الاثنين، 15 سبتمبر 2014

حوار




العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني مستمر في ظل وجود كيان الاحتلال وإغتصاب الأراضي الفلسطينية, وبتالي ماهو متكرر يتمثل في تنامي سقف بطش الآلة القمعية الإسرائيلية,حيث نرى أخر ملامح عدوانيتها مع حلول شهر يوليو 2014 , والذي شنت فيه قوات الاحتلال الإسرائيلي حربها الدموية المسعورة على قطاع غزة, ولازالت تشن عدوانها على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة, حربها التي استهدفت الانسان والبنية التحثية معا.
وتأتي الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني في غزة في ظل أجواء غير مسؤولة من قبل المجتمع الدولي والذي لم يقم بالإلتزاماته تجاه الشعب الفلسطيني, ناهيك عن المواقف الغير مشرفة للعديد من الأنظمة العربية الحاكمة, والتي لم تقم بأداء دورها كما يجب تجاه الشعب الفلسطيني.
وقد دفع العدوان الإسرائيلي على غزة, موقع من أجل الصومال, إلى تقديم بعض الرؤى الصومالية عن ماهية الصراع الإسرائيلي تجاه غزة, وفي هذا الاتجاه قمنا بالتواصل لإجراء هذا الحوار القصير مع الأستاذ حسن محمود قُرني, لكي يطلعنا على بعض القراءة لملف الصراع العربي-الإسرائيلي.
1- المبررات التي شنت على ضوئها اسرائيل حربها ضد غزة, هل كانت منطقية؟ وما هي وجهة نظرك بصدد ذلك؟
* إسرائيل شنت حربا وإبادة جماعية كان فصلا من فصول عدوانها علي الشعب الفلسطيني ـ صاحب الأرض والتربة ـ الذي بدأت إسرائيل به عام 1948م، والمبررات الصهيونية لعدوانها الغاشم على غزة سواء كانت الصواريخ أو أسر الجنود وخطف المستوطنين هي مبررات كاذبة وذر الرماد للعيون ولا تنطلي على الجنين الذي يرقد في بطن أمه، حتى وإن كانت المزاعم الصهيونية صحيحية لا تتطلب هذا الدمار والبطش الكبير.
وبالتالي هي أسباب واهية ولا يمكن أن تكون منطقية على الإطلاق لكونها تجاوزت الحدود المقبولة والممكنة وأدبيات الحرب، لأنها كانت تستهدف الأطفال والنساء والشيوخ وأماكن العبادة ومقرات الأمم المتحدة التي نزح إليها الفلسطينيون، وحقيقة كان العدوان إرهاب دولة وإنتقام من الفلسطينين الذين بدوا تشكيل حكومة وحدة وطنية، وأستغلت الصهيونية الإنشغال العربي لثوراته وغليانه 
 الداخلي. 

2- كيف تقيم حجم الدعم والتعاطف العربي والدولي مع سكان غزة؟
* الإجابة ستكون على شقين: الشق الأول: هو ما يتعلق بالشعوب العربية المغلوبة على أمرها والجماهير المختطفة إراديا، هذه الشريحة ثارت وتعاطفت مع غزة وعملت مظاهرات حاشدة ومسيرات مؤيدة للقطاع المنكوب وتندد بالعدوان الصهيوني علي الشعب الفلسطيني الأعزل.
أما الشق الأهم وهو الحكومات والمؤسسات الدولية للعرب فكان دعمها مخيبا للآمال، وأصبحت الأنظمة المستبدة وصمة عار على جبين العرب، ومن الغريب أن معظم الدول العربية كانت متساهلة أومتعاطفة أو متعاونة مع الصهيونية، وهنا حدث إنقلاب غريب للقيم والمفاهيم حيث قال رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو أن الحرب خلق واقعا جديدا وكسبنا فيه أصدقاء ولأول مرة في المنطقة العربية، حيث كانت الدول العربية التي كانت رأس الحربة في القضية الفلسطينية مالت إلى المعسكر الإسرائيلي في هذه الحرب، متعللة بأن الصواريخ عبثية ولا تفرض واقعا جديدا ومتمنية أن تمنى حماس بخسائر كبيرة ولكن كانت أمنيات وسراب لا تصمد أمام الواقع وأمام المقاومة الشرسة.

الثلاثاء، 2 سبتمبر 2014

موسم العودة إلي الجنوب (2-3)

هبطت الطائرة علي مدرج مطار آدم عبدالله الدولي الذي يقع في شدق المحيط الهندي، وما إن نزلنا عن الطائرة حتي انتعشتنا الهواء التي تهب من البحر محملة برذاذ المياه المتناثرة لحظة إرتطام الأمواج علي جدار الصخور الصماء المحيطة بها، دخلت المدينة أوعمق مقديشو النابض بالحياة رغم الأيام المظلمة كالليالي التي إغتالت القيم الباسمة والوجه المشرق لحمر، والتشويه المقصود لمعالمها بسبب الصراعات العبثية والحروب التي لم يستطع طرف أن يتغلب علي خصمه لا بقوة السنان ولا بحجة اللسان  ولا بمنطق القبلية العاجز عن النجاحات.

مقديشو مازالت تاج الصومال الجميل وسرة المدن الصومالية رغم أنها تزرح تحت جور الأحفاد وظلم الأولاد ودمار كبير طال كل المرافق ومعالمها التاريخية وآثارها العمرانية، ورغم الركام الهائل والإنهيار الذي أصاب المدينة إلا أنها وكعادتها دائما ما تبتسم لوجوه محبيها وبطريقتها الخاصة، وفي طيلة تواجدي في المدينة كنت ضيفا علي جمالها الروحي الذي دب في وجداني الأنس والسرور كدبيب الندى في الورود، وبين شغفي لها واحتفائها بي إلتقى الحب مع العرفان وتعانق العشق والوفاء، ورسما لوحة جميلة من التعلق الذي يتولد بين المحبين أو الآثمين بالهوى التائهين في أزقات الحياة ودروب الحكايات المترعة بشأبيب العشق  المتدفقة.

قد لا تعجبك المدينة بكثرة مرافقها الحيوية وتعدد خياراتها السياحية وأمنها المنضبط، ولكنها بالتأكيد تسحرك بجمالها الطبيعي وهوائها البليل والأمطار التي تأتي فجأة  ودون أن ترمش الشمس أعينها، ومروجها التي تغرد الطيور ويشدو الحمامعلي أغصانها ، وتلالها الواسعة التي تحتضن الخمائل، وروابيها التي تداعب الجداول .

وبما أن الزائر إلي مقديشو تعتبر زيارته ناقصة مالم يخلد ذكراه في الساحل الذهبي للصومال ذهبت إلي منتجع ليدوLIIDO السياحي الذي يعد أرقي وأجمل شاطئ في الصومال منتهزا وداعة الليل وخيمت اللقاء التي جتمعتني مع الأحبة، ورغم تأخر الزمن وخطورة الموقف كنت مضطرا لزيارة الشاطئ الذي ملئت حكايته الجميلة أسماعنا علي طول السنة، وعندما كنت أحتسي كأس الغربة وأدلف فيها كدلف الضوء علي التلال.
عتمة الليل وضعف الإنارة أخفيا عنا كثيرا جمال البحر وزرقة المياه والأجواء المترعة بالبهجة والحبور والتأمل في الأمواج الهادرة، خاصة وأنها هي المرة الأولي التي أشاهد المحيط وروائحته الزكية مثل هذا الوقت وأنا ألهو وألعب مع أصدقاء الطفولة وزملاء المدرسة وميادين الحداثة وملاعب الطفولة، والأحاديث عن الأحباب أسمار.

وتحت قبة الليل المقدشاوي المميز صعدنا علي ذرى الذكريات والأيام الخالدة وتصفحنا أروقة الماضي وعقول الرجال، وتجاذبنا أطراف الحديث الممتع والمتشعب الذي يدخلنا تارة في السياسة ومرة في الرياضة ومرة في المرأة والسمراء الصومالية، وهل ينتهي الحديث وأنت في صحبة محمد مصطفي مستودع الحكاوي ومخزن الوداد والصفاء؟ ومن كنا نردد زمن المنافي:

                    إذا مرضنا تداوينا بذكراكم *** ونترك الذكرى أحيانا فننتكس.

الاثنين، 1 سبتمبر 2014

الرحيل نحو المجهول 5

رجعت إلي بيتي منشرح الصدر واثق الخطى عالي المزاج، أمتلك آمالا مشفوعة بنصف الحقيقة، ونظرتُ المستقبل من خلال نوافذ الحياة فبدا وكأنه أوراق مبدعة تحت الأضواء، أو نهرا يغذي حدائق قلبي وماء يحيي الأحلام بعد موتها، فاتكأت منارات الذاكرة وتأكدت أن ليل البؤس والشقاء قد ولّي وبغير رجعة، وأن هدية الزمن قد دقّت بابي هذه المرة بقوة و بطرق غير تقليدية، وبما أن شعوري كان لايوصف وأحتاج إلي رفيق أو خليل لم أحظي بوجوده بعد إخترت مكانا جميلا وخاليا عن المكدرات كأزقة البراءة أبث شكواي الأخير فيه وأنسى بداخله الهموم والغموم.

إخترت حديقة كبيرة تشبه ناديا ثقافيا لكثرة مايتردد في رحابها المثقفون والأدباء والكتاب وأهل الفن والرأي، وكأنها ملهمة لأصحاب الفكرة والقلم، فجمالها مبهر أخاذ كالديباج الخسرواني، وأجواؤها خلاب لا يسأمها جليس ولا يملها أنيس بل يجد كل شخص مبتغاه، وبعد وصولي إلي الحديقة التي عزمت أن أدفن فيها إلي الأبد طوفان الأحزان هالني أكاليل الزهور الحمراء وفراشة السواقي التي تزهو في المروج وقد تحررت  عن نكد الحياة وضيق الإنسان، وفي باحتها فاحت رائحة الورود وعبق الشذا وكأنها كرنفال للطبيعة التي يغفوا فيها الجمال وتشع فيها ضفائر مصابيح الضوء ليرتجف الظلام ويحلق النورس في السماء مع وجود أعشاب صارخة الألوان ترتعش وكأنها مزيجا من السخرية والدعابة تسكب الحياة في الطبيعة الأخّاذة.

بحثت زاوية بعيدة عن أعين المارة ولسان الفضوليين، وركنا هادئا لا أتذكر فيه سجل حياتي الماضية الحافلة بالإنكسارات، ولا أشعر فيه الأحزان الصامتة وصوت قطار الزمان العابر إلي الضفة الأخرى للذاكرة، بل يجب أن يكون ركنا مفعما بالروعة والحياة كالسينما المتجولة التي تحرك كوامن الروح وعطر الذكريات النقية، ولا أجد فيه إلا التعامل مع لحظة المناجاة والخواطر الظريفة للحظاة العظيمة في حياتنا، ولا ينقطع فوق كرسيها الخشبي أحلامي الوردية ولا خيالي الخصب، حيث أسبح في فضاء التحيلات البديعة أحلق في ترجيح الأفكار وتنافس الأراء.

وجدت ناحية خالية من البشر سوى زقزقة العصافير وحفيف الأوراق التي تتساقط وهي تبكي وتئن من أجل الفراق، وصوت نشاز لخرير الماء، كانت تشبه رابية تنظر إليّ بشموخ وخيلاء كأنها تتحرش بي وتحثني علي المصاحبة ولو بمنطق الطبيعة الجامد، جلست فوق الكرسي الحشبي فأحسست بفرجة الفرح بعد الضيق، وتذكرت تلك السنوات الضائعات من عمري وامتداد سنوات العناء والنضال، وفي لحظة رفض الزهج والضيق الواضح أن يبرحا من جبيني بسبب طول الفكر، نظرت إلي جنبي فرأيت فتاة كطلعة البدر أوكغرة الربيع لجمالها وبهائها تمرح في عمق البهجة والسعادة أو كهذا أردت أن تكون!.

كانت تركض كالسواقي في الحقول المزهرة وتتنقل علي أحضان الزهور والأشجار الباسقات كالعذارى، وتلعب مع الفراشات مصغية إلي أناشيد يفيض بالإحساس والمشاعر الصادقة، وكأنها في صدد بطولة مطلقة أو كرنفال بهيج يذكي النفس جذوة العشق ويهطل غمائم الحب.

تعبتْ فجلست فوق الأعشاب المزهرة وهي تترنم وتغني ومنهمكة لكتابة شئ كان غامضا عني، في حين يداعب النسيم العليل خصلات شعرها الغجري، أردتُ أن أكسر السكينة العذبة والصمت العميق الذي خيّم علي مشاعري ولكن كانت الفاظي مرتعشة كما المشاعر المرتبكة أمام منصة الإعجاب الواضح، فرمقتني بنظرة رمادية تحمل ألف عتاب ومليون الحكايات مما ضعف حرارة الإستمرار، كان شعرها يتوهج كشرائح الرقيقة الفاحمة، وفي هذه اللحظة وحين بدأ النسيم يعبث خصلات شعرها لتبعث أصواتا سيمفوينية تلهب الحشىا وترسم في وجهها الجميل بسمة ماكرة وربما هالة لم أر روعتها بعد، كأنها لوحة ليوناردو دافنشي "الموناليزا" بدأ قلبي يعزف لحنا بلا وتر وتركتني ألاعب أحلامي في وسط إيقاعات الإعجاب الصاخبة والملوثة أحيانا.
كنت أسير الدهشة الممزوجة بالشوق والحنين وأنا أصغي حفيف خصلاتها كأغنية عميقة تصدح من الأوبرا الناعسة علي ضفاف الفن والجمال. إنطلقت من عيوني  شعورا يفيض بالحب وشذا الألحان كنهر شبيللي الخالد، ونظرات غير مركزة تحمل عظمة الوصال وتباريح الحب، ومن فمي بحر من الإبتسامات تخترق الرموش والجفون، وشكل غنج الفتاة وتبخترها معينا للسعادة لا ينضب ومصدرا لحبوري وإلهامي لساعات كنت أتجول بين رائحة الزهور ومسحة الحب الآسر، لأنها كانت كالكتب المفتوحة أقرؤها علي عجل وأستقي منها الحس الشاعري كالأنغام الشرقية.

الفن، الاستبداد والاشتراكية.. وأشياء أخرى!

  بعد يوم غائم أعقب أسابيع من الحرارة والرطوبة الشديدتين؛ كان الليل الكسماوي صافيا وجميلا. الرذاذ الذي بدأ بالتساقط بعد التاسعة مساء ومجالسة...