الأربعاء، 22 يناير 2014

العلمانية داء العصر(1-2)


العلمانية  فيروس العصر وداء القرن! وهي الكلمة الأكثر حضورا مع قرينتها الديمقراطية في أوساط الناس وعلي ألسنتهم، حتي باتت المصطلح الأكثر شهرة وترديدا في العالم، لدرجة بدت وكأنها العصى السحرية والخلطة التي تنجي العباد والبلاد من الشر المستطير، وتساهم في إنقاذ البشرية وإنتشال الكون من براثن الجهل والجوع والمرض، وأنياب الغي والحروب والصرعات العبثية والإنتهازية المتأصلة في نفوس المتغطرسين أصحاب النظريات البائسة والعنجهية والإستبداد المقيت، وتوجه سفينة الحياة وزورق الكون نحو الأمن والأمان وشاطئ السلامة والسعادة.

العلمانية الغربية مرت بمراحل مختلفة وأطر متباينة حتي وصلت إلي العلمانية المعروفة حاليا، وتاريخيا هي نتاج الإستبداد والتراكمات التي نجمت عن الظلم الذي مارسه رجال الدين (المنحرفة)، وأحدث الغرب هذه النظرية بعدما اكتوى نار الطغيان الكنسي وبعد التنكيل والإضطهاد والمصادرة التي قامت الكنيسة بعد التحريف الذي طال النصرانية، حتي باتت جوقة تخدم الرهبان وتعذب العباد وسوطا مسلطا علي رقاب المجتمع وضد الشعب الأعزل الذي أرهقته ضرائب الرهبان وإمتيازات البرجوازيين المتسترين في ثوب الكنيسة وأقنعة التدين، فناهض المثقفون والعلماء والنخبة رجال الدين وتحركوا نحو إبعاد الكنيسة عن شؤن المجتمع والحياة العامة، وعاش الشعب حياة عادية بعد نبذ الطغيان الكنسي الذي أثر المحاور الإقتصادية والسياسية والإجتماعية والنفسية للشعب وكرس الإستبداد والخوف والكهنوت.

أما العلمانية الشرقية فهي إنتهازية تبرر للجشع والطمع وتحارب القيم والموروثات الحضارية والتراثية، وتدعوا إلي التقليد الأعمي للقيم الوافدة والحضارات العابرة للقارات،! وكان مصدرها غباء متأصل في نفوس ناقليها وجهل متراكم في عقلية رجالها، لأنهم نقلو نظرية فارغة المضمون والمحتوى إلي أرض تملك حضارة خالدة وثقافة مترسخة في الوجدان وقيم نبيلة قديمة قدم البشر ودين تكفل الله حفظها لا يمكن أن تنال الأيادي المنحرفة والسواعد العابثة عليها.

ومما زاد الطين بلة أنها كانت نظريات ورؤى وأفكار غريبة غير مفهومة وغيرمستصاغة لدى المسلمين، بل تتصادمت مع معتقدات الشعب وشعائرالدين ونفت ضرورات الإسلام والقيم، وحاولت تشطيب المعتقدات والأخلاق عن القلوب، وحاربت الغيبيات والعلم الذي خص الله به، كما كانت في سلوكها نخبوية فوقانية ورجعية راديكالية وشوفينية متخلفة بمعني الكلمة.


بدأت العلمانية  في الغرب في القرن السابع عشر الميلادي وأشتهرت بعد الثورة الفرنسية، وبرز نظراؤها وعلماؤها كروسو وآدم سميث ونيتشه وغيرهم في هذا القرن الذي زادت فيه عنجهية الكنيسة علي الناس حتي رفضت العلوم التجريبية التي ثبتت بالتجربة والتكرار، وبدأت العلمانية في الشرق بداية القرن التاسع عشر للميلاد وعرفها الناس عن كثب في القرن العشرين ، ولم تكن في مضمونها إلا دعو صريحة لمحاربة الدين والأخلاق وتقسيم الحياة إلي نصفين وخطين متوازين لا يلتقيان أبدا:

(1)  الحكم والسلطة والنفوذ في كفة.
(2)  الدين والكنيسة والكهنوت في كفة.
الحكم والإرادة للشعب، والكنيسة للإله ورجال الكنيسة الذين يمثلون الله في المجتمع (سبحانه وتعالي عما يقولون علوا كبيرا)، ولا تتدخل الدين في شوؤن الحكم والسلطة والحياة مطلقا، بل تكون قاصرة في دور العبادات وعلاقة الفرد بخالقه والمسائل الهامشية والزواج والطلاق أوالأحوال الشخصية.
ولكن وقبل أن نردد الكلمة كالببغاء بسذاجة واضحة وغباوة فاضحة وقبل أن نتبني الأفكار كالبهائم دون تفحيص ولا تمحيص ونقبل النظريات الوافدة بعقول صغيرة وفكرة هامدة كحقول التجارب نقول: ماهي العلمانية؟ وماذا تدعو؟ وماهي أهدافها؟.

كما يقول الدكتور عائض القرني في بحثه القيم المعنون: العلمانية التاريخ والفكرة (أصل العلمانية ترجمة للكلمة الإنجليزية" secularism " " وهي من العلم فتكون بكسر العين،أو من العالم فتكون بفتح العين ، وهي ترجمة غير أمينة ولا دقيقة ولا صحيحة ،لأن الترجمة الحقيقية للكلمة الإنجليزية هي " لا دينية أو لا غيبية أو الدنيوية أو لا مقدس"، لكن المسوقون الأول لمبدأ العلمانية في بلاد الإسلام علموا أنهم لو ترجموها الترجمة الحقيقية لما قبلها الناس ولردوها ونفروا منها، فدلسوها تحت كلمة العلمانية لإيهام الناس أنها من العلم، ونحن في عصر العلم،أو أنها المبدأ العالمي السائد والمتفق عليه بين الأمم والشعوب غير المنحاز لأمة أو ثقافة .)

ويقول الشيخ محمد شاكر الشريف: في كتابه: العلمانية وثمارها الخبيثة:
قد كفتنا القواميس المؤلفة في البلاد الغربية ، التي نشأت فيها العلمانية مؤنة البحث والتنقيب ، فقد جاء في القاموس الإنجليزي ، أن كلمة ( علماني ) تعني:

*دنيوي أو مادي .
*ليس بديني أو ليس بروحاني .
*ليس بمترهب ليس برهباني .

وجاء أيضًا في نفس القاموس ، بيان معنى كلمة العلمانية ، حيث يقول : العلمانية : هي النظرية التي تقول : إن الأخلاق والتعليم يجب أن لا يكونا مبنيين على أسس دينية .
وفي دائر المعارف البريطانية ، نجدها تذكر عن العلمانية : أنها حركة اجتماعية ، تهدف إلى نقل الناس من العناية بالآخرة إلى العناية بالدار الدنيا فحسب .
ودائرة المعارف البريطانية حينما تحدثت عن العلمانية ، تحدثت عنها ضمن حديثها عن الإلحاد ، وقد قسمت دائرة المعارف الإلحاد إلى قسمين :

*إلحاد نظري .
*إلحاد عملي ، وجعلت العلمانية ضمن الإلحاد العملي
وما تقدم ذكره يعني أمرين:

أولهما : أن العلمانية مذهب من المذاهب الكفرية ، التي ترمي إلى عزل الدين عن التأثير في الدنيا ، فهو مذهب يعمل على قيادة الدنيا في جميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والقانونية وغيرها ، بعيدًا عن أوامر الدين ونواهيه.
ثانيهما : أنه لا علاقة للعلمانية بالعلم ، كما يحاول بعض المراوغين أن يلبس على الناس ، بأن المراد بالعلمانية : هو الحرص على العلم التجريبي والاهتمام به ، فقد تبين كذب هذا الزعم وتلبيسه بما ذكر من معاني هذه الكلمة في البيئة التي نشأت فيها .

ولهـذا ، لو قيـل عن هذه الكلمة ( العلمانية ) إنها : ( اللادينية ، لكان ذلك أدق تعبيرًا وأصدق ) ، وكان في الوقت نفسه أبعد عن التلبيس وأوضح في المدلول .
ويقول المستشرق " أر برى " في كتابة: الدين في الشرق الأوسط عن الكلمة نفسها : " إن المادية العلمية والإنسانية والمذهب الطبيعي والوضعية كلها أشكال اللادينية ، واللادينية صفة مميزة لأوربا وأمريكا.
وتقوم العلمانية على ثلاثة أركان رئيسة:

(الركن الاول : قصر الإهتمام الإنساني على الدنيا فقط ، وتأخير منزلة الدين في الحياة ، ليكون من ممارسات الإنسان الشخصيَّة ، فلايصح أن يتدخل في الحياة العامة ، وأما الدار الآخرة فهي لما كانت أمر وراء الطبيعة ، فينبغي في دين العلمانية أن يكون مفصولا تماما عن التأثير في الحياة المادية ، وقوانينها المحسوسة.
الركن الثاني : فصل العلم والأخلاق والفكر والثقافة عن الإلتزام بتعاليم الدين ، أيِّ دين كان
الركن الثالث : إقامة دولة ذات مؤسسات سياسية على أساس غير ديني.)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 (البيان لخطر العلمانية لحامد العلي).


وندرك من هذه التعاريف والكلمات أنها الوجه البراق للإلحاد، ورغم بريق كلماتها ورونق مدلولها المندس بالإنحراف العقدي لدى العامة ومن تبني الإتجاهات العلمانية بطيب خاطر وبقلب برئ! ورغم الستائر القرمزية التي أسدل عليها مما جعل معناها الحقيقي ضبابا يحجب الرؤية، فإن أهداف العلمانية هي الإبتعاد عن منهج الله وتبديل الدين ومحاربة القيم وقطع دابر الولاء والبراء، ومن البديهيات أن العلمانية باتت دينا تنافس الأديان السماوية المعروفة في العالم.

ميناء غَرَعَدْ.. بارقة أمل في وسط الهزائم

  بعد انتهاء معرض مدينة "جالكعيو" للكتاب الذي كان يهدف إلى نشر السلام والمصالحة الشاملة بين القبائل -قبل تعزيز الثقافة والمعرفة- ف...