الثلاثاء، 28 أبريل 2015

النزاع ومراحله



النزاع، ينطلق من كونه حالة تفاعل قائم على اللاتعايش بين فاعلين أو أكثر، حالة من التناقض و عدم التطابق في المصالح و الأهداف، قد تكون مصادر النزاع مادية (الموارد الطبيعية او الرقعة الجغرافية)أو معنوية قيمية ( الإيديولوجيا أو الهوية مثلا).

·        في سعيها لتحقيق أمنها يدخل الأفراد و الجماعات و الدول في حالات متعددة من النزاعات للحفاظ على استقرارها و القضاء على أي خطر أو تهديد خارجي ،  أي أنها تعمل  على التحرر من التهديد (الأمن حسب باري بوزان / Barry BUZAN)، و هنا يكون النزاع متعلق بفكرة الأمن و مقتضياته.
·        وضع اجتماعي ينشأ حين يسعى طرفان أو أكثر لتحقيق أهداف متعاكسة أو غير متلائمة. ويمكن ملاحظة النزاع في العلاقات الدولية حيث يتجلى على شكل الحرب – كتيجة يتم التهديد بها وكواقع فعلي، على حد سواء – وكسلوك في المساومة يكاد يصل إلى مرحلة العنف (إبراهيم بولمكاحل- الإطار المفاهيمي لدراسة النزاعات الدولية).
ويمر النزاع بعدة مراحل وخطوات متعاقبة ومتنوعة تتسارع أو تتباطئ حسب التوقيت الزمني والمكاني، وطبيعة العنف ومسبباته وبيئته، ومن أهم هذه المراحل المتسلسة الحلقات:

v    المرحلة الكامنة (تكوين العنف(
v    بداية العنف وإطلاق الشرارةالأولي
v    مرحلة النضج
فالمرحلة الأولي: من السهل معرفة مكامن العنف والنزاع وتقدير المشاكل الناجمة عنه قبل أن يصل العنف الى ذروته والمشاكل الى عز شبابها، وفي هذه المرحلة أيضا يحتاج الموقف الى إيجاد خبراء ومصلحين يشخصون المشاكل ويعرفون مكمن الداء ويقترحون الآليات الأمثل لحلها أكثر من حاجته إلى عاطفيين يندبون الحظ ويسكبون الدموع على اللبن المسكوب، أوإنتهازيين يركبون موجة العنف ويظهرون للعامة الخير والإصلاح ويضمرون الشر والحسد والإصطياد من المياه العكرة، ناهيك عن أناس يفبركون الحقائق ويزورون الأرقام بغية كبت صوت الحريه الصادح من أعماق الشعب.

ومن السذاجة الإنشغال بالكلمات الجوفاء والإشارة الوهمية والشعارات الفارغة التي لاتصب في مصلحة الشعب ولاتقرب الحلول، وتكثر في هذه المرحلة الرعاع والغوغائئين الذين يملؤن العالم ضجيجا ونعيقا ويتصدرون في المجالس رغم أنهم لايقترحون طرق سليمة وطريقة متبعة لتدارك الوضع المأزوم 
.
وفي هذه المرحلة نستطيع إحتواء النزاع وتحجيم مشاكله وإكبات صوت الفتنة بسهولة ويسر، لأن العنف مازال طريا وفي بداية التكوين وطور التجمع، ولم يتمرس الشعب الأساليب الملتوية لتغذية العنف وإيطالة أمده، ولم ينتشر بعد في أوساط الشعب، وخاصة في أوساط البسطاء والطبقات الكادحة التي يعتبر أنها الوقود الأولي التي تمد العنف بالرجال والمال وتتبني العنف بغية التغيير وركوب الموجات الجديدة لتغيير الواقع المؤلم التي تعيشها.

بل مازال النزاع محصورا بين طبقة قليلة من المستفيدين وتجار العنف، ولازال معظمه فكريا أي لم يرتقي الى درجة أنعدام الثقة بين الأطراف، ولم يتطور الى الأفعال، ولم ينخرط الأطراف في الحلول الدامية والإصطدام المباشر، وتتسم هذه المرحلة بالخطورة الكبيرة إذا لم يتدارك الأمر لأنها تمهد مراحل أسوأ وأبشع كراثية منها، وهذا يتطلب قراءة الواقع بدقة وشمولية وعمق من خلاله نرى الواقع بكل تفاصيله، والأشياء بحجمها الطبيعية بعيدا عن القناعات الكاذبة والمكاييج المزيفة، كما يتطلب إستشراف المستقبل بعيون واعية وفهم دقيق، والبحث الجدي للحلول الأمنية الأكثر نجاعة وإحتواء الأزمة قبل فوات الأوان.

وإذا لم يتنبأ الخبراء أساس المشكلة ومكمن العلة، ولم يحاولوا درأ المفاسد وإصلاح الحال وتغييره نحو الأفضل فإن الخطر القادم سوف يكون كارثيا بكل المقاييس، ولا يترك العنف أي بيت أو طبقة أو فئة، بل يدخل في كل الأوساط والطبقات وينتشر فيها كإنتشار الهشيم في النار ويكوى الجميع بناره المحرقة.

ويمكن أن يّقسم هذه المرحلة الى قسمين بداية الطور ونهايته، فنهاية الطور تظهر المشكلة واضحة المعالم مكتملة الأركان متصلة الحلقات وتفرز واقعا جديدا للحياة، ويدرك المجتمع أبعادها الحقيقية وتظهر الأطراف المستفيدة بوضوح في داخل خريطة العنف، ويتألق صقورها ويتصدرون المجالس، ويظهر أيضا هذه المرحلة رواد الفكر والمنظرين والمحللين الحقيقين ولو على  شكل غير لافت أو لايدرك عقل البسطاء بسهولة

الخميس، 16 أبريل 2015

الرحيل نحو المجهول(6)



حضرت العمل في اليوم الأول مفعما بالأمل ومسرات الأحلام التي تحققت قبل أن تهرم، ورغم أن الدوام كان طويلا (12ساعة) متواصلة إلا أني كنت متفانيا ومخلصا للعمل، أعمل وأكدح وأتعب دون أن يثني التعب عزيمتي أو يكسر الإرهاق إرادتي، وكنت أشعر بحماسة شديدة كلما أسير نحو الهدف المرسوم في مخيلتي بدقة توازي دقة الحرمان والمعاناة التي عانيتها في حياتي، الإكتفاء الذاتي وبناء شخصيتي وحياتي الخاصة بعيدا عن الأهل والأقارب، وبؤس البطالة وحمرة الخجل التي تعتريني عندما أفتقد أبسط أنواع الإحتياجات لقصر اليد وصعوبة الحياة كانت أمنية تتسع كلما أنسج خيوط الأمل وحيدا في جزيرة الشقاء والكآبة، أو اسكب عرق الإجتهاد عاملا أو باحثا له، وكنت أدرك أنني أصنع التغيير من هذه الخطوات رغم بساطتها، وأرسم المستقبل، وأنسج خيط التقدم كل يوم.

كانت روح القيادة، والتفاني، والشعور بالحيوية، والجدية المطلقة، والحب الكبير للفريق العامل معي سمتي البارزة منذ أول اليوم بدأت العمل في الشركة، وساعدتني كثيرا التغابي عن الأخطاء الصغيرة ومشاركتي لأفراح العمال وأتراحهم، وكانت طبيعتي الهادئة، وشخصيتي المرحة ووجهي الذي لا تفارقه البسمة، ودماثة خلقي تخلق لي جوا مهيأ أينما حللت وتبؤات.

بعد ستة شهور ونصف من العمل المضني والكد والكفاح والسهر الليلي للتقدم نحو بناء شخصيتي، أصبحت رئيسا لقطاع مهم للشركة فزاد أرباح هذا القطاع الذي يعد شريان الشركة والرئة التي تتنفس منها بشكل مطرد ولافت للإنتباه، وكعادة الرفقاء والزملاء في العمل بقدر ما ملأ نجاحي قلوب بعض العاملين بالحب والتعلق والقدوة، فقد ملأ قلوب بعض الآخرين بالبغض والكراه حتي الموت، وحاول بعضهم النيل من شرفي وكرامتيّ، إنها الدنيا وتلك شجونها يعيش بها عات زنيم وطيب كما قال الشاعر قديما.

درتُ قطاعي بحنكة كبيرة وحكمة عالية، وبما أن التّجانس والتفاهم عنصر مهم جدا في جودة العمل وحتي الحياة إهتمت كثيرا روح التناغم والتنافس الشريف في داخل الفريق، ونميت إستشعار المسؤلية وروح الفريق الواحد في القطاع، حتي ساد بين أعضائه الإحترام وقبول فكرة الآخر والإبتعاد عن تجريح الذات والجدل البيزنطي والنقد إلا أن يكون بناء يصحح الأمور ويرقي العمل ويطور بئية العمل.

لم أكن من الرجال المسلطين على العاملين وممن يلقى ظهر العامل الكادح بأعباء ثقيلة، بل كنت شخصا يشعر المرأ بكنفه الراحة والهدؤء رغم أني قوي الشخصية ذكيا أعرف ما يدور في مخيلة العامل قبل النطق أو أكاد، وكنت أحمل همّ العمال أتفقد عن أحوالهم وأشارك في مناسباتهم وأتراحهم وأفراحهم بقدر ما يحفظ الخيط الرقيق بين المشاركة الحاملة للإحترام والمخالطة التي تجعلك ساذجا غوغائيا وضعيفا في عيون العمّال.
وبعد أن أصبحت رئيسا لقطاع مهم من الشركة العملاقة وكونت شبكة من العلاقة الممتدة بإمتداد المدينة، بدأ العمل يدر على أموالا لا باس بها، وارتفع راتبي إلى درجة كبيرة، وأصبحت حياتي هادئة مطمئنة تسير بخطى ثابتة نحو المجد والعلى، وتمشى على أكمل وجه ولا يوجد ما يكدر صفو حياتي إلا التوحد مع الألم والرواسب الماضية وبعض الخلجات التي تجتاحني بين حين وآخر.

على كنف العمل بدت حياتي وكأنها مستقرة، وخيّل إلى أن سفينة الحياة ألقت مراسيها بأمان على شاطئ السلامة، وأني خرجت سالما عن طوفان العطالة وأمواج البطالة العاتية، وأن نفسي ُحق لها أن تستريح بعد عناء الكفاح والسفر الطويل من أجل تأمين المستقبل، والمسيرة الشاقة نحو المجهول الذي كابدت فيها المتاعب وواجهت المصاعب الجمة.

الخميس، 9 أبريل 2015

صدى الأيام 4



في هذا الجو الملئ بالمحبة والود نشأت عنب كزهرة تفوح عنها ريح الجنان وأريج الشذا، أو كوردة نبتت على جنبات الغدير الصافي، كانت تتنقل بين الجمال والحياة المترعة بألق المحبة كفراشة السواقي حرة طليقة، تختار أطيب الكلام، وأجمل الثياب، وأحسن المعيشة، وأنبل الأصدقاء، ولم تكن الأسرة لتقول "لا" لكلمة خرجت من فم عنب مهما كانت، لأنها كانت رمانة الأسرة وبهجة البيت، تدخل السرور والفرحة في قلوب أهلها ومن عاش معها، وبمجرد رؤيتها تبتسم أو تقبل بوجهها الطلق وطلتها البهيّة ترتفع معدلات السعادة في قلوب محبيها.

وفي خلقتها هي فرعاء، وضاحة الوجه، جميلة، ومهذبة، ومرموقة بين أترابها وخلانها من الطلاب والفتيات اللآئي يعشن في هذا الحي الجميل الذي يعج بجميلات آسرات كعنقود الثريا يأسرن القلوب، ويبهرن اللب، ويذهبن العقل بجمالهن الآخاذ وغموض العذارى على تقاسيم وجوههن، وضحكاتهن الإستفزازية في الليالي القمراء.

كان المرح والحبور والساعات الجميلة التي تقضيها الأسرة على أجنحة الحب والأمل عنوان حياة هذه الأسرة السعيدة، ولم تكن تعرف أن الحياة ستتحول إلى كابوس مرعب، وتشرد مؤلم، واللجوء إلي الدول المجاورة بحثا عن أمان ركب على كف عفريت في وطنهم، أوحياة أفضل تذهب البؤس والشقاوة إلى الأبد، رغم أن الغربة مهما كانت جميلة ومتناغمة مع تطلعات المرأ هي مجموعة من اللواعج والتوحد مع الألم، وأشواق حارة إلى الوطن الذي نفر عنه إلى المجهول.

ولم تكن تعلم "عنب" أن الزمن سيدور دورته الطبيعية حتى تركب هذا الفتاة ذات الوجه البرئ، والملامح الصبيانية، والأحلام الأرجوانية، صهوة زورق صغير تحوم حوله الأسماك والقواقع وأنياب الموت يشق عباب البحر نحو الدفء والسلام المفقودة في وطنها، وأن الليالي القرمزية والسعادة الطافحة ستحل محلها ليالي مظلمة وصامتة وأياما حزينة كالجنائز.

لم تكن تتوقع مخيلة "عنب" التي تبحر في صفحة السماء الزرقاء بعد شفق المغيب أن تحدث تلك المآسي وهذه الفواجع، لأن الحياة في الوطن كانت جميلة هادئة، وتسير بوتيرة روتينية لاتتغير، أمن وطمانية في الشوارع والأزقات، وزحمة وإنهماك للعمل في المقرات الحكومية، وأسواق رائجة وتجارة ابحة، ودراسة وأساتذة أكفاء وطلاب في غاية الجمال والتهذيب في المدارس والمعاهد والجامعات، وحب وحنان ووئام في البيوت التي لم تعرف التشرذم، والموت الجماعي، وحياة النكد.

السيّاح يملؤن في كل مكان، والمناطق السياحية والأماكن الحيوية للوطن تعمل وكأنها خلية للنحل لا تهدأ، إلا أن جاء ذاك اليوم الذي غيّر مجرى التأريخ للأمة الصومالية وانتهى بسببه الأمن والدولة ومظاهر الحضارة والتمدن، وغاب الجمال الروحي، وتوارت عن الأنظار طبائع أصيلة وخصال حميدة لهذا الشعب الذي تحول بين ليلة وضحاها مجتمعا همجيا يحارب الجمال ويسعى نحو تدمير الحياة وإغتيال الآمال، وأمة بربرية تقتل الأرواح، وتسيطر الممتلكات، وتنهب كل شئ حتى الحجر والشجر، وتشوّه التأريخ وتمزق الجغرافيا، بعدما كانت أمة متصالحة مع نفسها ومع الأمم الأخرى.

ذات مساء مشحون بالأغاني الكلاسيكية الصادحة من راديو مقديشو، كانت عنب تشاهد التلفزيون المركون بدقة في غرفة والدها،كانت روائح السجار تفوح في كل مكان، والغرفة ملئية بقصاصات الورق المتناثرة في كل ركن وزاية، وأوراق مظروفة، وعدد مختلف من الجريدة الرسمية للدولة "نجمة أكتوبر" وهي الصحيفة الوحيدة الصادرة من مقديشو بعد أن ضيقت الحكومة الخناق على الصحافة بكل أنواعها وإنتمآتها.

Buugga "Geylame"

Maalin dhoweyd ayuu macallin Hassan Mohamud iisoo hadiyeeyay buuggiisa ugu danbeeyay ee Geylame, aniguna xil baan iska saaray inaan ugu mah...