الخميس، 23 يناير 2014

العلمانية داء العصر(2-2)

مفهوم الدين بين الإسلام والغرب.

الإختلاف الجوهري يكمن في المفهوم الديني بين المسلمين والغرب المسيحي، ومن هنا يقول كريم محمود القزق: (ما يفترق فيه المنهج المعرفي في الإسلام عن غيره من المناهج المعرفية للديانات الأخرى هو احترامه لقدرات العقل البشري، فلا يلزمه بما لا يطيقه ولا يستخف به ويحتقره، وتقديره لكون ابن آدم ذو احتياجات روحية واحتياجات جسدية، فهو ليس بالمنهج الذي يغرق الإنسان في التصوف الفلسفي الذي يشطح به في غيبات الخرافة، ولا ينزل به إلى أسافل المادية التي تقتل الروح ولا تعترف إلا بما تدركه الحواس ويطلبه الجسد: ونرى ذلك جلياً في منطقية ارتباط مدلولات الألفاظ واصطلاحها الشرعي بمعانيها اللغوية، وارتباط ذلك المعنى اللغوي بآثار مدلول الاصطلاح الشرعي على واقع المسلم إذا هو التزم المنهج والعمل بهذا المدلول.

تفصيل مدلول "الدين" اللغوي من القرآن والسنة ودوواين لسان العرب:
فالدين: لغة: كلمة من أصل "د ي ن" يدل علي:
1:العادة والشأن والسيرة
2:المِلـَّة والعبادة
3:الجزاء والمكافأة والحساب
4:القهر والاستعلاء والغلبة والحكم والملك.

ومن كتاب الله تعالى مما يشير إلى هذه المدلولات:
*العادة والشأن والسيرة.
مثل قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّـهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} النساء:125
قال أبو جعفر الطبري رحمه الله تعالي:
"وهذا قضاء من الله جل ثناؤه للإسلام وأهله بالفضل على سائر الملل غيره وأهلها ، يقول الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا} أيها الناس، وأصوب طريقاً، وأهدى سبيلاً {مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّـهِ}، يقول: ممن استسلم وجهه لله فانقاد له بالطاعة، مصدقا نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من عند ربه {وَهُوَ مُحْسِنٌ} يعني: وهو عامل بما أمره به ربه محرم حرامه ومحلل حلاله" اهـ.
قال القرطبي رحمه الله:
"قوله تعالى: {فِي دِينِ الْمَلِكِ} أي سلطانه: عن ابن عباس. وعن ابن عيسى: عاداته. وعن مجاهد: في حكمه، وهو استرقاق السراق." اهـ
- *الملة والعبادة، والطاعة والخضوع
مثل قوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإِسْلَامُ} آل عمران:19
وقوله تعالى: {وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا} النحل:52
قال ابن كثير رحمه الله:
"أي: له العبادة وحده ممن في السماوات والأرض، كقوله: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّـهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [آل عمران:83]" اهـ
- الجزاء والمكافأة والحساب، والقهر والاستعلاء والغلبة والحكم والملك:
مثل قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4]، وقوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّـهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّـهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور:25]

وفي الحديث الشريف:
أخرج الامام مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: «بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يُرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد..
حتى قال: «ثم انطلق فلبثت ملياً ثم قال لي صلى الله عليه وسلم: يا عمر، أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم. »
والحديث فيه سؤال جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام ثم عن الإيمان ثم الإحسان، وسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ذلك "دينا.ً"

فالدين هو أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً، وأن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره، وأن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

فالدين هو مجموع الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة وما يعتقده المرء وما يؤمن به ويصدقه من الأمور الغيبية، فهو اعتقاد القلب وما ينجم عنه من عمل الجوارح تصديقاً لما في القلب من صدق المعتقد وانصياعاً لملك الجوارح: قال صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» (البخاري ومسلم في صحيحهما عن النعمان بن بشير رضي الله عنه).

فالقلب محل الإيمان وعلى قدره يكون صلاح ما يأمر به الجوارح: ولا يصلح إيمان المرء إلا بما أوحى الله تعالى به إلى رسوله صلى الله عليه وسلم من الأخبار والأوامر والنواهي، قال تعالى: {أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُم} [محمد:14] وقال تعالى: {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۖ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّـهُ ۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ . فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّـهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ . مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ . مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}الروم:29-32.)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منظومة القيم والمفاهيم الإسلامية: مصادرها وأثرها في السلوك / الحلقة الثانية: مفهوم الدين في الإسلام مقارنة به عند الغرب. (بتصرف)

و(المفهوم الغربي العلماني للدين، على أنه علاقة خاصة بين العبد والرب، محلها القلب، ولا علاقة لها بواقع الحياة.. جاء من مفهوم كنسي محرف، شعاره "أد ما لقيصر لقصير، ما لله لله"، ومن واقع عانته النصرانية خلال قرونها الثلاثة الأولى، حين كانت مضطهدة مطاردة من قِبل الإمبراطورية الرومانية الوثنية، فلم تتمكن من تطبيق شريعتها، واكتفت بالعقيدة والشعائر التعبدية ـ اضطراراً ـ واعتبرت ذلك هو الدين وإن كانت لم تتجه إلى استكمال الدين حين صار للبابوية سلطان قاهر على الأباطرة والملوك، فظل دينها محرفاً لا يمثل الدين السماوي المنزل. فلما جاءت العلمانية في العصر الحديث وجدت الطريق ممهداً، ولم تجد كبير العناء في فصل الدين عن الدولة، وتثبيت الدين على صورته الهزيلة التي آل إليها في  الغرب، وإذن فالعلمانية، رد فعل خاطئ لدين محرف وأوضاع خاطئة كذلك، ونبات خرج من تربة خبيثة ونتاج سيئ لظروف غير طبيعية.. فلا شك أنه لم يكن حتماً على مجتمع ابتلى بدين محرف أن يخرج عنه ليكون مجتمعاً لا دينياً بل الافتراض الصحيح هو أن يبحث عن الدين الصحيح.)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لماذا نرفض العلمانية،بدر محمد

ومن هنا فالعلمانية بمفهومها العام وكنهها الخاص هي تناقض صريح ودعوة وقحة تناهض جميع الأديان والأخلاق وكل ما يدعو إلي الغيبات والإيمان بالآخرة والجنة والنار، وتتضمن محاربة الإسلام والمسلمين بطريقة أكثر ذكاء ومؤاربة، ومما لا شك فيه أن الغرب الذي ترتبط الدين عنده بالهوية وتتمسك دينه يريد للمسلمين أن يبتعدوا عن دينهم، وتسخير الأحزاب الدينية في الغرب وتمكينهم في كل شئ (ألمانيا مثلا) وتحريم الأحزاب الإسلامية في التمثيل والحكم وقتل كوادرها وسجن أعضائها( مصر، الجزائر بنغلاديش... والقائمة تطول) هي علامة واضحة أنها أصبحت في الآونة الأخيرة نظرية شاملة تحارب الإسلام وتوظف طاقاتها لهدم ديننا الحنيف!، ولكن يأبي الله إلا أن يتم نوره.

ومن المبكيات أن المبتعثين إلي الغرب أومن أنبهرو بريق الحضارة الغربية الزائفة وتحيروا في هدير التكنولوجيا وأعمتهم المادة، أخذوا ثقافة القشور ومساوى العلمانية الغربية فنقلوا الإلحاد والألعاب الكلاسيكية والحب الفاضح والعري والنوادي الليلية وخلع الحجاب والخنا والزنى ومنع التعدد وسب الدين وأنها أفيون الشعوب! ولم ينقلوا إلينا العلوم والمعرفة والتكولوجيا والتقدم العلمي والأبحاث القيمة والتطور العمراني الذي قامت به أوروبا أو الغرب بأجمعه.

كما نسوا في غمرة إنبهارهم أن العلمانية ولدت من رحم المعاناة وتسلط رجال الكنيسة( الدين منحرف هنا) والكهنوت والقساوسة علي الناس، وخاصة الطبقة المثقفة التي كانت تدعوا إلي التنوير المعرفي والثقافي والإلتزام التام لرجال الدين بقيمهم التاريخية ودورهم الريادي في داخل المجتمع، الذي هوإرشاد الجموع نحو الصلاح وبيان الدين وتحذير المهالك والمطبات، وبعدما يئسوا من تقويم الكنيسة التي لا يمكن إصلاحها بفساد أساس دينها المنحرف ولدت الفكرة التي تدعوا إلي تحجيم دور الدين في أوساط المجتمع وشيطنة الدين ورجالها.
أما نحن المسلمون فكيف تنطبق علينا ما عاشت أوروبا في العصور المظلمة؟ وهل التجارب قابلة للإستنساخ والتداول؟ وماذا نفعل ما كتبه خيال أتعبه الكحول وأنهكه المخدرات والضعف البشري؟ ولنا دستور رباني ودين حنيف وشرع قويم من لدن رب العالم "وربك لا يظلم أحدا"، وإذا رمينا الدين ودستورنا (القرآن) وراء ظهورنا فمن أين نجد دستورا يراعي الحقوق ويقرر الحق وينظم الحياة؟.

وأخيرا لا أحتاج أن أذكر أن العلمانية ليست نظام حكم قائم بذاته له أهدافه ومرتكزاته وفلسفته الوجودية وأيديولوجياته الخاصة، وإنما مجموعة من الأفكار والتصورات لم تبلغ درجة التبلور في عالمنا العربي والإسلامي، تحركها بغض الدين والإنحلال الخلقي والميوعة في المواقف والإنبهار الحضاري والإنفصام  الذاتي، وحقيقة هي كلمة مرادفة للفسق والفجور والعري والضلال، عنوانها الرذيلة وشعارها التحلل الأخلاقي وإن تسترت وراء الأقنعة الزائفة والكلمات الرنانة مثل "الإستنارة العقلية والتفكير الحر والإصلاح الإجتماعي والمجتمع المدني" وغيرهم من الكلمات المستوحاة من قاموسهم الجميل في مظهرة والقبيح في مخبره.

ومن العجائب - والعجائب جمة - أن في السلوك العلماني يجعل التهكم لكل ما هو إسلامي والإستهزاء بشعائر الإسلام الشخص مفكرا كاتبا وعالما نحريرا وفيلسوفا عبقريا!، وفي عقيدتهم الفاسدة أن كل ملحد تنويري وكل علماني مفكر وكل شيوعي ماركسي متحدث للمجتمع المدني، وكل محتال طماع غيور للمصلحة العامة، وكل خبيث قاصر الفهم عربيدا مشفق للأمة، وكل مستبد سفاح حامي حمى الوطن وكل مشكك في وحدانية الله فيلسوف وكل من يأبي شرع الله ويطبل للدساتير الوضعية ليبرالي عظيم، وكل من يحاول هدم الدين من الأساس وتشويه صورة الإسلام ناشط مدني.!


وكل من يتمسك بالدين ويدعو إلي الإسلام إرهابي، والملتزم رجعي والمواظب للصلوات في أوقاتها وفي المساجد ساذج وصاحب اللحية خرفان والمحجبة ذميمة تستر قبحها.

ميناء غَرَعَدْ.. بارقة أمل في وسط الهزائم

  بعد انتهاء معرض مدينة "جالكعيو" للكتاب الذي كان يهدف إلى نشر السلام والمصالحة الشاملة بين القبائل -قبل تعزيز الثقافة والمعرفة- ف...