السبت، 9 مايو 2015

مجلس نواب جوبالاند.. آمال عريضة وتحديات كبيرة

مر على المنطقة تقلبات سياسية وعانت من ويلات الحروب المتعاقبة منذ إطاحة الحكومة المركزية الصومالية قبل عقدين ونصف من الزمن، بل كانت من أكثر المناطق الصومالية التي تضررت بالحروب الأهلية والموجات القتالية العنيفة التي إجتاجت الصومال، لما لها من موقع إستراتيجي وثروات طبيعية وبشرية هائلة، جعلتها الخاصرة الرخوة للصومال ومنطقة تقع تحت إهتمام الجميع.

ودائما ما كانت المناطق الواقعة على ضفاف نهر جوبا والأدغال الطبيعية له بؤرة ساخنة للحروب الأهلية، وميدانا مفتوحا للمعارك الصومالية التي لاتنتهي بغالب ولامغلوب، بل تتجدد في كل مرة تحت مسميات جديدة ولاعبين جدد، سواء كانت تحت المسميات القبلية أو الشعارات الحزبية أو اللافتات الدينية،وكلها ساهمت في تخريب البلد وتشريد الشعب ومحاربة مظاهر الحضارة والتمدن والعيش بحياة كريمة والإحترام المتبادل بين المواطنين.

وبعد كل الماساة والألم التي مرت بها منطقة جوبالاند عامة و مدينة كسمايو خاصة تعيش اليوم حالة فريدة في نوعها، وبزغ لها فجر جديد مع ولادة الحكومة الإقليمية لجوبالاند التي رفعت منسوب الأمل وترمومتر السعادة في قلوب المواطنين الذين وجدو ـــ ولأول مرة ـــــ بعد الحكومة المركزية الصومالية المنهارة إدارة محلية تعيش بسلام مع الحكومة الصومالية الفيدرالية ولا تُخيف الدول المجاورة بشعاراتها وتوجهاتها، وتضم جميع القبائل الصومالية القاطنة في جوبالاند، وتحاول ضبط الإيقاع الحياتي وفرض سيطرتها على المنطقة، كما تسعى جاهدة لإعادة الأمن والإستقرار للشعب الصومالي في جوبالاند.

ولم يكن المسار السياسي سهلا أبدا، بل صاحب العملية السياسة مظاهر كثيرة للعنف والعنف المضاد، ومحاولات متتالية لإجهاض الإدارة أوقتلها في المهد، أو إستنزافها في ظل حالة صعبة من الإختناق الأمني والإقتصادي ، ومما يدل على هذا سلسلة الحروب الطاحنةالتي شهدتها كسمايو عام 2013م  بين حكومة جوبالاند وبين بعض القبائل التي كانت ترى أنها تستطيع تغيير الواقع وفرض سيطرتها بقوة السنان لابقوة اللسان، وكان من الممكن تفادي الحروب لو أن الأطراف إتبعت منطق العقل وليس منطق القوة، ومما يزيد الطين بلة وتؤجج الصراعات العبثية في جوبالاند أن المنطقة تضم معظم القبائل الصومالية المتناحرة حتى أطلق عليها البعض أعني جوبالاند أنها متحف القبائل الصومالية أو صومال مصغر.

المسار العسكري كان اليد اليمنى للمسار السياسي المتعثر  في كثير من الأحيان بأسباب تافهة وغير لائقة أو بسبب تصلب المواقف وإنعدام الفكرة الجيدة والرؤية السياسية الواضحة التي تقود إلى حلحلة الوضع وإيجاد نظام تشترك فيه جميع القبائل لبلورته ويضم الأشخاص البارزة في السياسة والدين والقبائل، ولم تفكر الأطراف التي تتلكا دائما عندما يتعلق الأمر بإنهاء الصراع وشروع بناء دولة صومالية قوية تقوم بواجباتها وتبحث كيفية الخروج من عنق الزجاجة، ولم تدرك القيادات التي تغرق في الشبر الأولي من المستنقع الصومالي أن الشعب منهك وملّ من الحروب وسئم عن التشريد والحياة الذليلة في المخيمات ومعسكرات اللجؤ في افريقيا وآسيا واروبا وجميع القارات المأهولة.

وبعد سنوات من النضال السياسي المتواصل إكتملت أركان الحكومة الإقليمية لجوبالاند بمراسيم إفتتاح العرس البرلماني الكبير الحدث الذي يعتبر أنه من أهم الأحداث للساحة الصومالية في العام الجديد، وكما يتوقع الجميع لم تكن الخطوات نحو تكوين البرلمان المحلي سهلا، بل شهد مخاضا عسيرا وسلك دروبا وعرة ومطبات صعبة وتشنجات سياسية وقبلية، وكادت الأفكار المتناقضة والمصالح القبلية المتصادمة والمطامع الدولية المتزايدة أن تعسف بها لولا صلابة الموافق لحكومة الإقليم وجديتها المطلقة لإيجاد مجلس نواب محلي يقوم بدوره القانوني ويمارس صلاحياته الدستورية في ظل نظام صومالي فيدرالي مبني على تقاسم السلطة والثروة بشكل عادل بين الأطراف والمركز، وإعطاء الإدارات المحلية أو المناطق التي تتمتع  بحكم محلي ذات صلاحيات واسعة.

كما لعبت الأطراف الدولية والإقليمية وفي مقدمتها الهيئة الحكومية للتنمية في لشرق افريقيا IGAD دورا حاسما ووساطة مقبولة بين الفرقاء الصوماليين، ورغم أن دوره كان رقابيا فقط في بداية العملية إلا أن بسبب الفرقاء الصومالين وإنعدام الثقة فيما بينهم سرعان ما تحولت الإيغاد إلى طرف مهم جدا يشارك صياغة المواقف وتذليل العقبات وإذابة الثلوج بين القبائل وتقريب الوجهات وتقديم الرؤية والتجارب حول آلية إنتخاب البرلمان المرتقب والطريقة المتبعة وكيفية إختياره.

كما كان المجتمع الدولي يساند في هذه العملية عبر المندوب الخاص للأمم المتحدة في الصومال السفير نيكلاس كي الذي كان يتردد دوما في كسمايو ليشجع المسار السياسي الجديد وإشادة الخطوات الملموسة نحو الإستقرار والدولة، كما كانت المدينة أعني كسمايو قبلة للسفراء الأجانب من الأتراك وبريطانيا وأمريكا ودولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة التي بذلت جهدا ملموسا حول بناء البنية التحتية لكسمايو وباكورة هذا الأعمال سيكون ترميم وإعادة التأهيل لميناء كسمايو التي تعاني من الإهمال وتدني الخدمة بسبب نعرفها جميعا.

ورغم أن البرلمان وطريقة إنتخابه قد أحدث ضجة كبيرة داخليا وخارجيا، وشهدت بعض الخروقات البسيطة في خضم الإنتخابات إلا أن العملية كانت ناجحة بكل المقاييس بشاهدة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود والسفراء الغربيين والمناديب الذين واكبو العملية من بدايتها إلى نهايتها.

وتدل هذه العملية إلى أن العقلية الصومالية بدأت تتعافي وتجاوزت مرحلة الهدم والدمار والإحتراب إلى مرحلة البناء والتنازلات والتشيد والنسيان التام للماضي بكل تفاصيله والإنخراط في العملية السياسية الشاملة والمصالحة الحقيقية ورسم المستقبل الذي يقودنا نحو صومالي أفضل.


كيفية إختيار البرلمان المحلي لجوبالاند
الصراعات السياسية والتجاذبات القبلية الناتجه عن الآلية المتبعة حول البرلمان وتقسيم الأعضاء للقبائل والطريقة المتبعة لإنجاح هذه العملية أخذا وقتا طويلا ومر حالة قاتمة من المد والجزر وكاد أن يصل إلى طريق مسدود، وبعدمؤتمرات مكثفة لأعيان القبائل، ولقآءت شاركت فيه القوى الإقليمية والعالمية والحكومة الصومالية الفيدرالية إلى جانب الحكومة الإقليمية لجوبالاند أتفق الجميع أن تكون طريقة إنتخاب الأعضاء حسب الإقليم والممحافظات، وتتكون جوبالاند من ثلاثة أقاليم، وخصص لكل محافظة أربعة كراسي، ما عدا كسمايو حيث الثقل السياسي والنسبة العالية للكثافة السكانية والقبائل التي تدعي كل واحد منها أنها تسكن المدينة ونالت كسمايو 9 كراسي.

ولا عجب أن تصاحب إختيار أعضاء مجلس النواب المحلي بهذا اللغط إذ خلفت الحروب والصراعات التي طال أمدها شرخا واسعا في البنية المجتمعية للشعب الصومالي، وبددت المخاوف الناتجة للماضي المؤلم نسيجه المتماسك،والبئية الحاضنة للعنف والإقتتال الداخلي خلقت جوا من الكراهية والقلق وعدم الشعور بالأمان، وماتت المصداقية وفقدت الثقة وانهارت القيم التي كانت تقود الشعب بانهيار الحكومة الصومالية.

وأخيرا وبعد شهور من العمل المتواصل أنتُخب أعضاء البرلمان المحلي المكون من 70 عضوا، 60 منهم تم إنتخابهم في حين 10 منهم تم تعيينهم من قبل رئيس حكومة جوبالاند الإقليمية، وتم الشيخ عبدي محمد عبدالرحمن رئيسا لها، وتدل المشاركة الواسعة من الدول  الحكومة المركزية الصومالية بقيادة الرئيس حسن الشيخ محمود والوزراء والدبلوماسيين المرافقين له إضافة إلى الخضور المعتبر  للعالم والدول المجاورة بقيادة الأمين التنفيذي لمنظمة إيغاد محبوب معلم ووزيري الخارجية الكيني والإيثوبي وسفراء الدول الشقيقة والصديقة الأهمية الإقليمية لجوبالاند.


وأخيرا من المنتظر أن يساهم هذا البرلمان المكون من جميع الفسيفساء الصومالي إيجاد حل دائم لمعضلة جوبالاند خاصة والصومال عامة وقيادة السفينة نحو المراسي الآمنة نحو الإستقرار والأمن المنشود.

ميناء غَرَعَدْ.. بارقة أمل في وسط الهزائم

  بعد انتهاء معرض مدينة "جالكعيو" للكتاب الذي كان يهدف إلى نشر السلام والمصالحة الشاملة بين القبائل -قبل تعزيز الثقافة والمعرفة- ف...