يعيش الصوماليون في جنوب إفريقيا وضعا
إنسانيا مأساويا وحالة نفسية وأمنية متدهورة ومحرجة! تتطلب تدخلا عاجلا، سواء كان
التدخل من جهة الحكومة الصومالية أو الحكومة في جنوب أفريقيا، أوالهيئات الأممية والمنظمات
الحقوقية، لأن الوضع مزري للغاية ولا يتحمل مزيدا من الدماء والدموع ومزيدا من
الضحايا الذين يسقطون في كل لحظة، وبلا جريرة ودون مبرر وبدم بارد داخل المدن
والقري والشوارع في مختلف أنحاء جنوب إفريقيا.
لم
تبدا الإعتداءت الموجه إلي الصوماليين اليوم، بل كان مسلسلا روتينيا في الآونة
الأخيرة مما جعل حياة الصوماليين اللاجئين فيها معاناة لا تنتهي تتجدد فصولها
ويتعاقب حدوثها، ولا تشرق شمس يوم جديد إلا ويحمل للصوماليين فجيعة مؤلمة ونبأ محزنا
لمقتل شخص من أفراد الجالية أو سطو مسلح للمتاجر والدكاكين الصومالية، ولكن ما
يدعو إلي الدهشة والإستنكار هو المشاهد المروعة التي تاتي هناك وتجتاح مواقع
التواصل الإجتماعي، وكل من شاهد الفيديو المقزز والعمل الإجرامي والرجم الهمجي
الذي قام به البربريون في جنوب إفريقيا قبل فترة من الآن لا يتحمل ما يراه بأم
عينه، وتذرف الدموع من مقلتيه ويقشعر بدنه جراء هذا الفعل اللا إنساني، والأشد من
ذالك هو التلذذ العجيب لتعذيب الضحية والتنكيل بها وقتل المواطن الصومالي البرئي
بحماسة مفرطة، والأدهي من ذالك أن القتلة يمارسون هوايتهم المفضلة قتل الإنسان
وسحله في الطرقات ـ في قارعة الطريق ـ حيث يمر عندهم الباصات والمواصلات العامة
والمارة ولا أحد يردعهم عن عملهم الوحشي ولا أحد ينقذ الضحية المسكينة
التي قادها الموت إلي مصرعها.
وإزاء ثالوث الكراهية واللامبالاة
الحكومي وتقصير الهئيات الحقوقية في تأدية دورها الإنساني، أصبح الصوماليون هدفا
سهل المنال للعصابات الإجرامية المسيطرة علي جنوب إفريقيا، ومن المدهش والغريب في
آن، أن العنف والنهب والقتل الهمجي أصبح موجة موجهة ضد الصوماليين فقط دون غيرهم من
الجنسيات المنتشرة بكثرة في جنوب افريقيا، مما يثير تسآؤلات كثيرة حول مدي تورط
أوتراخي الأجهزة الرسمية أو بعض الجهات المتنفذة في جنوب افريقيا لهذه المجازر المتكررة
التي تشكل وسمة عار علي جبين ـ ليس في جنوب افريقيا وحدها ـ بل علي جبين القارة والإنسانية
قاطبة، لأنها تكرس العداوة والعنصرية بأبشع صورها، وهذا مما لا يمكن ان يحدث في
جنوب افريقيا التي ذاقت الويلات وخاصة أصحاب البشرة السمراء الذين اكتوو نار
التهميش والإزدراء وعانو من الفصل العنصري والتمييز العرقي قرونا!.
ومما يزيد الحيرة ويرفع معدلات الشك
والتساؤلات المشروعة حول ما يحدث، مراقبة السلطات للوضع المزرى والمعاناة المتفشية
للصوماليين ببرودة مقصودة وبلادة واضحة وتراخي عجيب يضيف للوضع أطنانا من السوء
والسواد، وإذا كان التقاعس الواضح للحكومة لا يزيد معدلات الجريمة ولا يشجع القتلة
كنا لا نشير الأصابع للحكومة، ولكن عدم التدخل الفعال لأجهزة الأمن والشرطة الجنوب
الإفريقية يشجع المجرمين علي مواصلة إجرامهم وارتكابهم فظائع مروعة تنتمي إلي خارج
القانون البشري بل تعف الوحوش عن فعله، وبسبب القانون المتواطئ مع المجرمين الذي
لا يعاقبهم والدولة التي وفرت لهم الغطاء ولو بغير علم خلق للسفاكين جوا مناسبا
يتكاثر فيه العنف هندسيا ويزيد حماستهم والنهب المقصود ومص الدم ولعقه.
جنوب افريقيا كانت دولة تسكن في وجدان
كل صومالي لما عانت من التمييز العنصري والإضطهاد العرقي ومصادرة الحقوق والحريات
ووقفنا بجانبها عند الأزمات، ولكن رمى الشعب في جنوب افريقيا كل الأيادي البيضاء وتنكره
للجميل حينما احتاج الصوماليون إليه يدل علي طبيعة هؤلاء بقدر ما يدل علي معدن
الصوماليين النفيس، وقد أجد عذرا لأنه شعب أثرته الكراهية والعنصرية البغيضة التي
مورست ضده بقرون كثيرة، مما ترك في طبائعهم همجية قاتلة وحقد دفين ضد الأجانب،
وخاصة أصحاب البشرة الفاتحة وكل من لا يشبه الزنوج في ملامحه وسحنته، مما جعل حياة
اللاجئيين أو الفارين من ويلات الحروب المسعورة في بلدهم جحيما لا يطاق.
ورغم مساهمتنا الفاعلة في تحريرهم، حيث
أبكي العالم وقادة إفريقيا الإهتمام الواضح لقادة الصومال في زمن الجميل والأغنيات
الوطنية التي كانت تذيعه راديو مقديشو التي كانت تندد الإستعمار الهمجي في جنوب
إفريقيا ويمدح دور الثوار وقادتهم ويحثهم السعي نحو الإستقلال والخروج من ربقة
الإستعمار لفياح الحرية لم نجد سوى القتل وزهق أرواح الشباب الصومالي.
ولقد خلد الفن الصومالي سنوات الكفاح
والنضال للشعوب الأفريقية وخير دليل علي ذالك أن الثورة في جنوب إفريقيا وموزامبيق
غنت لهما العندليبة دَليسْ وإمبراطور الفن في الصومال تبيع في أغنيتهم الأوبرالية الشهيرة
التي اعتمد عليها قادة افريقيا في ذالك الزمن لتكون النشيد الرسمي للقارة، وحينما
كانت تردد حنجرة خديجة دليس الذهبية التي تشبه حنجرة أم كلثوم في ترديد صوتها وطول نفسها
ومزاميرها الداخلية والموسيقي الربانية للصوت بطيبة أهلنا وحماسة جيل العمالقة
للفن الصومالي الأصيل:
south africana ma moogi
madaxdii afrikaay gumeysigu magacod ba,aye wuxuu yahay wanka macasha ii qabo adigu gowrac ii mari dhiigana an kamuusdo
madaxdii afrikaay gumeysigu magacod ba,aye wuxuu yahay wanka macasha ii qabo adigu gowrac ii mari dhiigana an kamuusdo
لم تكن في بالها أن الصوماليين
يحتاجون إلي جنوب أفريقيا فيستقبلها الشعب الجنوب الإفريقي بالسيوف الصارمة
والرصاص القاتلة والكراهية الطافحة، ولكن دار الزمن دورته فأصبحنا لاجيئن تحت كل
سماء نعاني قسوة الحياة فوق كل أرض.
وليست المعاناة حصرية في الجالية
الصومالية في جنوب إفريقيا، بل كثيرا ما تواجه الجالية الصومالية في مختلف العالم
حالات مشابهة من العنف المقصود والهجوم الهمجي، في ظل عدم وجود دولة تعيد لهم
الإعتبار وتحمي شرفهم وعزتهم، وإن كانت الدول الأخرى أقل حدة وأقل بشاعة من الوضع
السئي للصوماليين في جنوب إفريقيا.
كنت محبا
ومتضامنا مع هذا الشعب وتاريخه ومسيرته الطويلة من أجل الحرية، وكنت آملا أن يكون
أكثر إنسانية وأكثر تفاهما مع المعاناة، ولكن خيب ظني وأثار الذعر في أوصالي
واجتاحت الكراهية في أعماقي عندما رأيت قتل وسحل المواطنين الصوماليين في شوارع
بورت الزبيث وكيبتاون وجوهنسبيرغ وبريتوريا وغيرهم من المدن والعواصم في جنوب
افريقيا، وحقيقة كانت صدمة كبيرة لكل الأحرار والإنسان، ولكن التاريخ لا ترحم
وسجلاتها لا تنسي أحدا، ومن الآن فساعدا انتهي تضامني مع هذا الشعب بل أصبحت أكره أن أسمع
أسمهم ولا أتحمل رؤيتهم وقراءة ولو سطرا واحدا من تاريخهم بعدما تحولو من شعب
محترم إلي همجيين يوجهون جام غضبهم لللاجئين الصوماليين.
وبما
أن عجلة العالم تدور ورد الكرامة واجب، فالمجانين والذئاب البشرية في جنوب إفريقيا
الذين دأبو لعق دم البشر ومصه لا يمر عملهم الإجرامي بدون حساب حقيقي وعقاب
سيردعهم، وسيندمون عليه طال الزمن أو قصر، وإذا كانت الصومال اليوم منهمكة في
الصفر وتدور تائهة في الحلقات المفرغة فإن التيه الذي ورثنا الذل والهوان سينتهي
حتما ـ بعون الله وإلي الأبد ـ ، وعندها سيندم من خدش يوما كبرياء المارد ومرغ
التراب أنف العملاق الذي كان غائبا بسبب التأثيرات الناتجة عن الصراعات العبثية .
وأخيرا
آن الأوان أن
يدرك الشعب الصومالي في جنوب إفريقيا أن اللجؤ إلي البلاد الأجنبية والعيش بذل
وإحتقار في البلدان الأفريقية لا فائدة فيه ، وأن الحل يكمن في تفاهم الصوماليين
وحل معضلتهم بعيدا عن الأيادى الخارجية وفي عقر وطنهم، والموجات المتتالية من
الهجرات لا يزيدنا سوي الحرمان والمرارة،
والمطلوب هذه المرة هو الهجرة العكسية إلي بلدنا كي نعيش معززين مكرمين في ربوع
وطننا وبين أهلنا وعشيرتنا.