الاثنين، 22 ديسمبر 2014

إطلالة من السينما الهندية

الحسناء الهندية مانطوري ديكست نيني (Mandhuri Dixit Nene) هي واحدة من أكثر الممثلات الهنديات نجاحا وتألقا وجمالا، حيث حصدت في مسيرتها الفنية التي إمتدت قرابة 30عاما جوائزا فردية وجماعية متعددة، منها 6 مرات فازت فيلم فاير وهي أعلى جائزة في الأفلام الهندية، وأربعة مرات في أفضل ممثلة، وفازت مرة واحدة في أفضل ممثلة مساعدة. ونالت جائزة خاصة لإستكمالها عامها الـــ25 في المهنة السينمائية وهي تحمل الرقم القياسي في الترشيح لأفضل ممثلة، حيث رشحها النقاد والجمهور أكثر من 13 مرة لأفضل ممثلة هندية، كما حصلت جائزة بادما شري وهي الجائزة المدنية الرابعة الأعلي في الهند، ونالت هذه الجائزة تكريما لها، وتخليدا لدورها الريادي في الثقافة الهندية، ومساهمتها الفعالة لصناعة السينما الهندية.
مانطوري هي واحدة من أهم الممثلات اللآئي نافسن الرجال في الشهرة وتجسيد المشاعر والنجاح، وفاقت أقرانها بجمالها الباهر وعفويتها الطيبية وملامحها الصبيانية البرئية، وباتت صاحبة التأثير الكبير في أوساط البوليود والسينما الهندية وردهات التمثيل والمسارح، مفخرة صناعة اﻷفلام ليس في بلدها فحسب بل صناعة اﻷفلام في العالم أجمعقصصها المترعة بالحب واﻷلم، ولوعة الفراق وعذاب الهجر وجمال الوصال وألق التلاقي، وأدوارها البطولية، وكفاحها المرير ونضالها المتواصل عبر أفلامها للتغلب من الظلم الاجتماعي والعبودية، وتعذيب الإنسانية، والطبقات المجحفة، واﻹقطاعية البغيضة، وأدوارها المبكية، ولمساتها اﻹنسانية في جل أفلامها التي اختارت معظمهم بدقة متناهية، والكارزما الخاص التي تمتلكها، إضافة إلى رغبتها الكبيرة في النجاح جعلتها ايقونة البوليود وشمسها التي لاتغيب.
كم أعجبتنا بأدائها الراقي، ورقصاتها المبهرة، وصدق مشاعرها في اﻷفلام وفوق المسارح وامام الكاميرات، وتمثيلها اﻹعجازي، ونظراتها القاتلة، وتغنجها الذي يحير القلوب، وأنوثتها التي تذهل اللب وتثير مكامن الشوق وأحاسيس العشق، وكم أسحرتنا برقصاتها الشعبية على وقع اﻷلعاب الفلكورية الهندية والغربية علي السواء، وكم منحتنا سعادة غامرة بإبتسامتها الساحرة وسلاستها الجسدية في الرقص، حتى أطلق عليها الجماهير الهندية Dag Dag girl نسبة لرقصتها الإعجازية في فليمها بيتا 1992 مع أنيل كابور، ونالت في هذه الفلم أحسن ممثلة.

السبت، 6 ديسمبر 2014

أحلام طفل لم تتحقق


حب الوطن غريزة إنسانية وعادة بشرية متوارثة منذ فجر التاريخ، وهي جبلة طبيعية أبدعها الخالق في الإنسان ليعيش البشر علي أرض أحبها وتعلق بجمالها، ويضحي من أجلها المهج والأرواح، ويتكاثر عليها ويعيش فوقها بوئام وأمن ومحبة، والشعوب رغم إختلافاتها المتنوعة في العالم إلا أنها مقتنعة بأرضها وعاداتها وتاريخها وتراثها، ولا غرو فهذا ناموس الكون لتسيرة القافلة البشرية إلي منتهاها الطبيعي ولمواصلة الحياة وتكافؤ البشر علي سطح المعمورة.
 
وحب الوطن لا يتولد في الفناء ولا ينشأ من العدم، بل له مسببات ينمي الوطنية في قلب الإنسان، وروافدا يغذي شجرة الوطنية لتكون في قلوبنا  شجرة مثمرة وارفة الظلال، وسواء كانت الروافد مدرسيا، أو أسريا، أو بيئيا، وحتي في المجتمع والكون فهو العنوان الأبرز الذي يغرز قلب الطفل حب الوطن وحب المواطنين واحترام ترابه وتأريخه وتراثه المجيد.

في صغري وكغيرى من أطفال العالم الحالمين بوطن يسع الجميع وتربة يموت من أجلها، كنت أحلم  بوطن يليق بنا ونليق به، وأبني في داخل خيالي الطفلي الطري دولة عملاقة من سراب أعمدتها من تصورات طفل أحب الدولة ولم يراها، وأرسم وطنا بريشة قلبي وأرسل أمنيات من الرماد إلي عنان السماء ، وأكتب بمداد عقلي الطفولي نشيد الوطن الرقراق:
Soomaaliyeey toosoo
Toosoo isku tiirsada ee
Hadba kiina taagdaranee
Taageera waligiinee
Idinkaysu tookhaayoo
Idinkaysu taamaayee
Aadamuhu tacliin barayoo
Waddankiisa taamyeeloo
Sharcigaa isku kiin tolayoo
Luuqadaa tuwaaxid ahoo
Arligiina taaka ahoo
Kuma kala tegeysaan oo
Tiro ari ah oo dhaxalaa
Sideed laydin soo tubayoo
Ninba toban la meel marayoo
Cadowgiin idiin talin oo
Tuldo geel ah oo dhacan baad
Toogasho u badheedhanee
Ma dhulkaas dhanee tegeybaan
Ninna dhagax u tuurayn

الأحد، 9 نوفمبر 2014

مشهد مؤثّر من السودان.


الإنسان عواطف ومشاعر وأحاسيس، وفي كنه جبلته الإنسانية خلق الشوق، والأنس، والضجر، والبكاء، والضحك، والهيام واللوعة، وجميع ثتنائيات الحياة المرعبة لتكون هذه الثنائيات مدار حياته وميدان عمره، ومن طبيعة البشرية الحنين إلي الرفيق أو الحبيب أو الصديق، وخاصة إذا رجع إلى دفئ الوطن قبل دفء العروق التي تنبض داخل قلوبنا، وبعدما ابتلعته الغربة وغرق في أمواج المنافي ولازم عصى الترحال ردحا من الزمن.

وتظهر العاطفة الجياشة ورهافة القلب والمشاعر الرقيقة علي سجية بعض البشر وتدخل في وجدانهم ومكامنهم، فيما تختفي تلك العاطفة عند بعض الشعوب لتحجر قلوبهم وخشونة طبائعهم وصلابة مواقفهم، ومن المجتمعات التي تظهر عليها تلك العاطفة الإنسانية التي لا يستطيع المرأ  إخفائها المجتمع السوداني النبيل.

قبل أن أتعرف علي الشعب السوداني عن كثب، كنت أتعجب لبعض المواقف والمشاهد، لما أجد فيها من الإختلاف الكبير بين بيئتي التي ولدت فيها وبين البئية الجديدة التي تتطلب التكيف ومعرفة الخصوصية الثقافية للشعوب، رغم ان العادات والتقاليد الصومالية السودانية متقاربة جدا، وخاصة العادات القديمة والتراث التأريخي للشعبين.

ولكن بعدما عشت معهم سنوات وتعرفت علي نمط حياتهم وسلوكهم ووجدانهم،  وجدت أنهم شعب راقي، سهل الطباع، كريم السجايا، وذات أسلوب حياتي مفعم بالحب والمشاعر الدافئة، والمواقف الإنسانية التي تترك في النفس أثرها البالغ.  ومن المشاهد الملفت للنظر وخاصة لصومالي مثلي عاش في مجتمع يغلب عليه الطابع البدوي الخشن والحياة الرسمية التي لاتعرف المجاملات ولا ترى الدموع إلا عند موت عزيز وفقدان حبيب "مشهد البكاء عند الوداع والإستقبال".

 كنت في مطار الخرطوم الدولي وفي إنتظار شخصية مهمة قادمة من العاصمة الكينية نيروبي كل شئ هنا أنيق ورائع، هدؤ مطبق وسكوت رهيب يتخلله صوت الإستعلامات ودبدبة الأشخاص وهمسات المنتظرين وبعض الضحكات الخجولة ورنات الهواتف الذكية.تهوئة جيدة للصالة يزدانها فتياة في عمر الزهور جدائلهن متدليات علي جيدهن، و براعم كالورود ينتظرون الحبيب القادم مع أسرهم.

الخميس، 30 أكتوبر 2014

السيد محمد عبدالله حسن.. وثورة الدراويش (2-2)

جاء الدرويش بزمن كانت الصومال بحاجة ماسة إلي منقذ حقيقي ينتشل الأمة من براثن المستعمر، وينقذ منها دنس المرتزقة ومجاهيل العدو ومخالبه التي تنهش جسدهم وأنيابه التي تنهب خيراتهم، وحقيقة كان الشعب الصومالي ضاق ذرعا عن الممارسات الهمجية للإحتلال، والعذاب الجسدي والنفسي، ووصل إلي آخر خطوة مع السياسات الإستعمارية الهوجاء التي كانت تطبق عليهم قاعدته الشهيرة فرق تسد لمواصلة إستنزاف الصوماليين ونهك قوتهم وإدخالهم إلي غيبوبة لايستطيعون دفاع وطنهم وحماية تقاليدهم وتراثهم من النهب والضياع وإطالة زمن الإستعمار.

لم يتوقع الإستعمار في هذا التوقيت الحرج والزمن الصعب أن يبرز نجم الحرية في وسط ضباب الإستعمار، ومن أوساط الشعب المكلوم أكثر من قرن من الزمان، كانت سياسة المستعمر مؤسسة علي كسر إرادة الشعب وتضعيفه معنويا ومحاربته نفسيا، ليكون دائما أدات مطيعة في يده، وليكون ذليلا ضعيفا لا يتململ ولا يبدي أية مقاومة، وفي خضم نشوتهم بهذا الإنجاز الوهمي والخيالات الكاذبة التي ظنها الإستعمار أنها الحقيقة تحت وقع التفوق العسكري والإقتصادي ظهر المغوار وحامل شعلة اليقظة في الساحة الصومالية وأشرق كالشمس الحارقة التي تحرق الجراثيم والأوساخ.

كان السيد محمد لغزا محيرا في جميع الأصعدة والميادين، صوماليا لم يكن معتادا أن يبرز العلماء والشيوخ والطرق الصوفية في هذه الفترة لمحاربة الإحتلال، بل كانت معظم الطرق الصوفية في العالم العربي والإسلامي تهادن أو تميل للمستعمر مالم تتعاون معهم، إضافة إلي شخصية السيد محمد عبدالله حسن المثيرة فهو قائد محنك وشيخ بارز وسياسي لبق وشاعر لا يشق له غبار وشجاع قلما نجد مثله في الكتب وأروقة التأريخ وإذا شهد الوغى فهو كميت لا يعرف الهزيمة ولا الفرار أو الإستسلام، وفي نظر المستعمر كان كهلا مجنونا لايقدر الظروف ولا يعرف الواقع ولا يدري قوة الإنجليز وأعوانهم وآلياتهم الرادعة لمن سولت نفسه أن يقاوم أو يحارب ضدهم.

ومن أولى تصرفاته وفي فاتحة كلامه وتحركاته في كافة المحاور، أدرك الصوماليون أنهم أمامة شخصية مغايرة تحمل الشجاعة الصومالية في أبهى صورها، ورزانة العلماء في أسمى معانيها، وحنكة القواد في ألمع حالاتها، وجمال الأدباء في أنضر أحوالها، وأنه لا يوجد في الساحة  الصومالية شخصية أمثل وأقوي من السيد لقيادة التحرير وإمتلاك زمام الجهاد لنصرة المستضعفين، وأدرك المستعمر أنه أمام عظمة الإنسانية الصومالية وأمام رجل لايخاف من سوطهم ولا يسيل اللعاب إلي جزرتهم، وأدرك ـ ولومتأخرا ـ أن صباح الحرية والوحدة والتعاون الصومالي بات وشيكا، فضاعف نكايته للشعب ومصادرة أموالهم ونهب ممتلكاتهم وقتل أعيانهم واغتصاب الفتياة، مما أشعل الحماسة والوطنية في النفوس، وألهب الخواطر وأدمي القلوب، وعجل مقاومة الرجل الأبيض وتحرير العباد والبلاد من دنسه ورجسه، وكانت لابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر، وأن يجد الإستعمار جزاء وفاقا لفعلته الشنيعة وتصرفاته الغبية.

ولقد أظهر السيد محمد عبدالله حسن حنكه سياسة وفهما متقدما حينما هادن بعض القبائل التي كانت تضمر الحقد والحسد أو كانت تميل إلي نصرة المستعمر، وكان يفر الإندفاع إلي حروب عبثية لاطائل من ورائها فكان نعم القائد لتميزه العسكري وتفوقه التكتيكي وقوته الفكرية والأدبية وفكره الثاقب وشجاعته الكبيرة، ولم يكن شجاعا متهورا، بل كان شخصية إكتملت عليها كل صفات القائد الناجح :من الشعور بأهمية الرسالة، والشخصية القوية، والإخلاص، والنضج والآراء الجيدة، والطاقة والنشاط، والحزم والتضحية، ومهارة الإتصال والتخاطب، والقدرات الإدارية، وجدير بشخصية إجتمعت عليها هذه الصفات أن تابي الضيم والظلم فقرر السيد مع ررفاق دربه وخصوصيته وعدد من أقاربه وأخواله مجاهدة الكفار وأذنابهم وطردهم من تراب الصومال الطاهرة.

الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

دمعة في محراب الحب


 
  في مساء قرمزي شفاف رصعت السحب المجلجلة في الأفق ألوانا زاهية وقوس قزح جميل ممتزجة بصفاء الوجدان وجمالية الأشياء، كنت أرتشف قهوة المساء  ـ التي أصبحت طقوسا أمارسه ـ في مقهى شعبي تقع فوق تلة مرتفعة تطل علي المحيط الآسر ببهائه، الأجواء هادئة، والنفوس مالت إلي الأحاديث الجانبية الشيقة والإتكاء علي كتف المحيط، والأمواج تداعب الرمال والزوارق المركونة في المرافئ برقة ولين، والأشجار تعانق البنايات الشاهقة وبقايا الأطلال الصامدة رغم جرف الزمن وأصداء السنين، والنسيم العليل يغازل الحوريات اللائي يجلسن فوق المقاعد البلاستيكية والطاولات المستطيلة المطرزة بالأزرق الصافي لون العلم الصومالي وهن منهمكات باللمسات الحانية علي شاشات هواتفهم الذكية والإبحار في عالم الهواتف الجذاب، وأحاديثهن النسوية المفتوح وثرثرتهن التقليدية الصاخبة يجعل المكان وكأنه حفلة نسوية بإمتياز.

الأجواء السريالية للمقاهي الناعسة علي أهداب المحيط التي تصدح عنها الأغاني الكلاسيكية ذات الأوتار الشجية، ورائحة القهوة المميزة التي تنزلق إلي الفم كسرعة الضوء وتحول الأمزجة وتؤثر الخلجات، وأحاديث الأصدقاء على وقع شجى الذكريات وشجن الأيام، وملاحة الوجه وصباحة القد، والنظرات القاتلة، والقامة الممشوقة كالسنديان، والمشاعر الحالمة في محراب الحب كشبيللي الذي يفيض حبا وحنانا، والطبيعة الآسرة، وعرش الغروب وشفق المغيب، والأسواق الملئية بالمارة والمتجولين، والأرصف الباردة للمدن والقرى دائما ما ترسلني إلي سحيق العواطف وقعر المشاعر المكبوتة.

غابت الشمس وراء التلال وخلف المباني الشاهقة والبيوت الكثيرة والمتلاصقة كضاحية مهملة لمدينة إفريقية موغلة في القدم والعراقة، وأرتفع صوت المؤذن لمسجد عمر بن الخطاب العتيق المحاذي الثكنة العسكرية للبحرية الصومالية، صوت المؤذن كان يأتي وراء السنين التي تجاعيد وجهه تقول أنه في العقد السابع، وكان المايكرفون يعاني من الشيخوخة وشوشة الأصوات التي تجعل الآذان مزيجا من الكلمات والبحة والأصوات المرتفعة للمكبر.

في هذا الجو البانورامي الذي عم الأرجاء بدأت السماء تمطر رذاذا، وبدأت أعزف ألحان الحب وسيمفونية الصبا الشجية وأنا أهرب من السآمة والملل، وهاجمتني الأفراح كقطرات الندى أو كشروق الشمس بعد سواد الليل، أو أضواء الشموع التي تتراقص علي عتبة معبد مهجور في مدينة لاتينية باذخة بنكهة سيجارها الفاخر وتشكيلات المافايا تجار المخدرات، واللمسات الفنية المبهرة للساحرة المستديرة..

أمامي وعلي يمين المقهى فتاة حالمة تشبه الموناليزا الخالدة برشية الفنان الإيطالي الكبير ليوناردو دافيتشي،!تطرب مع أمواج البحر وكأن للبحر طبول وأنغام تتكلم،! جسدها مكتنز باللحم والنضارة، وتشع عن عينيها لحن الغرام وسريان الحيوية وهي تقفز وتترنم وتصغى إلي هدير الطبيعة وصخب الأمواج، عينان مستطيلتان برئتان كمقل الطفل في مهده، وشخصية متسامحة كزهرة البرسيم، وأناقة نادرة وأنوثة متوثبة تنافس السنابل والأشجار جمالا وبهاء.

يفوح عن جسمها عبق البخور التي تهديها نسمات المحيط إلي جسمها الذهبي وبشرتها السمراء النقية، وتتبختر كغانية في حلتها أو كملكة في بلاطها الأميري، وتنثر لحن الحب علي القلوب المجدبة، وتتمايل فوق الرمال الحريرية وبين الكراسي البلاستيكية والبيوت العتيقة والأزقات الضيقة، والدروب المحيطة علي المحيط، وفي تمايلها تتولد النغمات، وتتراقص ضفائر شعرها الأسود الفاحم كألوان ساحرة زاهية على ظهرها المصقول وتحت خمارها الشفاف ووشاحها العبق.

نظرتُ إليها بعيون تحمل سهام التعلق وموسيقى العشاق ذات النغمات الموحية، فتدثرت بالحياء وتخمرت بغنج أنثوى ودلال قاتلين، صوتها وهي تهمس في أذن صاحبتها كان يصل في أذني نشازا ومتقطعا، ربما كانت غير راضية لنظراتي المركزة حول شفتيها العذبتين وفمها المغري بالتقبيل وأماكن حساسة من جسمها، بحتها القليلة وبعدها عني جعلا الصوت وكأنه همسات مسائية وتمتمات ملئية برسائل العشق وإشارات الهوى، أو هكذا أحببت وأنا ثمل بنشوة الهيام ومتسكع في محراب الحب.

الاثنين، 27 أكتوبر 2014

السيد محمد عبدالله حسن.. وثورة الدراويش (2-1)

ولد السيد محمد عبدالله حسن عام 1864م علي الأرجح في قرية قوب فردود (Qob Fardod)الواقعة قرب مدينة بوهودلي من إقليم توغطير في الشمال الصومالي، هاجر والده من إقليم أوغادينيا الذي كانت تشتعل فيه آنذاك المقاومة الكبيرة للمسلمين بقيادة أمراء إمارة هرر الإسلامية ضد الحبشة والصليبين الغازيين إلي شمال الوطن الصومالي، وصهر واحدة من أعرق الأسر والقبائل الصومالية التي كانت تعيش على أنحاء بوهودلي.
عام ولادت السيد محمد عبدالله حسن كان عاما مشهورا في القطر الصومالي، ذاع صيته وعم خيره وانتشرت بركاته، حتى أطلق عليه الصوماليون بـ غبيسني  (Gobeysaneأو (الشهم) لرخائه ورغد العيش فيه، والحياة السهلة والأمن المستتب في الربوع الصومالي.

كان طفلا نجيبا وولدا لبيبا منذ نعومة أظفاره، وظهرت عليه علامات النجابة والنباهة وهو دون العاشرة من عمره، فحفظ القرآن الكريم والمتون الدينية وكتب الفقه واللغة والأحاديث، حتي أصبح ماهرا وولدا يشار إليه البنان في العلم والمعرفة والفصاحة والشجاعة، وأخذ لقب الشيخ الذي كان لا يطلق في ذاك الوقت إلا العلماء الكبار وأصحاب العمائم وهو في التاسعة عشر من عمره، منحه الله ذاكرة قوية وشخصية قيادية في كل الميادين، وشعرا يتدفق عن قريحته الإعجازية، وخيالا واسعا وحكمة تجري علي لسانه حتي برز بين أقرانه وأترابه وهو لم يتجاوز عقده الثاني.

تربى في عز أسرته وفي كنف والده وبين أخواله المشهورين بالشجاعة والفروسية ودولة القوافي والأدب، وكان شغوفا للرماية محبا للفروسية، مولعا بقصص الأبطال وتأريخ المجاهدين العظام، وكان يظهر تجلدا كبيرا في الألعاب الطفولية والشجار الصبياني، وظهرت قياديته في صغره وفي زمن المراهقة الذي يظهر عبقرية الشخص وذكائه.

وفي عام 1892م وعندما درس معظم المعارف الدينية والثقافية المتاحة في بلده والعلم الذي كان متوفرا في منطقته، سافر إلي الديار المقدسة مشيا علي الأقدام مع نفر من أصحابه، أمّ وجهه شطر الحرمين الشريفين فنهل العلم من معين مكة المدرار ونمير المدينة الذي لا ينضب، وأصبح طالبا للعلم في مهبط الوحي وأرض الخيرات والبركات هناك في الحجاز وزوايا المساجد المباركة، وعاش مع أسفار العلم وأبوب المعرفة في دار الهجرة وجوار الكعبة المشرفة، فصقلت رحلته المباركة إلي الديار المقدسة شخصيته ومنحته بعدا دينيا وثقافيا وفكريا لم يكن من الممكن أن يجد في بلده وبين أهله ووسط عشيرته القاطنة هناك عند جكجكا وماحولها وعلي تخوم بوهودلي وسهول نغال الفسيحة.

عاش مع المناضلين والعلماء الأجلّاء جنبا إلي جنب، وأعطى الإحتكاك الدائم لهم وخاصة في موسم الحج والعمرة معرفة أوسع لما يجري في العالم وخبايا المقاومة النشطة في العالم الإسلامي، وفي هذه الفترة زار السيد محمد عبدالله حسن إلي مصر وعاش في القاهرة فترة من الزمن، وزار الأزهر الشريف ولقي علمائها الأجلاء، وفي طريقه إلي الصومال مر السودان خاصة منطقة السواكن التي كان المهدي السوداني يدرب جيوشه، ويجمع رجاله الذين خاضوا معارك مريرة ضد الإحتلال الإنجليزي، فكانت هذه الزيارة بمثابة شعلة أضاءت له طريق الجهاد، وتجربة ناجحة بكل المقاييس إستفاد السيد منها أمورا كثيرة مثل التكتيك العسكري والقيادة الميدانية والإنضباط الحركي والتنظيمي وإدارة المعارك.

ولم تكن هذه الزيارة أو الحياة في الحجاز ما منحته الحس الوطني والرغبة الجامحة لمقاومة المستعمر، بل كان مستاء من الحالة المزرية التي دخلها الوطن بفعل السياسة الهوجاء للمستعمر قبل أن يسافر إلي الديار المقدّسة، وكان محزونا ما آلت إليه الحالة المعيشية والحياتية لشعبه بعدما حول المستعمر حياتهم إلي جحيم لايطاق، وبعد سنتين من رحلة المعرفة والتجارب رجع إلي الوطن وهو متسلح بالعلم والمعرفة والفكر الثوري الكبير الذي طرأ عليه وهو يعيش في مكة عندما سمع الحركات الثورية والجبهات المسلحة التي تحارب الإستعمار وتسعى إلي تحرير بلدها وطرد المحتل وأذنابه في ديارهم.

الفن، الاستبداد والاشتراكية.. وأشياء أخرى!

  بعد يوم غائم أعقب أسابيع من الحرارة والرطوبة الشديدتين؛ كان الليل الكسماوي صافيا وجميلا. الرذاذ الذي بدأ بالتساقط بعد التاسعة مساء ومجالسة...