الثلاثاء، 17 فبراير 2015

أطلال وطن

أتربع فو تل رفيع مصنوع من الرماد والركام، وبقايا أطلال لوطن يئن ويتوجع حرقة وأسفا.
أتأمل  على صفحة وطن ملئية بالفواجع، والمآسي، والحروب، والمجاعات، والتشرذم.
وطن بلّلته دموع القلوب الحزينة، وضاع في ممرات التأريخ وأزقات الزمن المتداخلة.
وطن جبروت الصراعات جعلت شاشته الناصعة ملطخة بالدموع والدمار والدماء.
وطن أجرس الندم وأناشيد الأحزان تقرع في البيوت والحارات، والأزقات المؤدية إلي الصدع والصدى.
وطن دقات طبول الكراهية تزيد فجوة التبعثر الجغرافي، وتبدد حلم الدولة المرسومة على مخيلة البسطاء.
****
الفن الأصيل والأغاني المترعة بأريج العشق ومرح المحبين وهذيانهم، أصبحت صورة لأزمنة مضت تذرف الدموع لذكرها.
 الحبال الصوتية، والألحان الندية التي تختصر مسافات الجمال وفراسخ الإبداع ،طمرتها رياح التبلد والتقليد الأعمى.
وفقدنا الألعاب الفلكورية، والرقصات الشعبية، ومجالس الشعر والغناء، وتكايا السمار،  والألغاز، والحكم،والأمثال.
***
لم تعد الأعشاب الربيعية ترتعش على هامات الجمال منتشية بندى الصباح أو نسمة ليلية تغازل الريحان.
ولم تعد هديل الحمام تحرك الوجدان، وتغريد القمرية يملء جنبات الوادي في الشروق زقزقة وألحانا.
ولم تعد المياه الصافية تتموج على صفحة النهر،  وهي تطلق خريرها الممزوج بموسيقى الطبيعة في هدأت السحر.
ولم تعد المدن تستقبل الشعب بإبتسامتها المعهودة، بل أصبحت لافتات للأشباح، والموت المطلّ رأسه في كل زاوية وركن.
ولم تعد العشيقة تعزف سيمفونية الحب وهي تصنع من سردها قصة بانورامية تتغنج الأتراب في ذكرها طربا وهيجانا.
****
وإختفت الإبتسامة  علي جبين السمراوات، وطمرت الفاقةالغمازة اليمينية لجارتنا، وتبدلت المحاسن وهزل الجسد.
ومات الحاج على أوسع الحارة ضحكا وأنداهم كفا وأغزرهم علما، ورحل حسن نور قائدنا في الملاعب وخارجه.
وجعلت الفواجع والمآسي المتتالية كحبات المطير الوجوه متاحف خازنة للخوف والهلع، وملامح عاشقة للتشرد والترحال.
جفّ الضرع، وأندثرت المعالم، وتحولت المساحات الخضراء إلي صحراء عتمور، والغابات إلى ميادين للفحم والتلوّث.
***

الأصيل ضنّ بلونه القرمزي الخلاب، والشروق بخل بحلته الحريرية، والسماء أبت أن تجود بدموع المآقي الهتانة.
حكايات الجدات الطاعنات، وفنجوان القهوة عندالمساء تحت ظلال أشجار جميلة هي أطلال موجعة كوجع الإنسان.
***
هنا الأشياء الجميلة كالحب، والحياة ،والسلام، والآمال، يرحلون بسرعة كسرعة الضوء في الفضاء الطلق في الأمسيات.
وتتعذر أوبتهم، لأن تذكرة العودة لم تعد ممكنا في زمن الغدر والتلذذ بتعذيب الضحايا المتساقطين كأوراق الخريف كثرة.
أما رسل الكدر، وحاملي الهمّ،  وقصص الحزاني والإنكسارات المتتالية، لا تبرح مكانها وكأنها عصية على تعرية الزمن.
إنزلقنا في أحضان الجهل والقبلية، وإفترق الخلان، وتلاشت خيوط الحكاية، وسلك المحبون دروب الخوف والهجر.
و على أنغام المجاعات، والقصص الكئيبة للعابرين إلى الضفة الأخرى للحياة إنطلق الحبيب غربا وسارت الحبيبة شرقا.!
وعانى الحب من خريف قاسي يُسقط نضارته ويكثر شحوبه، وشتاء ثمجا يذهب الملامح، ويذبل زهرة العشاق الفواحة.
وذهبت برآءته على وقع الحكايات الرابضة في عتمة المصالح، والأحاديث النائمة في أحضان الكذب، والخيانة، والتدليس.
وما بين الخيانة والتحسس على أعناق النساء، وبين العوز الناتج عن الإنهيار الكلي فَقدَ الحب قدسيته، وألقه، وبرآءته.
وأصبحت قصص الحب العتيقة ولهيب الشوق ولوعة الفراق والوفاء، كلها كلمات إنقرضت عن الوجود كالديناصورات.
***
البيوت عامرة بصخب الأطفال، وصيحات الجائعين، وبكاء الثكالى، ونحيب الجرحي، وأنين الصامتين قهرا وضنكا وألما.
الحرية مفقودة، والحقوق ضائعة، والحق غائب، والعدل مختفي، والحياة بلا معني، والوجود لايحدث الفارق.
وفي قبضة الجميع أحلام هرمت وشاخت، وفي بال الأمة ذكريات أبت أن تتصالح مع الكبت أو أن تمحوها دجى النسيان.
وأحبة سكنوا في الحدقات ومضوا تحت القصف والركام،أو هلكوا تحت التعذيب والمعاناة القابعة في السجون والزنزاناة.
وفلذة الأكباد إبتلعتهم البحار  فأكلتهم القرش والقواقع، أو ماتو في الصقيع بردى، أو مزقتهم الصواريخ وهم يبكون دماً
أوشوّهت الفاقة وجوههم، وجعلتهم هياكل بشرية تتراقص في العراء، بعدما أغتالت الصراعات أحلامهم في رحم الغيب.
أحاديث الشعب في كل مكان، في المقاهي والمفارش والمجالس، وحتي حكايات السمار وكلمات المحبين وثرثرة الأطفال،
أصبحت مترادفات عن الهجرة والمنفى ومباهج الترحال، والفرار من السجن المفتوح، وفي قعر جوف اللهب الحارق،
ولذة الوصول بعد العناء، والإستجمام في الطرقات المؤدية إلى الأوطان، والإشارات الحمراء في المدن، والرفيق المفقود.
لجأ أحمد إلى النرويج، غادر مصطفى إلي بلاد الفرص، وصلت مريم إلى السواحل الإيطالية مع جيدي، وعبدي، وسمتر.
ماتت رقية في الصحراء صامدة، ومازالت روحها تحلق في القرية كنورس يطير عبر هواء مشحونة برائحة الصندل.
لم تجف دموع امها الهتانة منذ الفاجعة، ولا تريد أن تعرف سبب الموت، لأن في نظرها تتعدد الأسباب والموت واحد.!
شعب معدته خاوية يفرش الأرض و ينتظر الفيزا، ويريد الهروب من وطن مرعب وموحش، أو يراقب قوارب الهلاك.
***
وحده الوطن بات شرفة معتمة ترقص في داخلها شبح الموت وأطياف الجوع، وهموم الحزاني، وملئي بعوادى الزمن.
تراب ترفل باللون الشاحب، وعلم لا يرفرف شامخا، وذبذبات عاطفية قوية، وموجات من النزوح وحركات العنف والتمرد.
روؤساء همهم ملء الجيوب ورصيد البنوك، وإجهاض الآماني وتبديد الأحلام، ونهب الخيرات، وكب الملح في جرح الكرامة.
سياسيون يعزفون كل الأوتار الحساسة،ويجيدون السباحة باتجاه التيار السائد، أصحاب المصالح وليس المواقف.

وعلماء تاهو في رمال الساحة المتحرك، يصبون الزيت في لهيب الوطن عبر فتاوى متسرعة تأزم الوضع المازوم أصلا.

ميناء غَرَعَدْ.. بارقة أمل في وسط الهزائم

  بعد انتهاء معرض مدينة "جالكعيو" للكتاب الذي كان يهدف إلى نشر السلام والمصالحة الشاملة بين القبائل -قبل تعزيز الثقافة والمعرفة- ف...