الثلاثاء، 19 مايو 2015

مفهوم فلسفة وتاريخ الثورات



الثورة هي تلك الطريقة الشائعة التي يعبر بها الشعوب المقهورة مشاعرهم وتطلعاتهم، وعبرها ينفض الشعب غبار الذل والإستكانة عن نفسه، ويدحر المحتل والمستبد بحراكه وبنضاله وعزيمته الثورية،  وترتبط الثورة غالبا بمدلولاتها الثقافية والسياسية وتأثيرها وتاثّرها لأنظمة الحكم وزخمها الإعلامي وما يرافقها من التغيرات الجذرية التي تحدث لفلسفتها ووقودها الفكري والبشري، كما ترتبط الأساليب المتبعة لتحقيق أهدافها سواء كانت سلمية أو حربية، ومدي تحقيق أهدافها وطموحاتها، وإلي أي مدى وصل صوت الثوار بإختلاف أفكارهم وفلسفتهم وأيديولوجيهاتهم، لذا تتعدد التعريفات بتعدد مآلات الثورة وتنوع أهدافها ونهايتها ومطالبها، وقادتها ومفكريها ومفاهيمها.

وتطلق الثورة لغة: الهيجان والوثوب والظهور والانتشار والقلب ، ورد في لسان العرب (ثار الشيء ثورا وثورا وثورانا وتثور هاج... وثار إليه ثورا وثؤرا وثورانا وثب... وثار الدخان وغيرهما يثور ثورا وثؤورا وثورانا ظهر وسطع ) ويقول الطبري ( ثار يثور وثورانا إذا انتشر في الأفق ) .ويقول تعالى (لا ذلول تثير الأرض)(البقرة:71) (اى لا تقلبها بالحرث القلب الذي يغيرها فيجعل عاليها سافلها)، و(كانوا اشد منهم قوه واثاروا الأرض وعمروها)(الروم:9) (اى قلبوها وبلغوا عمقها) 
.
أما المصطلح اللاتيني  Revolution  فهو تعبير فلكي الأصل شاع إستعماله بعد أن أطلقه العالم  البولندى كوبر تيكوس على الحركة الدائرة المنتظمة للنجوم حول الشمس والتي لا تخضع لسيطرة الإنسان، وبالتالي تضمن المصطلح معنى الحتمية.
أما  الثورة اصطلاحا فقد تعددت تعريفاتها ، يقول  ميرل الثورة هي حركة إجتماعية بها تحل بعنف أسطورة جديدة محل أسطورة قديمة ، ويقول دن الثورة هي تغيير جماهيري سريع وعنيف ، ويقول جورج سوبر بيتي الثورة هي إعادة بناء الدولة ، ويقول  مود الثورة مجرد تغيير في بناء الحكومة ، ويقول شاتوبريان الثورة انقطاع في التاريخ،ويقول بيتي هنتنجتون و نيومان الثورة إبدال القيم...و بالجمع بين ما هو مشترك في هذه التعريفات يمكن تعريف الثورة بأنها التغيير خارج إطار نظام قانوني لا تتوافر فيه امكانيه التغيير، فهي تغيير فجائي وكلى يتم خارج إطار نظام قانوني لا تتوافر له الشرعية ، وهي  بهذا تختلف عن  الإصلاح  الذي هو التغيير  من خلال نظام قانوني تتوافر  فيه امكانيه التغيير ، فهو تغيير تدريجي جزئي سلمى  يتم من خلال نظام قانوني تتوافر له الشرعية(1).

ويمكن تعريف الثورة بأنها فعل شعبي عفوي تلقائي غير منظم يهدف إلى إحداث تغيير جذري شامل في بنية النظام السائد في المجتمع، وتختلف الثورة عن الانقلاب الذي يمكن تعريفه بأنه فعل منظم تنفذه مجموعة منظمة هدفه السيطرة على السلطة من خلال إزاحة الممسكين بها عنها والحلول محلهم في الإمساك بزمامها.(2)

إذا الثورة هي تلك الطريقة العفوية التي تنطلق بصورة تلقائية ودون تخطيط مسبق لتغيير الواقع المؤلم، ولم يخلو عصر من عصور التاريخ ثورات جبارة وموجات تحررية تلهب الضمير وتبث الحماسة في نفوس الثائرين، وفي خضمها رُفعت المبادئ العادلة التي تدعوا إلي الحرية والعدل والإنصاف، ومطالب تندد الظلم والحيف في حياة البشر، ومفاهيم مستنيرة تأبي الجهل والتخلف الذي يعتبر الإبن البار لللإستبداد والإستعمار.

ودائما ماكانت الثوراة تحمل أفكارا يعتبر سر وقودها وتوجهها نحو مآربها وفي إطار مجموع هذه الأفكار تتشكل فلسفة الثورات التي تعني أمرين في غاية الأهمية:
1.         مجموع التصورات والافكار والطروحات التي تتبناها الثورة، والتي تشكل في مجموعها "الرؤية".
2.         النهج الذي تسلكه الثورة للوصول الى أهدافها والذي يتمثل في مجموع الاعمال الثورية، التي تعكس افكار وتوجهات الثورة غالبا (3).

السبت، 9 مايو 2015

مجلس نواب جوبالاند.. آمال عريضة وتحديات كبيرة

مر على المنطقة تقلبات سياسية وعانت من ويلات الحروب المتعاقبة منذ إطاحة الحكومة المركزية الصومالية قبل عقدين ونصف من الزمن، بل كانت من أكثر المناطق الصومالية التي تضررت بالحروب الأهلية والموجات القتالية العنيفة التي إجتاجت الصومال، لما لها من موقع إستراتيجي وثروات طبيعية وبشرية هائلة، جعلتها الخاصرة الرخوة للصومال ومنطقة تقع تحت إهتمام الجميع.

ودائما ما كانت المناطق الواقعة على ضفاف نهر جوبا والأدغال الطبيعية له بؤرة ساخنة للحروب الأهلية، وميدانا مفتوحا للمعارك الصومالية التي لاتنتهي بغالب ولامغلوب، بل تتجدد في كل مرة تحت مسميات جديدة ولاعبين جدد، سواء كانت تحت المسميات القبلية أو الشعارات الحزبية أو اللافتات الدينية،وكلها ساهمت في تخريب البلد وتشريد الشعب ومحاربة مظاهر الحضارة والتمدن والعيش بحياة كريمة والإحترام المتبادل بين المواطنين.

وبعد كل الماساة والألم التي مرت بها منطقة جوبالاند عامة و مدينة كسمايو خاصة تعيش اليوم حالة فريدة في نوعها، وبزغ لها فجر جديد مع ولادة الحكومة الإقليمية لجوبالاند التي رفعت منسوب الأمل وترمومتر السعادة في قلوب المواطنين الذين وجدو ـــ ولأول مرة ـــــ بعد الحكومة المركزية الصومالية المنهارة إدارة محلية تعيش بسلام مع الحكومة الصومالية الفيدرالية ولا تُخيف الدول المجاورة بشعاراتها وتوجهاتها، وتضم جميع القبائل الصومالية القاطنة في جوبالاند، وتحاول ضبط الإيقاع الحياتي وفرض سيطرتها على المنطقة، كما تسعى جاهدة لإعادة الأمن والإستقرار للشعب الصومالي في جوبالاند.

ولم يكن المسار السياسي سهلا أبدا، بل صاحب العملية السياسة مظاهر كثيرة للعنف والعنف المضاد، ومحاولات متتالية لإجهاض الإدارة أوقتلها في المهد، أو إستنزافها في ظل حالة صعبة من الإختناق الأمني والإقتصادي ، ومما يدل على هذا سلسلة الحروب الطاحنةالتي شهدتها كسمايو عام 2013م  بين حكومة جوبالاند وبين بعض القبائل التي كانت ترى أنها تستطيع تغيير الواقع وفرض سيطرتها بقوة السنان لابقوة اللسان، وكان من الممكن تفادي الحروب لو أن الأطراف إتبعت منطق العقل وليس منطق القوة، ومما يزيد الطين بلة وتؤجج الصراعات العبثية في جوبالاند أن المنطقة تضم معظم القبائل الصومالية المتناحرة حتى أطلق عليها البعض أعني جوبالاند أنها متحف القبائل الصومالية أو صومال مصغر.

المسار العسكري كان اليد اليمنى للمسار السياسي المتعثر  في كثير من الأحيان بأسباب تافهة وغير لائقة أو بسبب تصلب المواقف وإنعدام الفكرة الجيدة والرؤية السياسية الواضحة التي تقود إلى حلحلة الوضع وإيجاد نظام تشترك فيه جميع القبائل لبلورته ويضم الأشخاص البارزة في السياسة والدين والقبائل، ولم تفكر الأطراف التي تتلكا دائما عندما يتعلق الأمر بإنهاء الصراع وشروع بناء دولة صومالية قوية تقوم بواجباتها وتبحث كيفية الخروج من عنق الزجاجة، ولم تدرك القيادات التي تغرق في الشبر الأولي من المستنقع الصومالي أن الشعب منهك وملّ من الحروب وسئم عن التشريد والحياة الذليلة في المخيمات ومعسكرات اللجؤ في افريقيا وآسيا واروبا وجميع القارات المأهولة.

وبعد سنوات من النضال السياسي المتواصل إكتملت أركان الحكومة الإقليمية لجوبالاند بمراسيم إفتتاح العرس البرلماني الكبير الحدث الذي يعتبر أنه من أهم الأحداث للساحة الصومالية في العام الجديد، وكما يتوقع الجميع لم تكن الخطوات نحو تكوين البرلمان المحلي سهلا، بل شهد مخاضا عسيرا وسلك دروبا وعرة ومطبات صعبة وتشنجات سياسية وقبلية، وكادت الأفكار المتناقضة والمصالح القبلية المتصادمة والمطامع الدولية المتزايدة أن تعسف بها لولا صلابة الموافق لحكومة الإقليم وجديتها المطلقة لإيجاد مجلس نواب محلي يقوم بدوره القانوني ويمارس صلاحياته الدستورية في ظل نظام صومالي فيدرالي مبني على تقاسم السلطة والثروة بشكل عادل بين الأطراف والمركز، وإعطاء الإدارات المحلية أو المناطق التي تتمتع  بحكم محلي ذات صلاحيات واسعة.

كما لعبت الأطراف الدولية والإقليمية وفي مقدمتها الهيئة الحكومية للتنمية في لشرق افريقيا IGAD دورا حاسما ووساطة مقبولة بين الفرقاء الصوماليين، ورغم أن دوره كان رقابيا فقط في بداية العملية إلا أن بسبب الفرقاء الصومالين وإنعدام الثقة فيما بينهم سرعان ما تحولت الإيغاد إلى طرف مهم جدا يشارك صياغة المواقف وتذليل العقبات وإذابة الثلوج بين القبائل وتقريب الوجهات وتقديم الرؤية والتجارب حول آلية إنتخاب البرلمان المرتقب والطريقة المتبعة وكيفية إختياره.

كما كان المجتمع الدولي يساند في هذه العملية عبر المندوب الخاص للأمم المتحدة في الصومال السفير نيكلاس كي الذي كان يتردد دوما في كسمايو ليشجع المسار السياسي الجديد وإشادة الخطوات الملموسة نحو الإستقرار والدولة، كما كانت المدينة أعني كسمايو قبلة للسفراء الأجانب من الأتراك وبريطانيا وأمريكا ودولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة التي بذلت جهدا ملموسا حول بناء البنية التحتية لكسمايو وباكورة هذا الأعمال سيكون ترميم وإعادة التأهيل لميناء كسمايو التي تعاني من الإهمال وتدني الخدمة بسبب نعرفها جميعا.

ورغم أن البرلمان وطريقة إنتخابه قد أحدث ضجة كبيرة داخليا وخارجيا، وشهدت بعض الخروقات البسيطة في خضم الإنتخابات إلا أن العملية كانت ناجحة بكل المقاييس بشاهدة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود والسفراء الغربيين والمناديب الذين واكبو العملية من بدايتها إلى نهايتها.

وتدل هذه العملية إلى أن العقلية الصومالية بدأت تتعافي وتجاوزت مرحلة الهدم والدمار والإحتراب إلى مرحلة البناء والتنازلات والتشيد والنسيان التام للماضي بكل تفاصيله والإنخراط في العملية السياسية الشاملة والمصالحة الحقيقية ورسم المستقبل الذي يقودنا نحو صومالي أفضل.

الفن، الاستبداد والاشتراكية.. وأشياء أخرى!

  بعد يوم غائم أعقب أسابيع من الحرارة والرطوبة الشديدتين؛ كان الليل الكسماوي صافيا وجميلا. الرذاذ الذي بدأ بالتساقط بعد التاسعة مساء ومجالسة...