الأحد، 29 يونيو 2014

26 يونيو

هناهرجيسا درّة الشمال ورمانة الصومال وموئل العزة والأصالة العريقة.
المكان:حديقة الحرية في وسط مدينة هرجيسا
الزمن: منتصف الليل في يوم 26.6.1960 للميلاد.
المناسبة: الإستقلال المجيد وإستنشاق نسائم الحرية وعبق التحرر وأريج الوطنية يوم هبت نسائمها من جنوب وشمأل.

الوصف العام: حالة عارمة من الفرحة والجذل، الوجوه مستبشرة والثغور باسمة، وازدان الأطفال بالبرآة الجميلة وباكاليل الزهور والسحنة الصومالية السمراء، سطور الفخر واضحة علي محيا الشيوخ وعلي جبين الفتيات وقسمات المواطنين بلا تكلف ولاتمثيل ولانفاق وبدون مكياج سياسي مزيف وأقنعة مستعارة تتلون حسب المصلحة والمناسبة والموضة السائدة.

يصادف اليوم ذكرى الرابع بعد الخمسين من إستقلال الصومال أوبالأحري الجزأ الشمالي من الصومال، والأمة منهكة ومقسمة، والوطن مجروح ومنهك، والتربة تعاني الإنفصال والتشقق، والعلم يشكو ويئن، ولايعني سوي قطعة قماش لامعني لها، يرفرف بالحياء في ردهات بعض المباني المهترئة، وفي بهو بضع مؤسسات أكل الدهر علي نضارتها وشرب، لايجد يد حانية ولاقلوبا رحيمة ولا ضميرا حيا، ولاحناجرا وطنية تردد لحن البقاء في الصباح وحين تشرق الشمس معلنة بيوم جديد لايحدث الفارق بالنسبة للعلم.

ورغم دموية الوضع وقتامة الواقع إلا أن علمنا المزركش بالنجمة الخماسية البيضاء التي تعني السلام والوئام لم يفقد الثقة التي يجملها لأمل ويزيد بهجتها الجمال الأزلي لشكله، والضوء الوهاج المنبعث في نهاية النفق المظلم، والأماني الأرجوانية التي تتراقص أمام الجميع، والأحلام الجميلة التي تداعب شرائح الشعب ومختلف أطياف الأمة.
26 يونيو يوم تاريخي بكل المقاييس وما تحمله الكلمة من معني، يوم غير مجرى الحياة للأمة الصومالية، يوم حمل عبق الحرية لشمال الوطن وأريج الأمل للجنوب...يوم شعر كل صومالي ألوانا من الفرحة وطفح السرور عليه حتي أبكته الفرحة، يوم أشرقت شمس الحرية من ذاك الجزأ العزيز والرائد في كل شئ، يوم لايمكن نسيانه رغم الجروح والمحن والحروب والسياسة الهوجاء التي مزقت الوطن وجزأت المجزأ.

يوم ليس ككل الأيام!، وقعه مميز وذكرياته حية شجية، والصوت المصاحب لإسمه جذاب ونبرات حروفه تعزف ألحانا الحرية والجمال، يوم أصبحت ساعاته تاريخية بامتياز، ودقائقه المترعة بالأشعار والأغاني والزغردات أثلجت الصدور وأسحرت العيون وأذهلت الجمهور وألهمت الأدباء والشعراء وأعزف الفنانون فيه ترنيمة الحياة وسيمفونية الوجود.
التصفيق ألهب الأكفة، وبحت الحناجر من أجل الهتافات المشحونة بالوطنية والنخوة الصومالية، وسالت الدموع الوفية وعمت القشعريرة جميع البدن لحظة إنزال علم المحتل مطأطا الرأس كالح الوجه حزينا كئيبا عن سماء الوطن وفوق هامة هرجيسا الأنيقة.

أريج الحرية ونجوم هرجيسا الساطعة ألهمت المواطنين فبدأت الأشعار تلقي والأناشيد تتلي والأغاني تنساب عن قريحة الأفراد، وردد الحضور بعفوية "ليرحل المحتل عن وطن حبه سكن في حدقات عيوننا وليطوي علمه إلي الأبد"!وترنم الفنانون معزوفة الوطنية وألأبيات الخالدة التي تذكر كل صومالي حر لجظات الهناء حيث قال شاعر الحرية عبدالله سلطان تمعدي: "انزل علم المحتل وارفع علم الصومال خفاقا".

النشيد الوطني الصومالي أبكا الجمهور، وعم النشيج المبحوح لحظة صعود علم الصومال إلي المعالي شامخا الرأس ثابتا الخطى يرفرف وسط الجموع بعز وبهاء، ويضاهي السماء بزرقتها الصافية ويتفوق عليها بالسلام وبياض القلب، وتفوق جماله وتناسقه البديع وألوانه السحرية المستوحاة من التراث الصومالي العريق ومن زرقة السماء الصافية علم المحتل.

ازداد الجمهور وهزة نشوة النصر ولذة الحرية ونبض الحياة علي المواطنين الذين أنتظروا بفارغ الصبر حين تدق عقارب الساعة ب 12:00 صباحا وتشير الساعة منتصف الليل لتحيي علمها الوهاج، وتقطع العهود الوفية لحمايته من المحتل أن يعيد عهد الإستبداد والعنجهية، ومن الغريب أن يستولي عليه ويدوس كرامته، ومن الطائش أن يهين.

ذهبت الأجيال الذهبية للأمة الصومالية ورحل الآباء العظام عن البسيطة وتركوا للوطن أبناء جاحدين وأحفادا حاقدين، ولم يبق للوطن سوى بعض الشعور والأنفة الصومالية الجريحة، ورغم أني من بين من أنتقدهم إلا أني وفي منتصف الليل أقوم وأحيي العلم وأردد نشيد الوطن المفعمة بالأمل المتسمة بالقوة والملئية بالجمال والعاطفة كماء ينساب من رخام حريري في وسط حديقة غناء يزدانها ضوءماسي أخاذ.

قطعا لاأشارك صخب الحفلات ولا أحن إلي ضجيج الموسيقى وضجة الندوات، بل سأقبل قطعة القماش الزرقاء المزركشة بنجمة الخماسية التي تشير إلي جسد مكتمل لم يكتب له أن يعيش معافا سويا،  سأحيي العلم كجند متقاعد في آخر يوم من الخدمة العسكرية أوكرائد باسل مجندل فوق ساحات الوغي يأبي للعلم أن يذل أويهون! وعندها أخلد إلي الكرة غير آبه بنفاقات القوم وهدير الرصاص إحتفاء بالنصر والخطب الكلاسيكية الرنانة في القاعات الفاخرة لأن نداء القوم في العلن ليس ندائهم في السر ووراء الكواليس!

كل سنة ووطني بخير، كل سنة وأمتي من أقصي الشرق الجميل إلي أبعد نقطة في الغرب الأصيل ومن الشمال الشامخ إلي الجنوب الوفي بخير وصحة وسلامة.

الأحد، 1 يونيو 2014

الحلم الضايع3

وعندما رست سفينة العمر علي شاطئ العقد الثالث من عمري كان الوطن منهارا تماما، والشعب تفرق إلي أيدي سبأ،وأدركت أن النسيج الإجتماعي مفكك والفسيفساء المتجانس تآكل وكاد أن ينتهي، والقبائل التي تشكل لوحة زيتية رئعة بل أروع من لوحة موناليزا متناحرة، وأن سرطان المقاطعات قد إجتاح في أوصال جغرافية الوطن، وعندما سبرت غور المجتمع عرفت علي أشياء لم أكن أدريها، الإنسان يترنح تحت عبأ الحروب والصراعات العبثية والفقر المدقع، و الوطن يتلوّي في جوف اللهب، والجموع حائرة، والقوي يقتل الضعيف، والوضيع يملك زمام المبادرة، والوطني مكبّل في الزويا البعيدة والزنزانات الضيقة أو يموت علي الأرصفة الباردة، وأصبح التزويروالنهب والقتل والإغتصاب روتينيا عشنا في خضمه دون وعي وتذكر واللامبالاة قاتلة.

كبرتُ ومعي كبر هذا الوضع المأساوي الذي تمر عليه الأمة، والشخص العنيد الذي كان في داخلي يراقب الوضع عن كثب، وينظر الوقائع بعيون مختلفة وذوق خاص، كرهت النفاق المنتشر في كل مكان والمحسوبية الطافحة حتي أصبحت شعار المرحلة، وأمقتُ الخوف والتبلد الذهني والإدراكي الذي يوجّه المجتمع ويقود الأمة نحو الوصولية البغيضة التي تعني أن الجميع يعمهون في غيّهم ويتقلبون في عالم الفساد والإنحطاط.

في هذا الوضع الحرج وعلي وقع أنغام التحرك لم يجد وسيلة يظهر عن حزنه ومأساته سوى البكاء بعصبية نادرة، ورفع صوته الشروخ الذي لا يصل صداه بين دفّتي البيت، كان متوترا لحظة خروج سعيد من الغرفة الضيقة إلي الممر الرئيس للبيت، شعر أن سمتر يصارع مع السفر، والرحيل وبدون علم والدته يعني له مغامرة غير مضمونة العواقب، ربّت علي كتفه بطريقة موحية فقال: الهجرة والغربة أليمان ولكن الغربة في داخل الوطن والهجرات الداخلية والتشريد الجماعي والقتل المتعمد وتجفيف مناعب الخيرات ومنطق القوة الزائد في الوسط أكثر ألما ويجعل سفرنا نحو المجهول قرارا صائبا وبدون خوف أوجل يا صديقي.

تحرك الموكب المتجه إلي الجنة المفقودة ـ حسب خيالهم الوهمي وهلوستهم ـ الساعة الثانية
ونصف صباحا وفي جنح الظلام  وكنف السواد الذي يغطي كل شئ في عالمنا، تحركت القافلة ومعها تحرك سمتر وهو متدثر بحلمه الجميل: الهجرة إلي أرض الأحلام... إلي أوروبا... إلي الحياة الرغيدة التي تليق بالإنسان ويحقق فيها أحلامه بيسر وسهولة.

الفن، الاستبداد والاشتراكية.. وأشياء أخرى!

  بعد يوم غائم أعقب أسابيع من الحرارة والرطوبة الشديدتين؛ كان الليل الكسماوي صافيا وجميلا. الرذاذ الذي بدأ بالتساقط بعد التاسعة مساء ومجالسة...