الثلاثاء، 19 يوليو 2016

الصومال والطريق الصحيح

لم ينعم الشعب الصومالي في عقدين من الزمن بالأمن والإستقرار، ولم يعش تحت حكومة صومالية حقيقية تمثل كافة الشرائح والأقاليم، وترضي جميع ألوان الطيف الصومالي، بل كانت الحكومات المترهلة اصلاً، والضعيفة مضموناً، المشكّلة من قبل الأمم المتحدة، والمجتمع الدولي، والمنظمات القطرية، والدول ذات التأثير الأكبر والمباشر للصومال، حكومات واهية ليس لها أهداف وطنية واضحة، ولا أجندات إستراتيجية قصيرة أوبعيدة المدى لإنقاذ البلاد من الفوضى التي عمت كافة أنحاء الوطن.
بل كان جل إهتمامهم إرضاء أسيادهم من المجتمع الدولي ودول الجوار، لأن السياسات المتبعة في تشكيل الحكومات الصومالية كانت فاشلة وتقوم بإقصاء الكفاءة الوطنية والممثلين الحقيقين للشعب من العلماء، والمثقفين، والوطنيين الأحرار، والشباب، وكان المعيار الأوحد في إختيار الحكومات المتعاقبة في الساحة مدى ولائهم للحكومات والمنظمات والدول الغنية التي تكفل لهم رواتبهم، وبالتالي أصبح آمال الشعب الصومالي في إيجاد حكومة صومالية قوية تستطيع سيطرة الأمور المتفاقمة والوضع المزري للبلاد سرابا بعيد المنال في ظل حكومات فاسدة تنتج الفقر والإهانة والحروب الأهلية.
ولكن تشهد السّاحة الصومالية في الآونة الأخيرة تغيرات كثيرة ومستجدات متلاحقة بوتيرة سريعة أسرع مما توقعه أكثر المتفائلين تفاؤلاً ، وصادفت التغيرات بتوقيت فريد أضفى عليها طابعاً إيجابياً متمثلاً بصحوة ألهبت مشاعر المخلصين من ابناء الوطن وأججت مشاعر الوطنية في نفوسهم وفجرت الغريزة الكامنة في أعماقهم وغيرت الهمسات الداخلية وحديث النفس إلى حديث الفضائيات والتجمعات والمنتديات الصومالية.
توقيت شعر كل إنسان صومالي أن الإحتراب والقبلية وبث سموم التفرقة كلها عوامل تؤدي إلى الهوان وجرح الكرامة، وأن التفرقة وتجزأة المجزأ أصلاً وحمل شعارات مزيفة وبلقنة الصومال لم يعد كافياً لقتل روح الأخوة والترابط ووحدة الصف والوجدان. وأدرك الشعب ولو متأخراً أن مصلحة الجميع تكمن في الترفع عن سفاسف الأمور والتفكير الجيد والتقاسم العادل للثروة والسلطة وأنهم يستطيعون العيش فيه تحت المعادلة الشهيرة "لا غالب ولا مغلوب"، وأن السياسات الهوجاء التي إتبعناها والإختيارات الملتوية لم تكن إلا سراب وبرميل بارود إنفجر وتضرر الجميع بقوته وجبروته، وأن من حق الجميع أن يعيش تحت الظل الوارف للعلم الصومالي ودولة تسيطر جميع الصومال وتجمع الشتات وتضمد الجراح وتواسي المجروحين.
كان مجتمعنا ومنذ 1991م يعاني من الإنقسامات والتشريد وأستسلم للمشاكل والحروب، ولكن من الواضح أن المنظار الذي كان ينظر إليه الشعب قد طرأت عليه تغيرات جذرية، وأن الوعي الثقافي والحس الوطني قد إرتفع، واصبح الشعب مدركاً لما يجري حوله يستوعب ويحلل المواقف، ولم تعد الكلمات البراقة والكلام المعسول والوعود الوردية والكانتونات الصغيرة، والشعارات المزيفة من محتواها تنطلي عليه بقدر ما يعول أن يجد الحل الأمثل لمشاكله الكثيرة وآلامه المتعددة، وأن يجد قائدا ملهماً مخلصاً يرسم لهم الطريق السليم، ويؤمن بحق الشعب  في الحياة، وياخذ بايديهم الي دروب الامن والنمو الاقتصادي.
الشعب الصومالي محارب بطبعه لا يكل ولا يمل ولا يستسلم رغم كل الظروف بفضل عقيدته الإسلامية وطبيعة معيشته وخلفيته التاريخية، وبما أنه يملك كل مقومات الحياة الكريمة والعيش الرغيدة بات ضرورياً أن يدرك العقل الصومالي أنه مهدد بالإنقراض وأنه على وشك المسح من الوجود، وواجب المرحلة هو التدارك والسعي الحثيث لإستعادة المجد والكرامة مستفيداً الأجواء المهيأة والمناخ المناسب من التغيرات التي عمت العالم.
وبما أن الصومال يموج بحروبات إرهابية وحالات حادة من التناحر والإقتتال وإحتقان شعبي ضخم، وتتزاحم فيه الدول الخارجية والهئيات الأممية والحركات الإجرامية وأصحاب المصالح والتيارات والمذاهب، وفشلنا أن ندرك الوضع بالحوار والتقارب والتلاقي والتفاهم وأن نوقف الصراعات المستمرة ، بدت الحاجة أكثر إلحاحا لفتح أفق جديد من الوطنية وانتماء لهذا الوطن ومحاولة إعادة شمله من جديد.
يجب على الشعب أن يتخطّى زمن بيع العقول من أجل اللقمة والقبلية والكراهية والتضحية من أجل اصحاب المشاريع المشبوهة إلى زمن الوحدة ومخاطبة العقول والتقدير المبني على العلم والوطنية والتسامح، ولابد أن يأخذ العلم والعقل مكانتهما الطبيعية من أجل وحدة الشعب وتقوية وشائجه ولحمته وتنمية عقوله ومن أجل إيجاد مجتمع تسوده مبادئ الإستقرار والعدالة. مجتمع راقي يقبل الآخر ويقوم بتحسين الجبهة الداخلية بالحريات والمساوات والعدالة الإجتماعية ومكافحة الفساد والمحسوبين، وتلميع الصورة الخارجية بمحاربة الصور النمطية والحالة السئية التي تركزت في أذهان العالم،كما يجب أن نستفيق من الغيبوبة الطويلة والنوم العميق لتصحيح المسار وتدارك الموقف، وأن نخرج من الذل والهوان والخوف نحو الأمن وإعادة المجد ووقف نزيف الجرح الذي لم يندمل منذ عقدين من الزمن.
وأخيرا صبر الشعب الصومالي على الخنجر المسموم المطعون على خاسرته واقترب أن يشطب ذاكرته العنف والحروب الهوجاء التي لا تنتهي. وبتوفيق الله ثم بإرادة هذا الشعب التي لا تعرف المستحيل وبقوة عزيمتهم الفولاذية بات نجم الإحتراب يأفل ووشك فتيل الفتنة أن ينزع وشرعت عجلة المشاكل أن تتوقف وبدأت بوادر الدولة الصومالية تلوح في الأفق القريب مغيبة الإنقسام والشتات والوقوع في براثن الحقد والكراهية، وبدأ يستوعب أبجديّات التعايش السلمي على قدم المساواة في إطار وطني يرتكز على العدالة بعيداً عن إبراز العضلات و لغة المكاسرة والغلبة.

ومما يستوقف النظر ويثير الإهتمام هو ان الشعب استطاع في ظل هذا الظرف ان يزيح الكابوس المخيف على صدره وان يطوي صفحة الإحتراب الأهلي إلي صفحة الإقتراب وشرع الشعب طور البناء واستعادة الأمجاد الضائعة وإنتشال الوطن من براثن السّوس القبلي والذئاب البشرية التي تنهش جسد المواطن والثقافة وحل محل الإستبداد ثقافة التسامح التي كان يمتاز بها الشعب الصومالي قبل أن يدخل في أتون الحروب، وأدرك الشعب أن الأوطان لا تتقدم إلا على العقول المبدعة والسّواعد المجتهدة وثقافة التنازل والتحاور والبحث عن المصالح المشتركة، وأن مواصلة الحروب وتحول الأرض والشعب لساحات دامية لا تهدأ لا تصب لمصلحة أحد، بل إن الحروب الدائرة والصراعات المتجدّدة التي تتدثر وتتغطي بمسميات كثيرة والتي يموت بسببها كل دقيقة واحد من أبناء الشعب تبتلعه البحار أو تمّزقه القذائف أو تلتهمه المجاعة أو يموت بقلة المرافق الصحية ما هي إلا فخ مقصود لتدمير مقدرات الشعب ونهب ثروته واحتلال بلده.

ميناء غَرَعَدْ.. بارقة أمل في وسط الهزائم

  بعد انتهاء معرض مدينة "جالكعيو" للكتاب الذي كان يهدف إلى نشر السلام والمصالحة الشاملة بين القبائل -قبل تعزيز الثقافة والمعرفة- ف...