الخميس، 24 ديسمبر 2015

حلم على أعتاب "الصومال الكبير" (3-3)


مآسي الغربة في داخل الوطن التأريخي لأجدادي لا تنتهي أبدا، وكلما أتذكر ساعات النهار الذابلة في تلك الأمسية من الصيف قبل الماضي تزداد مقتي للمحتل البغيض الذي جعل حياتنا صعبة وشاقة، وحوَّل رقعة أرضنا المترامية إلى كانتونات صغيرة متناحرة، ودويلات ضعيفة متصارعة تستقوي بالخارج، لقد حول الإستعمار نعمة الأرض إلى نقمة مرسومة على جبين كل صومالي يتنفس وتجري في عروقه دم ينبض بالعزة والكرامة وعدم نسيان الماضي.

كنت في مطار مدية عشقت إسمها منذ أن كنت في زمن الصبا وأيام المدرسة، حبها كان طيفا يسرى في داخلي وصدى ذكرها كان يتردد في قلبي منذ أن سمعت إسمها عن جدتي التي عاشت في ريعان شبابها في أحياء تلك المدينة الآسرة بجمالها الطبيعي وكاريزميتها الخاص ومكانتها المرموقة عند كل صومالي، بمرور الزمان وبروز إسمها في الساحة الصومالية أصبح إسمها اللامع يجذب الوجدان ويتداول بين الشعراء والأدباء والمناضلين وأعمدة التجارة في القطر الصومالي.

وصلت مطار المدينة وأنا أعزف أوتار المحبة وألحان الشوق، ولكن صُدمتُ عندما طلب مني موظف الجوازات، الجواز والتأشيرة كأني أجنبي جئت من أوراسيا أو قارة بعيدة كأقيانوسيا مثلاً في رحلة إستغرقت 20ساعة كاملة، قلت لمدير مكتب الجوازات في المطار: أنا جئت من مدينتي إلى مدينتي، وحسب علمي الرحلات الداخلية لا تتطلب جوازا ولا تأشيرة، وأنا أعتقد أنني مواطن وليست المدينة غريبة عني.

غضب المدير واكفهر وجهه وأحمرت وجنتاه وأخذ كلامي إلى الإحتمالات الخاطئة كعادة من يحملون عقولا فارغة ويصنعون من الحبة قبة، فقال وقد إنتفخت أوداجه بطريقة فيها كثير من الإستعلاء والسخافة: كلامك مستفز وأنت أجنبي جاء من دولة أجنبية، وإن كانت دولة مجاورة جغرافيا ووجدانيا عند بعض البشر فهي بعيدة عنا سياسيا،! قلت: أي دولة تتحدث؟ فقال أنت جئيت من الصومال؟ والصومال هي أبعد دولة مجاورة من حيث التعامل والتبادل التجاري؟ فقلت مستغربا: أعتقد أنك تتحدث عن شخص آخر ولا تقصد شخصيتي الجالسة أمامك بسمرتها وشحمها ولحمها.!  ماذا تتحدث ومن أين تأتي الغربة وأنا أول ما أصل إلى المدينة سأكون من بين سكانها وأختلط في أهلها ولا أشعر أي تمييز سواء كان دينيا أو لغويا أو روابط الدم والنسب، إذاً على أي أساس أكون أجنبيا؟.

كانت قصة مؤلمة جدا أن أشعر الغربة في أقرب مدينة إلى قلبي، أما عاصمة أخذتْ شكلا فرنكفونيا تقع في أقصى الشمال لوطني الكبير ورغم أني مكثت فيها عدة ساعات إلا أنها هي الأخرى كانت طاردة لكل الروابط التي نتحدث عنها كصوماليين في المناسبات، كان المواطنون الأروبيون وحتى الأجانب من الإفريقيين  يتمعتعون بمعاملة أحسن وأفضل مما كنت أجده أنا الصومالي الذي أتواصل مع الجميع لغتنا المشتركة، ورغم أنني أتفهم المخاوف التي ذكرها عمال المطار إلا أن التمييز أو النظرة الغير جيدة لكل ما هو صومالي كانت مؤلمة للغاية.

يطول التفكير ومعه يطول الليل والمأساة التي جعلت أمتي الصومالية أمة نصفها يعاني من التشريد والهجرات القسرية والموت في الغربة، والنصف الآخر يعاني من الموت الجماعي، والمجاعة، وهدر الكرامة، ومصادرة الحقوق والحريات في ظل دولة ضعيفة يقودها السراق ومافيا الحروب، ونظام فاسد لم يتركنا سوى الوعود الكاذبة والفقر المدقع والفساد المستشري في كافة أجهزة الدولة ومؤسسات الوطن.

في خبايا الماضي الفحيم تؤلمني الخلجات التي تنساب من نهر الضمير الملتهب فأتهرب إلى المسكنات الآنية، ومن وجع الحنين أسامر مع ملامح وأحلام طواها النسيان، وأصغوا عبر تليفوني المحمول إذاعة محلية تذيع أغاني وطنية للفرقة الموسيقة الصومالية وابَرِي (الشروق) كلمات تحمل بصمات الشعراء الكبار وأيقونة الشعر التحرري وأدبيات النضال في الصومال الكبير...

Waxay boqonta goysaa bahda wada jirkeedaa
Alla colaadi ba,anaa, ba,naa, alla colaadi ba,anaa
Badbaadiyo nabad ummadii kubaydaa
Bilic iyo ayaan lee bilic iyo ayaan lee

كلمات تحرك المشاعر وألحان راسخة في الوجدان الصومالي وصوت متفرد رسخ الجمال في الذاكرة الحية للأمة الصومالية عبر العصور من زمن القوة والزعامة إلى عصر الإنحطاط والإنهيار الأخلاقي، كم كانت الأغاني الصومالية الكلاسيكية لذيذة ومترعة بالمشاعر الوطنية الخالدة، وكم كان شعبي كبيرا في الأدب وفي الطرب وفي الرقصات الشعبية والألعاب الفلكورية ودولة القوافي، كما كان كبيرا في الفنون والحروب وحمل لواء الزعامة في منطقته التي تفور وتثور بالصراعات والحروب منذ القدم.

الاثنين، 14 ديسمبر 2015

حلم على أعتاب "الصومال الكبير" (2-3)

ذهب المجد وتوالت الأيام السوداء المتشابهة، و في عز مأساتنا وفي حقبة الزمن الظآمئ إلى الكرامة المفقودة، وإعادة المياه إلى مجاريها، وإستعادة الماضي لم نجد ما نتحدث عنه سوى التراجيديا والحنين إلى الماضي الفخيم " النوستالجيا"، وعندما إلتحم الأمل المنشود بالألم الذي نعاني منه حاولنا أن نحلم من جديد، أن نحلم  ونحن نغرد خارج السرب العالمي، أن نحلم ونحن لم نتمرس بعد أساليب القوة والدفاع وبناء القواعد الصلبة للنجاحات العسكرية والإستعدادات اللازمة للمعارك العنيفة التي ترسم مستقبل الأمم وتمهد لصعود أو هبوط القوى، أردنا أن نحلم ونحن في طور البناء والتشييد ففجرنا عصرا جديدا من النضال والكفاح المسلح، وكتبنا صفحة جديدة من المقاومة الشريفة والصراع مع أخطار الواقع الجديد الذي فرض علينا، ولكن ـ ومع الأسف ـ لم تتجاوز أحلامنا على عتبات لساننا وفوهة بندقيتنا البدآئية، وفي صدى أصواتنا المبحوحة، وفي طيات قصائدنا الملتهبة، وأشعارنا الثورية المؤلمة التي ترددها الحناجر الثائرة والمشاعر الجياشة في الميادين الصومالية المشبعة بالوطنية والتضحية.

لم نكترث تحذيرات القوى الخارجية، ومناشدات التكتلات السياسية، وصيحات الأحلاف القديمة للدول المجاورة التي نريد أن نشن عليها حربا ضروسا، والدول المجاورة  ( دول مسيحية تحارب من أجل إنتشار مبادئ النصرانية وتسعى للسيطرة على المنطقة وتحويلها إلى منطقة مسيحية بإمتياز، أو جعل المسيحية دين الغالبية العظمي من سكان القرن الإفريقي.)، ولم نعر إهتماما الضعف الواضح وقلة التجربة والمعين، ولم نجد من يقف إلى جانبنا بإعتبارات نعرفها جميعا، وبعد أن دخلنا غمار الحروب وأنتصرت إرادة الشعب الصومالي المناضل على غرور المحتل وكسرنا أرنبة أنفه في سابقة كانت الأولى من نوعها في إفريقيا، التي كان الجيش الإثيوبي يصول ويجول في ربوعها بعدما أطلق على نفسه بــ "أسد إفريقيا"، إستنجد العدوّ كالعادة أشقاءه في الدين والفكر أمثال كوبا والإتحاد السوفيتي وبعض الدول العربية كليبيا واليمن الجنوبي، ولا غرو فالتدخل المسيحي على المنطقة ليس جديدا، بل في زمن المجاهد الكبير أحمد جري إستنجد أباطرة الأحباش بقيادة ملكة هيلين مملكة بالبرتغال المسيحية بقيادة ملك مانويل.
وبسبب القوى الخارجية التي أثرت مجريات الحروب وحولت النصر إلى هزائم والنجاحات العسكرية إلى إخفاقات تغيرت مجريات الواقع، ووجدت إثيوبيا المحبطة إنتعاشا عسكريا وروحا جديدة تدب في أوصالها، فحدث مالم يكن في الحسبان الصومالي حكومة وشعبا، دول التحالف تمنح مهلة قصيرة للجيش الصومالي وتجبره على الإنسحاب، قصف مروع بقيادة الإتحاد السوفيتي للشعب وللجيش في الخطوط الأمامية، وهزيمة مدوية اتبعها إنسحاب عسكري غير منظم، وصرخات غير هادئة تصدح من هنا وهناك، وفلول الجيش المهزوم تسابق الريح، والأجساد المنهكة تنهشها الذئاب في الطرقات، وأمواجا من النازحين يهربون نحو الصومال، وخيرا إنهيار الدولة الصومالية وتلاشي النور القميئ الذي كان يبعث من نهاية النفق المظلم.

وبعد بداية الحروب الأهلية و إنهيار المظلة الكبيرة التي كان الشعب الصومالي يستظلها، وبعد تلاشي بصيص الأمال الذي كان يلوح في الأفق وإطفاء آخر جمرة من جمرات الندية والجدية في إعادة الأقاليم الغائية بدأت تتهاوى الأمنيات في قلب كل من يحمل هم الصومال الكبير نحو سحيق التلاشي، وأغتالت الأيادي القوية والأطماع الخارجية والضعف الداخلي  مطالب الشعب قبل أن تكتمل أركانها، وتحطمت الرغبات الحقيقة على جدار الواقع المكبل.

دخل الوطن متاهة سياسية وأخلاقية، وتخبط الجميع في عقر التيه، وطرأ على الحياة الصومالية أفعالا جديدة، وتفكيرا سلبيا تجاه الدين والدولة والحياة والوجود، وسيطر العنف والعنف المضاد و القبلية والجهل مفاصل الحياة وربوع الوطن، وجعلت الأفعال القبيحة والتصرفات العنجهية حياة الشعب جحيما لا يطاق. عصر من الفوضى والقسوة والإهمال، حياة قاتمة داكنة بلا بريق، ومستقبلا يركب في كف عفريت، ووطنا ينزف دما ودمارا، ومشاعرا تنتحر على أعتاب المعاناة والحرمان، وقصص المشردين واللآجئين والكادحين، وحكايات المنافي والمهجر ،وأحاديث الغرباء تنساب عن كل شبر وزاية، بل في كل ذرة من تراب العمورة، إضافة إلى كون أمتي أصبحت مثالا لكل ماهو قبيح، "الحروب والكوارث الطبيعة والصراعات العبثية والمجاعة والتزييف والهجرات كلها تعني  الصومال، وكلنا نعرف معنى ودلالات كلمة "الصوملة" .

توغلنا في الحروب ومص الدم ولعقه، وفي الممرات المعتمة من بلدنا تتصارع الميول، وتتصادم الإرادات، وتتقاطع المصالح في السياسة والإقتصاد والرغبات، وحول السلطة والثروة وسيطرة مفاصل الحياة ، وفي مثل هذه الأجواء القاتمة الحزن يستوطن القلوب ويترك بصماته المحبطة على النفوس، والآهات ترتفع بشكل دراماتيكي مخيف، والهروب إلى الحاضر الأكثر إيلاما من المستقبل يكون تنويما مغناطيسيا لا أكثر.

والتأملات الكثيرة للإيقاعات التأريخية والطبيعة والجغرافيا ومسيرة الماضي للحياة الصومالية لا تضفي للمشهد أية نكهة أو تفسيرا مقنعا للأحداث المتلاحقة والتطورات المتسارعة، والشخص الذي يحاول أن يحلل مالذي جعل الأمة الصومالية منكوبة وتآئهة؟ ومالذي سلك الأمة طريقا يدمي القلب وينهك العقل ويضعف القوة والإرادة؟ لا يصل إلى إجابة مقنعة،  بل يصل إلى طريق مسدود، وكل أسئلة تتفرع عنها عشرات الإستفهامات التي لا نملك لها إجابات.

سئمت الإستفهامات المتشعبة وعن الرحيل وكثرة التنقلات التي أتعبت جسدي وأرهقت نفسي التواقة إلى الإستراحة ولو لحظات عابرة على حياة عنوانها الترحال والمبيت في أدغال العالم وأحراشه، ولكن هاجمتني زرآئب من الذكريات القادمة صوب الأرياف والمدن والقرى والمستنقعات،  وبعض الذكريات تبقى عالقة على الأذهان وتبعث فينا الأتراح فتحول سكون الليالي إلى صخب، وعندما أتذكر تفاصيل ذاك اليوم الحار الذي توجهت إلى مدينة عريقة من مدن وطني الضائعة على الضفة الأخرى للحدود التي نسميه نحن خطا ًوهمياً لا أكثر ويسمونه خطا فاصلا بين دولتين وحدودا حقيقية، تعانقني سحابة من الكآبة وأشعر هزة قوية تصل إلى ملايين الدرجات بمقياس المشاعر والأحاسيس.

كنت غريبا في عقر بلدي أتذوق مرارة الحرمان والكآبة التي تكاد تقتلني في عز الليل وأنا أمشي هائما في الأزقات الحجرية المنقوشة بأسماء التراث والثقافة الصومالية التليدة، هنا يفوح عبير صومالي السمات قمحيّ الملامح، وهنا منابر تبكي ومآذن تحن، وزوايا تشتاق إلى أذكار الصوفية وترانيم العاشقين، وقلاع تذرف الدموع من أجل الأيام المتألقات، وهنا وضع مزري للماضي، وكيان قديم متصدع  تنطبق عليه كل صفات السخرية والإزدراء.

على متن طآئرة تخترق السحب وتطوي الأرض طويا كنت أتجه صوب مدينة تتعالي أبنيتها الترابية بين التلال والجبال، وتقع الطرف الجنوبي لشبه صحراء وطني التأريخي، إنتابتني قشعريرة تأتي من عمق التأريخ والتفكك الأرضي الذي أصاب أمتي إبان الفترة الكولونيالية التي قطعت وصال الوطن ومزقت شمل الشعب، تنهال علىّ التساؤلات وتهاجمني الهموم والإستفهامات التي لا أجد لها إجابة واضحة رغم مرور أكثر من نصف قرن منذ أن منح الإستعمار أجزاء بلدي إلى دول لم تجمعنا يوما أية روابط سواء كانت تأريخية، أو تراثية، أو دينية، أو لغوية، أو عرقية، أو حتى وجدانية !.

هبطت الطآئرة على مدرج المطار أو بالأحرى على مدرج فؤادي السارح بالأعشاب الصغيرة والأصوات الموسيقية للأغصان المتدلية عن الأشجار، نزلت من الطآئرة ونزلت معي الأحاسيس المدفونة في داخلي والذكريات القديمة والخواطر الملهبة، عَلَم مزركش بألوان متنوعة يرفرف فوق الجميع، ولغة إفريقية يتكلمها الجميع لم تكن تشبه لغتي ولم تكن مفهومة بالنسبة إلى بدوي صومالي لا يتقن لغة غير لغته الصومالية، إستنشقت هواء طلقا وعانقت الفضاء المفتوح إلى الجروح الزمنية العميقة، في هذه المدينة كل ما تبقى من إرث الماضي وتأريخ الأجداد هو اللغة الصومالية الجميلة، والهواء العذب، والفضاء الرحب، والسحنات المتشابهة بين  الموظفة الحكومية في هذا المطار وبين بائعات الشاي في سوق بَكاْرو، وسمرة قمحية تزينها الحجاب لصاحبة دكان كانت تجلس بهدوء عند الطرف الجنوبي لمدخل صالة الإنتظار.

الاثنين، 7 ديسمبر 2015

حلم على أعتاب "الصومال الكبير" (1-3)

في الماضي كان الحنين الدآئم إلى الأوطان والتغني بأمجاده ومآثره من سمات المغتربين الذين طوحهم الزمن إلى بلاد بعيدة يتكاثر فيها أوجاع الغربة، وألم المهجر، وزرآئب الذكريات الصاعدة في الأمسيات المبللة بالشوق والحنين، والسعادة الكامنة في الخيال المجسد في صورة وطن أحببناه رغم صعوبة الحياة وشظفها، أما اليوم فنحن نمارس الحنين ونتجرع كوؤس الشجن ونحن في عقر دارنا ومرابع أهلنا،  ويذيبنا الشوق ويقطع التحسر أكبادنا وتدب المعاناة في أجساد أحلامنا ونحن في عقر أوطان كانت بالأمس القريب ملكا لنا نترنم بحبها، وننظم القصائد لجمالها، ونضحي من أجلها المهج والأرواح، وقد آلت اليوم سياسيا إلى غير سكانها الأصليين، وأصبحتْ في أيدي الغريب رغم أننا مازلنا نعيش فوق تربتها نرعي الإبل، ونسرح الأبقار، وننظم الأشعار، ونمارس الحياة، ونطلق قهقهات مسائية موغلة في وجنات الصومالي الأصيل رغم القهر والمحن التي تثير في النفس كوامن التأوّه والحسرة الأبدية.

كنت أعتقد في صغري وأنا أختلس السمع وأصغى مساء إلى أحاديث الجدّات الطاعنات، وهمسات الشيوخ، وثرثرة النسوان، وسرديات الخالات في فناء بيتنا المتكيء على أهداب نهر شبيللي الخالد أن بلدي يمتد من تخوم مدينة مِينْجي في بلاد مُكامبا (Mukamba)وتحديدا يبدأ جنوبا من مدينة أُوكَاسِي الواقعة بين الجبال الإلتوايئة والغابات الشبه الصحرواية والمستنقعات المجاورة لنهر تانا، ليمتد شمالا حتي يصل إلى صحراء أبُخ، ومن رمال المحيط شرقا إلى هضاب الحبشة غربا مرورا بالمدن التأريخية التي سجلنا على جدرانها وأزقاتها وشوارعها أجمل القصص وأروع البطولات وأعذب الألحان.

وعندما كبرت وواجهت الحقيقة وأنتهت البرآءة والبهجة الطفولية على أعتاب الأحلام الأرجوانية، والتنقل هربا من لدغات الموت في مدن الحروب والأطلال والدمار، وأصوات الرصاص، وزخات المدافع، والهجرات الداخلية التي لا تنتهي، كانت الصدمة أن بلادي لا تتجاوز ثلث ما كنت أحلم به، وأن الثلث نفسه في طريقه إلى التلاشي والإبتعاد والإنفصال!، أحلامي تلاشت على وقع العنف والكيد السياسي والنفاق الإداري والتحلل الأخلاقي، وأصبح وطني الكبير ما بين أقاليم ترزح تحت الإحتلال الأسود ومنحها الإستعمار إلى دول لا تستحق، وأقاليم مستقلة شكلا ومستعمرة مضمونا، وتحولت بفعل الساسية الهمجية للأشقاء المتناحرين على جثة وطن حلبة صراع مكشوفة تتصارع فيها جميع القوى المحلية والخارجية.

تكثر الجروح المعنوية في جسدي الذي أنهكه إجهاض الأحلام قبل أن ترى النور، والغباء المختفي خلف أسوار البلاهة والممرات العابرة بين تحقيق الأماني وتبديد المطالب، والحقد الدفين في قلوب تجار الكوارث، وضمير أثرياء الحروب، ورغبات المهوسين بإراقة الدماء وإزهاق الأرواح وتمزيق الأجسام، وأتعبتني أغتيال الأمل في رحم الغيب، ورسَمتْ الليالي الطويلة التي مكثنا في أحضان المرارة والدمار كآبة موحشة على ملامح الجميع، وجعلت الوضع مؤسفا ومأساويا، أجيال مفصولة عن ماضيها ولا تعرف فصول تأريخها،أمة تهدم كيانها بعنجهيتها المقصودة، وتشوه تراثها بصراعاتها العبثية، وتساهم في تجزأة وطنها وتتباهي بطرب وخيلاء سذاجتها وجهلها.

وفي وسط أحلام معلقة بحبال الهواء تتحول همسات الخيال إلى صوت مسوع،  فأتجاوز على غير المعهود حدود الواقع إلى سحيق الزمن عبر آلة الزمن السريعة، ويجلدني الضمير، وتعذبني صفحات التأريخ الضائعة والتعبثر الجغرافي لأمة كانت تصول على ذرى التلال الخضراء وهامات الهضاب المترامية، وتتنسم بعظمة وإباء شذا الهواء الممزوج بأريج الكرامة وعبير الزهور التي تهب عن الحقول والغابات المتكاتفة، والفرق الكبير بين الماضي والحاضر يسبب لي وخزا في الضمير وحرقة في المشاعر، أمة كانت تجول وتسيطر على الشواطئ الخلابة لشرق إفريقيا تمرح إبلها وعصب حياتها في الفضاء الرحب دون خوف أو رهبة، وكانت تحمل لواء الفكر والأدب والحضارة ، وتملك تأريخا مرصعا بالملاحم والبطولات جعلت نفسها أضحوكة العالم وكتبت إسمها في أحلك صفحات التأريخ!.


ألم الذكريات شكّل صدى يتموج في خاطري، فبدأت أردد وأنا أجمع حروفي لأكتب كلماتي التي لا تليق بحزني شعر نزار قباني العظيم "هوامش على دفتر النكسة" لقد تبحّر الشاعر أمواجا لا ضفاف لها من الحزن وتأنيب الضمير وجلد الذات، وتعذّب  وهو يرى كيف سقطت العزة العربية والكرامة الإنسانية، وكيف إنهارت المروؤة والشهامة، وكيف إختفت النشوة والوطنية في الملفات العربية المنسية في الرفوف البالية.

أما أنا أتألم وأتقلب أحيانا على فراشي، وأحيانا على صفحة وطن مزقته الحروب، وأنهكته الصراعات، وقسمته الدول الإستعمارية إلى كيانات وأقاليم تابعة إلى دول لا تجمعه روابط الدم، ولا علاقة النسب، ولا أفق التأريخ والوجدان المشترك، أقف ناصية الليل الحالك وعبثا أحاول التعايش مع ألوان النكسة وأنواع النكبة دون أن أنظم القصائد، ولا أطلق عنان التفكير، أو أبوح ما يجول في خاطري لأحد، سواء عاش في ذهني أو عاش معي في تلك البقعة السابحة في داخل الظلام وسيول الذكريات الجارف.

كيف أستطيع أن أعيش هانئا وأنا  طريد  تحطمت أحلام عمره بين الخوف من المجهول  والترقب لمآلات وطن عاش حبه في دمي ولحمي وحروف لغتي وتعابير وجهي وسمرة ملامحي، لا أملك حق الدخول إلى وطني والعودة إلى مسقط رأسي دون تأشيرة العبور أو التسلل إلى المدن المعتمة، والقرى الصحراوية، والمستنقعات المتناثرة على ضفاف الأنهار وشواطئ المحيطات، وإن أردت ان أدخل بسلام إلى داخل مدن أجدادي ومرابع أهلي ومسارح آبايئ دون المرور إلى السلطات الحاكمة أو المحتلة عليّ أن أتحاشى عيون الشرطة، وأتهرب من الإعتقالات أو الإغتيالات، وسطوة حماة الحدود، أوأن أقفز فوق الأسلاك الشائكة والسياج المكهرب، إنها ماساة بكل المقاييس أن أكابد المشقة والخطر لأدخل إلى وطني التأريخي .

في ظلمة الفجر وفي خبايا الأمنيات القديمة يذكرني التمزق الجغرافي الذي أصاب وطني "الصومال الكبير" المقولة الشهيرة "التاريخ جغرافية متحركة". الأحداث التاريخية تتحرك في داخل أحاسيسي، والأطلال الساكنة في الذاكرة والأمجاد الغابرة تسبب غصة وحرقة لشخصيتي النضالية التي تحمل في جيناتها عظمة الآباء، وأنفة الأجداد، والإنتماء لخريطة تشمل جل المدن العامرة والقرى الوادعة في القرن الإفريقي.

الأجداد والأجيال السابقة الذين غيبهم الموت قبل المأساة التي حلت بالصوماليين بعد الحرب العالمية الثانية  نائمون تحت الأرض بهناء ويتوسدون ترابها وقد تكون في مخيلتهم البرزخية أن بلاد الصومال تعني القرن الإفريقي كله!، وبإستطاعة راعي الإبل أن يبيت في جَوهرْ صافي المزاج يتمايل على وقع أغاني الرعاة وأناشيد الحرية وشذرات المحبة، وفي باله قطيع من الإبل تركها عند خاله في مدينة وَجِيرْ قبل شهرين، وأن يطالع الأفق المدهش على مشارف جالكعيو في نهاية الإسبوع، ليشرب شاي العتمة في نهاية الشهر  عند بئر دُولّو التاريخي، ولا يستطيع من تجمد في المراقد قبل عدة قرون أن يدرك أن السهول التي كانت مسرحا للألعابهم الفلكورية، ورقصاتهم التقليدية، والأفنية الدافئة لأمسيات السمر  والأدب لم تعد تنتمي إلى أحفادهم، وأن الجبال والروابي الذين كانو يقفون على هاماتها في الأصيل تغيرت ملامحها وأسماؤها وتبدلت أوضاعها، وأن الأحفاد لم يستطيعوا أن يكونو من طينة الأباء العظام الذين صنعوا مجد الصومال بسنان رماحهم ،وصليل سيوفهم، وصهيل فرسانهم تارة، وتعاملهم الكريم وأخلاقهم الحسنة تارة أخرى.

كانت النجوم سقفهم والتربة الغبراء فراشهم عندما سكن الأجداد قبل آلاف السنين ما بين السهوب المحاذية للهضاب العالية والروابي المطلة على المحيط الهندي، وقد ملأت الألبان المحالب، والألحان على طبلة أذنهم بعد أن ترسب حب الجمال والطبيعة الرعوية على وجدانهم، وشكلت عدة مِهن عصب حياتهم كتربية المواشئ، والزراعة، والفروسية، والصيد، وركوب القوارب الراقصة على المياه، إنها شعار وطن إمتزجت فيه الأعراق وتلاقحت الحضارات على كهوفه الخازنة أخبار الماضي وأحداث التاريخ، واتحد الجمال مع الطبيعة العذراء فرسم لوحة فنية باذخة المعالم.

ذهب الماضي بلا رجعة وأصبح الحاضر ذابلا داهمه الهوان والأطلال الساكنة في الذاكرة، وتتحدث التاريخ العصري لأمتي إنكماشا رهيبا حدث على رقعتهم الجغرافية، وإنشطار أرضهم، وتفرق شملهم، وتمزق وحدتهم، وتجزأة مصيرهم، ومصادرة حرياتهم، وإنتهاك حقوقهم الإنسانية بإنتهاك مقدراتهم ونهب خيراتهم، وقتل أولادهم، و وأد أحلامهم، وتكريس التضعيف وزرع الهوان في نفوسهم مقابل مساعدات جبارة وبناء القدرات الدفاعية والتفوق العسكري والمالي لخصومهم.

في قبضة كل منا خلايا دافقة الحنين إلى المدن الوادعة بين أحزان السنين والحدود الرسمية عند المحتل والوهمية عند السكان الأصليين. كم باعدت هذه الحدود مُسنّة كبيرة ومراتع أهلها ومسارح حبها الأول، وبين كهل وذكرياته الصبيانة ونزواته الشبابية، وبين شيخ وماضيه المفعم بالذكريات الجميلة والأحداث المؤسفة والأيام التي عاشها في كنف أمة صومالية تتحدث عن الملاحم والبطولات والغارات التي تتجه نحو القبائل، وأخبار السيول والجفاف، وطبول النصر، وأنغام الحرية، وزغاريد العرآئس،  ومجالس الشعر، وتكايا الأدب، والعتمة قبل العشاء، وقرمزية الأصيل، وسحر الشروق.

الحدود التي تفصل بين الدول الأربعة الواقعة في القرن الإفريقي (كينيا، إثيوبيا، جييوتي، والصومال) تفصل أحلام أجيال وتأريخ أمة، وتعني تزييفا للحقائق، وإنفصالا تأريخيا، وتبشعا حدوديا، وتباينا ديمغرافيا بين الماضي والحاضر، لأنها باعدت بين أمة وأمنياتها المشروعة، وطمست هويتها، وقطعت آمالها، وزوّرت تأريخها، وقامت الحدود المصطنعة بليّ عنق الحقائق، وتجاهل تام للإرادة الصومالية، وتفريط في الحقوق، وتنازل عن ميادين الأحداث، وساحات التأريخ، وإهدائها إلى أمم وشعوب لم تحلم يوما أن تستطيع مصارعة الصوماليين ومقاومتهم ناهيك عن إحتلال أوطانهم وهيمنة مقدراتهم.


الثلاثاء، 10 نوفمبر 2015

صدى الأيام (7)

   في هذه الأجواء المخنوقة والحالة السيئة للوطن قامت القوات المسلحة الصومالية مساء الثلاثاء 21 أكتوبر عام 1969م إنقلابا عسكريا وصف بأنه "أبيض "، ولم يرق فيه دما صوماليا بسبب تواطؤ أو توافق معظم القادة العسكريين على الإنقلاب، إضافة إلى الشعب الذي سئم من السياسة الهمجية للقادة المدنيين، والفساد والرشوة والجهوية التي وصلت إلى أوج عزها إبان حكمهم، ولا ننسى أن مقتل الرئيس في شمال الوطن وعلى يد شرطي صومالي أحدث إرباكا سياسيا كبيرا وفراغا دستوريا وأطماع شخصيات غير وطنية برزت إلى السطح مما منح للخارطة السياسية حالة من التعقيد والتأزم وعدم التوازن ربما تؤدي ــــ إن لم يتم تداركها ـــ إلى عواقب وخيمة تقود البلاد والعبادة إلى متاهات كان الجميع في غنى عنها.

ورغم الإنتكاسات العسكرية والهزائم النفسية والمحسوبية التي أصبحت عنوانا لافتا في آخر ايام  المرحلة العسكرية، ورغم التحولات الكثيرة التي طرأت على الحياة السياسية والمعيشية، والتوجهات الفكرية والسلوكية الجديدة التي أجبر النظام على الشعب الصومالي التبني عليه في فترة الزهو والغطرسة، إلا أن الشعب الصومالي عمته موجة من الإرتياح النفسي وتنفس الجميع الصعداء عندما استلم الجيش حكم البلاد ومقاليد الوطن، ولأن الجيش كان مؤسسة نزيهة في نظر الجميع ونالت إعجاب الشعب الصومالي تضاعفت الفرحة والإستبشار وأيقن الشعب في غمرة سرحانه أن ليل البؤس والشقاء والفساد والقبلية ولّى وانتهى، وسيبدأ فجر جديد يحمل إلى الشعب المنكوب تباريح التقدم وضياء الحق ونور العدالة ونضارة الدولة وألق المعيشة.

وفي ظل نشوة التفاؤل بدأ ترمومتر الأمل يرتفع ومنسوب الأحلام تتصاعد إلى الأعلى، وبدأ الشعب يهلل وينظم الأشعار ويطلق دولة القوافي من أجل القيادة الجديدة التي عزفت منذ الوهلة الأولى على وتر الوطنية وألحان الحماسة وشعارات التقدم وإعادة اللحمة الوطنية وتوحيد أجزاء الصومال الكبير وتعزيز مكانةالقومية الصومالية لدى الشعوب المجاورة وغير المجاورة، وهذه العوامل كانت أشواقا إنتظرها الشعب على مضض بعدما  عاني من ويلات الفساد والتقسيم ووأد الأحلام والنكبات المتلاحقة منذ إحتلال الأحباش العاصمة التأريخية للقومية الصومالية "هرر" عام 1887م، ووجود قادة مدنيين نخرهم الفساد وكبلتهم القبلية على رأس الهرم السياسي الصومالي.

في بداية  حكم العسكر الذي إمتد 21 عاما كان كل شئ يسير بطريقة إيجابية ممزوجة بروح وطنية عالية ولمسات صومالية واضحة، وحماسة منقطعة النظير لشعب يحمل في جيناته أطنانا من الحماسة وألوانا من المشاعر الجياشة، وإرتفعت ثقة الشعب للدولة الصومالية الحديثة التي بدأت إصلاحات جذرية في هياكل الدولة و المؤسسات الحكومية، أممت المنشآت العامة وصوملة المصانع الكبيرة التي كانت باقية في أيدي المحتل وبثت روح الوطنية على النفوس وأحدثت مشاريعا عملاقة بنيت بمبادرات وطنية وجهد صومالي خالص تحت شعار "إعتمد على نفسك" الذي كان شعار الجميع في بداية الثورة العسكرية، وغيرت الثورة وقادتها الإصطلاحات الوطنية والمفاهيم الفضفاضة للقضايا الساخنة والمصيرية من مصطلحات مبهمة دبلوماسية إلى كلمات مفهومة ذات دلالات واضحة ونكهة وطنية وواقعا ملموسا، وأصبح الشعب يرى من خلال ثورة الجنود أحلاما تحققت وأمنيات أصبحت واقعا معاشا رغم أنها كانت في أمس القريب طويلة وبعيدة في نظرهم.

وأسس الثوار حكومة قوية وبنية تحتية لم تعرف الأمة قبلها ولا بعدها، وعمّروا الأرض وبنو المصانع وعبدوا الطرقات، ووفروا التعليم والصحة، ببناء المستشفيات والمدارس والجامعات والكليات، ورفعوا جاهزية الجيش وإمكانياته حتي بات من أقوى الجيوش محليا وإفريقيا، وقامو بنهضة عظيمة في جميع أنحاء الصومال، وكتبوا اللغة الصومالية وإن كان إختيارهم للحرف اللاتيني إختيارا غير موفق لأنه يبعد الشعب الصومالي العربي المسلم عن جذوره التأريخية وإنتمائه الإسلامي والعربي.

السبت، 24 أكتوبر 2015

مقديشو.. وهمسات الليالي


في ليل خريفي تضوع بالجمال والخيال الفانتازي كنت أصعد على أجنحة الآمال ذرى النجوم المتلألئة، وأتمعن إطلالة القمر الذي يبعث ضوءا قميئا على أحياء مقديشو وحاراتها وأزقاتها الترابية ومقاهيها القديمة، وأحاديث المقاهي على وقع أوتار  تراثنا الغنائي المتفرد مكتوبة على أرصفة الزمان وذاكرة الإنسان الصومالي. ليل يتهادى على كتف الظلام وصمت رهيب وسكون مشوب بالخلجات الإنسانية الطبيعية في غسق الدجى أثار مزاجي، ومسرى الظلام الذي نثر  أوشحة الليل على أرجاء مقديشو التي بدأت تتزين بالبهاء وتستعيد هيبتها وأيامها الماضي ومكانتها المرموقة بين العواصم العالمية حرك مشاعري تجاه عبير الكلمات والشجن المخيم في الألفاظ وصدى الحروف.
ومضات الأحلام المتدفقة من جدآئل الروح  وشجى الليالي الذي لا يرحم على أحد، والنسيم الذي يهب صوب المحيط محملا عطرا مميزا واللوحة التشكيلية الرآئعة في أهداب السماء أثارت في روحي كوامن العشق والهوى لشخصية فريدة ذات سحر عميق في نفسي منذ أن أصبح حبها سر بلائي ونقطة ضعفي، وكنت أتذكر وأنا أصغى إلى همس الدجى وحفيف الأوراق أبيات الشاعر التونسي الكبير  أبوالقاسم الشابي: (أيها الحب أنت سرُ بلائي)!،ماذا عساه أن يقول لو داهمته لواعج الحب والدمعات المسكوبة عن مآقي العشاق تحت قبة ليل كئيب في مدينة خاملة الذكر تقع على أرنبة أنف قارة إفريقيا ولها إشراق مهيب وأصيل يذيب الضياء.
كنت سارحا مع الخيال ونفض الغبار عن الأحلام، وأتأمل على جبين المدينة التي تعاني من القهر والإذلال وتشويه ما تبقى من معالمها بالهدم والبيع لجهات أجنبية وبثمن بخس!، وفي عز  التفكير والتأمل أتبحر في دروب الليل الموحش، وتنتابني موجات من الإيماءت الخفية تخترق جيوب الليل وهي متدفقة من روابي مدينة تكاتفت السباع البشرية والأمراض السياسية بين مناطقها وأزقات أحيائها، وتضوع هوائها بأريج الدماء القانية التي تفور من أوردة الضحايا وشرايين الشعب وعروق الوطن وأجساد البسطاء وأعضاء الكادحين، والنفوس التي تزهق من أجسام من لا يعرف مهنة أخرى غير مهنة البارود والتعرض للأخطار بسبب هزيمة الأقدار ونسف بيوت المجاعة وهدم ممتلكات الفاقة ومصادرة أغراضها وأعراضها.
أتجول على الأحياء القديمة للعاصمة مقديشو، البيوت مهدمة، والطرق مكسرة وكانها خنادق لمنافي الألم، والوجوه شاحبة، و رغم هول الدمار والأكوام المتراكمة في أحضان المرامرة والعنف مازالت الحياة نابضة بشدو الطفولة وشذرات من ألحان موسيقى بهيجة تتعالى من الأكشاش والراديو العتيق المتدلي عند فوانيس بائعات القات في شوارع مقديشو التي حفرتها الحروب وأثرتها السيول وغمرتها الصراعات الدآئرة فيها منذ عقدين من الزمن.
هنا خيوط وحكاية تشابكت وتتابعت فصول معاناتها ونضارتها!، وفي مقديشو الجمال لا ينتهي أبدأ!... تتكسر زرقة البحر فوق جناح الليل في جو خريفي مشوب برذاذ المطر ووقع ترانيم صوفية تصدح من المساجد العتيقة والزوايا القديمة والمزارات الموغلة في القدم لعاصمة تحتضن مئآت الأماكن الأثرية والمساجد التاريخية التي تؤرخ قدم الحضارة الإسلامية في شرق أفريقيا وأعتناق الشعوب الشرق الإفريقية إلى الدين الإسلامي منذ فجر التاريخ وقبل أن يصل الإسلام مدنا كثيرة من الجزيرة العربية مهبط الوحي ومأوى الرسول الكريم صلى الله علية وسلم.
في مدينة مترعة الشحوب تحضر أوتار مَغُول وشذراتها العذبة في حنجرة التاريخ، وأغاني الصومال وطبولها وسحرها تأتي من شرخ الليل فتصفى الوجدان وتمنحنا لحظات من التحرر. وإذا أطلقت عنان روحك فوق مقديشو سترى طيورا صادحة فوق تمثال حواء تاكو الشامخ على كتف مقديشو، ووزيرا فاسدا بثياب الشرفاء، وعجوزة مسنة بريق عيونها تنسيك الألم، وجماعات من الطلاب يغدون للمدارس والمعاهد والجماعات، وطفلا شريدا يتوسد سهوب الغسق ويستيقظ بتخمة الصباح وضوء الفجر الساطع، وحكومة غير فعالة لايخاف من سطوتها أحد، وفوضى المدن المشحونة برآئحة الإنفجارات والإغتيالات السياسية، ونقاط التفتيش، ومتاريس الإسمنت، وصخب المدافع، وكثرة التشكيلات العسكرية، والضعفاء الذين يتقلبون فوق حصير الألم وهم يستظلون السماء ويفترشون الغبراء.
وأشواق تعبث بالروح وتلامس النفوس التواقة إلى دولة صومالية قوية وحياة متعددة الألوان والأذواق، ومتحدث ذلق اللسان يطلق عنان لسانه فينسي الجميع كل المآسي والملاحم والمناصب، وموانئ ترسوا عليها السفن المحملة بالبضائع وجميع متطلبات الحياة، ومدينة متخمة بشتى أنواع الخيرات ورغم ذلك تذبل فيها أزهار البرآءة ورحيق البهجة، ويموت فيها يوميا ملائكة بلا أجنحة بسبب الهزال وسوء التغذية والإهمال الطبي وكثرة الحوادث وإستمرارية القتال، و تجفيف ينابيع الطفولة الطرية بالأعمال الشاقة والتجنيد الإجباري.
الشعب يصارع مع أعباء الحياة ولا يبالي، والأغنياء يمارسون مباهج الحياة ويتذمرون كثرة الموز في الموائد ويعيشون حياة باذخة البريق، والفقراء يتكاثرون هندسيا و يمارسون مواجع الحياة، الفساد عاري بلا طلاء، والرشوة بادية بلا خفاء، والخوف ظاهر بلا عناء، والوزارات خاوية بلا حياة، والأقنعة شفافة تفضح أكثر مما تستر، ومخاوف أمنية وخروقات سياسية ومؤتمرات مصيرية ومباني شاهقة، ومدارس متنوعة ومظلات أهلية مختلفة وجامعات تنافس البيوت كثرة رغم ردآءت خدماتها، وإقتصاد بدأ ينعش حسب التقريرات الأممية ومغتربين يتحدثون عن سحر الأمكنة في بلاد الغرب وزيارات تأريخية صوب الأمكنة الخلابة والمتاحف العالمية والمناطق الأثرية رغم أنه في المهجر كان لاجئا يتقاضى أموالا من خزينة الدولة لأنه فقير معدم، وكان يختار الدول بسبب ميزاتها تجاه اللاجئين والمشردين الذين يبحثون عن الحياة في أوكار الموت ومخالب الردى .
تعبت وتحملت عوادي الزمن والخيال الجامح الذي يأخذني إلى مرافئ الحياة بعيدا عن الحرمان والألم وهمسات الدجى الحزينة، وبعد رشف شاي العتمة أصغى إلى الأخبار المتناقلة والنشرات الأخبارية التي تتحدث عن الجفاف وأخبار السيول ومدنا سوف تغمر، وقرى كاملة ستكون في عداد المفقودين، والمدن ستتحول إلى بحيرات، والشوارع إلى ترع وجداول يستخدم فيها الإنسان الزوارق السريعة لعبورها!، وفي عز الذهول والشفقة لهذا الشعب المغلوب أتساءل ما مصير أمة يقودها الأشباح ويسيسها من لم تصادفه الوطنية والعدل والشفقة في دروب عمره المديد.
يتعالي الأنين وتصدح الآهات في ليل مظلم وصامت، وتتلاطم على شواطئ مقديشو موجات الأيام القادمة الحاملة بالمفاجآءت مع صخور السنوات الصلدة التي تركت على جبينها بصمات واضحة من العنف والجنوح نحو الدمار والدموع، قادة بلا عقائد، وساسة تعاني من المراهقة السياسية وتغرق في الشبر الأول من المشكلة الصومالية، وشعب بلا طموح فقد تقته بالنفس فأصبح حملا وديعا لا يتكلم ولا يتألم ولا ينفض، ووطن حباه الله خيرات طافحة وطبيعة خلابة يختفى من الخارطة السياسية رويدا رويدا ودون أن يشعر به الأغبياء، وساسة تجيد الرقص على الرماد وتخدير العقول وفن التحكم بالبشر عبر تغذية صراعات الميول وشبق الشهوة وجنوح الغرائز الفاسدة في طبيعة الشخصية الصومالية التي فقدت القيم والأخلاق أثناء مسيرتهم الطويلة ليلا خانقا يقف على وجه الحياة.
في ظلمة الحروب وفي الممر الرئيس بين الحياة والموت يتبادر إلى الذاكرة الجماعية للشعب هل نحن نمارس الحياة الحقيقية بكل تجلياتها ومعانيها؟ يستغرب مجموعة من الخلان يتقاسمون أطراف الحديث من الأسئلة المحيرة، تتململ فئة ويتجهم أخري، تختنق العبرات وتترقرق الدموع على مآقي بعض القوم فيصرخ أحدهم على وجه الزمن ويهتف هاتف من بعيد" الحياة التي لا يتحقق فيها شيء ولا يتم فيها إبداع أي شيء هو عمر يتبدد وزمن ضائع"!، يتصدر على المجلس وجه كئيب يحمل جبينه ملامح حقبة البوس والشقاء أو بالأحرى يتربع على قمة كومة من الدمار فيتكلم بعنجهية مقصودة: هذا كلام فلسفة وهرطقة الغوغائئين ومن يحملون قلبا مرهفا وأحاسيسا رومانسية مكثفة بالحنين.
لقد أبدعنا ألف طريقة وطريقة للهدم والقتل والتشريد والهجرات الخارجية والتزييف والربح السريع دون أن يدري أحد، لقد سرقنا الماضي وشوهنا الحاضر واستعدنا لإلحاق الضرر بالمستقبل الذي بدا يقرع الأبواب بطريقة غير تقليدية تزرع الخوف في قلوبنا، بعنا كل ممتلكات الدولة وأعطينا بعضها كهدايا لأشقائنا الأوروبيين وأصدقائنا الأمريكيين ودول الجوار الذين تعلو ضحكة صافية على تقاسيم وجوهنا برؤيتهم والتلذذ برونق حكايتهم وجميل أوامرهم وصرامة قرارهم وهيمنتهم على كل شيء في دولة كنا يوما من الأيام سادتها الحقيقيين.
لقد أسسنا حياة مؤلمة كوجع الأسنان في منافئ الألم والمدن الظامئة وسديم الغربة، وفتحنا الأبواب الإقتصادية لشركات السلاح ومقاولي الصراعات ومثيري الشغب والحروب وتجار المخدرات، لم نعد نتذكر الصبا والأطلال القديمة والأيام الخوالي، ولم نعد نستجمم على الأجواء الخلابة والسواحل الحريرية وملامح الضامرات سمرة وجمالا، ولم يعد الأصيل بقرمزيته يثير شوقي وشجني، وروعة الشروق باتت شهابا ذاب في قلوب الفضاء، لقد سرقنا الحجر والشجر قبل البشر، بصقنا على وجه التاريخ ومزقنا الجغرافيا ومنحنا التربة والمحيطات لدول كانت غريبة فأصبحت عزيزة تعاني من كبوة إقتصادية وهذا كرمنا الفياض وحسن جوارنا ونظرتنا الثاقبة للأشياء وإيماننا العميق على تقاسم السلطة والثروة للأجانب وتهميش وإقصاء المواطنين من الحياة والعملية السياسية برمتها.
بأفعالنا الشنيعة تحولت مقديشو من عروس المحيط إلى عجوز المحيط، جعلنا المحيط مزبلة عالمية للنفايات السامة ومكانا يضم مخلفات العالم ومخزنا إستراتيجيا للقمامة الشركات الكبيرة العابرة للقارات، لقد زرعنا في قلوب الشعب خلايا تلتهم الأشياء وتقتل الأفكار وتغتال النخوة وتدمر الوطنية وتنمي الحقد والحسد وتزرع الإنفصال والتشظي والتحزب والجهوية والمحسوبية البغيضة.
و" الحياة توتر مستمر بين ما هو كائن وما ينبغى أن يكون" وهذه مشكلة الحياة التي لم يستطع احد حلها منذ الأزل لذا اخذت المبدأ الفلسفي المشهور" لقد أبحرت بنا السفينة وليس في وسعن سوى أن نمضي " أن نمضى مع واقعنا وأن نستمتع مع الإبتسامات العريضة للقادة والعنجهية البغيضة للحركات التآئهة، وإستبداد السياسيين، وأن نتذكر ونحن نعدد مساوي الضعف وعدم التحكم وهشاشة النظام والترهل الذي أصاب مفاصل الدولة وأجهزتها، السلطات الإستعمارية وتسلط الأنظمة البائدة وتكميمها أفواه الشعب قبل أن تصل الدولة مرحلة الإنهيار التي هي المرحلة الأخيرة من الفشل والإستسلام، يجب أن نثمن المجهودات الجبارة والنقلة النوعية من دولة منهارة إلى دولة هشة ولم يتحقق هذه النقلة النوعية إلا بعد التبذير  وإختلاس الأموال العامة وغسل الأموال، وبسبب السفريات الكثيرة والمبيت في الأبراج العاجية، والفنادق البعيدة عن صخب مقديشو وضجيجها، والفاشلين الذين يجلسون في كل بقعة وزاوية يحللون الأوضاع ويسبرون غور الحكومة والهئيات الأجنبية دون أن يحاولو تقويمها بطرق أكثر فاعلية.
وأعلم يا صاح أن تجارة البشر عمل رآئج مضمون العواقب، ونهب الخيرات أقصر طريقة لملء البطون والوصول إلى أعلى الهرم السياسي الصومالي، وليكن المال الفاسد والرشوة والجهوية وكل عامل يبعدك عن العدل والإنصاف والوطنية سلاحك الفتاك، والخطاب الرومانسي يجب أن يسود، وأن نترك الإعتماد على جدران الوهم والتشبث بالمبادئ العتيقة التي عفى عليها الزمن.
إهتز جسدي مذهولا ومستغربا، فحاولت نسيان القصة وكلمات الشبح القادم من عمق الأحلام الكريهة ولكن الحكايات المؤلمة تجعل ليلي صامتا ومبلولا بالحكاوي الموجعة، وتطرد النعاس فيقضي الجسد ليله ساهرا يناجي أطياف الأحداث الحاملة ألوان الماضي وأخبار الأيام ودموع القلوب الكسيرة.

الجمعة، 28 أغسطس 2015

صدى الأيام (6)

في وسط شهوة التسلط ونشوة الدمار  بدت الحقيقة كالسراب في وسط المراتع الظامئة، الجموع الصومالية تآئهة ولا تدري ماذا يجري وأين المخرج!، وبلهاء السياسة تحرق البلد من أقصاه إلى أقصاه، والمليشيات المسلحة تنشر الرعب والخوف وتنهب الممتلكات وتسرق الغالي والثمين وتزهق الأرواح بدم بارد، والملامح البرئية للوجوه التي تشبه القصائد تحولت إلى سمرة شاحبة، وأهازيج القرى الصومالية وألحانها الخالدة تغيرت إلى هدير للرصاص وزخات للمدافع وصراخ لبكاء الثكالي، وأنين للجرحى ودموع تقطر من عيني حزين، و أشلاء متناثرة للأجساد التي إلتهمتها القنابل ومزقتها الراجمات.

بدأت موجات النزوح وبشكل علني وواضح،! شاحنات مكتظة بالنساء والأطفال والشيوخ تخرج إلى جميع الجهات والأصقاع تنشدن الأمن وتبحثن السلامة، وتحولت الأحياء والمدن الصومالية إلى مغارات للصوص القبلية وقلاع لمصاصي الدماء وباحثي ضحايا الحروب الأهلية والصراعات العبثية للشعب الصومالي الذي يتقاسم أفراده البسمة قبل اللقمة، والنسب والدم قبل الإنتماء والدولة والقطر الجغرافي.

الحزب الحاكم والقادة العليا للدولة العسكرية تحاول الصمود ضد ضربات القوات المتحالفة والمعارضة المسلحة التي تبتلع الأراضي والأقاليم بسرعة جنونية لم يكن أحد يتوقعها، وسخرت الحكومة العسكرية أموال الدولة ومقدرات الشعب لدفاع هيكله وتأمين كيانه المتهلهل والمترنح بسبب العواصف السياسية والتجوية القبيلة وضربات المتمردين.

في الليل وحين يعود الوالد إلى المنزل كانت المكالمات الهاتفية تأتي من كل حدب وصوب كالرياح في أيام العواصف، ، وكان يتكلم بتشنج وحدّة، يضحك بهستيريا ويمازج بين الفكرة الجميلة، والرأي السديد، والحس الإنساني، وصخب الجمل والتعابير، ولكمات موجه للطاولة وربما للجدران المواجهة، ومرات كان يتكلم بصوت هادئ يحلل الوقائع، ويقدم الإقتراحات، ويعرض الحلول الممكنة للطرف الثاني للمكالمة الذي كان مجهولا بالنسبة لعنب .

كانت طيلةساعات اليوم بالنسبة لإبراهيم ساعات دوام ولحظات متتالية لهدير العمل، سواء كان في بيته وبين عياله وأسرته، أو بين الدوائر الحكومية ومقرات العليا للقيادة العسكرية أو السياسية، أو أجهزة أمن الدولة التي كان تباشر أعمال القمع والتصفيات الجسدية والنفسية للمعارضة المسلحة أو الأبرياء العزل على السواء، لأنه عندما تفقد الحكومة أعصابها الباردة وضاعت بوصلتها وفُقد الأمن والأخلاق يستوى الجلاد والضحية،! ولا يفرق بين برئ ومجرم، ولا بين مذنب ومواطن صالح لا يتعدى همه قوت عياله والمصارعة مع أعباء الحياة وصعوبة إيجاد لقمة عيش كريمة.

كان إبراهيم  كادرا من كوادر الدولة وضابطا رفيع المستوى من الحزب الحاكم أو قادة ثورة أكتوبر رغم أنه كان في الصف الثالث، إي من أصغر الضباط الذين إستولو على الحكم وقادو الإنقلاب العسكري صبيحة يوم 21 أكتوبر عام 1960م، في تلك الفترة كان ضابطا صغيرا وهامشيا جاء من الشرطة وخاصة من إقليم جوبا العليا الذي أحيل إليه بعدما رجع من العراق الذي أمضى فيه سنتين ونصف من التدريبات الشاقة ومثلها قضى في الإتحاد السوفيتي يتدرب على القيادة وتنمية مهاراته التنظيمية.
في وسط مروج الليل كان إبراهيم يتحدث بنبرة مرتفعة: (الحرب قد اقترب وبات يهدد على مشارف مقديشو، والأراضي التي تخضع تحت سيطرة الحركات المعارضة المسلحة التي تجد يد العون والمساعدة من المعسكر الغربي بقيادة حلف الشمال الأطلسي (ناتو)، وبعض الدول المجاورة التي بينهم وبين الصومال حالة عداء تأريخي ترسبت في الوجدان ويخرجها الإنسان من جوف الأم ومن رحمها ويؤمن بها إلى أن يتوسد التراب دفينا في جوف الأرض وفي لحد القبر، يتوسع كل يوم ويبتلع مدنا وقرى جديدة.

ومن الغريب أن بعض الدول العربية التي لانعرف هدفها من مساعداتها السخية للمتمردين باتت تضاعف أنشطتها العدآئية أخيرا ومنحت أموالا طائلة وذخائر ومعدات عسكرية  للجبهات المسلحة، ولا نعرف متي ينتهي هذا المسلسل المرعب والشبح المخيف؟!، في هذه اللحظة يتدخل حسن وهو الأخ الأكبر لإبراهيم وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة ويصيح ولكن ما أعرفه ــ يأخذ نفسا عميقا ويقول بنبرة صوتيه لا تخلو من الإحباط ــ الجبهات المتمردة قويت شوكتها وسيطرت معظم الأقاليم والبلدان الواقعة شمال مقديشو).

الأربعاء، 19 أغسطس 2015

أيام مع الكاتب حسن محمود قرني (هكذا عرفته )

شاءت الحكمة الإلهية أن نلتقي في مركز الأنصار في مطلع القرن الحالي (2001م)، كان المركز يضم أكثر من مائة شاب من أقاليم مختلفة، وبطون وأفخاذ متنوعة، جمعهم اليتم والتعليم، وجدران المركز الذي بدا وكأنه مقر للتدريب، ولكنه تدريب من نوع آخر، تدريب على الفضائل، والتربية على المكارم، وتعويد النفس على العيش بعيدا عن الأهل والأقارب، وعن مسقط الرأس، والمحضن الأول(حضن الأم).
لقد التحق المركز قبلي وكان من الأوائل الذين افتُتِح بهم المركز، بدأتُ أتعرف على طبيعة المركز، وممن يعيش فيه من التلاميذ، والأساتذة، وكافة الطاقم الذي يعمل فيه، كان من أولى الأشخاص الذين قابلتهم، جاء إليَّ كباقي الشباب يسألني ويتعرف عليَّ، رأيته محترما لدى الجميع، عند الطلبة، والأساتذة، حتى عند الحراس والطباخين، كان يتمتع بأخلاق عالية مكنته من خلق بيئة تتعامل معه بود واحترام وتقدير عالي.
لم يكن يوما متعجرفا متغطرسا مغرورا، بل كان متواضعا سهلا لطيفا، قريبا لدى الجميع، يخالط الصغار والكبار على السواء، يلاطف الضعفاء ويمازحهم، كما كان يجالس الكبار ويسامرهم برزانة، لا يولي ظهره لأحد طلب منه المعونة.
هذا ما لاحظت عنه في الأيام الأولى من حياتي في المركز.
تقدم في حفظ القرآن والدراسة
عند حلقات الذكر الحكيم كان آية في الحفظ والاتقان، وكان في حلقة الاستاذ المحفظ أحمد هادي، وكان متشددا في التحفيظ، لا يقبل التلعثم والتلكؤ عند التسميع، فما رأيته يعيده بآية، ولا وهو يضربه في غلطة غلطها، كان من الأوائل في المسابقات القرآنية التي تقام في المركز، إذ كان يحتل المركز الأول في أغلب الأحيان، كما كان من القلائل الذين ينتدب لهم في أن يمثلوا المركز في المسابقات التي تقام على مستوى المدينة، وكان يحرز الأرقام الأولى وبجدارة.
أما في قاعات الدراسة والفصول فحدث ولا حرج، إذ كان من الطلبة المرموقين المحببين لدى الأساتذة والطلاب، أودع الله فيه موهبة الحفظ والاتقان، فكثيرا ما يحفظ الدرس في أثناء الحصة، وربما لا يراجع إلا يوم الامتحان، أو لا يحتاج إلى ذلك.
وقد ظل طيلة فترة الدراسة في المدرسةالعتيقة (جوبا)منهل العلم والأخلاق، ظل رمزا للطبة المتفوقين الموهوبين الذين تشرفوا وتشرفت بهم المدرسة، ولقد خولت له تلك الموهبة (موهبة الحفظ) أن يظل من الأوائل في التحصيل الدراسي أيام الامتحانات.

الاثنين، 3 أغسطس 2015

كتاب قرأته "المسيرة الطويلة من أجل الحرية"


منذ صغري كنت محبا بتتبع قادة العالم سلوكا وفكرة وأدبا، كما كنت مشغوفا بقرآة يومياتهم، وتآليفهم، ومعرفة طبائعهم، وأيديولوجياتهم الموجهة، ومعرفة خبايا الثوار الحقيقين الذي خاضو كفاحا طويلا، وحروبا طاحنة ليتربع شعبهم على فيحاء الحرية، ولتشم الأمة نسائم الإستقلال المنعشة، لذا إقتنيت معظم كتب قادة العالم وممن حكموا الدول وساسوا الشعوب، سواء كانو ديكتاتورين ومستبدين روّعو العالم بافكارهم الجنونية، وأفاعيلهم الشنعاء، وهوسهم القاتل بالثروة والسلطة والإستغلال، أو ممن حملوا همّ الوطنية، والقضايا العادلة، ونضال التحرير، وقادوا الجموع الوطنيه الذين حاربوا الإمبريالية والإستعباد الكولونيالي إلى الإنعتاق والحرية والعيش الكريمة في كنف دولة تراعي المصالح وتحمي الشعوب.

كان المناضلون مثلي الأعلى وممن أقتفي أثرهم لأحرر بلادي الذي أحمل هم توحيده من جديد، لأني منذ الصغر أحمل فكرة الصومال الكبير وأن يعيش شعبي الممزق يوما تحت علم يجمعه ودولة صومالية تضمهم إلى الأبد، وكنت أتخيل المشاهد الباذخة التي تأتي من الخيال في هذه اللحظة الخالدة التي سيلتئم الجرح وتختفى المعاناة وتذهب التجزأة ويتوارى عن الأنظار الحدود الكاذبة التى رسمها الإستعمار ليحرم الشعب الصومالي أشواقه وأمانية المشروعة.

ولقد إستمتعت بالسفر الى حضرة الثائرين الحقيقين، وحاملى لواء الكفاح،  والى تاريخهم الزكية بدأ من الإمام أحمد جري أيقونة الجهاد في القرن الإفريقي، والسيد محمد عبد الله حسن داحر الإنجليز وقاهر الطليان، الى عبد القادر الجزائري قائد ثورة مليون شهيد، والى غاندي وثورته السلمية التي قادها النباتيون الذين قابلو بندقية الإنجليز بصدور عارية وعزيمة فولاذية لاتلين، الى بوليفار ملهم شعوب الّلاتين، ومحرر السكان الأصلين الذي أصبح أخيرا رمزيا شعبيا، وأيقونة وطنية حتي سميت جمهورية كاملة بإسمه، تيمنا بشخصيته وتاريخه ونضاله المشروع ضد المحتل الإسباني.

ولا تنتهي الحلقة بهذا الشجعان، بل تمر الى الثائر اليساري والطبيب الإنساني جيفارا الذي ترك العيادة والمشرحة والسماعة الى ساحات الوغي وميادين الردى وأزيز المدافع وزخات الرصاص في الغابات الكوبية والأحراش الإفريقية إلى أن وصل صدى كفاحه جميع أصقاع العالم حين قال قولته الشهيرة: لا يهمني متي وأين سأموت! بقدر ما يهمني أن يبقى الثوار يملؤون العالم ضجيجا كي لاينام العالم بثقله على أجساد الفقراء والبائسين والمظلمومين. وتمر أيضا الى المهدي السوداني صاحب المعارك الفاصلة مع الإنجليز وخليفته عبد الله التعايشي، وقرأت الثورة العاتية في موزامبيق التي كان الرئيس الصومالى الأسبق سياد بري يدير في ملفها الساخن بتفويض من المنظمة الوحدة الإفريقية، ولم أنسي الثورة الأنجولية وكيف قاوم الشعب بالمحتل البرتغالي البغيض.

أوردت هذه الأمثال تمهيدا لحكاية أحببتها وعشت في تفاصيلها ولو بومضات السطور ووضآءت الحروف ...قصة شائقة وملئية بالمواقف الإنسانية النبيلة وحرق الذات لحياة الآخرين، قصة حقيقية تجسد كيف يقاوم الإنسان الممارسات البربرية للعدو الذي يكمم الأفواه، ويصدر الحريات والحقوق، والأمراض التي تلتهم الجسم وتذهب النضارة، والجوع التي تفرك البطون وتؤلم الأحشاء، والزنزانات الضيقة، وشقاء الحنين، وعذابات المنافي الإجبارية، كل ذالك من أجل قضية آمن بها وكرس حياته من أجلها، وهي الإنتهاء الرسمي للتمييز العنصري والفوارق الطبقية المبنية على اللون والعرق والدين.

لقد ذرفت الدموع من عيني مدرارا، واقشعر جسدي وأنا أقرأ قصة كفاح الشعب الجنوب الإفريقي وبسالته النادرة، وعزيمته الفولاذية حين أصر على إنتهاء مظاهر التمييز ــ رغم قلة اليد وضخامة العقبات ــ وأن يكون سيدا لوطنه، يمارس الحياة بأبهى صورها في ظل وطن لا يشعر فيه المواطن سوى الإنتماء والطمأنينة النفسية ودولة رشيدة تقوده نحو الرفاهية والحياة الكريمة، وفي فصول النضال الطويل وفي صفحات الملحمة البطولية للشعب الجنوب الإفريقي الملئية بالعوائق الكثيرة والمنعطفات الخطيرة، كانت التحديات ترتفع والأمنيات تتسع وكانت الجموع ترسم ريشة الفداء والتضحية والمعاناة خارطة الوطن.

الأحد، 14 يونيو 2015

صدى الأيام (5)



     كانت فجوة الخوف والرهبة تتسع في داخلها  كلما رسم الليل لونه الأسود على ملامح مقديشو الكئيبة، لم تتضح الأمور بعد ولم تأخذ الأوضاع حالتها النهائية، وأحاطة الدولة سياجا من الكتمان الشديد عن إنهيار قوتها وهروب جيشها أمام ضربات القوى المعارضة المسلحة، ولم يظهر الإنهيار الكلى إلى السطح، بل كانت الملامح السياسية تتشكل في الخارج والمنافي، والخارطة العسكرية للمعارضة تتوسع في الداخل بدأ من شمال الوطن الغارق في حروب تقودها الصلف والجهل ونوايا ضامرة للإنفصال ومزق وحدة الوطن، إلى الجنوب والحركات المتفقة على إسقاط النظام بلغة القوة والمختلفة فيما سواها.

منحنى النعرات القبلية وصل إلى أعلى مستوياته، والبرك الدموية تملأ الأزقات في الليالي الحالكة، والأجواء كانت مفعمة بالترقب والخوف من  المجهول القادم، سيما وأنا معظم الأقاليم وحتى الضواحي القريبة لمقديشو خرجت من سيطرة الدولة، وتحولت إلى مراكز علنية للمعارضة والحركات المتمردة في نظر البعض وإكسير الحياة ورسل العناية الإلهية في نظر الآخرين.

أيا كانت، الحركات المهوسة بالدمار والدموع والدماء كانت منهمكة بنهب الوطن وتمزيق الجغرافيا وتشويه التأريخ وتشريد البشر،و كان الوطن يقترب شئيا فشئيا نحو التلاشي والإنهيار الكلى لمؤسساته وهيبته وتأريخه، وكانت الجبهات الذين يمرون في عز نشوتهم يتوغلون في خراب بلد لم يجد عقولا ناضجة تسيسه، ولا شعبا يعرف معنى الدولة والمدنية يحميه من الضياع، ومما زاد الطين بلة أن النظام الإستبدادي لم يدرك أن كبت الحريات ومصادرة الحقوق لم يعد شئيا يحتمله الصوماليون الذين عاشوا في معاقلهم ومراتعهم الأصلية أحرارا لا يحدهم شئ يلتحفون السماء ويفترشون الأرض ويرعون إبلهم ويتنقلون وفق المطر والأنواء دون أن تعيقهم الحدود ولاتزجرهم القوانين ولا تخيفهم قوة البشر.

إنزلق الجميع نحو المستنقعات الآسنة للصراعات العبثية والحروب الأهلية التي نعرف جيدأ من بدأها، ولكن منذ الطلقة الأولى لمسلسل الحروب الأهلية والمعاناة إلى يومنا هذا وبعد مرور أكثر من  عقدين من الزمان لا نعرف من سوف ينهيها،! لتشابك الخيوط، وتصادم المصالح، وتقاطع السياسة، وتكاتف الجهال نحو الهدم والتشرذم، وإنعدام الرؤية الصحيحة والمنطق السليم، ودخول جهات خارجية تصب الزيت على المحنة اللاهبة في الصومال. 

في النهار تحجبك المكاييج الزائفة لبقايا الدولة عن المشهد الحقيقي الكامن وراء ستار  الهرج والمرج واليقظة الفائقة للعسكر في الشوارع والطرقات، وبعد الغروب وحينما يعزف الليل ألحان الهدء والسكينة في العالم هناك وفي قلب المدينة تصدح أصوات البكاء من البيوت، وينتشر العويل تحت جنح الظلام، وتبدأ سيمفونية الرصاص على المسارح الساخنة للوطن، وتهدر دويّ البارود التي تحول ليل مقديشو الهادئ إلى أصوات صاخبة للقنابل المدوية والطلقات الغادرة التي تخرج عن بندقية الفرق المسلحة الظامئة لدم الشعب وهدم البلد، والموت الرابض في عتمة الزمان والمكان.

عم شذى الصباح على القلوب المضنية والعيون الساهرة ألما وترقبا، وندى الشفق بدد جحافل الظلام، ونور الأفق أرسل سهامه إلى صفحة الكون، وبدأ التائهون في أودية المعاناة والكدح  يتدفقون في الطرقات والشوارع والأرصفة الباردة وهم ينشدون دفء الحياة في براثن الموت وفي داخل التعب والإعياء، وفي مقديشو لا يستطيع الموت ولا الحروب وقف نهر الحياة المتدفق منذ أن تعود الناس أن الحياة يجب ان تسير بوتيرتها السريعة مهما حدث، ومنذ أن عرف الشعب طريقته الخاصة لتكيف المصائب والنكبات مهما عظمت.
لم يكن يوما عاديا ابدأ، بل هبت رياح السياسة الهوجاء في ساعاته الأولى وقامت المخابرات العسكرية بحملة إعتقالات واسعة وملأت السجون من الناس، سواء كانو سياسين تعتبرهم الدولة الواجهة الناعمة للمتمردين حسب القاموس اللغوي للحكومة، أو أفرادا تعتقد الدولة البوليسية التي تلفظ أنفاسها الأخيرة أنهم ينتمون إلى الجبهات المسلحة، وبدأت الإعتقالات والمطاردات بعدما ظهرت شائعة مفادها أن الحركات المتمردة سيطرت أحياء واسعة من العاصمة مقديشو، لم يكن خبرا عاديا للشعب المترقب لمآلات الواقع، بل كان بداية لنهاية محزنة ودخول نفق مظلم وحياة التشريد واللجوؤ التي أصبحت عنوانا لكل صومالي منذ سنة تسعين الميلادية.

الثلاثاء، 19 مايو 2015

مفهوم فلسفة وتاريخ الثورات



الثورة هي تلك الطريقة الشائعة التي يعبر بها الشعوب المقهورة مشاعرهم وتطلعاتهم، وعبرها ينفض الشعب غبار الذل والإستكانة عن نفسه، ويدحر المحتل والمستبد بحراكه وبنضاله وعزيمته الثورية،  وترتبط الثورة غالبا بمدلولاتها الثقافية والسياسية وتأثيرها وتاثّرها لأنظمة الحكم وزخمها الإعلامي وما يرافقها من التغيرات الجذرية التي تحدث لفلسفتها ووقودها الفكري والبشري، كما ترتبط الأساليب المتبعة لتحقيق أهدافها سواء كانت سلمية أو حربية، ومدي تحقيق أهدافها وطموحاتها، وإلي أي مدى وصل صوت الثوار بإختلاف أفكارهم وفلسفتهم وأيديولوجيهاتهم، لذا تتعدد التعريفات بتعدد مآلات الثورة وتنوع أهدافها ونهايتها ومطالبها، وقادتها ومفكريها ومفاهيمها.

وتطلق الثورة لغة: الهيجان والوثوب والظهور والانتشار والقلب ، ورد في لسان العرب (ثار الشيء ثورا وثورا وثورانا وتثور هاج... وثار إليه ثورا وثؤرا وثورانا وثب... وثار الدخان وغيرهما يثور ثورا وثؤورا وثورانا ظهر وسطع ) ويقول الطبري ( ثار يثور وثورانا إذا انتشر في الأفق ) .ويقول تعالى (لا ذلول تثير الأرض)(البقرة:71) (اى لا تقلبها بالحرث القلب الذي يغيرها فيجعل عاليها سافلها)، و(كانوا اشد منهم قوه واثاروا الأرض وعمروها)(الروم:9) (اى قلبوها وبلغوا عمقها) 
.
أما المصطلح اللاتيني  Revolution  فهو تعبير فلكي الأصل شاع إستعماله بعد أن أطلقه العالم  البولندى كوبر تيكوس على الحركة الدائرة المنتظمة للنجوم حول الشمس والتي لا تخضع لسيطرة الإنسان، وبالتالي تضمن المصطلح معنى الحتمية.
أما  الثورة اصطلاحا فقد تعددت تعريفاتها ، يقول  ميرل الثورة هي حركة إجتماعية بها تحل بعنف أسطورة جديدة محل أسطورة قديمة ، ويقول دن الثورة هي تغيير جماهيري سريع وعنيف ، ويقول جورج سوبر بيتي الثورة هي إعادة بناء الدولة ، ويقول  مود الثورة مجرد تغيير في بناء الحكومة ، ويقول شاتوبريان الثورة انقطاع في التاريخ،ويقول بيتي هنتنجتون و نيومان الثورة إبدال القيم...و بالجمع بين ما هو مشترك في هذه التعريفات يمكن تعريف الثورة بأنها التغيير خارج إطار نظام قانوني لا تتوافر فيه امكانيه التغيير، فهي تغيير فجائي وكلى يتم خارج إطار نظام قانوني لا تتوافر له الشرعية ، وهي  بهذا تختلف عن  الإصلاح  الذي هو التغيير  من خلال نظام قانوني تتوافر  فيه امكانيه التغيير ، فهو تغيير تدريجي جزئي سلمى  يتم من خلال نظام قانوني تتوافر له الشرعية(1).

ويمكن تعريف الثورة بأنها فعل شعبي عفوي تلقائي غير منظم يهدف إلى إحداث تغيير جذري شامل في بنية النظام السائد في المجتمع، وتختلف الثورة عن الانقلاب الذي يمكن تعريفه بأنه فعل منظم تنفذه مجموعة منظمة هدفه السيطرة على السلطة من خلال إزاحة الممسكين بها عنها والحلول محلهم في الإمساك بزمامها.(2)

إذا الثورة هي تلك الطريقة العفوية التي تنطلق بصورة تلقائية ودون تخطيط مسبق لتغيير الواقع المؤلم، ولم يخلو عصر من عصور التاريخ ثورات جبارة وموجات تحررية تلهب الضمير وتبث الحماسة في نفوس الثائرين، وفي خضمها رُفعت المبادئ العادلة التي تدعوا إلي الحرية والعدل والإنصاف، ومطالب تندد الظلم والحيف في حياة البشر، ومفاهيم مستنيرة تأبي الجهل والتخلف الذي يعتبر الإبن البار لللإستبداد والإستعمار.

ودائما ماكانت الثوراة تحمل أفكارا يعتبر سر وقودها وتوجهها نحو مآربها وفي إطار مجموع هذه الأفكار تتشكل فلسفة الثورات التي تعني أمرين في غاية الأهمية:
1.         مجموع التصورات والافكار والطروحات التي تتبناها الثورة، والتي تشكل في مجموعها "الرؤية".
2.         النهج الذي تسلكه الثورة للوصول الى أهدافها والذي يتمثل في مجموع الاعمال الثورية، التي تعكس افكار وتوجهات الثورة غالبا (3).

Buugga "Geylame"

Maalin dhoweyd ayuu macallin Hassan Mohamud iisoo hadiyeeyay buuggiisa ugu danbeeyay ee Geylame, aniguna xil baan iska saaray inaan ugu mah...