الثلاثاء، 26 نوفمبر 2013

العلاقة الصومالية السودانية (1-2)

العلاقة الدولية مصطلح لايوجد له إتفاق وتعريف موحّد، بل هومفهوم عام يشير إلي العلاقات المختلفة وقنوات الإتصال المتعددة التي تتم بين الكيانات والدول، وعموما يستند إلي العوامل البشرية والسياسية والعسكرية والإقتصادية التي تربط الدول فيما بينها، ويعد من المصطلحات التي باتت شائعة ومتداولة بصورة كبيرة في أوساط النخبة والعامة، ومن الكلمات التي دخلت في كثير من المجالات والمحاور الأساسية للدول والشعوب لأبعاده الكثيرة سياسيا وإجتماعيا وحضاريا ودينيا.
واليوم يمثل محورا ذات أهمية كبيرة، لأنه يحكم تداخل الأمم وتمازج البشر، ويقوّي سبل تعزيز حياتهم ويساهم في تلاقح الثقافات والزحف الحضاري المطلوب، وقبول التعددية والتسامح والتعايش السلمي بين الحضارات والأعراق والأديان المحتلفة، والأمل إلي غد أفضل يمد جسور التواصل ويقهر اليأس ويتحدي قيود التخلف والجهل بإرادة صلبة وعزيمة قوية ، وفي الجانب الآخر أصبح مصطلحا يساهم الإستقرار النسبي لبعض الدول ويكرس هيمنة القوي العظمي علي العالم الثالث! لذا إلتفّ حوله سحب غامضة أثارت زوابع كثيرة ،مما خلق مفهوما متنوعا لدي العامة حسب الرأي والبئية والفكر والإتجاه، إذن ما هي العلاقة الدولية قبل أن ندخل صلب الموضوع:
كما عرفتها الموسوعة الحرة فــ )}العلاقات الدولية هي: تفاعلات تتميز بأن أطرافها أو وحداتها السلوكية هي وحدات دولية، وحينما نذكر كلمة دولية فإن ذلك لا يعني اقتصار الفاعلين الدوليين على الدول وهي الصورة النمطية أو الكلاسيكية التي كان ينظر بها للفاعلين الدوليين في العقود الماضية.
فبجانب الدول هناك نوعان من الأطراف الدولية الأخرى التي تتشابك وتتفاعل في محيط العلاقات الدولية لدرجة لا يمكن معها تجاهلها طبقاً للنظرة التقليدية للفاعلين الدوليين.
  • والنوع الأول: من الفاعلين الدوليين هم أطراف أو فاعلين دون مستوى الدول في بعض الأحيان، مثل الجماعات ذات السمات السياسية أو العرقية التي قد تخرج عن إطار الدولة لتقيم علاقات مع وحدات دولية خارجية بغض النظر عن موافقة أو عدم موافقة الدول التي ينضمون تحت لواءها، مثل الجماعات الانفصالية وجماعات المعارضة المسلحة، فضلاً عن العلاقات الدولية لحركات التحرر التي لم ترق بعد إلى مرتبة تكوين أو تمثيل دولة.
  • أما النوع الثاني: من الفاعلين فهو يتمثل في التنظيمات التي تخطت إطار الدولة لتضم في عضويتها عدة دول، سواء كانت هذه المنظمات هي منظمات دولية أو إقليمية، وسواء كانت تلك المنظمات هي منظمات سياسية أو عسكرية أو اقتصادية أو ثقافية أو اجتماعية أو حتى تلك التي تقوم بغرض تعزيز روابط الآخاء الديني.
  • والعلاقات الدولية هي تفاعلات ثنائية الأوجه ، أو تفاعلات ذات نمطين، النمط الأول: هو نمط تعاوني، والنمط الثاني: هو نمط صراعي، إلا أن النمط الصراعي هو النمط الذي يغلب على التفاعلات الدولية برغم محاولة الدول إخفاء أو التنكر لتلك الحقيقة، بل أننا يمكننا القول أن النمط التعاوني الذي قد تبدو فيه بعض الدول هو نمط موجه لخدمة صراع أو نمط صراعي آخر قد تديره الدولة أو تلك الدول مع دولة أو مجموعة دول أخرى، فعلى سبيل المثال نجد أن الأحلاف والروابط السياسية بين مجموعة من الدول هي في صورتها الظاهرية قد تأخذ النمط التعاوني بين تلك الدول برغم حقيقة قيامها لخدمة صراع تلك المجموعة من الدول ضد مجموعة أخرى.
  • أكثر من ذلك فإن النمط التعاوني للعلاقات بين دولتين (مثل تقديم العون والمساعدات الاقتصادية والعسكرية) قد يحمل في طياته محاولة من إحداهما التأثير على قرار الأخرى وتوجيه سياستها بما يخدم مصالحها أو تكبيلها بمجموعة من القيود التي تتراكم كنتاج للتأثير والنفوذ.
لذلك نجد أن معظم التحليلات والنظريات في العلاقات السياسية الدولية تركز كلها على النمط الصراعي منها انطلاقاً من دوافع ومحددات ،مثل القوة والنفوذ والمصلحة فضلاً عن الدوافع الشخصية.
ويعد الصراع بمثابة نمط تحليلي خصب من أنماط العلاقات السياسية الدولية، فهو مليء بالتفاعلات متعددة الأبعاد، بل أنه يجمع في طياته النمط التعاوني نفسه والذي يعاد توظيفه في معظم الأحيان لخدمة النمط أو البعد الصراعي للتفاعلات الدولية
  • والعلاقات الدولية هي فرع من فروع العلوم السياسية، ويهتم بدراسة كل الظواهر التي تتجاوز الحدود الدولية. علما بأنه لا يقتصر على دراسة أو تحليل الجوانب أو الابعاد السياسية فقط في العلاقات بين الدول، وانما يتعداها إلى مختلف الابعاد الاقتصادية والعقائدية والثقافية والاجتماعية......الخ.
كما انه لا يقتصر على تحليل العلاقات بين الدول وحدها وانما يتعدى ذلك ليشمل كثير من الاشكال التنظيمية سواء كانت تتمتع بالشخصية القانونية الدولية أو لاتتمتع بذلك){إ.هـ

والعلاقات الدولية والإتصالات التي تتم بين الدول الشعوب أو المنظمات وحتي الأفراد كثيرة ومتنوعة من الجيواستراتيجيا إلي الإقتصاد والتكامل في مختلف المجالات ، ولقد بات واضحا في ظل المهدّدات الكثيرة للأمن القومي في معظم الدول أن تسعي الدول إلي إزالة الحواجز والعقبات وتقوية العلاقات وتمتين الأواصر بينهم، ومن البدهي أيضا أن تكون العلاقة بين الأمم والشعوب في عالمنا اليوم علاقة تقودها المصالح المشتركة والأهداف الموحّدة التي تساهم صياغة المستقبل بشكل رصين وتسعي إلي إيجاد آليات من شانها أن تجدّد الثقة بين الشعوب وتقرب الهوة الكبيرة بين الواقع والمأمول، ولكن لا يغيب عنها أخطاء قاتلة تكمن في ضبابية الرؤية وضعف الأساس والتأسيس بين الأمم، والطمع والغرور والعجرفة والجشع التي اتسمت به الدول الكبيرة التي تتستر علي دخان العلاقات لتكوّن رابطة عير عادلة مع الأمم الضعيفة ،ونجمَ عن الإستغلال البشع للعلاقة وسُوء إستخدامها عدم تفاهم واضح وتذمر ظاهر وحفرا ومطبات وعدم الثقة بين الدول القوية والشعوب الضعيفة في كثير من الأحيان.
ولقد دأبت الدول منذ فجر التاريخ أن تكون لهم علاقة مميزة وقوية مع محيطها وبئيتها لتطوير سبل حياتها وخلقها فرصا أكثر لنمو الإقتصاد وإستقرار الأمن وتبادل الخبرات والمعرفة، ولتكون الدولة مستندة إلي تكتلات كبيرة وتحالف قوي ومنظمات ذات إفتصاد كبير تقف إلي جنبها في وقت الأزمات، وتنمو العلاقة طبيعيا وتكون حميمية كلما كانت الدول متشابهة بينها، سواء كان التشابه دينيا وايديولوجيا أوفكريا وسياسيا وشعبيا، وتكون ثقافة المصالحة والتناغم الحياتي والفكري موجودا بينهما أكثركلما كانت الدول تربط بينهما روابط التاريخ وأواصر الجغرافيا ووشائج الحضارة، ولذا ليس غريبا أن تكون العلاقة بين الصومال والسودان الذان يعتبران خزانتين كبيرتين للثقافة والحضارة، علاقة تناصر وتنسيق تذلل الصعاب وتمهد أواصرا من نوع آخر تحمل في طياتها علاقة ذات نكهة طبيعية مميزة، ورابطة تجاوزت المكون السياسي والأمني إلي الفكري والأدبي وإلي الخلجات والمشاعر الحالمة والآراء المتحدة والأفكار الثاقبة والروح الإنسانية الجميلة.
ولولا عناد الجغرافيا وأنفة الطبيعة لكان الصومال والسودان يشكلان دولة واحدة وخريطة موحدة!، ولكن فصل بينهما جسم غريب وعائق بشري وطبيعي جعل التواصل والتلاقي يتم فوق هذا الحواجز، وتاريخيا كانت العلاقة حاضرة بين الممالك القديمة التي حكمت البلدين مثل مملكة مروي ـ (هي مملكة فرعونية يرجع تاريخ تأسيسها إلى ما بعد الآسرة الخامسة والعشرين وتحديداً فى القرن الثالث قبل الميلاد . وتقع في جنوب مصر , شمال السودان , في بلاد النوبة تحديدا ) ـ التي حكمت السودان دهورا ومملكة بونط (كانت مملكة صومالية قديمة قامت علي ساحل المحيط الهندي وخليج عدن وسيطرت أجزاء واسعة من الصومال وتحكمت تجارة اللبان والأبنوس والذهب والممرات المائية في شرق إفريقيا، وكان قدماء المصريين علي صلة تجارية بها).
واليوم تشبه الحياة والسياسة بين البلدين إلي حد كبير، رغم البون الشاسع بين السمات الرئيسة لتلك الحياة بسبب تدهور حالة الصومال، ودخولها في أتون حرب لم ينقطع في عقدين من الزمن، فالسودان ورغم تنوع أهله عرقيا وإنثربولوجيا واختلاف عاداته إلا أن الحضارة السودانية متقاربة جدا وشبيه للحضارة الصومالية في تفاصيلها الدقيقة وعناوينها الكبيرة، بدأ من التاريخ المشترك والملامح العامة للحياة إلي طقوس الزواج والعرس والفصل بين الخصوم والرقصات الشعبية إلي الألعاب الفلكورية وأدبيات الحروب والكفاح وخوض النضال ونمط العمارات وزخرفة المباني، إلي الملامح الرئيسة للشخصية حيث السحنة الواحدة والملامح الدقيقة المتقاربة والبشرة السمراء المائلة إلي الإنفتاح ،مما يجعل البلدين لوحة واحدة متكاملة في الواح القارة الزاهية.

الملامح السائدة في البلدين هي سمرة إفريقية جميلة يشوبها دم عربي اصيل إمتزج بالعرق الزنجي ، فكانت حصيلة إلتقاء الحضارتين ودمج العرقين ملامح دقيقة وجمالا واضحا ،هو الأبرزفي أفريقيا وأصبح فيما بعد لونا عجيبا ومعجزة حملتها التيارات الحضارية في كثير من ألأحيان، وإذا أضفنا ذالك إلي ادعآءت التاريخية التي تسردها القومية الصومالية، بأن قبائل صومالية نزحت في أوائل القرن الرابع عشر الميلادي إلي السودان، بسبب الحروب والنزاعات التي كانت تسيطر في الصومال آنذاك، بسبب الجهاد المسلح الذي كان يقوده المجاهد والبطل أحمد ابراهيم الغرين، الذي كان يواصل كفاحه المسلح ضد المستعمر الحبشي والبرتغالي في الصومال، وبسبب الإضطهاد الصليبي بدأت موجات نزوج وهجرات متتالية نحو الشمال، ووقوع السودان في جنوب الودي سهل الأمر، حيث استقر بهم المطاف إلي كردفان الكبري في جنوب السودان، وبمرور الزمن أصبحو سودانيين بحكم السكن والزاوج والمصاهرة والإختلاط الحتمي لبقية المواطنين يكوّن لدينا قناعة راسخة وإيمان عميق لصحة ما ذهبنا إليه.

ميناء غَرَعَدْ.. بارقة أمل في وسط الهزائم

  بعد انتهاء معرض مدينة "جالكعيو" للكتاب الذي كان يهدف إلى نشر السلام والمصالحة الشاملة بين القبائل -قبل تعزيز الثقافة والمعرفة- ف...