النزاع، ينطلق
من كونه حالة تفاعل قائم على اللاتعايش بين فاعلين أو
أكثر، حالة من التناقض و عدم التطابق
في المصالح و الأهداف، قد تكون مصادر النزاع مادية (الموارد الطبيعية او الرقعة
الجغرافية)أو معنوية قيمية ( الإيديولوجيا أو الهوية مثلا).
·
في سعيها لتحقيق أمنها يدخل الأفراد و الجماعات
و الدول في حالات متعددة من النزاعات للحفاظ على استقرارها و القضاء على أي خطر أو
تهديد خارجي ، أي أنها تعمل على التحرر من التهديد (الأمن حسب باري بوزان / Barry BUZAN)، و هنا يكون النزاع
متعلق بفكرة الأمن و مقتضياته.
·
وضع اجتماعي ينشأ حين يسعى طرفان أو أكثر لتحقيق
أهداف متعاكسة أو غير متلائمة. ويمكن ملاحظة النزاع في العلاقات الدولية حيث يتجلى
على شكل الحرب – كتيجة يتم التهديد بها وكواقع فعلي، على حد سواء – وكسلوك في
المساومة يكاد يصل إلى مرحلة العنف (إبراهيم بولمكاحل- الإطار المفاهيمي لدراسة النزاعات الدولية).
ويمر النزاع بعدة مراحل وخطوات متعاقبة ومتنوعة تتسارع أو
تتباطئ حسب التوقيت الزمني والمكاني، وطبيعة العنف ومسبباته وبيئته، ومن أهم هذه
المراحل المتسلسة الحلقات:
v
بداية العنف
وإطلاق الشرارةالأولي
v
مرحلة النضج
فالمرحلة الأولي: من السهل معرفة مكامن العنف والنزاع
وتقدير المشاكل الناجمة عنه قبل أن يصل العنف الى ذروته والمشاكل الى عز شبابها، وفي
هذه المرحلة أيضا يحتاج الموقف الى إيجاد خبراء ومصلحين يشخصون المشاكل ويعرفون
مكمن الداء ويقترحون الآليات الأمثل لحلها أكثر من حاجته إلى عاطفيين يندبون
الحظ ويسكبون الدموع على اللبن المسكوب، أوإنتهازيين يركبون موجة العنف ويظهرون
للعامة الخير والإصلاح ويضمرون الشر والحسد والإصطياد من المياه العكرة،
ناهيك عن أناس يفبركون الحقائق ويزورون الأرقام بغية كبت صوت الحريه الصادح من أعماق
الشعب.
ومن السذاجة الإنشغال بالكلمات الجوفاء والإشارة الوهمية
والشعارات الفارغة التي لاتصب في مصلحة الشعب ولاتقرب الحلول، وتكثر في هذه
المرحلة الرعاع والغوغائئين الذين يملؤن العالم ضجيجا ونعيقا ويتصدرون في المجالس
رغم أنهم لايقترحون طرق سليمة وطريقة متبعة لتدارك الوضع المأزوم
.
وفي هذه المرحلة نستطيع إحتواء النزاع وتحجيم مشاكله وإكبات صوت الفتنة
بسهولة ويسر، لأن العنف مازال طريا وفي بداية التكوين وطور التجمع، ولم يتمرس الشعب
الأساليب الملتوية لتغذية العنف وإيطالة أمده، ولم ينتشر بعد في أوساط الشعب،
وخاصة في أوساط البسطاء والطبقات الكادحة التي يعتبر أنها الوقود الأولي التي تمد
العنف بالرجال والمال وتتبني العنف بغية التغيير وركوب الموجات الجديدة لتغيير
الواقع المؤلم التي تعيشها.
بل مازال النزاع محصورا بين طبقة قليلة من المستفيدين وتجار العنف،
ولازال معظمه فكريا أي لم يرتقي الى درجة أنعدام الثقة بين الأطراف، ولم يتطور الى
الأفعال، ولم ينخرط الأطراف في الحلول الدامية والإصطدام المباشر، وتتسم هذه المرحلة
بالخطورة الكبيرة إذا لم يتدارك الأمر لأنها تمهد مراحل أسوأ وأبشع كراثية منها، وهذا
يتطلب قراءة الواقع بدقة وشمولية وعمق من خلاله نرى الواقع بكل تفاصيله، والأشياء
بحجمها الطبيعية بعيدا عن القناعات الكاذبة والمكاييج المزيفة، كما يتطلب إستشراف المستقبل
بعيون واعية وفهم دقيق، والبحث الجدي للحلول الأمنية الأكثر نجاعة وإحتواء الأزمة
قبل فوات الأوان.
وإذا لم يتنبأ الخبراء أساس المشكلة ومكمن العلة، ولم يحاولوا
درأ المفاسد وإصلاح الحال وتغييره نحو الأفضل فإن الخطر القادم سوف يكون كارثيا بكل
المقاييس، ولا يترك العنف أي بيت أو طبقة أو فئة، بل يدخل في كل الأوساط والطبقات
وينتشر فيها كإنتشار الهشيم في النار ويكوى الجميع بناره المحرقة.
ويمكن أن يّقسم هذه المرحلة الى قسمين بداية الطور ونهايته، فنهاية
الطور تظهر المشكلة واضحة المعالم مكتملة الأركان متصلة الحلقات وتفرز واقعا جديدا
للحياة، ويدرك المجتمع أبعادها الحقيقية وتظهر الأطراف المستفيدة بوضوح في داخل
خريطة العنف، ويتألق صقورها ويتصدرون المجالس، ويظهر أيضا هذه المرحلة رواد الفكر
والمنظرين والمحللين الحقيقين ولو على شكل
غير لافت أو لايدرك عقل البسطاء بسهولة
.
أما المرحلة الثانية: إي بداية
الشرارة هي المرحلة الأسوأ على الإطلاق،! وهو
الطور الذي ينطلق فيه النزاع بصورة رهيبة وقاتمة، وتنشتر موجة العنف بشكل هندسي مروع،
حيث تطال المواجهة العنيفة وسلسلة الصراع الممتدة الحرث والنسل والبشر والحجر والتاريخ
وحتي الجغرافيا، وفي هذه المرحلة من الصعب أن تجد الحلول النافعة والآراء الناضجة
والأفكار الحاملة للصلح وإلغاء العنف، ولن تجد أصوات المصالحة آذنا صاغية وقلوبا واعية،
وتختفى دور العلماء والمصلحين وأصحاب المبادئ الوطنية، ويظهر دور السفاكين
والمهرجين أصحاب النوايا السيئة.
لأن جميع الأطراف منهمكون للعنف ومشغولون بإدارته، وواغلون في
إراقة الدم وسفكه ولعقه، ولايوجد عقل يحكم، أو حس وطني يقلل الخسائر، أومعرفة تقود
نحو حقن الدماء وإعلاء صوت الحق والمنطق بدل الرصاص والراجمات وقتل الأبرياء
وإغتصاب النساء.
وفي هذه المرحلة يسعي الجميع الى مص الدماء وإهدار الكرامة،
وتحويل الوطن إلى رماد وركام، وحسم العنف بالقوة وتغليب صوت الحروب على صوت
المصالحة، واستخدام القوة المفرطة لتغيير الخارطة أو لكسر إرادة الآخر، ويغيب فيها
صوت العقل، وتختفي الحلول الناجعة، ويتلبد الجو بغيوم الحقد والحسد والكراهية وحب الإبادة
والإنتقام وإبراز العضلات واغتيال الذات والعنف والعنف المضاد.
ومن العناوين الأبرز لهذه المرحلة الإعتماد الكلي على الفئوية،
والجهوية، ونعرات القبلية بدل الأمة والوطن، وفي خضم العنف وإختفاء القيم والأخلاق
السياسية تتلاشى الأصوات الوطنية وصيحات المصالحة وأصوات العقلاء لايسمع بسبب هدير
العنف وصيحات تجار الحروب، وفي أمواجه المتلاطة تختفي الدين، ويذهب الوازع بسكرة
الحروب ونشوة الإنتصارات الكاذبة، وتعلق الوطنية والمعاني السامية للوطن إلى سحيق
العنف، ولايظهر في الساحة إلا الركام والرصاص التي تزكم الأنوف والدماء والدموع والدمار.
والمرحلة الأخيرة: هي مرحلة النضج والوعي، حيث
أقتنعت الأطراف أن النزاع وصل الى طريق مسدود، وأن الجنوح نحو التصعيد المباشر ومواصلة
العنف لايجدي نفعا، وان الصراعات رغم أنها كانت متواصلة إلا أنها لم تحدث فرقا
يذكر في موازين القوى ومصادر القوة، ولم تخلق الحروب واقعا جديدا ولم ينتج عنه
غالب ولا مغلوب، بل الجميع دخلوا في أتون حرب لم يبق ولم يذر وجعل الجميع يندمون
على فعلتهم بعد أن كثرة المعاناة وعم التشريد والمجاعات وأنتشر الموت في كل بيت
وأزقة.
وفي هذه المرحلة أصاب الجميع الإرهاق الإقتصادي، والضعف العسكري،
والإحباط النفسي، والإنهاك البدني، والموت المنتشر في الطرقات، والقتل المروع الذي
ترك في النفوس آثارا سيئة وترسبات كريهة لا تمحوها النسيان، وفقد الجميع المساعدات
الخارجية والحماسة الداخلية، وسئمت الأطراف التي كانت تذكي الحروب وتساعد في
التوتر وتغذي الصراعات العبثية بين الجبهات المتصارعة على أطلال وطن لم يستطيعوا
ان يعيشوا فيه دون الخوف والرهبة والقوة والقتل ومصادرة الحقوق وإكبات صوت الحق
والحرية.
وتمتازهذه المرحلة أنهاهي المرحلة الأنسب للمصالحة والأجدر أن
ينخرط الجميع جلسات التفاوض ومؤتمرات التصالح، لأنهم سئموا من ركوب موجات العنف والعنف
المضاد، ورضخوا لأمر الواقع، ووصلوا إلى أبعد نقطة من الحلقة المفرغة التي تعيده
حيث بدأ، وقبلوا بصوت مسموع أن لاغالب ولامغلوب، وان لاصوت يعلوا فوق صوت المصالحة،
والوطن يسع للجميع أومن الأحسن أن تجد الجميع الأمن والآمان.
وفي هذه الفترة الجوهرية والحساسة في الصراعات تجد الحلول
والساعين لها أذنا صاغية وقلوبا واعية وإرادة حقيقة للخروج من عنق الزجاج والعودة
إلى السلم والأمن المفقود في ظل دوامة العنف التي لاتنتهي، وفي هذ الطور المصالحة والوساطة
لهما الصوت الأبرز، والدبلوماسية الصحيحة توجه هذه الطور نحو الأمن والإستقرار
ونحو دولة وطنية يعيش المواطنون في كنفها أسوياء.
وأخيرا ياترى أين نحن الآن بعد مرور أكثر من عقدين من الزمن من
أزمتنا العصية على الحلول؟