الخميس، 27 فبراير 2014

أجراس الندم

بعد عقدين من الزمن كان الشعب الصومالي حزين النفس شاحب الوجه مكبل القدرات تائه الحال، تفرك الأمراض بطونه وتلتهم المجاعة أجساده وتمزق المدافع أعضاؤه، حتي اصبح هيكلا عظميا بلا لحم ولا دم كأموات يمشون علي أقدامهم، بدأت ثقافة الندم والتمجيد بالماضي تطبق أطنابها عليه، وأصبح الحنين إلي الماضي رغم جبروت الحكام وقسوة الجلادين والإستبداد الذي كمم الأفواه وصادر الحريات هو الخيار الأمثل لمعظم الشعب، بعدما فقد دولته وهيبته وبالتالي ضاع كيانه وفقد الإحترام والتقدير بين البشر.

وجأت الإفاقة المتأخرة بعدما سكب الصوماليون الملح في جرح كرامتهم بنزق وجنون قادتهم إلي الدونية والمجاعة والفساد، ونسج خيوط الأسي والألم علي صفح الذكريات في خضم الحروب ودياجير الصراعات العبثية التي عصفت كل المقومات،  ودمرت الحضارة والتاريخ والمقدرات، وأهلكت الحرث والنسل وجرحت القيم والأصالة الصومالية وشوهت التربة والجغرافيا ولطخت العراقة والتاريخ.

تزداد الحسرة ويكثر تأنيب الضمير والبكاء علي الأطلال وبصرخة أكثر كلما يتغول السفاحون في إراقة الدماء وإذلال الشعب وإرهاقه مما لاطائل من ورائه، وكلما ارتكب السياسيون البلهاء حماقات سياسية تورث الشعب خيبات متتالية ومزيد من العناء  والإهمال، اوعندما يقوم من إنتظره الشعب بقدومه لكي يخرج من أتون الحرب إلي فياح السلام وشاطئ السعادة بافعال غير مضمونة العواقب وحركات صبيانه لا تليق رجال الحكم والدولة.
ومع كل ومضة ظن الشعب أنها تغير حركة الواقع وتعيد أمجاد الماضي إلي سابق عهده، وكل حلم أجهضه عنجهية الحكام وغطرسة القادة، ومع كل أمل براق تبخر قبل أن يرى النور وكل أمنية عالية سطرها الواقع بالورق الكربونية، يرتفع  ترمومتر الشقاء والمعاناة في جوف الشعب.

الخميس، 20 فبراير 2014

الصوماليون في جنوب افريقيا... معاناة لا تنتهي!

يعيش الصوماليون في جنوب إفريقيا وضعا إنسانيا مأساويا وحالة نفسية وأمنية متدهورة ومحرجة! تتطلب تدخلا عاجلا، سواء كان التدخل من جهة الحكومة الصومالية أو الحكومة في جنوب أفريقيا، أوالهيئات الأممية والمنظمات الحقوقية، لأن الوضع مزري للغاية ولا يتحمل مزيدا من الدماء والدموع ومزيدا من الضحايا الذين يسقطون في كل لحظة، وبلا جريرة ودون مبرر وبدم بارد داخل المدن والقري والشوارع في مختلف أنحاء جنوب إفريقيا.

لم تبدا الإعتداءت الموجه إلي الصوماليين اليوم، بل كان مسلسلا روتينيا في الآونة الأخيرة مما جعل حياة الصوماليين اللاجئين فيها معاناة لا تنتهي تتجدد فصولها ويتعاقب حدوثها، ولا تشرق شمس يوم جديد إلا ويحمل للصوماليين فجيعة مؤلمة ونبأ محزنا لمقتل شخص من أفراد الجالية أو سطو مسلح للمتاجر والدكاكين الصومالية، ولكن ما يدعو إلي الدهشة والإستنكار هو المشاهد المروعة التي تاتي هناك وتجتاح مواقع التواصل الإجتماعي، وكل من شاهد الفيديو المقزز والعمل الإجرامي والرجم الهمجي الذي قام به البربريون في جنوب إفريقيا قبل فترة من الآن لا يتحمل ما يراه بأم عينه، وتذرف الدموع من مقلتيه ويقشعر بدنه جراء هذا الفعل اللا إنساني، والأشد من ذالك هو التلذذ العجيب لتعذيب الضحية والتنكيل بها وقتل المواطن الصومالي البرئي بحماسة مفرطة، والأدهي من ذالك أن القتلة يمارسون هوايتهم المفضلة قتل الإنسان وسحله في الطرقات ـ في قارعة الطريق ـ حيث يمر عندهم الباصات والمواصلات العامة والمارة ولا أحد يردعهم عن عملهم الوحشي ولا أحد ينقذ الضحية المسكينة التي قادها الموت إلي مصرعها.

السبت، 15 فبراير 2014

الرحيل نحو المجهول (2)

القصة المؤلمة والحكاية الرهيبة كانت تجعل للكهل قبولا من جانبي، ولأول مرة أجد أنسا يعتريني وإنسانا أثق به ولو بدقائق عابرة وعلي متن القطار القادم من بعيد وفي أدغال أفريقيا المخيفة وأحراشها البعيدة نحو المجهول كنورس تائه فوق جبال الألب في فصل الصيف أو كدب روسي اثره التغيرات المناخية والحياتية وإذابة الجليد الذي ضرب وبقوة في الجبال الجليدية المنتشرة فوق صفحة سيبيريا الزمهرير.

كان القطار يسير فوق لحى الأخشاب المجندلة في سكته وضوء الصباح الشاحب كذاكرتي الرمادية يدخل من النافذة الأمامية متسترا بنفحات الصبا المنعشة وأنا أجلس مسترخيا أدافع عن نفسي سراب الهموم وأبني في خيالي الواسع مناراتا للصمود والثبات، فيما كانت نوبات الماضي تهز راقصة وجه الكهل حتي أصبح وجهه قاتما وكأنه داجية لاصباح لها، وأدران الفجيعة والأسى مترسبة في وجدانه ويتألم كمن يعاني الحريق في جوف اللهيب، ولم يكن الزمن مناسبا لأتحدث عن قهر الظالم أو حتي لأتجرأ عن موساة المظلوم فعزفت ترانيم التجاهل وبدأت أغازل الطبيعة وبشكل حميم وموحي.

بصدفة محضة وبدون تخطيط مسبق كانت فاتحة كلامه ما أردت أن أرمي حجري حول محرابه، فتركتُ الرجل ليقول كل مايحرق حشاه ويجيش في صدره المثقول بآلام السنين وغدر الإنسان، وحقيقة لم أتفاجأ كيف كشرت الحياة عن أنيابها لهذا الرجل وكيف قلبت الدنيا له ظهر المجن، بل تعجبت كيف يسوق الوقائع ويتذكر دقائق الأحداث ويسرد الأسماء والأصاف وكأنها مرسومة علي لوح من زجاج تلاعب أحلامه وآماله وتخدش صفحة حياته وتؤثر ضميره.

عظمة المصيبة في نفس أيوب أفقدت عصمة اللحظة وبهاء الحال، وأمام الألم الذي يختبئ خلف ابوب المعاناة حاول سوق الكلمات ونسج العبارات وماهي إلا لحظات حتي ملأت العبرات في مقلتي الكهل، فتماسكت ليقول الرجل كل ما عنده لعلي أستفيد من تجاربه العديدة أولعل السطور الأولى لهذه الصفحة من حياتي تكتب حروفها عند هذا الكهل وفوق صهوة القطار المهترئ، إنهمرت شلالات دموعي لهول ما يقول الرجل وأحسست أن مشاعري كلها تختنق وراء غمامة كثيفة من البغض والكراهية والأحزان وجلد الذات وتأنيب الضمير.


وإستفادتي من هذا الدرس البليغ كانت أن تجربة الإنسان في الحياة كثيرة ومتنوعة، وقد يصيب أحد مشكلة ما فيرى أنها مصيبه كبيرة وحدث جلل ولا يوجد في الكون من هو أكثر منه ألماً وحرقه وقد يفقد المرأ الطموح  حتى يقترب إلى الرحيل، ولكن الساعات القليلة التي كنت مع أيوب وبعدما سمعت قصة رفيقي في السفر وما يعانية من قسوة بعض الرجال والقلوب الآثمة التي تفرض سياجا من الظلم وغسل الدماغ وتغييب الوعي للشعب المنكوب أيقنت أن في الكون يعج بملايين القصص المأوساوية وبلايين الحكايات المحزنة وأن ما أعانيه لا يساوي شئيا أمام العواصف والمصائب التي حدثت وتحدث في كل لحظة فوق البسيطة.

رائحة الماضي والصور الأكثر ضراوة وفتكا أذكت في نفسي جذوة جمدت الدم في عروقي وجعلت الآمال وكأنها منسوخة علي ورقة كاربون ولا شئ يدعو إلي التعجب في ذالك، كيف أسير مترنما في وادي أحلامي الجميل وفي كوكبنا الملئي بالغرائب والعجائب صرخات الضمير تأتي من هنا وهناك وصيحات الإستغاثة تدوي كافة المناطق في بلد تتساقط فيه الضحايا كأوراق الأشجارالتي تعصف بها زوابع الخريف! ولعل قصة أيوب ومعاناة أفراح تلخص معاناة جيل بأكمله طمست هويته وضعفت قيمته وفقد إيمانه بالحياة وبالمستقبل المشرق، فأيوب الذي يجلس أمامي مازال يحمل هموم الماضي وغموم اللحظة وأحزان الوقائع المؤلمة التي لا تفارق في وجدانه، ومن الجميل جدا أن اليأس لايدخل أبدا إلي قلبه العامر بالحب والإيمان والتسامح رغم كدمات الحياة الظاهرة في نبرات صوته وصفحة حياته.

تفاصيل القصة هي أن أيوب قبل أربعة أعوام كان يسكن بهناء البسطاء وطيبة أهل البادية وقناعة ممن يفوح عنهم رائحة التواضع والكرم الفياض الذين أذابهم عرق الجبين ويعيشون ببسالة وصمت في الريف، منصة السعادة كانت ملئية في بيته الصغير وحياته كانت مفعمة بالجد والكفاح ومصارعة أعباء الحياة وروتين المعيشة التي ينتزع فيها أنياب الردي ومخالب أسود الشرى لصعوبتها وكثرة ألحانها وتقلباتها.

بطبيعة أهل البادية كان كريما مضيافا كضيافة الأرض للمطر في يوم طاؤسي قرعت الطبيعة أجراس الحياة، يغدو في الصباح ويروح في المساء لا يبالي لفح الهجير ولابرد الزمهرير، ورغم أنه لا يملك سوى العزيمة والإصرار وبريق أمل لا يفارق في قلبه وحقول زراعية ورثها عن أبيه الذي لم يترك له سوى نسب شريف وسمعة طيبة في أوساط المجتمع الرعوي وبعض النوق وأغنام تفوق الأربعين وماتدر عليه من اللبن واللحم أو النقود بعد شرائها أو تسويق جلدها إلا أنه كان عزيز النفس مترفعا عن الطمع والتطلع بما في أيدى الناس.

كان أيوب عصاميا يأكل عرق جبينه وما حل في يده من الطيبات والأرزاق التي تأتي من خزائن الرازق، ولا يسأل الناس شئيا من متاع الدنيا مهما كانت حياته صعبة وحالته المعيشية متدنية، زهد عن بريق الدنيا والأطماع الزائفة ومصارعها، وكان يراقب بإستياء وبعين بصيرة ولكن قانعة:البذخ والثراء الفاحش الذي تعيشه النخبة الفاسدة والأروستقراطين وأصحاب الإمتيازات والشيكات، بينما ضاعت أصوات البسطاء والكادحين في هدير دوامة الحياة التي لا تكاد تنقطع، ويقول: لو أن الإنسان يقنع باليسير الحلال ويترك عن الجشع والطمع ونهب الضعيف والأغلال والفساد والترف الهائل لكانت الحياة رغم مشاكلها جميلة؟

في صغره تربي بعز عشيرته وبعادات قومه التليدة الضاربة في جذور التاريخ ذات نكهة الأريج  والعراقة الصومالية الأصيلة، وكانت حياته عادية وكعامة جيله وأترابه في الخمسينيات من القرن المنصرم بدأ حياته التعليمية بحفظ القرآن وامتهن الزراعة والرعي في كبره، وهما الوظيفتان الأساسيتان في الريف الصومالي بصفة عامة، ففي الصحارى والقفار حيث الطبيعة الجامدة والقطرة القليلة والأرض القفراء يعتمد الريفيون علي المواشي وتربيتها وتعتمد الحياة عليها بشكل أساسي، وفي الأراضي الزراعية ومواسم الأمطار وعلي ضفاف الأنهار والوديان يمتزج أهل الريف حرفة الرعي بالزراعة حيث يزرع الأراضي الهائلة ومئآت الفدان إضافة إلي رعي المواشي وتربيتها، وهكذا كانت حياته سيمفونية صراع مع الأحداث التي تدور في الرعي والزراعة وأفراد العشيرة.

ذهب الصبا وتوالت الأيام وإشتد عوده وتزوج فرزقه الله أولادا كالزهور إذ تضوع عبيرها، وبراعم جميلات يدخلن الحبور والسرور في النفس مهما كانت مثقلة بالهموم والغموم لبرهن ودماثة خلقهن وجمالهن الفائق، رب الأولاد في صغرهم كأي أب غيور علي دينه وعاداته وحضارته العريقة علي مبادئ الدين وثوابت القيم وطبائع الريف المحتشمة وعادتها المتجذرة في الأصالة والعراقة التاريخية.

دارت الأيام دورتها الطبيعية وتوالت الأحداث وتتابعت السنون ومعها تغيرت الأحوال وكبر الأولاد وتفرقوا في فجاج الأرض يبحثون الرزق واقتباس المعارف واقتناص الفوائد، ومعظمهم ذهبوا إلي المدينة وجذبتهم الحداثة المخضبة بالشجن وأضواء المدينة الآسر وإمكانياتها المتعددة وخدماتها المغرية ذات الإنسياب العاطفي، ورغم مشاغل العالم وبعد الأرض لم تنقطع أخبارهم أبدا، بل كانوا يرسلون الرسائل لوالديهم ومعها مبالغ مالية محترمة بل حاولو أكثر من مرة أن ينتقل الوالد والوالدة معهم إلي المدينة ليسكنوا معا وليرتاحوا من عناء الحياة بعدما ضعفت قوتهم وههن عظمهم وتفرقت الأولاد عنهم بحثا عن حياة أفضل وتحسين مستوى المعيشة.

ولكن كل مرة وبلا تردد كانت "لا" كبيرة جاهزة لكل من سولت له نفسه أن يتجرأ علي كسر الجرة وتسمية الرحيل أو تلميحها، ومن يحاول التستر بضبابية الكلمات والبوح للوالد بمكنونات نفسه وقناعته الراسخة نحو الإنتقال من الريف وحياته البدائية إلي المدينة ومرافقها الكثيرة وحياتها الجميلة، وكان يقول: كيف أتنقل من الريف وعبقه الفواح وحياته البسيطة والقلوب النقية والحب الصافي إلي المدينة حيث المكر والخديعة والتسلط والإحتيال؟، ولاغرو فالمدينة في نظر أيوب ماهي إلا مقبرة للفضائل والقابلة الرسمية لمساؤى الأخلاق وقبيح الأقوال بقدر ما هي وكر للإجرام والتحلل الأخلاقي والجري وراء بريق الحياة وشهوة السلطة والثروة.

والمدينة تقود الجميع إلي متاهات الخزي والعار! ويسرع ساكنوها إلي المجهول وبحيوية مفرطة وعزيمة لا تلين، وفي طريق تنقلهم بين أحضان الهموم والاسى ولحاق قطار المستقبل الذي يبتعد كلما اقتربنا وهرولتهم نحو سراب المدينة يشقون طريقهم بحد سهام الكذب والخداع والنفاق والتسلق والوصولية.

كانت أفراح رمانة أولاد ايوب وحبها يهز قبله من مكانه، وكانت فتاة كطلعة البدر صبوحية الوجه فائقة الأدب والجمال، وبعد إكتمال مراحل التعليم المتوفرة في القرية الحالمة علي ضفاف نهر شبيللي المنساب بعظمة موغلة في الجغرافيا والتاريخ كان أبوها يفكر بإيجاد رجل مناسب وشريك حياة يهدي إليها أجمل المشاعر وأصدق العواطف وأنبل الكلمات وأعز مالديه، وعرسها وزفافها المرتقب كان هاجسا يؤرق مضجع أيوب، في حين كانت أفراح آخر ما تفكر به العرس والزواج، لأنها كانت مشغولة بخدمة البيت وإصلاح المزارع والمواشئ ، ولم تفكر يوما عن الزواج والخطبة والعرس والقفص الذهبي والمأذون ومرادفات العشق والهوى لصغرها وإنهماكها الكثير لمساعدة الأسرة وخاصة بعد أن تنقل الجميع إلي المدن ولهثوا وراء سرابها الزائف.

كانت التعليم والتفوق الدراسي والسفر إلي الصروح العلمية المنتشرة في بلدها أشواقا جرعتها أفراح علي مهل وآمالا ساطعة طالما تمنت أن تعانقها يوما ما، وكانت تحاول كثيرا تغيير نمط الحياة والهروب من غربة الجهل إلي أنس المعرفة ومن جدران المدارس المتواضعة في قريتها الصغيرة إلي آفاق أرحب ومؤسسات تعليمية أعرق، وكانت مهتمة وبقوة إقتلاع الأشواك في الطرقات المؤدية إلي تحقيق أمالها لئلا تكون عائقا بينها وبين آمالها المشروعة.

نسيتُ وعثاء السفر وكآبة الواقع وكأني أشاهد فيلما سينمائيا أعده مخرج فنان ومنتج عبقري، ولم أشعر هدير القطار ولا همسات المسافرين لأني كنت مشدوها بكلمات أيوب وشعوره الخانق، إنهمرت دموع أيوب دون مقدمات حينما ذكر إسم "أفراح"! فحاولت المؤاساة ولكن كانت العبرات تزداد والنحيب يشتد والأوداج تنتفخ في كل لحظة، فجمعت ما أوتي لي من صور الخيال لقراءة رفوف أفكاره الحزينة، وحاولت التفرس علي مكمن حزنه لأتعرف ماهو الألم الذي يقبع في قلب أيوب ويجثم في خبايا نفسه ومكنونات ذاكرته.

لم يخطر يوما في باله أن حياة إبنته وفلذة كبده ستتحول إلي جحيم لا يطاق ورقما مجهولا من ضحايا العنف والإرهاب، وستكون حديث النوادي والسمار يتناقل أخبارها الغائدون والرائحون للشماته والفضول أحيانا وللتسلية أحيانا أخرى، لم أستطع أن أتامسك أمام كلمات أيوب القوية فبدأت المشاعر تعزف علي الوتر الحساس تساعدها رهافة قلبي الغريبة ألتي القت بثقلها عليّ حتي غصت في بحر من الدموع والألم النفسي، وعبثا حاولت نزع إبتسامة في خضم التراجيديا والبكاء الهستيري لأيوب ولكن أنّي لأيوب أن يضحك وأرشيف الذاكرة مازال يخزن صرخات أفراح وآهاتها ونحيبها المدوي حينما كانت الذئاب البشرية تلطخ عفتها وشرفها أمام الجميع وفي ميدان عام.

لم تكن أفراح وحدها من فقدت شرفها وطهرها في وحل الحروب وبعيون العابثين علي شرف الأمة، ومن واجه الحياة بأيدي لا تعرف الرحمة وقلوب قاسية لا تمسح الخيبة في جبين الإنسانية، بل الأشباح الساكنة في كهوف الجحيم وفي ربوع وطننا الذين هم في الحقيقة رسل الكدر وحاملي الهمّ ومنتجي الإبادة جعلو حياة الأمة مفعمة بالأسى والحزن والألم، ولم يرحمو إستغاثات الضعفاء وبكاء الأطفال والأرامل ونظرات البنات وهم يسوقونهن إلي أوكار الجريمة والخزي والعار.

قصة أفراح ودموع أيوب وحكايته المؤلمة وتشنجات السفر أثر في نفسي وتركتني جروحا لا تندمل وكوابيس لا يطاق وأنا في صهوة القطار وفي وسط المسافرين وهمساتهم وضحكاتهم التي تشبه آلات موسيقية تتكلم، وفي خضم مأساتي النفسية تسآلت كيف يلوث المغتصب عطر الندى بشهوته الآثمة وعرق جبينه المسموم، وهل للروضة التي تضوعت بالأريج ويصدح فيها الحمام نشوى أن يحرقها الجاهل بتصرفاته العنجهية وأفعاله الشنيعة؟.


الثلاثاء، 11 فبراير 2014

الرحيل نحو المجهول (1)

إستيقظت مبكرا في صباح يوم غائم شتائي وبعد نوم غير هانئة، بل كانت مشوبة بلحظات تراجيدية أليمة قربت المسافة بين الحلم والواقع، وكافحت في عزه كائنات غريبة وأشباح مخيفة ذات ملامح متشابهة وسحنات مشوّهة متقاربة. ناشفة الحلقوم غليظة الشفاه جاحظة العينين تتستر بالضباب وتختفي وراء سديم الأحلام كأنهم كائنات كربونية من المريخ أو من الجن الأزرق.

كانت ليلة تنقلتُ فيها أحضان الأرق والتفكير والأجواء المشحونة بالكراهية والغضب، كأنها قنابل ملغومة شديدة الإنفجار مخبؤة في المستنقعات المائية في منطقة البحيرات أو الأحراش المتفرقة في سهول البلقان، ولدغة مؤلمة كالعواطف الخرساء الكامنة في وسط الألم كمون النار في العود، لم تكن الأحلام المفزعة التي إنتابتني في عز السهاد سوى خفقان دائم يعتريني وشوق يعصف في قلبي ولهفة تلاعب حدقات عيوني الشاحبة كلما يمر أمامي طيف ورسمة وصوته الجهوري وقهقهته المبحوحة، وكيف رقصوا علي اشلائه وأجزاء لحمه الطاهر بعنجهية وغرور وتلذذ تام بتعذيب الضحية وقهر ذويه نفسيا بعد أن اشبعوا جسده بالموت.

بعد رحيل ورسمي ذالك الجندي الباسل والمخلص لوطنه في معمعة المعارك وحين رحى الحرب تدور في الميادين المخضبة بالدماء وعرق الجبين وهتاف الرجال، والمدافع تهدر وتدوي بصخب والصواريخ تهطل كالأمطار لتدك القلاع والجماجم، وحينما تبوح السيف كلما لديها تحت قبة الصراع الكئيب وليالي الكريهة والوغي، عاصرت أحداثا بعدد النجوم وافتقدت شهوة الكلمات وبريق العيون وكدت أفقد الأمل وأتنازل عن تحقيق أحلامي الوردية والثأر لورسمة لترقد روحه بسلام في قبرها.


بعد رحيله وقعت أسير ضروب الحنين الجارف الذي يحرك كوامن الحب في النفوس، ومازالت كلماته الرائعة التي تختصر السنين في ثواني وتخترق وراء المرئيات تتوهج في ذاكرتي، وطلعته البهية مرسومة علي لوحة قلبي القانية، ونبرات صوته المبحوح يطن لتضطرم طبلة أذني أنواع شتي من الأحاسيس والذكريات التي تعذبني في نومي وتطاردني في يقظتي وتسقي الوجدان ذاكرة العار والجريمة التي يرتكبها الجلادون في كل الميادين.

هيبة الحياة تكمن العيش مع من تقاسمنا معهم الضحكة قبل البسمة والرغيف قبل الماء، وفقد الأحبة والهرولة إلي زقاق الذكريات بعد رحيل نبض الفؤاد يكوّن في النفس جروحا غائرة عصية علي الإندمال وسهاما ممتدة نحو الجسد تمزق الحشى وتشحن النفوس كراهية مطلقة قد تجبر النفوس إلي الجنوح الدموي وانتحار القيم والتوحد الكامل مع الثأر والإنتقام بعدما إنسجمنا سنينا مع الحزن والألم .

في هذا الجو الكئيب الذي يجبر النفس الإنعتاق من قيودها والهرب بعيدا إلي فجاج الأرض الرحب متخطيا كل المحن والمآسي في ظل بيع الإنسان كرامته من أجل الإستبداد وتمكينها في مصائر الشعوب والأفراد، في هذه اللحظة الحرجة بالذات كان عقلي متعثرا كالولادة القيصرية بترجيح الأفكار وصوت السفر يلوح يديه من بعيد والليل الإفريقي الملئي بالأحاسيس العتيقة يهرب بقوة وشموخ نحو المجهول، وقسمات الفجر لم تنشر أشعتها الكاشفة والكون المظلم متوشح بردائه الحالك، وضوء الشموع تبعث الأمل القابع في طي النسيان وفي ظلمات القسوة والإهمال في إنسان مثلي قصة حياته كانت سيمفونية صراع متواصلة والنضال مع الأخطار وذاكرة حافلة بالإنكسارات والعيش في معمة الحياة رغم إمتلاكي لأسباب السعادة والسبل المؤدية للحياة الكريمة.

أشعة الشروق تدخل في البيوت وهديل الحمائم تملأ المكان كآلات موسيقية كلاسيكية، والجو غنج والبرد يقل بطريقة سريعة وبمنحنى تنازلي يحسن العزف علي الأوتار الحساسة كمنارات الليالي الهامدة أوكلحن الحياة الجامدة، رمقت إلي  ساعة الجدار التي تتحرك ببطء قاتل كأنها بندول ممل أو بقايا حركة لهزة أرضية خجولة في حقول السنابل المنتشرة في الجبال الفارسي أوبساتين الأرز في جنوب شرق آسيا بعد منتصف الليل، إرتديت ملابس الشتاء علي عجل وربطت حذائي بسرعة فائقة وأنا في قمة المأساة والإزعاج ودموع الشتاء المتثاقلة تملأ في عيوني المجتهدين وسعال خفيف يهاجمني كل مرة كنوبات موسيقية مؤلمة.

بدأت بدائع الصباح الممزوجة بدعابة النسيم والذكريات الصارخة تخرج من بين غفو الليالي وضفائر القناديل المنتشرة علي جنبات الشارع، وتجثم غيمة الأحلام الحزينة علي صدري المهزوز الذي يموج بتناقضات حياتية وفكرية يجعلني أسيرا لأحابيل الماضي وشراك الحاضر، وفي خضم عجزي عن الحركة سوى التمعن علي أعتاب من يحملون علي أكتافهم مشاريع الحقد والكراهية أهرول في ضمن المكلومين والغلابة الذين يعلبون الأحزان علي الرفوف وأدخل حقل حزن لا ضفاف له وأترقب إلي الرحيل نحو المجهول!.
في طريقي إلي المحطات المنتشرة علي أكتاف المدينة كانت شريط الذكريات يعيد الأحداث علي أشكالها الحقيقية وسجل الوقائع يمر أمامي وكأنه فلم وثائقي يرخي بظلاله معادلات الصراع الصفرية في داخلي، وبعد ساعة وربع من المشي بالأقدام في مدينة مترامية الأطراف متعددة الشوارع والأزقات وممتدة نحو الأفق أكثر من 35كم مربع، وقفت وحيدا في محطة الباص المزدحمة كغير عادتها، الحركة دوؤبة جدا كخلية النحل والناس متلفعون بهمومهم وطقوسهم اليومية وأغانيهم الصباحية المشوبة بالخوف والسهر.
الأقنعة الشتائية والصقيع الصباحي جعل الناس دمية لاتتحرك لا يسمع فيها إلا الأصوات المصحوبة بصعوبة التنفس وسحب الدخان المنبعثة من السجائر، الأطفال صامتون والرجال هامدون وسطوة الزمهرير غلبت علي ثرثرة النساء، ومع ذالك لم تكن المحطة كريهة خالية من لحن الحياة ولم تخلو عن إبتسامات رائعة تهز عرش القلوب كأنها صيغة إعتذار مسبقة نحوي!.
كانت المحطة عتيقة كئيبة، ورواسب الحزن والأسى تنبعث الذكريات الصدئة في كل مكان كمقياس حراري سوفيتي مهترئ ترفعه الزوابع تارة ويخفضه الصقيع تارة أخري، والرحلة نحو المجهول تشوش فكرتي وتستولي وجداني كمعزوفة إفريقية باهتة فقدت نكهتها في أيدي فنان متحير بين الإنتماء إلي أصالة الطبول الإفريقية القديمة ودقات الحداثة الصاخبة، نظرت إلي مقعد رخامي علي الجهة اليسرى للمحطة كان يرمقني بنظرة رمادية حانية كأنه محزون من أجل الطبيعة الجامدة من حوله، أو يتحرش بي لنخرج معا الوحدة التي كبلتنا في أعمدتها الكريهة إلي الأنس والملاح والحكايات الجميلة، لا أدري أي الخيارين كان المقعد ينوي ولكن أسطر الفرحة كانت بادية في محياه بعد جلوسي فوق المقعد الذي يركن بجنبه بحب وحنين.
تجولت في أوساط الناس و شعر الشقراوات وأوجه الحسناوات فتملكني شعور رهيب رسم علي ملامحي تموجات من البهجة والغضب التي تسري في أوصالي وتخرج كالبركان من ينابيع الفرحة وعيون الألم المنتشرة في وجداني! وفي هذه اللحظة بالذات كنت منهمكا لحل فك طلاسم الماضي متنكرا بوحدة مزيفة تجعل الواقع حالكا أكثر من اللازم.
قصدت نحو الكرسي الرخامي فرأيت كهلا عريض المنكبين كث الشعر كأن شواربه حبال تخاطب أصداء ذكرى قديمة ينفث سحب الدخان إلي السماء أو قل إن شئت ينفث زفراته الشجية إلي بقايا أمله ويداوي الجرح الغائر بمزيد من الضحايا والتبله المقصود، ولكن ليست ضحيته المفضلة آدميا بل هو حزمة القات المعلقة بغرابة تحت إبطه وأفراد السجائر التي تصرع تباعا في كل لحظة!، تأخر القطار كثيرا فقل الناس وإزدادت حدة البرودة ولسعتني بشدة موغلة في الثأر! فكاد قلبي أن يخرج من بين ضلوعي وساد في المكان صقيع  يتأسد عند بواكير الصباح.
لم أكن أرتاح نفسيا لتصرفات الكهل ونغماته الصوتية التي تقاسي الألم النفسي والبرد والجوع، والضباب الذي أطنب المكان والجموع المتوترة الهائمة التي تختفي وراء غابات الصندل وعلي طريق تائه المعالم خابي المنارات كأنهم آثمون بالهوى، وسبب عدم إرتياحي هو أنه حام حولي ذكرى مؤلمة وبرق في جفوني أحلاما ترتجف كأوراق متناثرة علي الأرصفة الباردة.
جاء القطار أخيرا فصفق الجميع بعفوية موغلة في البرآءة حتي ألهب التصفيق بالأكف السمراء، جلست علي مقربة الكابينة والشباك الأمامية فبدأ عطر الطبيعة يدغدغ مشاعري وأيدي الندى تداعب جفوني، ولكن غمضت عيني كأني أبعد عن ناظري أشباحا مرعبة مخيفة تداهمني في يقظتي، حرك القطار زرالمذياع العتيق فبعث صوت القصيدة يصدح علي ذبذبته والحنجرة الذهبية ترجع النغمات الكلاسيكية الشرقية الأصيلة، لم أتعرف علي الفنان لأني مزاجي لم يكن جيدا بما فيه الكفاية ولكن أعجبني صوته الشجي والإمكانيات الصوتية المدهشة التي يتمتع بها هذا الفنان المبدع.
نظرت إلي الركاب وكأنني في مهرجان موسيقي وحفلة غنائية لشعب رقيق المشاعر مرهف الحس، وتعجبت كيف ارتفع ترمومتر السعادة بمجرد وقع الأوتار وعزف البيانو، وإنسجامهم التام لكلمات الأغنية وتعابير الفنان وكأنهم في حفلة رقص جماعي يهزون روؤسهم ويحركون أكتافهم كنجوم المسرح أو كالفرق الغنائية المدربة، فغرت فاهي دهشة وعجبا، شعب مكوي بنار الحروب منكوب بويلاته وديناميكية المرح ترتفع بهذه البساطة وبأغنية لاتبثها الأثير ولا يذيعه التلفاز بل في المذياع العتيق للقطار المسن.

كنت في حزن صامت وعميق وأنا أتحسس مقعدي في الباص الذي لم أعرف شخصا ولا إنسانا من ركابه ولا وراء الأحلام، الشعوربالغربة وعدم معرفة الأشخاص أعطتني ثقة تامة وخففت عني عبأ الحذر والرحلة مع الشك الذي لا ينتهي،ولاغرو فرائحة الماضي التي تفوح في ذاكرتي ملئت حياتي أطنانا من السوء والسواد، وتركتْ سنوات الشقاء والكفاح آثارها السلبية في حياتي، وجعلتني إنسانا يميل إلي الوحدة والسكون.

سلمت نفسي للكرى فوق كرسي القطار وأنا أردد هذا البيت الذي لا أعرف قائله:
 في الذكريات وفي الترحال اشجان*** فيها من العلم والعرفان ألوان.
كانت أشجار الصندل تجود بنا روائح زكية تنعش الأبدان وتصفي القلوب، ولكن كان الجهْد يفسد متعتي والتعب يزرع خلاياه في كل خيط وعصب من جسمي، والخوف من المستقبل والأحلام المرعبة تصارعني في الغفوة السريعة فوق الكرسي وتدخلتني في بحر من التصورات والأفكار، وبينما أنا متقلب بين النوم واليقظة إرتجفت وكأني أحضن الملاريا فقفزت وأنا مذعور برعشة الخوف، شعرت ثقلا في يدي اليمني فإذا الكهل الذي كنا ننتظر القطار معا في المحطة المتجمدة يربت برفق وحنان علي كتفي وهو يبتسم، لم أعر له أي إهتمام بل جلست وفي العين حمرة ضلت طريقها، لأني ومنذ الصغر تعلمت قسوة الحياة والجرأة وعدم الخنوع وإن أبكي فعلى صمت، حقا كان رجلا براغماتيا وعقلا باردا يتحدث بتروي ويسكت بعمق ويحلل الأشياء بعقلانية كبيرة موغلة في التجارب الحية التي عاشها في سنين عمره الطويلة.

حاولت الهروب من نظرات الكهل ومحادثته إلي التنكر والإهمال والروابي الرمادية والتبله، وأن أجعله ـ كالعادة ـ ممن سقطوا في آبار النسيان وفي سحيق اللامبالاتي القاتلة!، ولكن بعبقريته الفذة بدأ يقرأ أفكاري ويمس خواطري، ونظر إلى وجهي الشاحب بنظرات قوية كالصواعق تغتال الشك في مهده وتأكل الأخضر واليابس.
حب الفضول والإستطلاع هو الذي أرغم الكهل علي محادثتي، ولم أتبين أهو يحاول تنظيم الحزن ورميه بعيدا في سحيق الأمل،أم هو يبحث حقيقية لفها غموض وأصبحت عصية عن الظهور؟، لا أدري! ولكن كان يبدوا كمن يتحدث وهو تائه في أودية الظنون والتخمين، أو كمن يراقب الوضع وسنه يضحك وأحشاؤه يحترق.! وبما أن رحلتي كانت مغامرة غير مأمونة العواقب تجنبت الأحاديث الجانبية والأحاسيس الجميلة، ولكن للمكتوب رأي آخر!ودائما بين الكواليس ووراء المرئيات ما نراها بذرة من الحب أو نزعة جامحة من التفاهم وثورة لطيفة في طريقها إلي الخروج وبطرق غير تقليدية وصاخبة أحيانا.


جلسنا أمام الطبيعة والعبق العتيق يهب من المروج والبساتين والجداول ممزوجا بهديل البلابل وتغريد الكناري كأنها رقصات صومالية سلسة وموحية، تآلفنا ورنة التوجع تبدو علي محيانا، وليت الأمر يتوقف عند ذالك! بل حادثني رفيقي في السفر حقائق أغرب من الخيال، ونسيت في خضم هولها كل ما عانيته في سنوات عمري.

السبت، 1 فبراير 2014

الإلحاد

الإلحاد هو : مذهب فلسفي يقوم على فكرة عدمية أساسها إنكار وجود الله الخالق سبحانه وتعالى فيدّعي الملحدون بأن الكون وجد بلا خالق، وأن المادة أزلية أبدية، وهي الخالق والمخلوق في نفس الوقت.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الندوة العالمية للشباب الإسلامي

كل شئ في الوجود يدل علي وجود الخالق، ولابد للكون المتناسق والكائنات المختلفة التي تعيش فوق البسيطة وفي الفضاء الرحب أن ورائها خالق الثقلين ومالك الملك ومدبر الخلائق ومسير الكون وفاطر السموات والأرض، حيث لا يوجد عقليا وعلميا من يبني نفسه بنفسه ولا يوجد ما يبني صدفة ودون فاعل لأن البعر تدل علي البعير  والأثر علي المسير، والعالم ـ أصلاـ لا يعترف الصدف في الحياة فكيف يقبل العقل البشري الصدفة لبناء هذا الكون الفسيح والمجرات المتعددة والكواكب العملاقة والجبال الراسيات والأشجار الباسقات والبراري والصحارى والقفار والمفاوز والبحار والأنهار وفوق ذالك النفس البشري والأجهزة الدقيقة للكائنات الحية (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) الذاريات: (أم خلقوا من غير شيءٍ أم هم الخالقون – أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون ) الطور

وهذا ما يسمى بقانون السببية الذي ينص: ( إن شيئاً من ( الممكنات )(( لا يحدث بنفسه من غير شيء )) لأنه لا يحمل في طبيعته السبب الكافي لوجوده ، (( ولا يستقل بإحداث شيء ))  لأنّه لا يستطيع أن يمنح غيره شيئاً لا يملكه هو )، ولوكانت العقول سليمة من أمراض العصر كالعلمانية والليبرالية، وداء الإجحاد من الشيوعية والمادية الديالكتيكية والداروينية والوجودية والباطنية والعقلانية، وسائرالفلسفات المبنية علي إنكار الخالق والأديان والبعد عن التفكير السلبي عن الدين كنظريات ماركس في الإقتصاد والتفسير المادي للتاريخ ونظرية داروين في أصل الأنواع ونظرية دوركهايم في علم الإجتماع، لأدركت العقول قوة الخالق بيسر وسهولة ولأذعنت خالقها خاشعة متذلله.

الفن، الاستبداد والاشتراكية.. وأشياء أخرى!

  بعد يوم غائم أعقب أسابيع من الحرارة والرطوبة الشديدتين؛ كان الليل الكسماوي صافيا وجميلا. الرذاذ الذي بدأ بالتساقط بعد التاسعة مساء ومجالسة...