جاء الدرويش بزمن كانت الصومال بحاجة ماسة إلي منقذ حقيقي ينتشل الأمة
من براثن المستعمر، وينقذ منها دنس المرتزقة ومجاهيل العدو ومخالبه التي تنهش
جسدهم وأنيابه التي تنهب خيراتهم، وحقيقة كان الشعب الصومالي ضاق ذرعا عن
الممارسات الهمجية للإحتلال، والعذاب الجسدي والنفسي، ووصل إلي آخر خطوة مع السياسات
الإستعمارية الهوجاء التي كانت تطبق عليهم قاعدته الشهيرة فرق تسد لمواصلة إستنزاف
الصوماليين ونهك قوتهم وإدخالهم إلي غيبوبة لايستطيعون دفاع وطنهم وحماية تقاليدهم
وتراثهم من النهب والضياع وإطالة زمن الإستعمار.
لم يتوقع الإستعمار في هذا التوقيت الحرج والزمن الصعب أن يبرز نجم الحرية
في وسط ضباب الإستعمار، ومن أوساط الشعب المكلوم أكثر من قرن من الزمان، كانت سياسة
المستعمر مؤسسة علي كسر إرادة الشعب وتضعيفه معنويا ومحاربته نفسيا، ليكون دائما
أدات مطيعة في يده، وليكون ذليلا ضعيفا لا يتململ ولا يبدي أية مقاومة، وفي خضم نشوتهم
بهذا الإنجاز الوهمي والخيالات الكاذبة التي ظنها الإستعمار أنها الحقيقة تحت وقع
التفوق العسكري والإقتصادي ظهر المغوار وحامل شعلة اليقظة في الساحة الصومالية وأشرق
كالشمس الحارقة التي تحرق الجراثيم والأوساخ.
كان السيد محمد لغزا محيرا في جميع الأصعدة والميادين، صوماليا لم يكن
معتادا أن يبرز العلماء والشيوخ والطرق الصوفية في هذه الفترة لمحاربة الإحتلال،
بل كانت معظم الطرق الصوفية في العالم العربي والإسلامي تهادن أو تميل للمستعمر
مالم تتعاون معهم، إضافة إلي شخصية السيد محمد عبدالله حسن المثيرة فهو قائد محنك
وشيخ بارز وسياسي لبق وشاعر لا يشق له غبار وشجاع قلما نجد مثله في الكتب وأروقة
التأريخ وإذا شهد الوغى فهو كميت لا يعرف الهزيمة ولا الفرار أو الإستسلام، وفي
نظر المستعمر كان كهلا مجنونا لايقدر الظروف ولا يعرف الواقع ولا يدري قوة الإنجليز
وأعوانهم وآلياتهم الرادعة لمن سولت نفسه أن يقاوم أو يحارب ضدهم.
ومن أولى تصرفاته وفي فاتحة كلامه وتحركاته في كافة المحاور، أدرك
الصوماليون أنهم أمامة شخصية مغايرة تحمل الشجاعة الصومالية في أبهى صورها، ورزانة
العلماء في أسمى معانيها، وحنكة القواد في ألمع حالاتها، وجمال الأدباء في أنضر
أحوالها، وأنه لا يوجد في الساحة
الصومالية شخصية أمثل وأقوي
من السيد
لقيادة
التحرير
وإمتلاك
زمام الجهاد
لنصرة
المستضعفين،
وأدرك المستعمر أنه أمام عظمة الإنسانية الصومالية وأمام رجل لايخاف من
سوطهم ولا يسيل اللعاب إلي جزرتهم، وأدرك ـ ولومتأخرا ـ أن صباح الحرية والوحدة والتعاون
الصومالي بات وشيكا، فضاعف نكايته للشعب ومصادرة أموالهم ونهب ممتلكاتهم وقتل أعيانهم
واغتصاب الفتياة، مما أشعل الحماسة والوطنية في النفوس، وألهب الخواطر وأدمي القلوب،
وعجل مقاومة الرجل الأبيض وتحرير العباد والبلاد من دنسه ورجسه، وكانت لابد لليل
أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر، وأن يجد الإستعمار جزاء وفاقا لفعلته الشنيعة وتصرفاته
الغبية.
ولقد أظهر السيد محمد عبدالله حسن حنكه سياسة وفهما متقدما حينما هادن
بعض القبائل التي كانت تضمر الحقد والحسد أو كانت تميل إلي نصرة المستعمر، وكان
يفر الإندفاع إلي حروب عبثية لاطائل من ورائها فكان نعم القائد
لتميزه
العسكري وتفوقه التكتيكي وقوته الفكرية والأدبية وفكره
الثاقب
وشجاعته
الكبيرة،
ولم يكن شجاعا
متهورا،
بل كان شخصية
إكتملت
عليها
كل صفات القائد
الناجح :من
الشعور
بأهمية
الرسالة،
والشخصية
القوية،
والإخلاص،
والنضج
والآراء
الجيدة،
والطاقة
والنشاط،
والحزم
والتضحية،
ومهارة
الإتصال
والتخاطب،
والقدرات
الإدارية،
وجدير
بشخصية
إجتمعت
عليها
هذه الصفات
أن تابي الضيم
والظلم
فقرر السيد
مع ررفاق
دربه وخصوصيته
وعدد من أقاربه
وأخواله
مجاهدة
الكفار
وأذنابهم
وطردهم
من تراب الصومال
الطاهرة.