الخميس، 6 مارس 2014

أسراب الهموم

يمر العالم الإسلامي اليوم وضعية حرجة وتحديات جمة ومؤامرات خارجية وداخلية عديدة تحاكي ضده، تستهدف دينه ومقدساته، وتشوه تاريخه وتراثه، وتحرف حضارته وعراقته، وتنهب خيراته ومقدراته، ويعيش المسلمون بشتي دولهم وإنتمآءتهم وكياناتهم حياة صعبة ونكد لازم الأمة فغير المزاج وقلب الأمور، ونكبات متلاحقة أضعفت العزيمة وأضفت مزيدا من الإحباط والتقاعس والإستكانة في حياتهم.
ويتبحر المسلمون اليوم هزائم متتابعة وخيبات متتالية طالت جميع أصقاع الإسلام وبلاد المسلمين من أقصاها إلي أقصاها، وأضفي الهوان ظلاله علي رأي العام والجموع المسلمة ومهد للتبعية والإستسلام كالغنم الوديع وكالقطيع الضائع في حضرة الذئب.

حروب ودمار، جوع وجفاف، قتلى وجرحي، أنين وصرخات، إغتصابات واغتيالات، دمار ودموع وفجائع تسقي من دونها كأس المنية، دوي القنابل وشبح الحرب وأسرابا من الهموم وأصنافا من الغموم تأتي من هنا وهناك، فيتألم القلب من تبعاتها ويشحب اللون من تأثيراتها ويتبلد الضمير لكثرة الوخز والتألم، ويدمي القلب ويجرح الضمير وينزف الوطن ويكوّن في النفس جروحا لا تندمل وآهات لا تنقضي مادام الأمة ترزح تحت هذا الوضع المزرى.

لايوجد في طول العالم الإسلامي وعرضه دولة مستقرة مهيبة الجانب، ومنطقة آمنة تتمتع برغد العيش وبحبوحة الحياة وتعبد ربها غير خائفة من سوط المستعمر ولا بسياط المحتل، بل الشعوب تائهة في القمع والقهر، والحكومات غرقي في الفساد والتبعية والدونية والإستبداد وإلهاء الشموع بخطب فارغة وعيون حمراء ترهب الأمة وتزجها بالمعتقلات والسجون أوترسلها إلي الغربة والمنافي.

وكادت الأمة أن تستسلم حينما تحول عالمنا إلي بقعة ملتهبة تعيش فوق صفيخ ساخن، فجميع الدول إما مهانة تعيش تحت جلباب المستعمر وعبآءة المحتل، أوملتهبة ومثخنة بالجراحات التي تنزف دما وقيحا، ويحمل إلينا الإعلام في صدره أخبار الموتي والجرحي والمفقودين، وكأن قدر عالمنا المنكوب الا يخرج من هذه الدوامة وبرك الدماء التي نسبح فوقها بلا وعي وبلا ضمير.


إزاء هذا الوضع الرهيب لم تجد الشعوب المسلمة ماتشارك  في تخيف الألم ورفع المأساة عن المسلمين إلا الحزن والترقب لمآلات الأمور ويقين قوية أن ليل القهر قد أوشك علي الرحيل، وبزوغ فجر الحرية والأمل قد لاح في الأفق وبطريقة مفعمة بالقوة وغير تقليدية.

أُنظر متأملا خريطة وطننا الكبير ترى ما لا يسر العين ويدمي القلب ويحزن النفس، حيث بلاد الرافدين توشح ثوب العنف والدم وتنكر الحضارة وتبني الجهل والإبادة في ظل دولة القانون والتعددية السياسية ومحاربة الإستبداد وحزب البعث!، وأنين الأطفال في بلدنا الصومال يكب الملح في جرح الكرامة، وعويل الثكالي تطفئ شموع النور من الوطن، والعزف علي اللامبالاة التي يمارسها الحميع تزيد للجرح عمقا في ظل فوضي عارمة جعلت المسلمين في الصومال بين تائه في أزيز المدافع وبين مغمور ببغيه ومنتشي بنشوة النصر الزائف.
وبكاء الثكالي في سوريا يذوب القلب كمدا وحسرة، ونداء الأخواة في بورما وأراكان المسلمة يدمي القلب،وإستغاثات أهلنا في افريقيا الوسطى يعذب الضمير وما فلسطين عنا ببعيد، وتقسيم السودان وزرع الفتنة بين أهله تجعلنا ضعفاء أمام الكيد رغم أن العين بصيرة، وجر مصر إلي النفق المظلم والمستقبل الموحش واستيلاء العسكر المناصر للغرب وإسرائيل منذ إتفاقية كامب ديفيد السيئة السمعة للسلطة يعمق الجراح، وتفتيت قوة الدولة الإسلامية النووية الوحيدة باكستان تلهب الحشا وأفغانستان تصرخ بملء فمها أغيثوني أغاثكم الله.

ولكن السؤال الذي يفرض نفسه مالذي أوصلنا إلي هذا الوضع المتدهور؟ ومن الذي حشرنا إلي شفير الهاوية؟ ولماذا أمة إقرأ تعيش علي هامش الحياة وترضي نفسها الركون إلي رصيف العلم وفي مؤخرة المعيشة وقافلة العالم؟.
الإجابة سهلة وهي تكمن أننا ابتعدنا كتاب ربنا وسنة نبينا وتركنا مكمن قوتنا الذي قال الفاروق فيها:( نحن قوم اعزنا الله بالاسلام فاذا ابتغينا العزة بغيره اذلنا الله)، طلبنا العزة في الغرب والشرق ونسينا في خضم تنكرنا للدين أن الدعائم الأساسية لقوتنا والأساس المتين لحضارتنا ومبادئ قوتنا هي القوة التي تنبع ونستمد من ديننا الحنيف ( ولله لعزة ولرسوله ولكن المنافقين لا يعلمون).

وضعنا منهج الحياة وراء ظهورنا واخترنا المناهج الضالة والدساتير المزيفة، فسلط الله علينا البشر والحجر والبراكين والطبيعة وضعفاء العالم واليهود القردة والخنازير وعبدة الطاغوت، وجبابرة يتكلمون بألسنتنا ويحملون جيناتنا ولكن سلخهم الإستعمار وغربو وبدلو أفكارهم ومبادئهم حتي أصبحوا عينا علينا وعبأ علي أمتنا ومسيرتها نحو التقدم والتطور.

كيف تنهض الأمة وتقطع بعيدا إلي درب النمو والنجاح وكفة عالمنا تديره رويبضة لا تعرف دين ربها إلا الأسماء التي لم يختاروها والإنتماء الذي يخجلون عنه والصلاة في المناسبات والحفلات وأمام الكاميرات وفلاشات الصحافة،وكيف نتطور والكفة يديرها الجهال وخريجي الجامعات الغربية التي تدس السم في العسل، وممن حمل الغث وترك السمين يسوس الناس بطريقة غريبة ومناهج من صنع البشر وأديان منحرفة وأفكار مهترأة وآراء ساذجة.


كيف نتقدم ونضمد الجراح ونؤاسي المكلوم ومقاليد الأمور يمتلك من يحارب الإسلام في مهده ويفتخر أنه متجرد لتجفيف منابع الإسلام في عقر داره وطمس هوية المسلمين في موئل وحيه، لأنه يحمل أيدولوجية مناقضة لتعاليم الدين وشرائع الرحمن.

ميناء غَرَعَدْ.. بارقة أمل في وسط الهزائم

  بعد انتهاء معرض مدينة "جالكعيو" للكتاب الذي كان يهدف إلى نشر السلام والمصالحة الشاملة بين القبائل -قبل تعزيز الثقافة والمعرفة- ف...