الخميس، 31 مارس 2016

مقديشو..ومصاصي الدماء

هنا ولدت ضاحكا باسما مقبلا على الحياة لا أحمل الحقد والحسد على أحد، وهنا سأموت مبتسما مسرورا محبا للحياة ومشتاقا للقاء ربي لا أحمل سوى روح شفافة تعبت، وأحلام هرمت وشاخت لم تتحقق في الدنيا وستتحقق بإذن ربي في جنات الخلد عند مليك مقتدر. وسأدفن هنا مكرما مصونا رغم أنف الحاقدين ورغم أنف مصاصي الدماء ومزهقي الأرواح ومرتكبي الجرآئم والآثام بإسم الدين أو باالقبيلة أو الجشع، وما أكثر  الأسباب في بلد أصبح القتل أرخض مهنة وأسهل طريقة.
إن قتلني الأشرار بشظايا إنفجار، أو بإلتماعة رصاص أو ببرميل بارود، أو قصف مدفعي، أو اغتيال، أو ذبح كالنعاج فلن أتوقف عن الحلم الجميل، لن أتوقف أن أحلم إلى غد أفضل، لن أتوقف أن أقول لمصاصي الدماء أوقفوا القتل والتهجير، ولن أتوقف أن أتحدى الأجرام وتكميم الأفواه وإزهاق الأرواح.
ولن تتوقف الحياة في مقديشو، بل ترفع ذؤابتيها من جديد رغم الألم وأنين الجرحى في المشافي، ولن يسكب شعبي الأبي دموع الألم وزفرات الحزن فحسب، بل يقاوم ويكافح ويناضل ولا يستسلم أبدا، أمتي تحارب ولا تستكين وشعبي يبحث الحياة في عرين الموت وأوكار المنية.
مقديشو مدينة الجمال والنضارة، عروس المحيط كانت في تاريخها الحافل بالعظمة والشموخ مدينة أبية ومنارة للعلم والكرامة، كما كانت مدينة لا تستسلم بل تقاوم الى الأبد، تطرد الأشرار، وتبعد الفجار، وتنفي الأوغاد وان تربعوا فوق عرشها مئآت السنين وحكموا على شعبها الآف الأعوام بالحديد والنار.
الأنفة والإباء عنوانها، والكرامة وحفظ التاريخ والتراث سمتها منذ الأزل، تغفو ولا تنام، تمرض ولا تموت، تعاني ولا تتلاشي، تتألم ولا تذهب، تتصارع مع أعباء السنين ولكمات الدهور وندبات السنين وتخرج من المعركة وعلى جبينها ضحكة صافية باذخة الجمال، ومنذ أن ارتبط إسمها بالتكوين الوجداني والمكون الثقافي والتاريخي للإنسان الصومالي ومنذ أن دخلت في أتون الحروب وفي متاهات الصراعات العبثية لم ترفع مقديشو راية البيضاء ولم تركن إلى القبح والدمار، بل كانت تجدد نضارتها بعد كل نكسة، ويعود جمالها بعد كل كبوة، وتزدهر الحياة فيها بعد كل مأساة.
وفي ليلة لا ينسى الشعب الصومالي وعلى بساط مقديشو وفوق رمالها الحريري إمتزجت الدماء والدموع بمياه المحيط وهدير الأمواج وحبات الرمال، وفي ساحل المحيط الذهبي أزهقت النفوس وتعانقت الأرواح وعلت الى بارئها تشكوا الى مزهق لا يرقب في مؤمن إلا ولا ذمة، الذنب الوحيد للضحايا هو لماذا يضحكون!، ولماذا يعيشون!، ومن أين لهم هذا الجمال والحس والمشاعر، والقاتل همه الوحيد إنتهاء مظاهر الحياة  في ربوع الصومال وإختفاء الحبور على ملامح الصوماليين.
هنا كان السرور عنوان الجميع، وهنا كان الحبور يطبع على الجبين ضحكة صافية لذيذة، وهنا كان الوصال يؤثر على الأجواء ويرسم على الوجوه السمراء صور بانورامية لسعادة وارفة الظلال، وهنا كانت تعلوا وتصدح الإبتسامة الخلابة والقهقهات العذبة للأحبة والأصدقاء، وهنا كان العشاق ينسجون حبل الوصال وتلحين الحكاوي.
وهنا كتبت الجموع في لحظة غدر وساعة حزن أسمائها لحظة فراق الروح، وهنا وعلى الممرات الضيقة تكدست الأجسام الطاهرة والأطراف المبتورة والأجساد الممزقة، وهنا وعلى دروب المباني إنتهت الإنفجارات حياة الاطفال ومستقبل البراعم.

هذه الرمال ستخلد ذكرى الشهداء العطرة، وهذه المياه ستذكرنا أحبة رحلوا من ضجيج دنيانا الى سكون المراقد ومروج الأضرحة، كما أن الدم القاني سيدل على آثار المهوسين بالقتل والدمار والدموع والدماء.
الحياة أقوى من الموت، وعزيمة الشعب لن تلين ولن تموت يا مصاصي الدماء وقتلة الأبرياء.
الرحمة للشهداء والشفاء العاجل للجرحى

ميناء غَرَعَدْ.. بارقة أمل في وسط الهزائم

  بعد انتهاء معرض مدينة "جالكعيو" للكتاب الذي كان يهدف إلى نشر السلام والمصالحة الشاملة بين القبائل -قبل تعزيز الثقافة والمعرفة- ف...