيات كاس العالم عام 2010م، سوكر سيتي الذي يتسع 94 ألف متفرج في ضاحية سويتو، تلك التحفة الرائعة التي غيرت حياة مدينة سو يتو من جحيم وخزانة للماضي الأليم، ومزبلة للقمامة يتسكع عليها آلاف المحرومين وملايين العاطلين، الى مدينة عالمية يصل صداها عواصم العالم وكبريات المدن في الكون.

كانت قصة روهليهلا أو نلسون منديلا كما أطلقت عليه أستاذته في الإبتدائية قصة ذات شجن وذات مشاعر إنسانية مؤلمة، تجعل الإنسان يستحضر المعاناة، والألم، والمطاردة التي تعرض لها هذا الشخص الملهم بسبب مبادئه العادلة ومواقفه الشجاعة، حيث عاش طريدا ومهاجرا عن وطنه لا يعيش مع أولاده وأسرته، بل يعيش في الزنزانات، أو الخنادق، أو الفنادق، أوالبرارى في معظم عمر الثورة.

وعندما أتأمل المحاكمات الهزلية والتعسف الذي لاقاه من ريفونيا و السنوات الطويلة التي كان سجينا يواجه أسوأ الظروف في زنزانته الإنفرادية في روبن أيسلاند، أتسآل: ياتري ماذا كان يمني الفس وكيف تحمل المعاناة والتعذيب الجسدي المستهدف، والإرهاق النفسي، والممارسات العنجهية للمحتل في الزنزانة الموحشة التي من مظاهرها التمييز العنصري والأعمال الشاقة والإنتهاكات المقصودة.

لم يكن منديلا وحده من خطط الثورة وفجر بركان الغضب القابعة في سحيق المظلومين، بل أتذكر المظاهرات النسوية الكبيرة التي عمت مدن وقري جنوب أفريقيا، وأتذكر أيضا رفيق دربه وصاحبه في الكفاح وولتر سيسولو ذالك البطل الذي درى الشعب من بريق عيونه العزيمة والوثبة الرجولية الحقيقية، وتستحضرني مواقفه الخالدة حينما عُين أن يكون من يصل صوت الشعب المكبوت الى القارة السمراء من سويتو إلى القاهرة، والخطر التي تعرض لها حينما علم المستعمر رقم رحلته التي كانت سرية للغاية.

لقد عاني الرجال في جنوب افريقيا أبشع أنواع القهر والإذلال، وذاقو مهانة تأريحية كانت وسمة عار على جبين العالم في تلك الحقبة السوداء في سجلات تأريخ جنوب افريقيا، وتعرضت النساء إلى الإغتصاب الجماعي والمحاكم الهزلية والإنتهاكات الصارخة والإستعباد والنفي وكافة أنواع الإضطهاد والتعذيب.

تعددت مآثر الثورة وتاريخها الناصع وأبطالها الأشاوس، ومن القامات الوطنية التي لم يكتب أن يستظل تحت علم جنوب افريقيا الحرة رغم تخليد إسمه حينما أطلق أكبر مطار في افريقيا "مطار أوليفير تامبو في جوهانسبيرج" أوليفير تامبو، كان اليد اليمني والنائب المخلص لمنديلا، أوليفير كان صوت الشعب حينما يصاب الجميع بالذهول والخرص، وكان نجمة في سماء الوطن حينما يعم السواد والحلكة لليالي جنوب أفريقيا المتشابه المبلولة بالكآبة والضيم.

واصلت الثورة كفاحها نحو المجد والخلود، وسقط أصدقاء منديلا ورفقاء دربه كمهر للحرية، وتعرض الشبان لتصفيات جسدية وإهانات بالغة، والنساء للإغتصاب الجماعي، وبعد معاناة منها المحاكمات الهزلية والمطاردات الشهيرة في ويست كيب، نالت الجموع في جنوب افريقيا حريتها وعانقت كأس الحرية عام 94 للميلاد، ونالت خطبة منديلا الشهيرة إستحسان الجميع، وبات معشوق الجماهير وبنيت تماثيل مهولة في عواصم العالم التي كان بالأمس القريب مطلوبا لدى دوائرها القضائية كمجرم ومطلوب لدى عدالتهم الشوهاء.

إنها قصة شجن وكفاح طويل خاضها الشعب الجنوب الإفريقي بقيادة أبطال حقيقين إبتعدوا عن الظلم والفساد والمحاباة، ونادو بالوحدة والتكاتف ومبادئ العدالة والمساواة ودولة القانون بعدما أصبحوا قادة الدولة بعد الحرية، لم يهدروا وقتهم الثمين بدخول متاهات الإنتقام وسذاجة تشريح جثة التأريخ وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، بل أسسوا دولة تحترم المواطنة وتقدس الحياة وكرسوا حياتهم من أجل هدف سامي.. الحرية من الإستعباد والتحرر من العنجهية البغضاء وقيادة الدولة نحو الإزدهار والتطور في كافة المجالات مما جعل جنوب أفريقيا دولة رآئدة عالميا ومحليا.

Buugga "Geylame"

Maalin dhoweyd ayuu macallin Hassan Mohamud iisoo hadiyeeyay buuggiisa ugu danbeeyay ee Geylame, aniguna xil baan iska saaray inaan ugu mah...