الأحد، 31 أغسطس 2014

الرحيل نحو المجهول 4

إستيقظت في الصباح الباكر وحينما يصدح الديك مؤذنا لتباشير الفجر وضياء يوم جديد يبدد الظلام وينشر التفاؤل في المساحات المجدبة في قلوبنا بفعل الحروب وقسوة الأيام وتنكر الليالي والأزمان، وأجسادنا المتعبة بطول الطريق ووحشة السفر وغربة المدن المتشابهة كأزقات يطول فيها العبور، كانت نسمات الصباح الزكية تهب من صوب النهر الكبير الذي يقسم المدينة إلي شطرين، والعصافير تشدو وتترنم فوق الأغصان الرطبة نشوى كأنها تناجي الشروق وتحتفي بالضياء الباسم، وتودّع سواد الليل وسكونه المطبق، في حين كان الآذان يصدح من المساجد والمنآئر وما أكثرها في مدينة تتنافس المساجد طول المنارة وبهرجتها وزخرفتها الداخلية والخارجية.

 علي وقع الهموم المتراكمة والخوف من الغد المجهول وقفت أمام المحرب لمسجد الفندق الصغير متوجها إلي الله وأسكب الدموع وأبتهل، وصليت الصبح علي أمل أن يفتح الله عليّ طريقا مستقيما لأخرج من عنق الزجاجة ومن الغربة التي تخنقني في داخل الوطن وفوق تربتي التي شربت كأس حبها أصنافا في منذ الصبا، ومنذ أن كنت يافعا يمرح في الحقول الزراعية ويسرح إبله في مراتع أهله وميادين طفولته، والغربة في الوطن يا سادة هي أشد ألما وأنكى جرحا من الهجرة الخارجية التي يشعر فيها المرأ أنه بعيد عن أهله ووطنه ويتشجم الصعاب والمشكلات ويتجلد ويحتمل سواد المنافي ومتاعب الترحال في سبيل تحقيق هدفه سواء كان تجارة أو تعليما أو إستشفاء أو هربا من بطش الإستبداد الذي يكمم الأفواه ويعد الأنفاس ويصادر الحقوق والحريات ويتصرف وكأن البشر عبيد له بعدما أضفى صفات الألوهية في شخصيته التافهة.

بعد الصلاة والأوراد الصباحية رجعت إلي النوم التي لم أشبع عنها بسبب الأشباح التي كانت تطاردني في النوم والتفكير المضني للمآلات التي تنتظرني في مدينة لا أعرفها ولا تعرفني سوى أنها تقع في  منتصف الوطن تقريبا، وتغفوا علي حضن أهم الأنهار التي ترفد وطننا بالجمال والخضرة وإعتدال الأجواء، كما تمنح بالفواكهة والخضروات وبذخ الطبيعة، ولم أستيقظ من النوم إلا وأشعة الشمس تدخل في شرفة الفندق كخطوط رقيقة ممتزجة بذرات الغبار وضوء قمئ لا أدري من أين ينبعث في هذا الوقت.

كانت الجوع تلهب أحشائي وعصافير البطن تزقزق داخل أمعائي فذهبت إلي كافتيريا المطعم  التي تقع شرق الفندق وخلف الأشجار الباسقات كدوحة ينتصفها خط الإستواء في أدغال إقليم جوبا السفلي، كانت المقهى متوسطة الجمال والنظافة ورتيبة الوجبات والأداء، وتعاني روتينا مخلا في عدد الأطعمة وتنوعها، إذ لا يوجد فيها سوى الفطائر والأطعمة  الشعبية والقهوة التي كانت أجود ما يوجد في المطعم، في هذا الصباح لم تكن شهيتي مفتوحة للأكل، ولم أجد رغبة في  تناول بعض الطعام لذا طلبت قهوة محلية رائحتها غزت خياشيم الأنف منذ أن جلست فوق هذا المقعد الوثير.

وقعت علي حبائل الحيرة والسرحان الفكري وأنا أرتشف قهوة الصباح علي مهل، ولا أدري من أين ابدأ وماذا أفعل؟، ولا أستطيع أن أمكث في الفندق أكثر من يومين لقلة زادي والمبلغ المتواضع الذي بحوزتي، إضافة إلي طبيعة المدينة التي لاتعرف التكافل الإجتماعي الذي عشناه في قريتنا المتواضعة التي لا يجد فيها الإنسان أي حرج في أن يأكل ويشرب ويأوى إلي بيوت القرابة والأسرة وحتي القبيلة، بل يعتبر هذا نوعا من صلة الرحم والتواصل الشريف ونباهة في عرفنا القروى الموغل في البدائية، أما المدينة فالكل يأكل علي عرق جبينه، يعمل ويشتغل ويكدح ويصارع المصاعب لتأمين قوت يومه ولقمته.

وكما قيل قديما أحلك ساعات الليل هي التي تلي الصبح كان الفرج قريبا وأنا أقلب صفحات الفكر وأسطر حروف الحزن علي ورقة الهموم، وأغني علي وقع الألحان الحزينة ورنات الأسى الوترية،!جاء الفرج ولم تدم حيرتي كثيرا حيث تعرفت في الفندق شابا وسيما في مقتبل العمر تربطني به قرابة النسب وأواصر الدم التي تجري في عروقنا، القدر وحده قادني إلي كرسيه لأتصفح معه الصحيفة الوحيدة التي تصدر عن المدينة، كانت مواضيع الصحيفة مكررة مملة، والفقرات غير مترابطة والخط باهت وغير واضح، إضافة إلي ردائة الطباعة والفقر المعلوماتي للصحيفة، سألته عن الشركة التي تطبع الجريدة وبعض الأسئلة الإعتيادية لغريب مثلي، كان مثقفا لأبعد الحدود وواعيا لما يجرى حوله وما يدور في العالم، تجاذبنا أطراف الحديث وأنسجمنا سريعا وتشعبنا الكلام حتي طرقنا باب التعارف وكانت الصدفة الجميلة أنه أصبح من أقاربي!.

الثلاثاء، 19 أغسطس 2014

عام علي التدوين


منذ الصبا كنت أحب القراءة وأجد متعتي في التدوين حتي أصبحت الكتابة شغفي لاحرفتي كما يقول كاتبي المفضل سمير عطا الله، وكنت أمضي الليالي الطوال في داخل المكتبات أقرأ كل ما يقع في يدي بنهم شديد، وأحاول أن أكتب شئا وأحول ما قرأت إلي سطور مكتوبة وأحرف مقرؤة، ولكن كل مرة كنت أخفق وأتعثر ولا أجد من يساعدني أو يقف إلي جنبي في بلد ملئي بالعقبات والعوائق، وبات الإنسان في داخله مهموما ومتشبثا علي الحياة التي تتصرم بعنف بين فروج المعاناة وكراهية الحروب وأصوات المدافع ورائحة البارود التي تزكم الأنوف.

في البداية كانت الكتابة صعبة ومتداخلة الخيوط ومحشوة برأسي دون إنتظام، وكان القلم يتحرش بي والحروف المنتظمة كألأشباح علي رصيف ذاكرتي تدغدغ مشاعري، وكانت الأوراق تنظرني بغنج ودلال بعد منتصف الليل بدقائق، وحفيفها الممزوج بنسمات الصبا في الصباح الباكر يزيد صفاء الذهن ومزاجي الحبري، ولكن كلما أردت الكتابة كانت الحروف تنكرني وتهربني الكلمات وترتعش الأصابع ويتلعثم اللسان وتقودني النوستالجيا(الحنين إلي الماضي الفخيم) إلي إستحضار الماضي لعلها أجد حافزا فلا أجد أجمل من الحاضر المبهر وشتلات الحب التي تحتاج إلي عناية كي أدون وأبوح ما يضطرم في داخلي من أهوال ونسمات باردة تأتي علي شرفات الذكريات وفي كهوف أحزان الغربة.

في أجنحة الخيال الواسع كانت الآمال تحدوني أن أطير إلي بقعة الكتابة المضئية ووهج الإبداع،  وكنت أدرك أن الكتابة الجميلة موهبة ربانية ولوحة زيتية مضئية يتباهى بها الإنسان في حياته ولو ضمنيا ودون أن يحدث ضجيجا أو عجيجا، وحينما تمتزج ولع الكتابة بألق الحروف وأنغام السهر علي وقع صرير القلم وحفيف الأوراق، وتفرش بساط الشغف علي مباني الهواية التي تتحدث عن نفسها تكون الكتابة متعة لا تضاهيها أي متعة في عيون الكاتب الولهان، والأمتع من ذالك أن تظهر موهبتك الكتابية وخواطرك الأدبية والإنشائية ومقالاتك الوطنية، وأن تقدم للناس تجاربك في الحياة وأفكارك الإنسانية دون قيد أو تعقيد، ودون مكياج النفاق للمحررين والرقابة التي تسلط علي رقاب البسطاء، الذين لا يجدون سوى مواقعهم مكانا يبرزون فيه مواهبهم التي تكاد أن يقتلها الإهمال في رحم الغيب وفي طي النسيان والإهمال.

والكتابة تحتاج إلي استعداد كبير وذهن متقد ونفس ثابرة تتحمل المشقات والمصاعب في سبيل الكلمة والحقيقة، وليست الكتابة كما يعتقد بعض البشر سهلة ميسرة، وليست عبارة عن أفكار نجمعها علي مهل، وتخيلات نطلق علي عنانها علي إيقاع طبول الحروف، وبضع جمل يحملها مداد قلم يسود صفحات ناصعة البياض لورقة تعيسه!، ولكن الأمر أعمق وأكبر من صرير قلم وحفيف أوراق وبضع سطور متألقة، وعدد من الحروف المتراصة والمنمقة، وكل من أعتقد ذالك فقد أبعد النجعة وسلك في الدروب الوعرة، لأن الكتابة أصعب شئي يمارسه المرأ كهواية وكحرفة أيضا، لأنها عصارة ذهنك ورحيق مخك، وأفكار تثور في تلافيف ذاكرتك وفي سحيق وجدانك، ولا تخرج إلا بفكر عميق وإطالة التأمل والقرأءة والسباحة في عالم الإفتراضات والتحليلات والتخيلات والخواطر الشهية، وهي عنوان المرأ ورمزه ومن خلالها يعرف القارئ ثقافة الكاتب وإنتمائه الأيديولوجي والفكري وتوجهاته السياسية وحالته النفسية لحظة كتابة المقالات.

Buugga "Geylame"

Maalin dhoweyd ayuu macallin Hassan Mohamud iisoo hadiyeeyay buuggiisa ugu danbeeyay ee Geylame, aniguna xil baan iska saaray inaan ugu mah...